Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القمة الأميركية - الصينية لن تصلح العلاقة لكنها قد تمنع الكارثة

الأوضاع الداخلية قد تعرقل تنازل أي طرف بما يجعله يبدو ضعيفاً ضد الآخر

لقاء بين بايدن والرئيس الصيني في بكين عام 2013 (أ ب)

تثير القمة الأولى التي تنعقد خلال ساعات بالفيديو عبر الإنترنت بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ مزيجاً من الآمال والمخاوف بشأن ما يمكن أن تحققه بعد أشهر طويلة من الأجواء المشحونة بالمواجهة والتنافس والتحذير، فهي بالنسبة لبعض المراقبين في البلدين وحول العالم، تمثل نقطة انعطاف محتملة وفرصة لتغيير العلاقات بين البلدين نحو التعاون والمشاركة، لكنها بالنسبة للبعض الآخر، ولا سيما المتشككين في الولايات المتحدة، تمثل وسيلة لخداع بايدن في جولة أخرى من الحوارات الثنائية التي لا تسفر إلا عن وعود فارغة تمنح الصين مزيداً من الوقت لتصبح أكثر قوة، فهل سيكون هناك حل سريع للقضايا الحرجة أم يجب أن تكون التوقعات متواضعة في العلاقة بين أكبر اقتصادين في العالم؟

لقاء متأخر

منذ ثمانينيات القرن الماضي، التقى كل رئيس أميركي مع الزعيم الأعلى للصين خلال سنته الأولى في المنصب، ولن يخرج الرئيس بايدن عن هذا النهج في القمة التي ستجري مع الرئيس شي جين بينغ بعد مكالمتين هاتفيتين أجراهما الطرفان في فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، لكن القمة تأخرت تسعة أشهر كاملة منذ أن وصل الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض، فقد كان لدى كل من بايدن ونظيره الصيني منطقهما الاستراتيجي الخاص لمنع التواصل مع الجانب الآخر، حيث ركز بايدن وإدارته على معالجة القضايا المحلية المُلحة مثل جائحة "كوفيد-19"، والأزمة الاقتصادية، فضلاً عن إعادة العمل في السياسة الخارجية لإصلاح التحالفات والشراكات التي انهارت في ظل الإدارة السابقة للرئيس دونالد ترمب بهدف دعم عناصر القوة الأميركية، وكسب نفوذ أكبر قبل الاجتماع مع القادة الصينيين.

وفي بكين، أدت التصورات الخاصة بقوة الصين إلى الحد من رغبة المسؤولين الصينيين للمشاركة في حوارات موضوعية مع نظرائهم الأميركيين، بخاصة بعدما كرر القادة في الصين شعار "الشرق ينهض والغرب يسقط"، والذي عززه تقييم بكين لأدائها في احتواء انتشار فيروس كورونا، وقدرتها على الصمود في وجه الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الصينيين أعربوا عن اهتمامهم بتحقيق الاستقرار في العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بعد تنصيب بايدن، فقد أرادوا القيام بذلك وفق شروطهم الخاصة ومن دون تقديم مبادرة للمساعدة في وضع العلاقة في مكان أفضل، بل على العكس، اتهموا الولايات المتحدة بأنها المسؤولة عن التراجع في العلاقة، وينبغي عليها حل المشكلات المترتبة عليها.

حواجز حماية

ولكن بعدما تطورت العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بشكل أكثر تنافسية في السنوات والأشهر الأخيرة، أدرك المسؤولون في بكين وواشنطن، أنه لا يوجد بديل عن الدبلوماسية المباشرة على مستوى القادة، فقد قرر المسؤولون الأميركيون أن الدبلوماسيين الصينيين يفتقرون إلى سلطة كافية للمشاركة في حوارات جوهرية، بعدما أصبحت السلطة مركزية في أيدي الرئيس وحده، وفي الوقت نفسه، يرى الكثيرون في الصين قليلاً مما يمكن أن تقدمه المواقف السياسية لبايدن وإدارته التي اعتمدت مبدأ "القيادة العالمية بالمنافسة مع الصين"، ما دفعهم للاعتقاد بأن تحول السياسة لا يمكن أن يأتي إلا من خلال عقد القمة.

ومثلما تبدو القمة مهمة للرئيس الأميركي لإظهار أن خطته نجحت في مواجهة الصين والحد من نفوذها بما يساعده على تحسين شعبيته الداخلية المنهارة في الولايات المتحدة، تبدو القمة مهمة أيضاً للرئيس الصيني، الذي يدخل عاماً سياسياً مهماً يسعى فيه للفوز بفترة ولاية ثالثة في المؤتمر الوطني الـ 20 للحزب بعدما حصل على ترقية تضعه في مصاف الزعيمين السابقين ماو تسي تونغ ودينغ شياو بينغ، ولهذا من المهم له ترسيخ زعامته عبر إدارة الاضطرابات الدولية بشكل حكيم، وعلى رأسها العلاقة مع الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن المناقشات بين رؤساء الدول لا تحل جميع القضايا العالقة بين الولايات المتحدة والصين، لكنها يمكن أن تساعد في استقرار العلاقات ومنع النتائج غير المقصودة، وهو ما أثبتته تجارب الحرب الباردة في القرن الماضي، حينما كان القادة الأميركيون والسوفيات يجتمعون بانتظام لمنع التنافس والصراع بينهما من الانزلاق إلى حرب ساخنة، وحتى لو لم يكن هناك اختراق كبير ستسفر عنه هذه القمة الافتراضية، فإنها يمكن أن توفر فرصة لبايدن وشي جين بينغ للبدء في إنشاء حواجز حماية تساعد على تفادي كارثة أو تمنع حدوث أزمة.

هل من حلول؟

على مدار السنوات العديدة الماضية، تطورت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بشكل أكثر تعقيداً في مجموعة من القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية، وعلى عكس القمم الرئاسية السابقة، من غير المرجح بحسب ما يقول بول هانيل وناثانيال شير من مؤسسة "كارنيغي" الأميركية للسلام أن تسفر القمة عن نتائج ملموسة ومخرجات تم إعدادها مسبقاً من خلال المناقشات التحضيرية، ولكن سيسعى بايدن إلى إقناع شي جين بينغ بأن إطار عمل إدارته القائم على المنافسة والمواجهة والتعاون، هو أساس مستقر للعلاقة الثنائية من دون الحاجة إلى أن يؤدي ذلك إلى صراع، في حين من المرجح أيضاً أن يركز الرئيس الصيني على إقناع الرئيس الأميركي بالعودة إلى الوضع السابق في العلاقة مع بكين وتقليل الضغط الدبلوماسي والاقتصادي على الصين.

مشكلة تايوان

لكن قضية تايوان تظل واحدة من أخطر النقاط البارزة والحساسة في العلاقة بين الطرفين، فمن ناحية، يتزايد قلق واشنطن بشأن استعداد بكين لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق هدفها المتمثل في توحيد جزيرة تايوان مع البرّ الرئيس للصين الشعبية، بينما يرى القادة في بكين أن الدعم الأميركي المتزايد لتايوان يرقى إلى مستوى دعم استقلال تايوان وخروج عن سياسة "صين واحدة" التي اتبعتها واشنطن منذ عقود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي حين قد يدفع الجانب الأميركي نحو مزيد من الاتصالات الروتينية بين المؤسسات الدفاعية والدبلوماسية بين واشنطن وبكين، إلا أن من المرجح أن يقاوم الرئيس الصيني أي إجراء يراه بمثابة تطبيع لدور الولايات المتحدة في الجوار المباشر للصين، لأن الصينيين لا يريدون منح الجيش الأميركي ترخيصاً للعمل في أي مكان بالقرب من شواطئهم.

ولذلك ربما تكون الحاجة ملحة لأن يعيد الزعيمان التأكيد على مواقفهما المعلنة السابقة بأن تتعهد بكين بالحفاظ على السلام عبر مضيق تايوان وأن تمتنع الولايات المتحدة عن اتخاذ موقف بشأن سيادة تايوان والحفاظ على سياسة "صين واحدة"، وهو تفاهم حقق أساساً مستقراً للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين لأكثر من نصف قرن.

توترات إقليمية

وحتى مع افتراض التوصل إلى تفاهمات حول تايوان، لا تزال هناك مجموعة من القضايا الأمنية التي تربك العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، وبخاصة التوترات في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وتفاقم الخلافات الإقليمية بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة، الأمر الذي يتطلب من الرئيسين الالتزام بإنشاء آليات أكثر قوة لإدارة الأزمات لتجنب صدام عسكري غير مقصود.

ومن المحتمل أيضاً أن يثير كل جانب مخاوفه بشأن سلوك الطرف الآخر وأفعاله التي تقوّض مصالحه، ففي لقائه الأخير مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، انتقد وزير الخارجية الصيني وانغ يي العقوبات الأميركية على الشركات والمسؤولين الصينيين، وكذلك محاولة الولايات المتحدة استخدام حلفائها للتصدي للصين، في وقت أعربت واشنطن مراراً عن قلقها إزاء انتهاكات الصين لحقوق الإنسان في شينغيانغ والتيبت وهونغ كونغ، والممارسات الحكومية الاقتصادية والتجارية غير العادلة، والأعمال العسكرية العدائية والاستفزازية.

التسلح النووي

وتتابع الولايات المتحدة بقلق بالغ تحسين بكين قدراتها السيبرانية على شبكة الإنترنت وقدراتها النووية الصاروخية، حيث تتوقع وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" في تقرير صدر أخيراً بشأن القوة العسكرية الصينية أن تحصل بكين على حوالى 1000 رأس نووي بحلول عام 2030 أي أكثر من ضعف تقديرات "البنتاغون" في العام الماضي فقط، فضلاً عما رصده من تطوير نظام القصف المداري باستخدام صواريخ فرط صوتية تبلغ سرعتها أضعاف سرعة الصوت وهو ما يشير إلى تحول مقلق من الردع النووي التقليدي إلى القدرة على القتال النووي من المدار.

 وإذا كان بايدن سيجدد فكرة الحد من التسلح النووي، فقد قاومت الصين حتى الآن أي مقاربات للدخول في مفاوضات ثنائية، ورفضت محاولات دونالد ترمب في السابق لبدء محادثات ثلاثية مع روسيا، وهو ما يجعل الاتفاق حول هذا الأمر غير مرجح ما ينذر باستمرار سباق التسلح النووي والتحديث العسكري من الجانبين.

أساس أفضل

ويقترح العديد من الخبراء أنه من أجل وضع العلاقة بين الولايات المتحدة والصين على أساس أفضل، يجب على الجانبين بذل جهود حقيقية للتعاون في القضايا العالمية، فمنذ تولت إدارة بايدن السلطة في البيت الأبيض، كان من الصعب تحقيق هذا النوع من التعاون بسبب الاختلافات بين وجهة نظر كل جانب بشأن الشروط اللازمة للتعاون الثنائي.

ونظراً لأن بايدن ونظيره الصيني يسعيان إلى تحسين المضمون العام للعلاقة بينهما، فإنهما يحتاجان لبحث قضايا لا تبرز فيها الخلافات بوضوح وتعكس قدراً من التفاهم والتنسيق مثل العمل معاً بشأن منع انتشار الأسلحة النووية في كوريا الشمالية وإيران، وتحقيق الاستقرار في أفغانستان وميانمار، ومكافحة تغير المناخ الذي تم التوافق عليه أخيراً في قمة "غلاسكو" للمناخ.

إذا كان الزعيمان قادرين على الالتزام بنهج لحل المشكلات، فيمكنهما المضي قدماً في معالجة بعض القضايا التي تظهر تقدماً وحسن النيات، مثل تخفيف القيود المفروضة على عمل الصحافيين وإغلاق القنصليات المتبادل، بحيث يمكن للجانبين بعد ذلك البدء في معالجة القضايا الهيكلية الأوسع، مثل الاختلالات التجارية والاقتصادية ونقاط التوتر الأمنية.

ضغوط الداخل

غير أن أكثر ما يثير التخوف لدى المراقبين هو الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة والعوامل الذاتية للرئيس الصيني، فالرئيس الأميركي يواجه اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأميركي بعد عام واحد، وفي ظل الحماسة الشديدة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي المناهضين للصين في واشنطن، يصبح احتمال اتخاذ أي إجراءات يمكن تصورها أو وصفها بأنها تقدم تنازلات كبيرة للصين بعيد المنال بشكل متزايد، وفي الوقت نفسه، يواجه الرئيس الصيني المؤتمر الـ 20 الحاسم للحزب، حيث يخطط بوضوح لتمديد فترة قيادته لولاية أخرى، إن لم يكن مدى الحياة، وتتمثل أكبر نقاط ضعفه على الجبهة الاقتصادية ورغبته في إحراز تقدم في التجارة مع الولايات المتحدة، وإذا لم يحقق له بايدن ذلك، فلن يستطيع تقديم تنازلات في جوانب أخرى، ولهذا لا يستطيع أي من الزعيمين أن يبدو ضعيفاً في مواجهة الطرف الآخر.

ومع ذلك، يراهن البعض، ومنهم داني راسل المساعد الخاص السابق للرئيسين جورج بوش وباراك أوباما على العلاقة الشخصية التي ربطت بايدن وشي عندما كانا نائبين للرئيس في صيف عام 2011، حيث توطدت العلاقة بينهما وتحدثا حول الأمور الشخصية والسياسية، ما يجعل لهذه العلاقة، التي مضى عليها عقد من الزمان، مصدر قوة يمكن أن يفيد كثيراً في تحسين العلاقات بين البلدين.

المزيد من تحلیل