بعدما كان لافتاً التقارب الجزائري - التركي منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى سدة الحكم، انتقلت العلاقات إلى مستوى أعلى، لا سيما مع التوتر بين الجزائر وفرنسا، ما جعل بعض المتابعين يصفون التحركات التركية بمحاولة استغلال تدهور علاقات الجزائر بباريس.
وكشفت مصادر متابعة أن الرئيس تبون سيزور تركيا في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقالت إن أنقرة تسعى إلى لقاء استراتيجي بين تبون والرئيس رجب طيب أردوغان، لا سيما لبحث سياسة البلدين في أفريقيا، في ظل التنافر الجزائري الفرنسي، خصوصاً مع رفض تبون المشاركة في مؤتمر باريس بشأن ليبيا على الرغم من تلقيه دعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
علاقات استراتيجية
في موازاة ذلك، جاءت دعوة أردوغان لنظيره الجزائري لزيارة أنقرة، تمهيداً لعقد مجلس التعاون الرفيع المستوى بين البلدين. وأكدت أنقرة تمسكها بـ"علاقات استراتيجية مع الجزائر". وكانت أعقبت تلك الدعوة زيارة وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي فاتح دومناز إلى الجزائر، في إطار انعقاد الدورة الحادية عشرة للجنة الحكومية المشتركة الجزائرية التركية للتعاون الاقتصادي والعلمي والتقني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشهد دومناز توقيع اتفاقيات والإعداد لأخرى، فيما كشف وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب عن الإعداد لتوقيع خمس اتفاقيات خلال الدورة الأولى لمجلس التعاون رفيع المستوى. وأعلن أن الاتفاقية الأولى تتعلق بحماية المستهلك ومراقبة نوعية المنتجات، أما الثانية فتخص اتفاق تعاون في مجال العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، والثالثة مذكرة تفاهم لإنشاء الغرفة الجزائرية التركية للتجارة والصناعة، والرابعة مذكرة تفاهم بين المدرسة العليا للقضاء في الجزائر وأكاديمية العدل التركية، أما الاتفاقية الخامسة، فهي مذكرة تفاهم في مجال البيئة.
وفي حين وصف عرقاب خلال افتتاح أشغال اللجنة المشتركة، الاستثمارات التركية في بلاده بـ"الهادفة"، أشار دونماز إلى أن استثمارات بلاده في الجزائر بلغت خمسة مليارات دولار في قطاعات الحديد والصلب والنسيج والشركات الصغيرة والمتوسطة، وأسهمت في خلق 30 ألف وظيفة. وشدد على أن تركيا تستهدف جعل الجزائر بوابة نحو المنطقة وقارة أفريقيا، مضيفاً أن بلاده ترغب بتعزيز علاقاتها مع الجزائر في المجالات شتى. وقال "لدينا تاريخ مشترك... فلماذا لا يكون لدينا مستقبل مشترك؟".
استغلال منطقي
وفي السياق، رأى أستاذ مادة العلوم السياسية والعلاقات الدولية إدريس عطية أنه "من المنطقي أن تستغل تركيا والدول التي ترغب بتطوير علاقاتها الاستراتيجية مع الجزائر، حالة الفتور والتوتر والأزمة الصامتة مع فرنسا، على غرار ما حدث مع إيطاليا، والأمر ذاته ينطبق على الزيارات المتتالية للمسؤولين الإسبان وغيرهم".
وفي حين لفت عطية إلى أن "الدعوة التي تلقّاها الرئيس تبون من نظيره أردوغان تأتي من أجل توقيع اتفاقيات ذات أهمية خاصة في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي"، أشار إلى أن "الجزائر تريد تنويع شراكاتها انطلاقاً من مبدأ تعدد الشركاء الذي نادت به وتشتغل عليه منذ فترة في إطار محور دولي جديد يبتعد عن فرنسا بشكل أساسي واللاعبين الذين لا يخدمون توجهاتها".
استفاقة متأخرة
وعبّر المستشار في الهيئة الجزائرية لمكافحة الفساد أسامة لبيد عن اعتقاده بأن "دعوة أردوغان سترفع التعاون بين البلدين إلى مستوى المجلس الاستراتيجي الذي يقوم على أساس المصالح المشتركة"، مشدداً على أنه "من المنطقي أن تستغل أي دولة الخلاف بين الجزائر وفرنسا من أجل التموقع واغتنام الفرصة لأن تكون الشريك الأول لبلاده". وأضاف أن "تركيا ترى في التقارب التاريخي مع الجزائر والعلاقات القديمة بين البلدين حافزاً لتكون الشريك الأساسي لها في القارة الأفريقية".
وقال "إذا كانت نية تركيا هي استغلال الوضع الدبلوماسي بين الجزائر وفرنسا، فتلك استفاقة متأخرة نوعاً ما وتأتي في الوقت بدل الضائع، لأن بديل فرنسا هو إيطاليا، وزيارة الرئيس الإيطالي والتصريحات التي رافقت محادثاته مع الرئيس تبون ومسؤولين آخرين، دليل على أن باريس خسرت موقعها لمصلحة روما لاعتبارات عدة".