Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاقتصاد العالمي في قبضة التضخم... هل بدأت رحلة شد الأحزمة؟

تحذيرات من زيادة السيولة مع استمرار خطط التحفيز ومطالبات برفع أسعار الفائدة

ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة بنسبة 6.2 في المئة، وهي أكبر زيادة منذ نوفمبر 1990 (أ ف ب)

هل أنت مرتبك بشأن التضخم؟ إنك لست وحدك، إذ يجري الحديث عن موجة تضخم مرتفعة على مستوى العالم. ومن المفارقات أن التضخم سهل الفهم بشكل لا يُصدَّق، لكنه في الوقت نفسه "مُعقّد بشكل سخيف".

لنبدأ بأبسط نسخة: يحدث التضخم عندما يرتفع متوسط سعر كل شيء يشتريه المستهلكون تقريباً، الغذاء، والمنازل، والسيارات، والملابس، ولعب الأطفال، وما إلى ذلك. ولتوفير هذه الضرورات، ومواجهة هذه الموجة من ارتفاعات الأسعار، يجب أن ترتفع الأجور أيضاً.
في الولايات المتحدة، وعلى مدار الـ40 سنة الماضية، كان السكان يعيشون في مستوى مثالي من التضخم المنخفض والبطيء الذي يأتي مع اقتصاد جيد يحركه المستهلك، ومع ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى نحو 2 في المئة سنوياً، إذا كان هذا هو الحال. بالتأكيد، أسعار بعض الأشياء، مثل الإسكان والرعاية الصحية، بات أعلى بكثير مما كانت عليه من قبل، لكن أشياء أخرى مثل أجهزة الكمبيوتر والتلفزيون أصبحت أرخص بكثير، حيث كان متوسط أسعار كل الأشياء مجتمعةً مستقراً نسبياً.

أسعار الغذاء تواصل الارتفاع عالمياً

وكانت منظمة الأمم المتحدة قد كشفت في تقرير حديث، عن أن ارتفاع أسعار الشحن وأسعار المواد الغذائية من الحبوب إلى الخضراوات، من الممكن أن يرفع تكلفة استيراد المواد الغذائية بنسبة 14 في المئة إلى 1.75 تريليون دولار. كما حذرت المنظمة الأممية من ارتفاع الفواتير مع زيادة تكلفة المنتجات الزراعية.

وقفزت أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوياتها منذ عقد، ما زاد من الضغط على ميزانيات الأسر المتضررة أصلاً بسبب الوباء وارتفاع فواتير الطاقة. ومما يثير القلق بشكل خاص هو أن تكاليف استيراد الغذاء في البلدان الفقيرة ترتفع بوتيرة أسرع من نظيراتها في الاقتصادات المتقدمة، وهو ما بات يمثل مشكلة متزايدة في المناطق التي تعتمد على شحن الإمدادات.

وارتفعت أسعار الحبوب خلال العام الماضي، حيث أدى سوء الأحوال الجوية إلى الحد من المحاصيل إلى جانب آثار ارتفاع أسعار الشحن ونقص العمالة ضمن سلاسل التوريد. حدث ذلك عندما وصل الجوع العالمي إلى أعلى مستوياته خلال سنوات، في حين كان لأزمة الطاقة أيضاً تأثير غير مباشر يتمثل في رفع أسعار الأسمدة، ما تسبب بمشكلة أخرى للمزارعين.

كذلك، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، إن "أسعار المواد الغذائية سترتفع حتماً مع ارتفاع تكاليف الإنتاج، وستقوم بذلك دون تأخير كبير". ورجحت الـ"فاو" أن ترتفع فواتير الواردات الغذائية بنسبة 11 في المئة هذا العام في البلدان المتقدمة، ونحو 20 في المئة في المناطق النامية.

ركود تضخمي يلوح في الأفق

ووفق تقرير حديث لشبكة "سي أن أن"، فإنه عندما يكون مصطلح "التضخم" كلمة سيئة، يصبح مشكلة عندما تشتعل الأسعار وتظل الأجور ثابتة. وهذا عندما تسمع الاقتصاديين يتحدثون عن الاقتصاد "المحموم". لأسباب متنوعة، تنبع الأزمة القائمة إلى حد كبير من مخاطر وتداعيات كورونا، فيما يجد الاقتصاد العالمي نفسه في حالة غليان شديدة حالياً.

وارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة، بنسبة 6.2 في المئة، وهي أكبر زيادة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 1990، وأعلى بكثير من هدف التضخم طويل الأجل للاحتياطي الفيدرالي البالغ نحو 2 في المئة.

وترى وكالة "بلومبيرغ"، أن "كلمة الركود التضخمي قوية جداً". مع ذلك، لا تترك أزمات العرض التي ترفع الأسعار وتُخفِّض الإنتاج، صنَّاع السياسة النقدية أمام خيارات سهلة. ويحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الكبرى على مساحة للاختيار في هذه الفترة التي لا يشعرون فيها بضغوط عاجلة. فإذا تحرَّكوا تحت ضغط ارتفاع عنيد في معدل التضخم، سيواجه تعافي الاقتصاد العالمي مشكلة إضافية".

وأشارت "بلومبيرغ" إلى أن ثبات معدل التضخم عند مستوى مرتفع، يعني أن المخاطر تُرجح اتخاذ قرار بزيادة أسعار الفائدة في وقتٍ مبكر عن التوقعات الحالية، وأن تُرفع في عام 2023. غير أن تحليل آراء أعضاء لجنة السوق المفتوحة بالاحتياطي الفيدرالي الذين لهم حق التصويت في عام 2022، يشير إلى أن الأغلبية تفضِّل إطاراً زمنياً أكثر مرونة بدرجة ما مقارنةً مع ما يتضمّنه تقييم متوسط آراء اللجنة. وبعد الاستقالة المبكرة لرئيس بنك الاحتياطي الاتحادي في بوسطن، إريك روزنغرن، يُعتقد أن 4 من الأعضاء في عام 2022 سيصوِّتون مع زيادة سعر الفائدة ضد ستة أعضاء سيطالبون بثباتها خلال السنة القادمة".

في الوقت نفسه، لم ترجح الوكالة أن تتسارع وتيرة الزيادة في الأجور حتى يتم استيعاب الطاقة الزائدة الكبيرة في سوق العمل. ويعني ذلك أن عدداً كبيراً من أعضاء المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي سيميلون نحو الشك بشأن استمرارية التضخم، ويضغطون باتجاه زيادة عمليات شراء السندات من خلال برنامج شراء الأصول. وسيشغلهم أيضاً مدى مصداقية التزام البنك المركزي الأوروبي في تقرير الاستراتيجية بأن يتخذ إجراءات أكثر قوة وثباتاً عند الحدود الدنيا المؤثرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن مع اصطدام عملية إعادة فتح الاقتصاد بأزمات سلاسل التوريد المليئة بالشروخ، قد يثبت أن التضخم في أسعار الاستهلاك سيستمر لمدة أطول. وتشير توقعات الوكالة إلى استمرار معدل التضخم بأعلى من 4 في المئة حتى نهاية عام 2021، ثم يتباطأ إلى متوسط يبلغ 2.5 في المئة خلال النصف الثاني من عام 2022. ومع إغلاق فجوة الناتج في الربع الأخير من عام 2022، سيحدث أول ارتفاع في أسعار الفائدة قبل توقعاتنا السابقة بثلاثة أشهر.

ارتفاع الأسعار يزيد من حجم الطلب

في الوقت ذاته، هناك جانب اقتصادي سلوكي للتضخم، فعندما ترتفع الأسعار لفترة طويلة بما فيه الكفاية، يبدأ المستهلكون في توقع ارتفاع الأسعار. وسيشتري المستهلكون مزيداً من السلع إذا كانوا يعتقدون أنها ستكلّف أكثر غداً، ولذلك تأثير كبير، حيث يتسبب في ارتفاع حجم الطلب، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أكثر.

هذا هو الوضع الذي يمكن أن يصبح فيه الأمر صعباً بشكل خاص بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، الذي تتمثل مهمته الرئيسة في التحكم في المعروض النقدي وإبقاء التضخم تحت السيطرة.

في ربيع عام 2020، ومع انتشار فيروس كورونا، كان الأمر أشبه بسحب قاتمة أمام الاقتصاد العالمي، حيث أُغلقت المصانع في كل أنحاء العالم، وتوقف الناس عن الخروج إلى المطاعم، وتوقفت الرحلات الجوية. وتم تسريح ملايين الأشخاص، واختفت الأعمال عملياً بين عشية وضحاها. وقفز معدل البطالة في أميركا إلى ما يقرب من 15 في المئة، من نحو 3.5 في المئة في فبراير (شباط) 2020. وكان الانكماش الاقتصادي الأكثر حدة على الإطلاق.

ومع ذلك، بحلول أوائل الصيف، بدأ الطلب على السلع الاستهلاكية بالانتعاش. وبسرعة، أقر الكونغرس الأميركي والرئيس جو بايدن مشروع قانون تحفيز تاريخي بقيمة 1.9 تريليون دولار في مارس (آذار) الماضي، جعل المساعدات النقدية ومساعدات البطالة تتدفق فجأة على الأميركيين. وبدأ الناس يعودون إلى التسوق. وارتفع الطلب من صفر إلى 100 في المئة، لكن العرض لم يتمكن من الارتداد بسهولة.

رفع أسعار الفائدة ووقف خطط التحفيز

يرجح مسؤولون وباحثون اقتصاديون، أن تستمر الأسعار والأجور بالارتفاع حتى عام 2022، ولكن إلى متى؟ وكم يعتمد ذلك على متغيرات لا حصر لها في جميع أنحاء العالم؟

وتتمثل الأولوية القصوى لصانعي السياسات في فك قيود سلسلة التوريد لتحريك السلع بوتيرة ما قبل الوباء. قول ذلك أسهل بكثير من فعله. وليس هناك ما يخبرنا بنوع الصدمات المتجددة بسبب وباء كورونا والمتحورات الناجمة عنه، أو حاوية شحن ضخمة عالقة في مجرى مائي رئيس، أو كارثة طبيعية يمكن أن تعوق التقدم.

ويتوقع الاقتصاديون والمستثمرون في الولايات المتحدة أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية عن طريق رفع أسعار الفائدة والتراجع عن التحفيز الطارئ، بالتالي إبطاء وتيرة التضخم. وعندما يصبح اقتراض الأموال أكثر تكلفة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تخفيف حدة زيادات الأسعار وإعادة الاقتصاد إلى الجو اللطيف.