يشهد انتعاش الاقتصاد الصيني تباطؤاً بوتيرة أسرع من التوقعات، ما يمثل مصدر تهديد جديداً للتعافي العالمي المتقطع ورسالة تحذيرية إلى بقية العالم حول مدى استدامة التعافي من جائحة كورونا، وأخيراً، برز إجماع صاعد لدى المحللين بهذا الخصوص وسط تراجع أسعار العقارات، وتوتر المستهلكين وتباطؤ القطاع الصناعي ما يؤشر إلى تراجع الزخم في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بحسب وكالة "بلومبيرغ".
وبينما أدت الاستجابة السياسية المقيدة من بكين إلى إضعاف الآمال في الحصول على مزيد من الدعم في الوقت الراهن على أقل تقدير، يرى محللون استطلعت "اندبندنت عربية" آراءهم، أن تأثير تباطؤ الصين في الاقتصاد العالمي سيكون أكبر مما كان عليه قبل خمس سنوات، حيث يمكن أن تؤثر موجة كورونا أيضاً في توقعات السوق، وإذا كان انتعاش ثاني أكبر اقتصاد عالمي، يخفت الآن، فسوف يتبعه الآخرون قريباً.
النمو الصيني
وكان من المتوقع أن يرتد الاقتصاد الصيني من الارتفاعات التي بلغها أثناء انتعاشه الأولي، لكن الاقتصاديين يقولون إن التراجع جاء في وقت أقرب مما كان متوقعاً، ويمكن أن يطاول مفعول "الدومينو" كل أنحاء العالم، بينما تحذر مجموعة "غولدمان ساكس"، وغيرها، من أن الصين قد تسجل نمواً بقيمة سالب خمسة في المئة، العام المقبل، وكان من شأن بحث الصين عن المواد الخام وإعادة الفتح السريع في أعقاب أولى موجات الجائحة المساهمة في تعزيز التعافي العالمي أيضاً.
أزمة الطاقة
ومع اندلاع أزمة الطاقة في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) إلى جانب ضغوط التكلفة المرتفعة التي قلصت أرباح الشركات وآثرت سلباً في إنتاج المصانع، يتوقع الاقتصاديون أن يتوسع الإنتاج الصناعي الصيني بأبطأ وتيرة منذ أوائل عام 2020 عند ثلاثة في المئة.
انكماش قطاع العقارات
وعلى الرغم من بدء صانعي السياسة في ضبط بعض السياسات، إلى تقارير وسائل الإعلام الحكومية بشأن تخفيف القيود، إلا أن الاقتصاديين يحذرون من أن الانكماش في قطاع العقارات الذي يمثل نحو 25 في المئة من الناتج المحلي، يمكن أن يضر بالانتعاش الأوسع.
على الصعيد المحلي الصيني، لا يزال اللغز الأكبر هو سبب استمرار ضعف مبيعات التجزئة على الرغم من أن الفيروس لا يزال تحت السيطرة، وفي ظل استمرار النهج المتشدد للسيطرة على تفشي كورونا الذي يثقل كاهل المستهلكين، بخاصة بالنسبة لخدمات التموين ومبيعات التجزئة خارج الإنترنت، ومع ضعف ثقة المستهلكين، ويتوقع المحللون تباطؤ نمو مبيعات التجزئة 3.8 في المئة شهرياً.
تباطؤ القطاع الصناعي
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، إن أي تباطؤ في اقتصاد الصين، وهو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، سيبلغ مداه وتأثيره إلى اقتصادات أخرى، لا سيما أن دول العالم تعتمد على بكين في القطاع الصناعي بشكل خاص، لافتاً إلى أن العام الماضي شهد انتعاشاً بعد جائحة كورونا، والآن، في تباطؤ في القطاع الصناعي، وقطاع الخدمات، وقال إن الاقتصاد الصيني يعتمد بشكل كبير على القطاع العقاري الذي يمثل أكبر جزء من الاقتصاد الصيني ما يمثل من 25 إلى 30 في المئة من هذا الاقتصاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف الرفاعي أن هذا التباطؤ سيؤدي إلى إحداث أزمة مالية في الصين بسبب الديون المتراكمة، والتباطؤ والانخفاض في القطاع العقاري، لافتاً إلى أنه سيؤثر في بقية الدول، ولكن حتى الآن الصورة غير واضحة.
مخاوف من حدوث أزمة
وقال المدير التنفيذي لشركة "في آي ماركتس" أحمد معطي، إن هناك مخاوف بالفعل من حدوث أزمة اقتصادية عالمية بسبب الصين على وقع أزمة "إيفرغراند" العقارية والتي ستوثر في أسواق المال العالمية، وأضاف أن بكين قد تكون سبباً للأزمة بسبب منع التصدير ومن ثم زيادة الأسعار التي تأثرت بارتفاع أسعار النفط مع رفع تكلفة الانتاج، لا سيما وأنها تعتبر أكبر مستهلك للنفط.
وأوضح أن هناك بوادر لتلك الأزمة مع خروج عمالقة التكنولوجيا مثل شركة "ياهو" التي أغلقت مقرها هناك بالإضافة إلى شركة "لينكدإن" بسبب إصدار قانون حماية المعلومات الشخصية، وهو ما يلزم تلك الشركات العالمية، حال تبادل المعلومات، بوجوب الحصول على موافقة رسمية لذلك، وهو ما يوقف الأداء التشغيلي لتلك الشركات، وتوقع خروج شركات عالمية أخرى، لذلك من المرجح أن تكون منبعها الصين وسط استمرار الحرب التجارية والسياسية مع الولايات المتحدة.
نقص الطاقة
ويرى المحلل المالي محمود عطا أنه في الوقت الذي تحاول فيه الصين السيطرة على أزمة "إيفرغراند"، أصبحت تواجه أزمة أخرى في قطاع آخر، وهو الطاقة، فنجد أن نصف المقاطعات الصينية تعاني من نقص في الكهرباء، ما اضطر بعض الشركات والمصانع للتوقف نتيجة نقص إمدادات الطاقة، ومن ثم، يرى عطا أن تلك الأزمة ستؤثر في الإنتاج في الصين بخلاف بعض الإجراءات التي وضعتها الحكومة الصينية للمحافظة على البيئة، والتي توضح عدم رغبة بكين في الاعتماد علي الفحم، بالتالي سيضغط ذلك علي أسعار السلع عالمياً ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم، بالتالي قد تضطر البنوك المركزية لرفع معدلات الفائدة خلال الفترة المقبلة كمحاولة لكبح جماح الأسعار.
ضائقة مالية
إلى ذلك، يسارع المطورون المملوكون للدولة لإنقاذ الحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة مالية في الصين من خلال التقدم في مزادات الأراضي التي كانت تهيمن عليها في السابق مجموعات من القطاع الخاص، وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، اشترى المطورون الحكوميون ثلاثة أرباع الأراضي السكنية المباعة في مزادات في 22 مدينة كبيرة من حيث القيمة، وفقاً لتحليل "فاينانشال تايمز" للسجلات العامة، وكانوا قد اشتروا في السابق نحو 45 في المئة فقط من قطع الأراضي المباعة في المزادات، وهي أكبر مصدر دخل للحكومات المحلية.
ودفع محرك بكين، لمدة عام، تقليل الرافعة المالية عبر قطاع العقارات، والذي يُقدر أنه يمثل نحو ثلث إجمالي الإنتاج في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، "إيفرغراند" والمطورين الصينيين الآخرين من القطاع الخاص إلى حافة هاوية الإفلاس، وتابع التحليل، " أدى ذلك بدوره إلى إضعاف طلب المشتري في مزادات الأراضي، ما أضر بشدة بمالية الحكومة المحلية".
وتعتبر شركة "إيفرغراند"، ثاني أكبر مطور للعقارات في الصين، لكن مديونيتها باتت الأكبر باجمالي ديون بقيمة 300 مليار دولار، وكانت "ايفرغراند" قد اقترضت بكثافة على مر السنين، لتمويل بناء الشقق ومباني المكاتب ومراكز التسوق، لكن في الأشهر الأخيرة، تعرضت الشركة لضغوط مالية وواجهت صعوبات في سداد ديونها، وأدت المخاوف من أن انهيار الشركة قد يهزّ سوق العقارات الضخم في البلاد ويقود إلى اضطراب في الأسواق المالية العالمية.
الائتمان الرخيص
ونقل عن الأستاذ في الجامعة المركزية للتمويل والاقتصاد في بكين ومستشار السياسة الحكومية تشاي ديو قوله، "تعتمد الحكومات المحلية على مجموعات الدولة، التي لديها إمكانية الوصول إلى الائتمان الرخيص، لمنع مبيعات الأراضي من السقوط في الهاوية، في وقت يركز مطورو القطاع الخاص المثقلون بالديون على تقليل نفوذهم".
ومن بين مقدمي العطاءات المملوكين للدولة آليات تمويل حكومية محلية عالية الاستدانة، والتي ركزت تقليدياً على مشاريع البنية التحتية بدلاً من العقارات، وفقاً للسجلات العامة التي راجعتها صحيفة "فاينانشال تايمز".
ونشر البنك المركزي الصيني أخيراً بيانات تظهر زيادة قوية على أساس سنوي في إقراض الرهن العقاري في أكتوبر (تشرين الأول)، خروجاً عن ممارسته المعتادة المتمثلة في نشر بيانات الإقراض العقاري الفصلية فقط.
أميركا تراقب أزمة "إيفرغراند"
وفي هذا الشأن، قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إن إدارة الرئيس جو بايدن تراقب عن كثب الوضع في الصين مع أزمة شركة التطوير العقاري الأكثر مديونية في العالم "إيفرغراند"، والتي حذًرت من أن معاناتها من أجل سداد قروض المليارات يمكن أن تكون لها تداعيات على الاقتصاد العالمي، بحسب ما نقلت قناة "سي بي أس نيوز"، وأضافت يلين، "العقارات قطاع مهم في الاقتصاد الصيني. فهي تمثل نحو 30 في المئة من الطلب، والتباطؤ في الصين ستكون له عواقب عالمية، واقتصاد الصين كبير، وإذا تباطأ الاقتصاد الصيني أكثر من المتوقع، فمن المؤكد أن تكون له عواقب على العديد من البلدان التي ترتبط بالصين من خلال التجارة"، واعترفت يلين بأن شركات مثل "إيفرغراند" هي قضية يتصارع معها المنظمون الصينيون، وقالت، "لدى الصين قطاع عقارات به شركات مثقلة بالديون وهو أمر تحاول الصين التعامل معه".
وحول ما إذا كان المنظمون الصينيون لديهم القدرة على إدارة هذه المخاطر، قالت يلين، "إنهم بالتأكيد يحاولون القيام بذلك، وهذا شيء نراقبه عن كثب".
مخاطر تنتقل للولايات المتحدة
من جانبه، حذًر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من مخاطر أزمة "إيفرغراند" مباشرة على الولايات المتحدة في تقريره الأخير عن الاستقرار المالي، وجاء في التقرير أن "الضغوط المالية في الصين يمكن أن تضغط على الأسواق المالية العالمية من خلال تدهور معنويات المخاطرة، وتشكل مخاطر على النمو الاقتصادي العالمي، وتؤثر في الولايات المتحدة"، وقال مجلس الاحتياطي الفيدرالي إن دفع الصين لإزالة الديون من شركات مثل "إيفرغراند" يشكل بعض المخاطر.
أضاف الفيدرالي، "التركيز التنظيمي المستمر على المؤسسات ذات الرافعة المالية لديه القدرة على التأكيد على بعض الشركات المثقلة بالديون، بخاصة في قطاع العقارات، كما يتضح من المخاوف الأخيرة حول مجموعة إيفرغراند الصينية".