Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران والبحث عن ضمانات أوروبية قبل الأميركية

قد يكون خيار الذهاب إلى مفاوضات غير معلنة بين طهران وواشنطن مسوغاً في البعد السياسي

مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين الجديد علي باقري كني (أ ف ب)

خلال زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين الجديد، علي باقري كني، إلى بروكسل قبل أسابيع، التي مهدت الطريق أمام تحديد طهران موعد عودتها إلى طاولة التفاوض في فيينا، وحسب الرواية الإيرانية، سمع باقري كني عرضاً أوروبياً من مساعد مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أنريكه مورا، بإمكانية عقد لقاء بين إيران ودول الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا).

الرفض الإيراني للعرض الأوروبي لم يصدر عن عدم رغبة إيرانية فيه، بل لاعتبارات أخرى قد تخرج الموقف الإيراني المتشدد الذي عبر عنه الفريق المفاوض الجديد والشروط التي وضعها من أجل إعادة تفعيل المسار التفاوضي، لجهة أنه لن يسمع من ممثلي الترويكا كلاماً مختلفاً عن الكلام الأميركي في هذه المرحلة. بالتالي، فإن التمسك بشرط طهران بضرورة عودة واشنطن عن العقوبات التي فرضتها بعد الانسحاب من الاتفاق يصبح بلا معنى أو جدوى.

وكان الجانب الإيراني سمع، خلال زيارة باقري كني إلى موسكو في 29 أكتوبر (تشرين الأول)، الماضي، التي وصل إليها آتياً من بروكسل، كلاماً مرتفع السقف من الشريك الروسي الذي استشعر إمكانية إيرانية بقبول العرض الأوروبي. واعتبر ذلك التفافاً على الشريكين الرئيسين في مجموعة "5+1" في الاتفاق، أي روسيا والصين، وفتح مسار تفاوضي على حساب مواقفهما ومصالحهما الاستراتيجية.

انتفاضة روسيا قد تكون متأتية من قلقها بأن تكون في مواجهة مفاجآت إيرانية – أميركية، وأن لا تجد نفسها أمام حقيقة وجود مفاوضات خلف الكواليس بين واشنطن وطهران على غرار ما حصل في سلطنة عمان عام 2013. وقد أنتجت المسار التفاوضي الذي انتهى بالتوقيع على اتفاق جنيف عام 2015، وكان على العكس من كل الحروب الكلامية والمواقف التصعيدية التي سيطرت على المرحلة السابقة لهذه الخطوة. الأمر الذي استدعى تحركاً روسياً سريعاً بعد ما تسرب من معلومات عن لقاءات باقري كني في بروكسل في 26 أكتوبر. ما دفع القيادة الروسية إلى أن تطلب أو تستدعي المفاوض الإيراني لزيارة موسكو قبل العودة إلى طهران. وهذا الموقف الروسي دفع الجانب الإيراني إلى رفض العرض الأوروبي والتفاوض مع الترويكا من دون مشاركة الشريكين الروسي والصيني الحليفين.

قد يكون خيار الذهاب إلى مفاوضات غير معلنة وبعيداً من الأضواء بين طهران وواشنطن مسوغاً في البعد السياسي، خصوصاً أن المفاوضات المقبلة من المفترض أن تنقل التوتر القائم بين الطرفين إلى مرحلة تؤسس لنمط ومسار جديدين من العلاقات وتفتح الباب أمام بحث مسألة تطبيع العلاقات مستقبلاً بينهما، بالإضافة إلى أن التعقيدات المتشعبة التي تشوب آليات عودة الطرفين إلى الاتفاق النووي تفرض عليهما اللجوء إلى مفاوضات غير علنية وبعيداً من الشركاء الآخرين، لوضع خطة طريق تسهل عملية العودة إلى طاولة التفاوض والوصول إلى نتائج إيجابية.

وإذا ما كان الحراك الإيراني – الأميركي، في حال وجوده، فإنه يهدف إلى ترتيب الأرضية لإعادة إطلاق المفاوضات. في موازاة ذلك، من المفترض أو المتوقع أن تبدأ طهران مساراً جديداً في اتجاه عواصم الترويكا الأوروبية. وهذه المرة لا يندرج تحت عنوان التفاوض بينها وبين المجموعة، بل سيكون منفصلاً عن الآخر، في محاولة للتوصل إلى تفاهمات ثنائية هدفها تعزيز الموقف الاقتصادي والسياسي لإيران بغض النظر عن النتائج التي قد تخرج عن العودة إلى طاولة فيينا. ما يشكل مظلة لإيران في حال لم تستطع تحقيق ما تطالب به من عودة أميركية غير مشروطة وإلغاء جميع العقوبات دفعة واحدة.

بناء على هذه الرؤية، يمكن التعامل مع الجولة المرتقبة لمساعد وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين، باقري كني، إلى عواصم الترويكا الأوروبية، المقررة قبل موعد مفاوضات فيينا في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، التي تنسجم مع الاقتراحات السابقة التي طرحها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على الدول الأوروبية، بالعمل على تعزيز العلاقات الثنائية وتطوير التعاون السياسي والاقتصادي بعيداً من المسار التفاوضي بشأن الملف النووي. وهي اقتراحات تراهن الإدارة الإيرانية الجديدة على خلق مساحة تمايز بين موقف هذه الدول عن الموقف الأميركي في حال لم تصل المفاوضات إلى النتائج المطلوبة. فضلاً عن إيجاد مساحة تفاهمات ثنائية استعداداً لمفاوضات فيينا وإمكانية أن تصطدم بتعنت متبادل إيراني أميركي بشأن الشروط والشروط المقابلة حول آليات العودة إلى الاتفاق، أو الذهاب إلى أبعد منه والتفاهم بشأن آليات جديدة تتعلق بالتعامل مع الملفات العالقة بين الطرفين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الشروط الثلاثة التي وضعتها طهران أمام واشنطن، واعتبرتها مدخلاً لإعادة إحياء صيغة مجموعة (5+1) من جديد، تقوم على:

أولاً، اعتراف واشنطن بالخطأ الذي ارتكبته في قرار الانسحاب من الاتفاق، وهو شرط يبدو أن واشنطن أبدت ليونة تجاهه من خلال الكلام الذي صدر عن الرئيس الأميركي جو بايدن بعد القمة التي جمعته مع قادة الترويكا الأوروبية على هامش اجتماعات إيطاليا قبل قمة المناخ.

ثانياً، إلغاء جميع العقوبات دفعة واحدة وبشكل عملي ومؤثر، وهو شرط قد يدفع في اتجاه تعقيد الموقف التفاوضي للطرفين، خصوصاً أن واشنطن تؤكد ومعها الترويكا الأوروبية وإلى حد ما الجانب الروسي، الانطلاق بالتفاوض من النقطة التي انتهت إليها الجولة السادسة من مفاوضات فيينا التي قادها عباس عراقجي المفاوض الإيراني السابق، وأن التعامل سيقتصر على العقوبات ذات العلاقة بالبرنامج النووي، وأن العقوبات الأخرى بحاجة إلى مسار تفاوضي منفصل ومختلف لطبيعتها غير النووية.

ثالثاً، أن تقدم واشنطن ضمانات بعدم انسحاب أي إدارة أميركية من الاتفاق وعدم تكرار تجربة الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو شرط قد ينسف المفاوضات، ما لم تبدِ طهران ليونة وإدراكا حقيقياً لآليات صنع القرار في الإدارة الأميركية وصعوبة تمرير هذا الأمر في الكونغرس الذي لا يملك الديمقراطيون فيه الأكثرية المريحة.

أمام هذه الشروط، يبدو أن طهران لم تخرج من حساباتها إمكانية الوصول إلى طريق مسدود، وأن تتجه الأمور إلى إعلان وفاة الاتفاق النووي. لذلك، فإن التحرك في اتجاه العواصم الأوروبية والاتصالات التي أجراها وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان مع نظرائه في الترويكا الأوروبية، تصب في إطار وضع رؤية استباقية تقوم على فتح قنوات تعامل وتفاهم مع هذه الدول وفصل مواقفها عن الموقف الأميركي، بهدف تأمين أطر للتعاون الثنائي خارج التأثير الأميركي تضمن استمرار العلاقات السياسية والاقتصادية، وتساعد إيران على معالجة أزماتها الاقتصادية المتفاقمة التي وصلت إلى مستويات خطيرة تهدد بانهيار فعلي للوضع الداخلي والمعيشي للإيرانيين.

المزيد من تحلیل