Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الماجيكو" يعيد إحياء "القوائم السوداء" بين المصريين

تهنئة النادي الأهلي بعيد ميلاد اللاعب محمد أبو تريكة جددت حرب الكلام بشأن انتمائه السياسي

انتماء اللاعب المعتزل محمد أبو تريكة يثير الجدل قي الملاعب وخارجها   (أ ف ب)

الجالسون يمين الملعب يهنئون لاعب الأهلي الأسطورة أمير القلوب الماجيكو محمد أبو تريكة بعيد ميلاده الـ43. والجالسون يسار الملعب يعتبرون التهنئة خيانة والفرحة بميلاده غدراً وتمني السعادة وراحة البال غشاً ونفاقاً وتأكيداً لضياع الهوية وفقدان الانتماء. أما من لم يحضروا المباراة من الأصل فحائرون بين هؤلاء وأولئك، إذ البعض يعتبر الأمر تهنئة وكان ينبغي أن تمر بسلام، والآخر يرى أن مجرد الشبهة في الانتماء للإخوان أو مساندة من ينتمي لهم ولو بـ"سنة حلوة يا جميل" أمر جلل وخطب وضيع.

ما إن وضعت حرب الهجوم على الإعلامي إبراهيم عيسى وانتقاده قراءة القرآن أثناء ساعات العمل الرسمية أوزارها حتى تطايرت حمم تهنئة لاعب النادي الأهلي المعتزل، المحلل الكروي المقيم في قطر حالياً محمد أبو تريكة بعيد ميلاده لتلسع الجميع من محبي كرة القدم ومشجعي النادي الأهلي، بالإضافة إلى الملايين القابعة على كنباتها أو الماضية قدماً في شؤون حياتها.

طائر الرخ

الحياة حول الطائر الضخم القابع أمام البوابات العملاقة في حي مدنية نصر (شرق القاهرة) تسير بشكل طبيعي. الطائر الذي تفكه البعض وقت تمت إزاحة الستار من حوله بأنه إما طائر الرخ الأسطوري وإما العنقاء الخيالي نظراً إلى ضخامته الرهيبة يمر من حوله آلاف المصريين يومياً وهم ينظرون إليه بإعزاز وتقدير وإعجاب وتيه. ولمَ لا وهو "النسر" شعار النادي الأهلي الذي يحظى بجماهيرية مليونية في مصر؟! لكن الحرب الدائرة رحاها حالياً موضوعها ليس النسر بل أبو تريكة.

فمنذ وجه النادي الأهلي لنجمه السابق تهنئة بعيد ميلاده الـ43 قبل أيام حتى تفجرت الشظايا وتطايرت الحمم. تغريدة على الحساب الرسمي للنادي على "تويتر" يقول محتواها "يا يا يا تريكة. نحتفل اليوم بعيد ميلاد محمد أبو تريكة. نتمنى لك عيد ميلاد سعيد". مع الكثير من الكعك والبالونات والطراطير الافتراضية، مع إشارة إلى حسابه فتحت أبواب التنظير والمناظرات الجهنمي على مصاريعها.

تواترت الـ"لايكات"، ومعها توالت، ولا تزال التعليقات بين مهللة مهنئة متمنية السعادة والعمر المديد لـ"أمير القلوب" ومنددة مؤنبة للنادي الذي يفترض أنه نادٍ وطني لا يحتفل بمن صدر في حقه قرار رسمي بإدراجه على قوائم الإرهاب وبقائه فيها حتى أول مايو (أيار) عام 2023.

أمير القلوب والإرهاب!

"أمير القلوب" وفي أقوال أخرى "أمير الإرهاب" وفي ثالثة نجم الأهلي السابق صاحب الشعبية الجارفة والمثير للجدل الشديد في مصر منذ عام حكم فيه الإخوان مصر اختار عدم التعليق واكتفى بتوجيه الشكر لكل من هنأه.

لكن كل من هنأه لاقى اتهامات بالخيانة وأخرى بانعدام الوطنية وثالثة بترجيح كفة جماعة إرهابية على حساب وطن بأكمله. وفي المقابل، فإن كل من هنأه وجد في مثل هذه الاتهامات إما مبالغة لا داعي لها، أو مزايدة على الوطنية واستعراض لها، أو استخدامها لاتهام المعارضين بتأييد النظام الذي انقلب على حكم الإخوان الشرعي وأطاح الرئيس الإخواني الذي أتت به ديمقراطية الصناديق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأجواء الحالية تعيد إلى الأذهان أجواء الاستقطاب التي تفجرت في مصر وظلت محتدمة على مدى سنوات ما بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011. نيران الاستقطاب التي خلفتها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من الأحزاب والجماعات الدينية قُدر لها أن تظل مشتعلة لبعض الوقت. خمدت، لكنها تعود بين وقت وآخر حسب الحاجة. والحاجة هذه الآونة هي عيد ميلاد أبو تريكة "أمير القلوب" والمتهم بالانتماء للجماعة، إن لم يكن بحكم المحكمة ففي عرف ملايين مناهضة للإخوان.

نيران الاستقطاب

ولأن نيران الاستقطاب ليست وليدة عيد ميلاد أبو تريكة، أو حتى صعود الإخوان للحكم، أو هبوطهم منه، حيث ظلت لعقود في حال كمون وهدوء تحت وطأة الخوف من التعامل الأمني، فهي تعاود القفز على السطح بين الحين والآخر. وضمن ما قفز على السطح في مناسبة عيد ميلاد "أمير القلوب" المقيم في قطر حالياً بحث وتنقيب في موقف اللاعب المعتزل القانوني، حيث يتبادل ويتشارك آلاف المقيمين على منصات التواصل الاجتماعي تفنيداً لما على اللاعب وله من أحكام قضائية. القرار الأول صدر بالتحفظ على أمواله في شركة سياحة يملكها وآخرون، ضمن قرارات صادرة عن "لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان" في عام 2015. وكان قد غادر مصر قبلها بعام إلى قطر حيث يقيم منذئذ. بعدها طلبت النيابة من القضاء إدراج اللاعب وأكثر من 1500 آخرين من قيادات وأعضاء الجماعة على قوائم الإرهابيين. وصدر قرار بوضعهم بهذا المعنى يسري لمدة ثلاث سنوات في عام 2017. لكن اللاعب ونحو 500 آخرين طعنوا على القرار في عام 2018، وقبلت محكمة النقض الطعن وألغت القرار، فما كان من النيابة العامة إلا أن أقامت دعوى جديدة ضد أبو تريكة و1528 آخرين لوضعهم على قوائم الإرهاب لمدة خمس سنوات تنتهي في مايو عام 2023، وهو ما أيدته محكمة النقض وأصبح باتاً ونهائياً وغير قابل للطعن. ويقبع مع أبو تريكة في هذه القوائم كبار قادة الإخوان ومنهم على سبيل المثال لا الحصر خيرت الشاطر وأبناؤه، وسعد الكتاتني ومحمود عزت وأبناء الرئيس السابق الراحل محمد مرسي وباكينام الشرقاوي ووليد شرابي وغيرهم.

غيرة ودفاع

غيرة شديدة ودفاع عارم يعتريان الكثيرين من مشجعي النادي الأهلي ومحبي "اللاعب الخلوق" كما يحلو لمحبيه أن يسموه. قاعدة شعبية عريضة ما زالت تعشق أبو تريكة، أغلبها غير مسيس، ونسبة غير قليلة منها لا يعنيها من قريب أو بعيد انتماء للجماعة هنا أو حكم قضائي هناك، هي تحب "أبو تريكة" فقط. وينضم إلى هذه الجبهة الإخوان المستترون وأقرانهم المتعاطفون والمنتفعون من مشروعاتهم الخيرية على مدى عقود في محافظات ومدن وقرى ونجوع في مصر وأحياناً خارجها.

في قطاع غزة ميدان وملعب يحملان اسم أبو تريكة. ففي عام 2016، أعلن نادي نماء الفلسطيني إطلاق اسم اللاعب المعتزل المثير للاستقطاب والجدل بين محبي الجماعة وكارهيها على ملعب النادي "تكريماً ووفاء له لما قدمه لفلسطين وقطاع غزة خاصة" حسبما أعلن النادي وقتها.

مشهد درامي

وكان "أمير القلوب" كشف في مشهد درامي عن وصيته أثناء حضوره حفل "الكرة الذهبية" الجزائرية في عام 2016. وقال إنه ضمن الوصايا التي كتبها في وصيته حال وفاته أن يدفن معه الـ"تي شيرت" المكتوب عليه "تعاطفاً مع غزة" في كفنه. وكان اللاعب رفعه أثناء اللعب عقب إحرازه هدفاً في مباراة المنتخب المصري أمام السودان في كأس الأمم الأفريقية عام 2008 في غانا، ليكشف عن تي شيرت أبيض مكتوب عليه "تعاطفاً مع غزة" بالعربية والإنجليزية.

وأضاف أبو تريكة في حفل "الركة الذهبية" الجزائري أن "كرة القدم وسيلة للتقارب بين الشعوب، وأن لاعبها لديه رسالة داخل الملعب، ورسالته دائماً تبقى إيجابية: هي حرصه على الأخلاق، والاهتمام بقضايا أمته، وبتفاصيل كافة شؤون الأمة العربية". وأضاف أن "القضية الأساسية التي توحد الأمة العربية دائماً هي القضية الفلسطينية، فالعدو واضح وظاهر للشباب المسلم العربي"، ثم كشف عن وصيته.

وصية وكفن وقطر

وصية أبو تريكة وإقامته في قطر وتأييده محمد مرسي وقت انتخابات الرئاسة في عام 2012 وتأكيده أنه قرر دعم "مرشح الحرية والعدالة واختيار مشروع النهضة بناء على معطيات الواقع"، وأن "مصر تحتاج مؤسسة كبيرة بحجم حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين المنتشرة في ربوع مصر، وتعمل بحب وإخلاص"، وأنه "حرصاً مني وحباً في مصر، أرى أن نكون داعمين لمحمد مرسي" بحسب فيديو تم بثه ضمن لقاء تلفزيوني مع الرئيس الراحل ضمن حملته الانتخابية، ثم تغريداته الناعية له عقب وفاته وغيرها صارت مادة للشد الجذب والهبد والرزع هذه الأيام.

وزاد من حدة الهبد ووطأة الرزع الإعلامي "الزملكاوي" عمرو أديب، الذي تقدم بشكوى للنائب العام المصري على الهواء مباشرة في برنامجه الليلي "الحكاية" قبل أيام ضد صفحة النادي الأهلي الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، لأنها هنأت "أبو تريكة المدرج على قوائم الإرهاب"، قائلاً، إنه "لا يجوز للنادي الأهلي تهنئته بعيد ميلاده، إما النادي الأهلي قرر أن يتخطى القانون وأحكام القضاء، أو أصبح النادي فوق الجميع". يشار إلى أن عبارة "النادي الأهلي فوق الجميع" يحلو للنادي ومشجعيه استخدامها وتحولت إلى شعار له، وهو ما يثير غضب غير المنتمين له، بالإضافة إلى آخرين يعتبرون العبارة عجرفة وتعاليًا، وأحياناً قفزاً على الوطنية حيث "مصر وحدها هي التي تستحق أن تكون فوق الجميع" حسبما يقولون.

القوائم السوداء

"يقولون إن أبو تريكة إخواني لكني أحبه. كان قديس الكرة المصرية وأخلاقه قدوة للجميع"، على هذا النحو يعبر أحمد صادق (47 سنة) عن شريحة كبيرة من المصريين. لكن نجاة السيد (42 سنة) تقول إن "مجرد شبهة أن أبو تريكة ينتمي أو يتعاطف مع الإخوان ناهيك عن إقامته في قطر المعروفة بدعمها للإخوان رغم أنف إرادة المصريين تجعلني أضعه على قوائمي السوداء".

القوائم السوداء في مصر ظاهرة عرفت طريقها إلى الإعلام ومنها إلى العرف الشعبي كأثر جانبي ضمن قائمة طويلة من الآثار الجانبية لأحداث يناير 2011. قوائم سوداء لأعداء "ثورة يناير" وأخرى لداعميها وثالثة لمحبي الإخوان ورابعة لكارهيها، وخامسة لـ"أبناء مبارك" وسادسة لـ"داعمي حكم العسكر" وسابعة لـ"داعمي الحكم الديني" وثامنة لـ"المطالبين بالدولة المدنية" والقوائم لا تنضب أو تفنى.

المتوقع أن تنضب المعركة الكلامية الحالية حول عيد ميلاد أبو تريكة وهل هو إخوان أم متعاطف أم "ماجيكو" فقط، وأن تفنى دعوات النائب العام للتدخل والنادي الأهلي ليعتذر وعمرو أديب ليعتزل لحين نشوب معركة كلامية جديدة وعمليات بحث وتنقيب عتيدة حول انتماءات هؤلاء وتحزبات أولئك، حيث السجالات والمناظرات والتنظيرات باتت "فوق الجميع".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات