تدارس مثقفون وأكاديميون خلال ندوة دولية في العاصمة المغربية الرباط نظمها المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، بالشراكة مع وزارة الثقافة والاتصال، دور الثقافة في مواجهة التطرف.
وقال وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج إن "الدبلوماسية الثقافية هي وجود فعلي في أرض الواقع. وقد استحضرنا أن التطرف لا يدخر جهداً في بناء منظومته القيمية التي تفلح في الحشد والاستقطاب بالشكل الذي يجعل دوائر الأحداث تضيق على أصوات التسامح والاعتدال".
الثقافة تُبطل التطرف
واعتبر الأعرج أن "الثقافة جسر يعمل على تجاوز التطرف بشكل يخلو من الصدام"، وأن "للثقافة إمكانية لإبطال مفعول التطرف وكشف زيف منظومته، إضافة إلى أن كشف زيف المنظومة القيمية للتطرف يحتاج إلى اشتغال ثقافي مكثف على تفكيك مرجعياته وآلياته، وإلى وجود كثيف في المشهد السمعي البصري".
وتابع أن "التطرف ينطلق من الاعتقاد الزائف بامتلاك الحقيقة المطلقة. ولاحظ أنه يشهر بدون وعي ارتكازه على منطلقات وأسس خاطئة ويفضح في الآن ذاته الوقت عن هشاشته". واستنتج أن إمكانية دحضه بالحجة والدليل، وكسب رهان محاصرة التطرف وتحجيم قدرته على الحشد والاستقطاب، يوجبان إعلاء أصوات المثقفين الذين يعملون على كشف زيف المنظومة القيمية التي يتأسس عليها التطرف ويعملها المتطرفون".
ثقافة العقل وثقافة الإقصاء
يرى الأديب المغربي جمال الموساوي في حديث لـ'اندبندت عربية" أن هناك صراعاً بين تيارات ثقافية داخل المجتمع، قائلاً "عندما نتحدث عن دور الثقافة في قضية معينة، نكون أمام عبارة واسعة الدلالة، فنحن نكون أمام صراع تيارات مجتمعية تحاول أن تفرض ثقافتها سواء في إطار من التدافع السلمي والتداول أم في صراع صدامي عنيف. وما دمنا هنا بصدد التطرف، وجب التأكيد على التمييز بين ثقافة قائمة على العقل والسؤال والاشتغال انطلاقاً مما وصلت إليه البشرية في المجال المشترك الإنساني المتعلق بالقيم وحقوق الإنسان والتعايش وقبول الآخر، وثقافة أخرى تلغي كل ذلك وتتوهم أنها وحدها تمتلك الحقيقة، أياً كانت مرجعياتها. إنها ثقافة تنظر إلى المستقبل من الماضي لا من الحاضر".
وأضاف "في المنطقة التي ننتمي إليها، تبدو ثقافة العقل بشكل أو بآخر، بعيدة عن أن تكون مؤثرة بقدر كافٍ في مواجهة ثقافة التطرف، لأن هذه الأخيرة راسخة وتستند إلى أرضية ممهدة وقائمة، بينما يُنظر إلى الأولى باعتبارها مستوردة وخطراً على الهوية، أو باعتبارها ثقافة "العدو" المستعمر سابقاً، المتآمر حالياً، وبالنظر إلى ما توالى من أحداث على المنطقة، فإن التطرف وجد أرضية خصبة، وما يكفي من الذرائع لكي يتمدد ويشتد بشكل أكثر".
ماذا ننتظر؟
الكاتب والإعلامي نبيل الدريوش اعتبر من جهته في حديثه لـ"اندبندت عربية" أنه قبل الحديث عن دور الثقافة في مكافحة التطرف يجب تحليل وضع الثقافة نفسها التي تعيش تهميشاً، وذلك في ظل تدني نسب القراءة وهزالة الميزانية المخصصة للمجال الثقافي، وتراجع الدور التنويري للمثقف داخل المجتمع في الوقت الذي أصبحت أولوياته تكمن في البحث عن المناصب والسعي وراء الجوائز". وسأل "كيف ننتظر من قطاع يعيش أزمة أن يسهم في حل أزمة أخرى؟".
وتابع الموساوي "كيف يمكن لثقافة العقل المنتصرة للمشترك الإنساني أن تأخذ بزمام الأمر في قيادة المجتمع؟ يحتاج الأمرُ إلى إعادة النظر في كيفية اشتغال روافد الثقافة، ذلك المعين الذي يتخلق منه المثقف الذي يكون بإمكانه طرح الأسئلة وخلخلة الأرضية التي يقف عليها التطرف. سيكون من المفيد في هذا الإطار، إصلاح أنظمة التعليم بجعلها تتجه نحو مسايرة تطورات الحياة وتثمين الجوانب الإيجابية في هذا التطور، وإنتاج عقول تستوعب وتفكر وتسأل، بدل إعادة إنتاج رؤوس تحفظ ولا تناقش. لا بد أيضاً من تأمين الحرية للمثقف كي يكون فاعلاً، وتظل قضية الحرية أساسية، لأنها تضمن وصول المثقف إلى الناس وتزيد قدرته على التأثير في العقليات وتغييرها، وتعفي السلطة من سرقة خطابه وترويجه والدعاية له".
خطاب السلطة وخطاب المثقف
في مقارنة الخطابين، رأى الموساوي أننا "أمام مفارقة تتمثل في تماهي خطاب السلطة وخطاب المثقف الحداثي التنويري، وهو ما يجعل الاثنين غير مؤثرين، بسبب نفور الناس مما تقدمه السلطة لأنها تسعى للتطويع والهيمنة، وبسبب انفضاضهم من حول المثقف لأسباب تتعلق بمستوى تعليمهم وبالتوجس من التغيير وبنظرهم أحياناً إلى المثقف باعتباره يكرر خطاب السلطة، الذي هو خطابه في الأصل. ما يتعلق بالمثقف، ينسحب على حوامل الثقافة وآليات تصريفها، وكل ما يندرج في إطار الصناعة الثقافية، ومن ذلك وسائل الإعلام بكل أنواعها واللقاءات الثقافية وطبع الكتب وترويجها وتداولها. إن الأمر يتعلقُ بنوع من منافسة ومزاحمة الآليات المنتجة لثقافة التطرف، التي تنتعش أكثر في أوساط حظوظها في الوصول إلى الثقافة الأخرى، أقل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دور الإعلام والتواصل
ولاحظ الموساوي أن "هذا الكلام قد يبدو مشوباً بمسحة من التشاؤم بشأن قدرة الثقافة التنويرية على زعزعة كثير من الثوابت المتكئة على سند مغلوط، ولكنني أعتقد أن تطور تكنولوجيا الإعلام والتواصل، مع أنه سلاح ذو حدين، يمكنه أن يلعب دوراً مهماً في مجابهة ثقافة التطرف، من خلال إتاحة الولوج إلى كثير مما كان محجوباً، ما يحفز على البحث والتمحيص والوقوف على نسبية كثير من المسلمات التي يحاول التطرف جعلها متحكمة في مصائر الناس، من باب المقدس ومن باب ما درج عليه الناس، لكن هذا الدور يحتاج إلى سند ودعم عبر تعليم قادر على إنتاج عقل يفكر".
الدريوش من جهته رأى أن التطرف لما كان في الحال التي وصل إليها، لو تم الاهتمام بالنظامين التعليمي والثقافي. وقال إننا "نعيش تراجعاً لدور الثقافة والمثقف، وأظن أن المثقف كائن مهدد بالانقراض في ظل الطفرة التكنولوجية وضعف النظام التعليمي. إن المثقفين الحاليين هم نتاج مدرسة حفزتهم قبل عقود على القراءة وجامعة صُقلت فيها شخصيتهم وتوسعت فيها مداركهم المعرفية، لو كان للثقافة أولوية في السياسات العامة لما وصل حجم التطرف إلى ما هو عليه الآن، إن المتطرفين الذين انساقوا لتأثير دعوات الجهاد لم يجدوا تأطيراً فكرياً، وبالتالي لم يكونوا محصنين من الأفكار المتشددة، باعتبار أن الخطاب الديني فيه لمسة عاطفية، فمن السهل الاستقطاب عبر ذلك الخطاب وبالخصوص بين الأفراد ذوي المستوى العلمي الضعيف".