Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو أعيدت الانتخابات في العراق؟

توقع مراقبون حدوث تغيير كبير ورأى آخرون أن ذلك "من المستحيلات"

إن اعادة الانتخابات ليست بالأمر البسيط، لأنها حظيت بإسناد دولي وأشاد بها مجلس الأمن (اندبندنت عربية)

فاقت نتائج الانتخابات العراقية المبكرة في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كل التوقعات، وربما كانت من أكثر الاستحقاقات الانتخابية التي شهدها العراق نزاهةً، خلال الفترة الممتدة من عام 2003 وحتى يومنا هذا. وكان ذلك نتيجة عوامل عدة قد تتلخص بـ"الأتمتة" أو تقليل التدخل البشري ضمن إجراءات العد والفرز في عملية الانتخاب إلى الحد الأدنى. فكانت رحلة الانتخاب تتلخص بأن يمسح صندوق الانتخاب ضوئياً بطاقة الناخب ويفرز ويعد في الوقت ذاته، ويرسل النتيجة إلى المركز الرئيس ويحفظ نسخة من النتيجة في عصا ذاكرة إضافية. ومما ساعد في الحفاظ على نزاهة الانتخابات، الإصرار على اعتماد بطاقة الناخب البيومترية بما فيها من ميزات أمنية من خلال البصمة الإلكترونية لأصابع اليدين العشرة، والتوقيع، والبصمة اليدوية التقليدية في سجل الناخبين. كل ذلك أسهم بشكل كبير في إجهاض أي محاولة لتزوير الانتخابات، بخاصة بعد سلسلة التجارب السابقة المستفزة، التي شابها كثير من اللغط والنقاش والتشكيك. العامل الآخر هو تشكيل مفوضية انتخابات، عمادها القضاة بما يمتلكونه من دراية قانونية وجانب اعتباري بوصفهم سلطة القانون الكبرى في العراق.
فشل التجارب السابقة وما تركته في نفوس المواطنين من إحباط وتكرار الوجوه ذاتها في الانتخابات السابقة، التي سجلت خللاً عميقاً في بنية النظام الانتخابي، كان لها الأثر الواضح في تغيير هذا النظام إلى نظام الدوائر المتعددة، وهو من الآليات لتقريب أبناء الشعب من الانتخابات ومحاولة لجعل العملية أكثر إنصافاً وأكثر تمثيلاً لإرادة الناخبين.
ولم تشهد العملية نفسها مشاركة مؤثرة تُذكر، إلا أنها على الرغم من كل شيء، عبّرت عن مزاج الشارع العراقي الذي يشعر بالملل والامتعاض من ممارسات الطبقة السياسية التي هيمنت على المشهد السياسي قرابة عقدين من الزمن. وكان لأحداث أكتوبر (تشرين الأول) في نهاية عام 2019، أثر واضح في تغيير كثير من القناعات التقليدية التي ترسخت بعد عام 2003.
ووفقاً لما خرجت به المفوضية اليوم من معطيات تشير إلى تطابق نتائج المحطات المطعون بها مع النتائج الأولية، ما السيناريو المتوقع لمستقبل العراق في حال أُعيدت الانتخابات؟ هل سيحصل تغيير كبير في نسبة المشاركة من قبل جمهور الناخبين؟ هل سيحصل تغيير كبير في عدد المقاعد سواء للكتل الفائزة أو الخاسرة على حد سواء؟
كان هذا سؤال الاستبيان الذي كشف عن توقعات الساسة والمثقفين والإعلاميين في البلاد، وفق إجاباتهم التي حملت كثيراً من الاستبشار والرغبة بالتغيير.
إن اعادة الانتخابات ليست بالأمر البسيط، لأنها حظيت بإسناد دولي وأشاد بها مجلس الأمن في ضوء تقارير "يونامي" (بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق) والمراقبين الدوليين، لذا فإن تبعات إلغاء الانتخابات ونتائجها كبيرة ولا تنحصر في البعد الداخلي. وصرح وزير العلوم والتكنولوجيا العراقي السابق رائد فهمي بهذا الخصوص، أنه يجد صعوبة في تحقيق هذا الاحتمال في الوقت الراهن، "ولكن يقابل ذلك احتمال استمرار الأزمة السياسية". ورأى أن الحل الذي تؤيده الأطراف كافة تقريباً، حتى إيران، هو كشف الذين قاموا بمحاولة الاغتيال وملاحقتهم وكذلك من يقف وراءهم. وأضاف "أما بالنسبة إلى نتائج الانتخابات، فربما تصل إلى عرض الأمر على المحكمة الاتحادية وتقديم الطعون، وربما تخرج بقرارات تضطر الأطراف المختلفة إلى قبولها أو الاستعانة بعناصر تسوية".


النتائج ستختلف تماماً

وحول فرضية أن "النتائج ستختلف تماماً"، أجاب رئيس أكاديمية التطوير السياسي والحكم الرشيد عبد الرحمن الجبوري أن "الانتخابات لن تُعاد، مهما كانت النتائج. وستخلق إعادتها مشكلات أكبر. وإذا افترضنا أن الانتخابات أُعيدت، ستختلف النتائج بشكل تام، فالمقاطعون سيعودون، وأعتقد أن المشاركة ستكون أكبر، وقد تعلّم الجميع كيف تُدار الدوائر الصغيرة الآن، أما المنافسة فستكون شديدة. ولن يحصل الصدريون على هذا العدد من المقاعد، أما تيار الحكمة فسيعيد توازنه، وستكون جبهة تشرين أقوى بكثير، وخلاصة القول إن النتائج والوجوه ستختلف تماماً".

نتائج مفاجأة

وقال الباحث الأكاديمي أحمد عبد العال إن "غالبية أبناء الشعب من الناخبين اعتادوا التصويت بدافع ديني أو مذهبي أو حزبي وربما يكون عشائرياً، إلا أن عدم اتضاح صورة الكتلة السياسية المعارضة التي أفرزها الحراك الشعبي كان السبب الذي قلّل نسبياً من حجم التغيير. فاتجهت المعارضة إلى الانتخابات بصورة ضبابية، ولم تعلن عن نفسها لأسباب عدة، أولها عدم النضوج السياسي، كالخوف من الانفلات الأمني والنقص الحاد في التمويل، مقارنةً بأحزاب حكمت لمدة طويلة وتراكم لديها رأس المال والنفوذ المؤثر جداً في المشهد السياسي. أما النتائج المفاجئة، فجعلت كثيرين يندمون على عدم المشاركة في التصويت". وأضاف أن "نتائج الانتخابات مثلت مزاج طيف واسع من الشعب العراقي، ولو شاركت هذه الكتل مرة ثانية بزخم كبير لغيّرت صورة البرلمان بشكل أكثر وضوحاً، وبشهادة مراقبين دوليين. ولو أعيدت الانتخابات في الدوائر شبه المقفلة أكثر من مرة لما تغيّرت النتيجة، لذلك لجأت الأحزاب إلى ترشيح شخصيات عشائرية كي تضمن الفوز من جانب آخر".
من جهة أخرى، عبّر الإعلامي فريد شهاب عن اعتقاده بأن "إعادة الانتخابات تعني نهاية النظام السياسي الحالي في العراق، لأن الانتخابات الحالية تمت المصادقة على نتائجها والاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول العالم أجمع. وإعادتها تعني وضع البلاد في عزلة عن العالم، بالتالي ربما توضع تحت طائلة البند السابع من جديد، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات على شخصيات سياسية عراقية، إضافة إلى احتمال انفلات الوضع الداخلي، بخاصة إذا تغيّرت النتائج، وفي ذلك حتمية حصول صراع جديد بين الكتل الفائزة والكتل الخاسرة حول شرعية الانتخابات، وهو مما لا تُحمد عقباه".

قضية هستيرية

أما المحامي مقداد الحسيني، فأعرب عن اعتقاده بأن إعادة الانتخابات ستسفر عن زيادة مقاعد الفائزين "ويُمنى الخاسرون بخسارة أكبر". وأضاف أن "كل التصرفات التي حصلت بعد النتائج تشير إلى أصل القضية، التي تُعدّ قضية هستيرية، فالخسارة تعني فقدان المنصب". وأكد "لسنا على استعداد للتخلي عن المنصب أو نؤمن بنظرية الربح والخسارة، والطريق الصحيح هو كيف نتخطى صدمة الخسارة لنحوّلها إلى نصر بأقل الخسائر. وهذا المنطق لا يفكر به الخاسرون بل هم ذهبوا إلى أبعد من ذلك باستخدام جُند الدولة العميقة كوقود لنزعات الخاسرين العدوانية". وتساءل الحسيني "متى نحكم بالمنطق؟".
وتوقع الصحافي ريحان الموصلي "عزوف العامة عن الانتخاب وزيادة الموالين للأحزاب".


التزوير والتلاعب بالنتائج

في السياق، لطالما انشغل الشارع العراقي بقضية التزوير والخشية من التلاعب بالنتائج الأخيرة، ما يوحي بمؤشرات سلبية في حال أُعيدت الانتخابات، وفق الصحافي أحمد الركابي، الذي أضاف أن "الأحزاب والكتل الخاسرة في حالة توقُّف وتتمنى لو أُعيدت الانتخابات لتحصد المقاعد من جديد في الحكومة المقبلة"، لكنه اعتبر أنه "من المستحيل أن تُعاد الانتخابات".

الجمهور العام غير مكترث

من جهة أخرى، توقع أستاذ الإعلام رعد الكعبي أن "نسبة مشاركة الناخبين لن ترتفع في حال أُعيدت الانتخابات، أما من يشعرون بالندم فما من دليل علمي على مشاركتهم، إذ لا يوجد إحصاء بعددهم، إضافة إلى أن نسبتهم ليست كبيرة وفق التقديرات. وبالنسبة إلى جمهور الأحزاب، فهو المعني والمستمر بالمشاركة، على عكس الجمهور العام غير المكترث أو المتحمس".

النتائج متطابقة 100 في المئة

واستبعد الإعلامي حسين علي إعادة الانتخابات "لأسباب عدة، أولها أن الصدريين وجمهورهم لن يتمكنوا من تحقيق هذا العدد من المقاعد في حال أُعيدت. والسبب الآخر هو أن المجتمع الدولي لم يسجل خروقات كبيرة تدعو إلى الإعادة".

وفي حال أُعيدت الانتخابات، توقع علي "ألّا ينجح غير الناجحين، وسيقتنع الخاسرون، لأنه من غير المحتمل أن المحطات التي فُرزت يدوياً ستغيّر النتائج الملحوظة لأنها مطابقة بنسبة 99 في المئة. وشهدت بنفسي أكثر من مركز للعد والفرز وسألت الفائزين والخاسرين من مراقبي الكيانات والمراقبين الدوليين الذين أجمعوا على مهنية المفوضية في العد والفرز اليدويين".
وقال علي إن "الشارع العراقي لن يشارك مرة أخرى في الانتخابات إذا أُعيدت، وستخسر الأحزاب جمهورها بعدم المشاركة".  

فوز كاسح

وكان لإعلامي من سكان منطقة الأعظمية رأي مختلف، إذ عبّر عن اعتقاده بأنه "لو أُعيدت الانتخابات في الدوائر شبه المغلقة ولأكثر من مرة، لما تغيّرت النتيجة، لذلك لجأت الأحزاب إلى ترشيح شخصيات عشائرية لتضمن الفوز. من جانب آخر، هناك إيجابيات في دوائر أخرى، مثل الدائرة السادسة في الأعظمية والمناطق المجاورة، وهي مناطق مختلطة من الناحية المذهبية، إلا أن الفائزة الأولى حققت فوزاً كاسحاً وعكست التوقعات المتعلقة بالولاء السياسي أو المذهبي، وذلك لسبب بسيط هو أن المرشحة عائشة المساري، أشرفت فقط على صيانة وتبليط عدد من مناطق بغداد، فمنحها سكان هذه المناطق أصواتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الباحث سفيان فؤاد، فقال "توقعاتي أن تكون الحكومة توافقية، أما الجماعات المسلحة، فلن تسكت وستحاول افتعال المشكلات بين فترة وأخرى".

الأحزاب الكبيرة عرفت مفاتيح اللعبة الانتخابية

"على الرغم من استبعاد فرصة إعادة الانتخابات إن لم نقُل استحالتها"، اعتبر الباحث الأكاديمي ماجد الربيعي أن "لا شيء كبيراً أو مهماً سيحدث، وبات واضحاً أن الأحزاب الكبيرة عرفت مفاتيح اللعبة الانتخابية، وطريق الفوز سواء كان ذلك بالمال السياسي أو التزوير أو حتى من خلال حيلة توزيع الدوائر الانتخابية، وممارسة الضغوط إعلامياً أو سياسياً، أو حتى تحريك الشارع عبر افتعال حوادث أو تحركات ذات منحى ديني أو طائفي أو أمني وغير ذلك".
واستطرد الربيعي "أتوقع أيضاً أن تحصل التيارات المدنية والعلمانية والمستقلين على مقاعد أكثر بكثير مما حصلت عليه سابقاً، لأنها أصبحت تعي دورها، قبل الانتخابات وأثناءها، فاكتسبت بعض الخبرة في توزيع مرشحيها، ومراقبة الانتخابات، وكيفية القيام بالدعاية والترويج، فضلاً عن نفور ناخبين كثر من التصويت للأحزاب الدينية وممارساتها ومحاولة تمسكها بالسلطة أو بامتيازاتها على الرغم من خسارتها تأييد قطاعات كبيرة من الشعب".

"المجرب لا يجرَّب"

 وبحسب رأي المخرج التلفزيوني فراس أحمد، "من الممكن أن ترتفع نسبة مقاعد المستقلين إلى 60 في المئة، عندها ستقلّ مقاعد الأحزاب، وترتفع مقاعد التيار المدني المستقل بشكل غير متوقع وستتكوّن كتلة أكبر. وستبدأ تغيّرات في الأحزاب الخاسرة لأنها لن تقبل أيضاً هذه النتائج وسترمي التهم جزافاً على دول خارجية ولكن الحقيقة الثابتة أن الشعب سيعاقب كل الكتل السابقة وسيلتزم الجملة المعروفة: إن المجرب لا يُجرَّب".
أما الباحث الأكاديمي فلاح الشكرجي، فأكد أن "احتمال إعادة الانتخابات غير وارد بتاتاً في ظل تمسّك طرفي الصراع بالسلطة وعوائدها المليارية". وأضاف "أما بالنسبة إلى من تم إقصاؤهم خارج دائرة الانتفاع من الحكومة، فما زالت أصابعهم على السلاح من دون أدنى اعتبار لمصلحة العراق".
ويظن الشكرجي أن "الفصائل الولائية لن تقبل أن تكون الحكومة صدرية، وسيرفض الصدريون إلغاء نتائج الانتخابات والجميع مسلحون".


سيحافظ الصدريون على المقاعد

وكان للفنان المسرحي محمد حميد رأي أكد فيه أن "تغييراً في عدد المقاعد سيحصل بفعل تأثير الضغوط الداخلية والخارجية". ويعتقد أحد المخرجين العراقيين أن "إعادة الانتخابات تعني إعادة الإسلاميين إلى السلطة، واعتماد الانتخابات يمثل انتهاءً لحظوظ الولائيين في السلطة".
وتوقع المصور الفوتوغرافي رسول بابل أن يصبح مستقبل العراق زاهراً، مضيفاً "أما بالنسبة إلى التغيير، ففي الحالتين ستكون هناك منغّصات وسيكون هناك تزوير متعمد، وأعتقد أن مشاركة الجمهور ستكون ضئيلة".
ورجّحت مقدمة البرامج مروة الوادي أن "يتم تقسيم المقاعد من جديد بين الأحزاب المتنافسة لتكون حكومة توافقية حقناً للدماء، وستتكرر تجربة الأعوام السابقة".
ورأى الإعلامي وميض ناجي أن "النتائج لن تتغيّر بشكل كبير وسيبقى الخاسر خاسراً والفائز فائزاً لأن الشارع العراقي استوعب اللعبة وانكشفت أمامه وجوه كثيرة تسيّدت الموقف العراقي لأكثر من 18 سنة ولا سبيل لرجوعهم مجدداً".

 هل ستتراجع الأحزاب الفائزة؟

"لن تجري الانتخابات وفق القانون الساري وسيُعاد النظر في الدوائر المتعددة وستتراجع الأحزاب الفائزة وسيخرجون في تظاهرات ويلجأون إلى الشارع، فأفضل الحلول لديهم هو إعادة العد والفرز اليدوي الشامل، لحفظ ماء وجه المعترضين والقبول بالنتائج"، وفق ما يرى الإعلامي محمد عطية.
واستبشر الممثل العراقي جمال الشاطي خيراً، مؤكداً أن "المشاركة ستكون أوسع وأن تغييراً كبيراً في النتائج سيزيح الوجوه المألوفة".

ستتغير الموازين

أما المراسل الإخباري طارق الربيعي، فكان متشائماً، وقال "ستتغير الموازين بتغيّر نسب عدد المقاعد، مع احتمال عدم المشاركة الجماهيرية، التي لن تتجاوز ربما أربعة إلى خمسة ملايين ناخب".
وفي الختام، قال سائق "التكتك"، "سأكون سعيداً بإعادة الانتخابات، لأن هوايتي في نهاية كل انتخابات هي جمع فليكسات (يافطات) المرشحين الخاسرين، أغلّف بها سقف التكتك، حتى يكونوا عبرةً لمن ينتخبهم مرة ثانية".

المزيد من العالم العربي