Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستنجح أميركا في منافسة الصين على النفوذ في أفريقيا؟

تحديات كثيرة تواجه بلينكن لكن الولايات المتحدة لديها الإمكانات لاستغلال الفرص

خطوة بلينكن الأولى في القرن الأفريقي لم تبدأ بداية رائعة من حيث منافسة الصين على النفوذ في أفريقيا جنوب الصحراء (رويترز)

مع تضاؤل الحرب على الإرهاب، تحولت أولوية السياسة الخارجية الأميركية إلى منافسة القوى العظمى، في تجديد واضح لفكرة الحرب الباردة التي تعتبر أن الصين، وبدرجة أقل روسيا، تشكلان أكبر التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة دولياً، وأصبح الهدف النهائي هو التغلب على الخصمين أو إحباط جهودهما، ومن هذا المنطلق تُرسخ زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الحالية لأفريقيا هذا التنافس الاستراتيجي سعياً إلى كسب أرضية أوسع في مواجهة تمدد النفوذ الصيني، لكن زيارة بلينكن كشفت عن تحديات سياسية واقتصادية عديدة وتساؤلات حول مدى النجاح الذي يمكن أن تحققه الجهود الأميركية في أفريقيا.

بداية عسيرة

في وقت يحاول بلينكن خلال خطاب يلقيه، اليوم الجمعة، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) في نيجيريا، تحديد رؤية مختلفة لإدارة الرئيس جو بايدن عن تلك التي اتسمت بها إدارة دونالد ترمب من لا مبالاة وازدراء تجاه القارة السمراء، إلا أن خطوته الأولى في القرن الأفريقي لم تبدأ بداية رائعة من حيث منافسة الصين على النفوذ في أفريقيا جنوب الصحراء، على الرغم من أن الزيارة برمتها كانت بمثابة بادرة كبيرة تعكس الدعم الأميركي للقارة، فقد أظهر يومه الأول حدود النفوذ الأميركي في منطقة تمر باضطراب عميق، إذ أطلقت قوات الأمن السودانية النار على 15 من المحتجين في أعنف موجة من موجات العنف بينما كان بلينكن يلتقي بمسؤولين في كينيا.

وفي الوقت نفسه، استمر اندلاع الحرب الأهلية في إثيوبيا، ولم يلتفت رئيس الوزراء المحاصر آبي أحمد، الذي كان في يوم من الأيام مقرباً من الغرب، لنداءات بلينكن بوقف القتال والبدء فوراً في مفاوضات سلمية ما أثار شكوكاً جديدة حول قوى الإقناع التي تتمتع بها واشنطن الآن في منطقة مضطربة يهددها تمزق ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان.

ويبدو أن الأحداث في كل من إثيوبيا والسودان لم تكن فقط تتحدى تحذيرات بلينكن، بل كانت هناك اضطرابات أخرى في أوغندا المجاورة، حيث كان سكان العاصمة كمبالا يعانون من تفجيرات انتحارية أدت إلى مقتل أربعة في هجمات شنها متشددون من جماعة تدعي أنها تابعة لتنظيم "داعش".

عودة متأرجحة

ولأن إدارة بايدن تريد أن تقدم رسالة واضحة لأفريقيا مثل بقية دول العالم تقول إن أميركا عادت بينما تركيزها ينصب على منافسة الصين، فإن سمة سياسة بايدن الخارجية المتمثلة في الدفاع عن الديمقراطية، ربما كانت أحد العوائق في منطقة تموج باضطرابات، إذ لم يقتصر الدور الأميركي على توقيع عقوبات على السودان وإثيوبيا، بل امتد إلى تحذير النظام السياسي في كينيا من التراجع عن الديمقراطية بعدما قالت جماعات حقوق الإنسان إنه أظهر ميولاً استبدادية في السنوات الأخيرة. 

وبينما تهدف رحلة بلينكن إلى إبراز صورة واشنطن كلاعب أساس في المبادرات الإقليمية والدولية لاستعادة السلام وتعزيز الديمقراطية في الوقت الذي تنافس فيه الصين، إلا أنه كان من الصعب تسويق ذلك على الرغم من المساهمات الأميركية الهائلة بالمال وملايين اللقاحات لمكافحة جائحة فيروس كورونا وغيره من الأمراض المعدية، والزيارات العديدة التي قام بها مسؤولون أميركيون طوال العام بمن فيهم سامانثا باور، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وجيفري فيلتمان مبعوث بايدن الخاص للقرن الأفريقي، والتي لم تُحرز تقدماً يُذكر.

وفي حين يلقي بعض النقاد باللوم على إدارة بايدن في رد فعلها البطيء للغاية على الأزمات المختلفة في شرق أفريقيا، وعلى وجه الخصوص عدم اتخاذ إجراءات حازمة ضد رئيس وزراء إثيوبيا، فإن تركيز بلينكن الأكبر ينصب على مواجهة نفوذ الصين هناك والذي يعد مصدر قلق متزايد للمسؤولين الأميركيين.

التحدي الصيني

أبرز الأدلة على المنافسة الصعبة التي تواجهها الإدارة الأميركية في أفريقيا كشفته تصريحات بلينكن في نيجيريا التي تعد أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان، فقد عقد مقارنة بين الدعم الأميركي والدعم الصيني بالتأكيد على أن مشاركة واشنطن في البنية التحتية في أفريقيا تهدف إلى تحسين مستوى البنية التحتية من دون أن تثقل كاهل الدول أعباء الديون، في إشارة واضحة إلى بكين، التي ألمح أنها تترك الدول غارقة في ديون هائلة لا يمكنها سدادها، مضيفاً أنه ينبغي أيضاً تطبيق حقوق العمال وحماية البيئة والضمانات ضد الفساد.

لكن في حين وقع بلينكن على برنامج مساعدة إنمائية بقيمة 2.17 مليار دولار مع نظيره النيجيري، وقال إن واشنطن ستواصل الاستثمار في الأمن داخل نيجيريا، وإن الدول المتقدمة في مجموعة "السبع" ستستثمر في أفريقيا كجزء مما يسمى ببرنامج بناء عالم أفضل، إلا أن ذلك لم يمنع المسؤولين النيجيريين من الإشادة بالاستثمارات الصينية وبأن نيجيريا بحاجة لها لمعالجة عجز حاد في البنية التحتية، وأن الدين الصيني الذي بلغ 3.1 مليار دولار يمكن تحمله.

السباق على أفريقيا

وحتى على مستوى التجارة، قطعت الصين شوطاً طويلاً متقدمة على كل الدول الغربية التي كانت أفريقيا مستعمرة لكثير منها، فقد ظلت الصين أكبر شريك تجاري لهذه القارة على مدى 12 عاماً متتالية حتى نهاية عام 2020، على الرغم من الرياح المعاكسة لوباء "كوفيد-19"، ويوم الأربعاء الماضي، أعلنت الصين أن تجارتها مع أفريقيا ارتفعت بنسبة 38.2 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 185.2 مليار دولار أميركي في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) 2021، لتصل إلى أعلى مستوى في التاريخ للفترة نفسها.

كما بلغت استثمارات الصين المباشرة في أفريقيا 2.59 مليار دولار أميركي في الفترة نفسها، ووقعت الشركات الصينية عقوداً جديدة في القارة بقيمة 53.5 مليار دولار أميركي في هذه الفترة وفقاً للمصدر نفسه، ما يؤكد أن الصين ماضية في ضخ المليارات في مشاريع الطاقة والبنية التحتية وغيرها من المشاريع، الأمر الذي يعقد مهمة واشنطن التي ترى هذه الاستثمارات عمليات نصب مُصممة للاستفادة من الدول النامية.

وتشير الأرقام الرسمية الأميركية إلى أن التجارة مع أفريقيا لا تعادل سدس حجم التجارة الصينية، حيث سجلت التجارة المتبادلة 27.5 مليار دولار من يناير إلى سبتمبر 2021 بعدما سجلت عام 2020 نحو 45.6 مليار دولار.

أهمية القارة

ولا يأتي السباق نحو أفريقيا من فراغ، فهي بحسب التقديرات الرسمية الأميركية، تعد موطناً لبعض الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم، وتلعب دوراً متزايد الأهمية على الساحة العالمية، ومن المتوقع أن تتضاعف الطبقة المتوسطة سريعة النمو في القارة ثلاث مرات بحلول عام 2030 ما سيجعل للقارة قدرة شرائية أكبر من أي وقت مضى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلاوة على ذلك، فإن معظم السكان في القارة من الشباب، ويزداد عددهم وانتقالهم إلى المناطق الحضرية، كما يتزايد الدخل الأسري في جميع أنحاء القارة، وبحلول عام 2030، سينمو عدد سكان أفريقيا إلى ما يقرب من 1.7 مليار نسمة، وستكون القارة موطناً لخمس سكان العالم.  ولهذا تعد مكاناً تتجلى فيه الفرص بشكل واضح بالنسبة إلى الولايات المتحدة من حيث أن أميركا لديها مصالح اقتصادية وجيوسياسية وعسكرية كبيرة، فضلاً عن المزايا التنافسية الكبيرة.

الرهان الأميركي

وفقاً للسفير تشارلز ستيث، الذي كان مبعوثاً خاصاً للرئيس بيل كلينتون بين عامي 1998 و2000، فإن الاهتمام الأميركي في المرحلة الحالية ينبغي أن ينصب أكثر على 16 دولة في أفريقيا، يبلغ عدد سكانها مجتمعة ما يقرب من مليار شخص، ولديها اقتصادات السوق الحرة وانتخابات حرة وهي الرأس الأخضر، وغانا، وليبيريا، والسنغال، ومالي، ونيجيريا، وناميبيا، وجنوب أفريقيا، وبوتسوانا، وبنين، وملاوي، وموزمبيق، وزامبيا، وموريشيوس، وكينيا، وتنزانيا، وتمثل هذه الدول سوقاً رائعة وتنمو مدنها مثل دار السلام وجوهانسبرغ وداكار بمعدل هائل يتطلب المزيد من رأس المال.

ولأن أفريقيا تحتاج استثمارات تصل إلى 80 مليار دولار في المستقبل المنظور، فإن مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية الجديدة تعتبر بداية جيدة بميزانيتها البالغة 58.5 مليار دولار سنوياً، ويمكن لإدارة بايدن والكونغرس إنفاق المزيد مع الدول الأخرى بما في ذلك الصين واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا التي تكثف جهودها لتلبية الطلب الأفريقي.

ومع استمرار نمو اقتصادات أفريقيا والطبقة الوسطى، ستكون هناك سوق هائلة للسلع الاستهلاكية الأميركية حيث من المتوقع أن يصل إنفاق المستهلكين والأعمال في أفريقيا إلى 6.6 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 4 تريليونات دولار في عام 2015.

وتعد أفريقيا أكثر من مجرد سوق استهلاكية محتملة للولايات المتحدة، فبعد نضج قطاع التصنيع الصيني وتزايد تكاليفه، أصبحت ثاني أفضل مكان لتلبية احتياجات سلاسل التوريد لقطاع التصنيع، بخاصة أن لديها ثروة من الشباب ذوي الدخول المحدودة، ما يجعلهم قوة عاملة متاحة وراغبة.

مصالح مشتركة

وعلى الرغم من هذه الفرص المتاحة، إلا أن الولايات المتحدة لم تكمل طريقها الذي بدأته قبل 20 عاماً نحو أفريقيا، ففي أعقاب أحداث 11 سبتمبر عام 2001، أنشأت إدارة جورج دبليو بوش كيانين مكّنا أميركا من رفع مستوى دورها في القارة الأفريقية، هما مؤسسة تحدي الألفية والقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا المعروفة باسم "أفريكوم"، فقد أنشئت مؤسسة تحدي الألفية لتعزيز التنمية في الديمقراطيات حول العالم، وكان الهدف هو مساعدة الديمقراطيات الشابة على تقديم عائد إنمائي من شأنه أن يساهم في الاستقرار والتقدم ويخفف من احتمال أن تصبح هذه الأماكن أرضاً خصبة للإرهابيين، وفي بداية مؤسسة تحدي الألفية، هيمنت البلدان الأفريقية على قائمة المتلقين الأوليين للمنح التي قدمتها مؤسسة تحدي الألفية، وكان إنشاء "أفريكوم" اعترافاً إضافياً بأن أميركا وأفريقيا لديهما مصالح جيوسياسية وعسكرية متبادلة تتطلب تعاوناً أكبر، لكن أميركا تحتاج الآن أن تسبق الآخرين في تقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية لمنع أفريقيا من أن تصبح ملاذاً أو حاضنة للجيل القادم من الإرهابيين الذين يتزايدون في هذه القارة جنوب الصحراء وفي بلدان الساحل.

وقف التراخي

ويتساءل كثيرون من الباحثين والدبلوماسيين السابقين في الولايات المتحدة عن سبب تقدم الصين على الولايات المتحدة في أفريقيا على الرغم من الإمكانات الموجودة لدى أميركا، بخاصة أن الشركات الأميركية لم تنتهز الفرص التي أتاحها قانون النمو والفرص المعروف باسم "آغوا" منذ عهد بيل كلينتون والذي يمنح الأفضلية التجارية للسلع والبضائع الآتية من أفريقيا حيث كانت كل إدارة رئاسية أميركية تمدد القانون من دون تقديم حوافز أخرى أو دفع للشركات الأميركية للاستفادة من هذه الميزة، ونتيجة لذلك، حلت الصين محل الولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأول لأفريقيا.

ويقول هيرمان كوهين، وهو دبلوماسي سابق في مقال نشر في موقع الكلية الأميركية لقادة الأمن القومي إنه من الخطأ أن يكون الهدف منافسة الصين بينما تقدم المساعدات التنموية والتمويل وتنشيط التجارة مع أفريقيا لأن الصين لا ترتكب هذه الأخطاء، فهي عندما تموّل وتبني خط سكة حديد بمليارات الدولارات في كينيا، فإن الاعتبار الأساسي لها ليس كيف يؤدي ذلك إلى تآكل النفوذ الأميركي، وإنما تحقيق مكاسب للطرفين على الرغم من أن المشاريع الصينية والروسية في أفريقيا بشكل عام، تعد صفقات سيئة للأفارقة، على حد قوله.

فمعظم مشاريع الطاقة في الصين في مجال الفحم والغاز، وتدمر مشاريع قطع الأشجار الصينية الغابات المطيرة في حوض الكونغو، وتستنزف سفن الصيد الأجنبية الآتية من الصين مخزون الأسماك قبالة السواحل الأفريقية، وتؤمن الشركات الصينية العديد من مشاريعها المربحة للغاية، من خلال الفساد والرشوة، بينما تحرم العمال والشركات الأفريقية من موارد وطنهم، وعندما توظف الشركات الصينية الأفارقة، فإنها تعاملهم كعمالة رخيصة يمكن التخلص منها، وتسيء معاملتهم مع قدرتها على الإفلات من العقاب، أما روسيا فليس لديها الكثير لتقدمه للأفارقة بخلاف المزيد من الأسلحة والمرتزقة لإطالة أمد حروبها، بحسب قول الدبلوماسي الأميركي السابق.

ولكن بقدر ما تمثل المشاركة الصينية والروسية مشكلة، يجب أن تدرك إدارة بايدن أن مشكلة الأفارقة تتمثل في الإدارة، ومن المهم العمل على تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للأفارقة من خلال المساعدات والاستثمار في الزراعة المستدامة، والطاقة النظيفة والبنية التحتية والتمويل، وقد حان الوقت لوقف التراخي في التنفيذ حتى لا تبتلع الصين كل أفريقيا.

المزيد من تقارير