Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاولة اغتيال الكاظمي واستدراج العراق إلى وضع الدولة الفاشلة

تنبع خطورة الفوضى التي تعيشها البلاد من تزامنها مع قرب خروج القوات القتالية الأميركية

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ ف ب)

شكّلت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أبرز تجليات تصعيد العنف السياسي للصراع على السلطة في العراق، إذ اتخذت الفوضى في ذلك البلد أشكالاً مختلفة، تراوحت في الأعوام الأخيرة من احتجاجات عام 2019 على خلفية سوء الإدارة والفساد والفشل في سد حاجات المواطنين، إلى الضربات التي شنّها بعض الميليشيات على الجنود الأميركيين، ثم أخيراً محاولة اغتيال رئيس الحكومة.
حاول الكاظمي منذ تولّى منصبه انتهاج سياسة تستهدف الموازنة في علاقات العراق مع إيران والولايات المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أنه يمكن القول إنه سعى أيضاً إلى اتباع سياسة داخلية وخارجية تستهدف تقليل التأثير الإيراني في العراق الذي اتخذ اشكالاً عدة منذ عام 2003 وإسقاط نظام البعث. فمن جانب، زار السعودية والإمارات، كما أسس مع مصر والأردن محوراً ثلاثياً انبثق منه مشروع الشام الجديد، بما يعكس رغبة وإرادة مشتركة لتوسيع الحاضنة العربية لبلاده. وكما كتبنا كثيراً، فإن كل زيادة في هذه الحاضنة، يقابلها تضاؤل مساحة وجود طهران. ليست فقط تحركات السياسة الخارجية لبغداد في ظل الكاظمي التي سارت باتجاه تحييد وتقليل التأثير الإيراني، بل أيضاً على مستوى السياسة الداخلية، عملت المؤسسات الأمنية على كبح جماح الميليشيات العراقية التابعة لطهران. وكانت آخر حلقة في هذه السياسة، نتائج الانتخابات.
وتنبع خطورة الفوضى التي يعيشها العراق اليوم، من أنها تتزامن مع قرب خروج القوات القتالية الأميركية من البلاد بحسب الاتفاق بين واشنطن وبغداد. ربما تكون الفرصة مؤاتية لإيران للانفراد بالساحة العراقية بعد خروج الولايات المتحدة، لكن نتائج الانتخابات قلّصت مقاعد "تحالف الفتح" المرتبط بها، بشكل قد يؤثر في قدرتها على تشكيل الحكومة المقبلة واختيار رئيس الوزراء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتوضح محاولة اغتيال الكاظمي كيف أن نتائج الانتخابات والتخوّف من المشهد السياسي بعدها، يبرز حرص إيران والميليشيات التابعة لها على الاحتفاظ بمصالحهما ومكاسبهما السياسية ووضعهما الخاص بغض النظر عن النتيجة السياسية.
ولا يمكن ترك العراق للفوضى التي تصنعها وتوقفها إيران بحسب المصلحة. وهنا تبرز أهمية دور الولايات المتحدة، إذ باستطاعتها أن تساعد من خلال الاستمرار في دعم تعزيز القوات التي تسيطر عليها الحكومة. ولا ينبغي أن تكون رغبة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالعودة إلى العمل بالاتفاق النووي سبباً للتغاضي عن كل تداعيات التأثيرات الإيرانية. وتمثل محاولة اغتيال الكاظمي فرصةً للاستمرار في سياسات كبح عنف الميليشيات العراقية لكن لا بد من استمرار الدعم الأميركي والدولي للبلاد.
ليس الإرهاب الآتي من تنظيم "داعش" أو تنظيم "القاعدة" هو الخطر الوحيد الذي يواجه الدول العربية، بل التدخل الخارجي الذي من شأنه خلق كيانات موازية للدولة داخل الدولة. كيانات تمتلك القوة المسلحة وتوظفها للتحكم في العملية السياسية، بما يعرّض الدولة المركزية لتهديد الوقوع في حرب أهلية أو تحوّلها إلى دولة فاشلة. وتُعرَّف "الدولة الفاشلة" بأنها "دولة ذات مؤسسات حكم ضعيفة، وغالباً ما تشهد انقسامات داخلية عميقة، بحيث لا تتم تلبية الحاجات الأساسية للناس. لذا تنشأ الدولة الفاشلة حينما تواجه سلطات الدولة صعوبةً في الحفاظ على سيطرتها وتواجه حركات تمرد أو وجود ميليشيات مسلحة، غالباً ما تؤثر في مساحات شاسعة من أراضيها، وفي أسوأ الحالات تصبح حروباً أهلية شاملة، مدفوعة بالعداء العرقي أو غيره من العداوات بين الطوائف".

وبتطبيق هذا التعريف الأكاديمي على الوضع الذي يشهده كل من العراق ولبنان، نجد أن إيران وفي أثناء سعيها إلى تحقيق طموحاتها الإقليمية عبر شبكة من حلفائها الإقليميين، فإنها تخلق وضعاً مأزوماً ينتهي بالدول العربية المعنية إلى حالة الدولة الفاشلة، وهو ما يوضح أهمية وضرورة وضع السياسة الإقليمية لطهران على جدول أي مفاوضات معها، إذا كانت هناك رغبة بتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي، وإلا العواقب ستكون وخيمة ليس على سيادة العراق وغيره من الدول المماثلة، وإنما على الشرق الأوسط.

المزيد من آراء