Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يستطيع فاحشو الثراء حل مشكلة الجوع حول العالم؟

التبرع بستة مليارات دولار مذهل لكن أسباب الفقر متعددة ويصعب علاجها

رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك (أ ف ب)

في مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي أن أن" الأميركية، طرح مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي فكرة تحدٍّ بأن طالب كل من إيلون ماسك وجيف بيزوس باعتبارهما أثرى شخصين في العالم بالتحرك السريع ولو لمرة واحدة للمساعدة في حل مشكلة الجوع حول العالم، من خلال التبرع بستة مليارات دولار لإنقاذ 42 مليون شخص ينتظرون الموت جوعاً ما لم تصل إليهم جهود الإغاثة. وبعد أيام قليلة ألمح ماسك في تغريدة له، ربما على سبيل المزاح، إلى أنه قد يكون مستعداً للتبرع بالمليارات الستة المطلوبة من ثروته إذا شرح برنامج الغذاء العالمي كيف لهذه الأموال أن تستأصل مشكلة الجوع. لكن بصرف النظر عن مدى جدية ماسك، يرى الخبراء في الولايات المتحدة أن قضية الجوع أعمق وأعقد بكثير مما تبدو عليه، فما طبيعة هذه المشكلة ولماذا تبدو عصية على الحل؟

عناصر الإثارة

على الرغم من أن المناوشات الكلامية بين بيزلي وماسك، تبدو بالنسبة إلى البعض بلا جدوى لأن التبرع بالمليارات لم يحدث من قبل وقد لا يحدث أبداً، فإن آخرين أخذوه على محمل الجد لأن حديثهما يحمل من عناصر الإثارة والجدية الكثير، وقد يضع الرجلين تحت محاسبة المجتمع الدولي، فالحديث يدور بين رجل أعمال هو أغنى شخص في العالم حتى بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ومسؤول كبير في الأمم المتحدة التي تعد أكبر منظمة دولية، إذ فاز برنامج الغذاء العالمي التابع لها بجائزة نوبل للسلام عام 2020. 

وفي حين يبدو النقاش بين الرجلين جدياً عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الشكوك تنتاب البعض، نظراً إلى أن الطرفين ينحدران من عالمين مختلفين بما يعكس اختلافهما في طريقة التفكير وأسلوب العمل، إذ إن تركيز ماسك ينصب على الابتكار والفردية، بينما يرتكز اهتمام بيزلي وهو حاكم سابق لولاية ساوث كارولينا اختاره الرئيس السابق دونالد ترمب لهذا المنصب، على الدبلوماسية والتعددية التي تلتزم بهما الأمم المتحدة ووكالاتها.

ومع ذلك انشغل العالم بحديث بيزلي وماسك لأنه يسلط الضوء على أكثر المهام إلحاحاً وتحدياً للإنسانية، ألا وهي هزيمة الجوع في العالم، بخاصة أن عشرة في المئة من سكان الأرض أو 811 مليون شخص يعانون الجوع، بينما ملياران آخران عانوا سوء التغذية عام 2020، بزيادة حادة قدرها 118 مليون شخص مقارنة بعام 2019، ولهذا يحتاج العالم إلى مزيج مما يقدمه أثرياء العالم والأمم المتحدة لمساعدة كل شخص على وجه الأرض في الحصول على ما يكفي من الطعام.

ما الجوع؟

عندما يتحدث المتخصصون عن الجوع، فإنهم يفرقون بين ثلاثة أنواع، هي الجوع الحاد والمزمن والمستتر، حيث يشير الجوع الحاد المعروف باسم المجاعة إلى نقص الغذاء خلال فترة محددة، وهو أكثر أشكال الجوع تطرفاً وتركز عليه دائماً وسائل الإعلام ويظهر بشكل متكرر مع الأزمات مثل الجفاف والحروب والكوارث، بينما يشير الجوع المزمن إلى حالة من سوء التغذية على المدى الطويل، إذ يمتص الجسم طعاماً أقل مما يحتاج وهو الأكثر انتشاراً على مستوى العالم وعادة ما ينشأ بسبب الفقر. 

أما الجوع المستتر فهو شكل من أشكال الجوع المزمن، لكنه يحدث نتيجة النظام الغذائي غير المتوازن، من نقص في العناصر الغذائية المهمة، مثل الحديد واليود والزنك أو فيتامين "أ"، ولا تكون العواقب واضحة جداً بالضرورة، ولكن على المدى الطويل تؤدي هذه النواقص الغذائية إلى أمراض خطيرة، مثل نقص النمو الجسدي والعقلي وارتفاع خطر الموت. 

لماذا يصعب القضاء على الجوع؟

هناك ما يكفي من الغذاء على الأرض لإطعام الجميع، لكن الجوع الذي يصيب مئات الملايين ليس بسبب عدم قدرة دول العالم على إنتاج ما يكفي من الغذاء، وإنما بسبب مجموعة من العوامل المختلفة أبرزها الفقر الذي يعد السبب الرئيس. فالملايين من الناس حول العالم فقراء للغاية لدرجة أنهم لا يستطيعون شراء الطعام، كما أنهم يفتقرون إلى الموارد اللازمة لزراعة طعامهم، وتعد أكبر مجموعة من الناس الذين يعيشون في فقر مدقع هم صغار المزارعين في البلدان النامية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإضافة إلى الفقر، أدت الظواهر الجوية المتطرفة إلى أزمات الجوع مثل الجفاف والفيضانات التي تدمر المحاصيل، فضلاً عن الحروب والنزاعات التي تتسبب في فرار المزارعين ما يجعلهم غير قادرين على زراعة حقولهم.

وعلاوة على ذلك، يعد عدم المساواة وازدياد التفاوت بين الأغنياء والفقراء أحد أسباب الجوع الناشئ عن عدم توفر الأمن الغذائي، بخاصة أن واحداً في المئة من سكان الأرض يمتلكون نصف الثروة العالمية وفي وقت لا زالت التجارة العالمية منحازة لخدمة الدول الصناعية التي تحدد قواعد السياسة الدولية.

ومن هنا يعد توجه ماسك في تحدي برنامج الأغذية العالمي لوضع خطة عمل لإنهاء الجوع مقابل تبرعه البالغ ستة مليارات دولار أمراً منطقياً ومعقولاً، إذ إن برنامج الغذاء العالمي، الذي أُسس عام 1961، سعى بكل جهد للقضاء على الجوع في العالم منذ عقود، وجمع رقماً قياسياً قدره 8.4 مليار دولار في عام 2020 وحده، معظمها من البلدان التي تقدم الدعم طواعية، إلى جانب المنح التي يتبرع بها الأفراد، ومع ذلك لا يزال الجوع متفشياً في العالم، ولا يستطيع نحو 40 في المئة من سكان العالم تحمل تكلفة اتباع نظام غذائي صحي.

هل الحل بيد فاحشي الثراء؟

يقول برنامج الغذاء العالمي إنه يحتاج إلى 6.6 مليار دولار إضافية إلى ميزانيته السنوية للتخفيف من الجوع في العالم. ومن الناحية النظرية، يمكن لأغنى أثرياء العالم تحمل نفقات إنجاز هذا العمل الأخلاقي عاماً بعد عام، بخاصة أن أغنى واحد في المئة من الأميركيين يمتلكون وحدهم صافي ثروة إجمالية قدرها 34.2 تريليون دولار خلال عام 2020. 

لكن المشكلة تبدو أعقد كثيراً، فحتى لو تبرع الأثرياء بكثير من الأموال، فإن حل مشكلة الجوع يتطلب أكثر من المال، فهو يحتاج إلى تنظيم الحكومات البنية التحتية، وزيادة المساواة عبر دعم حركات مدنية، وتغيير السياسات. كما أن الحد من الصراع يتطلب دبلوماسية حكومية دولية.

أمثلة سابقة

وربما تكون مؤسسة بيل وميليندا غيتس هي أفضل سابقة لهذا النوع من المساعدات والهبات الكبرى، حيث يتوفر لديها ما يقرب من 50 مليار دولار من الهبات والمنح، وأسهمت بأكثر من ثلاثة مليارات دولار في الجهود العالمية للقضاء على الملاريا والسل وفيروس نقص المناعة البشرية الأيدز على مدى العقدين الماضيين. وعلى الرغم من تحقيق بعض النجاحات في الجهود التي تمولها، مثل لقاح الملاريا الجديد، فإن الفوز في هذه المعارك لا يزال بعيد المنال إذ يموت أكثر من 400 ألف شخص سنوياً بسبب الملاريا.

كما قدمت غالبية الأميركيين، من الفقراء إلى الأغنياء، 471 مليار دولار للمنظمات غير الربحية من جميع المجالات عام 2020، لتقديم المساعدات ذات الأولويات المختلفة ومن بينها القضاء على الجوع في العالم، ولكن هذه المنظمات لا تهتم كثيراً بمعاناة أفقر الناس في العالم.

هل سينفق ماسك ستة مليارات دولار؟

يتصرف ماسك بشكل متقطع على "تويتر" أحياناً، ومن المحتمل أنه لم يقدم عرضاً حقيقياً للتبرع، لكن العرض الشفهي الذي قدمه يجعل الأمر يستحق الاهتمام، إذ يمكن للرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا" ومدير برنامج الغذاء العالمي، انتهاز الفرصة والعمل معاً حيث يمكن للأمم المتحدة أن تمنح ماسك خطة للمحاسبة مفتوحة المصدر، وإن فعل ذلك، فقد يحاسب الجمهور ماسك على التعهد الذي قطعه على وسائل التواصل الاجتماعي. 

لكن سوابق التزام ماسك بتعهداته غير مبشرة بالأمل. ففي عام 2012، وقع ماسك على تعهد عام بالتبرع بنصف ماله في الأقل خلال حياته، لكنه مع تربعه على قمة أغنى أغنياء العالم لم يقدم سوى القليل من ثروته للأعمال الخيرية ولم يقل الكثير عن خططه الخيرية. ومع ذلك، ارتفعت تبرعاته خلال العام الحالي وفقاً لموقع "بيربونز" التابع لمؤسسته الذي اكتفى بالإشارة إلى اهتمامه بتمويل أبحاث استكشاف الفضاء، وأبحاث طب الأطفال، وتعليم العلوم والهندسة، وتطوير ذكاء اصطناعي آمن لإفادة البشرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير