Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يقود النزاع المسلح في إثيوبيا إلى تفكك الدولة؟

تشدد الأطراف في الصراع وعدم ترجيح الحلول السلمية قد يدفع البلاد إلى حرب أهلية طويلة

أفراد من إثنية الأورومو الإثيوبية (أ ف ب)

تشي التطورات العسكرية المتلاحقة على الأرض في إثيوبيا، بين قوات الحكومة الفيدرالية من جهة و"جبهة تحرير شعب تيغراي" والمتحالفين معها من جهة أخرى، بدخول ثاني أكبر دولة أفريقية من حيث التعداد السكاني، في منعطف حرج، ربما يمتد بآثاره السلبية على شكل النظام السياسي القائم في البلاد، في ضوء التعدد الإثني الواسع والمتنافر في آنٍ واحد، وفق تقديرات البعض.

وخلال الأيام الأخيرة، توجهت الأنظار الدولية والإقليمية إلى أديس أبابا، مترقبة جدّية إعلان عناصر تيغراي عزمهم الزحف نحو العاصمة لإطاحة حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، بعد تقدم على الأرض مكّنهم من السيطرة على مدينتَي ديسي (400 كيلومتر شمال أديس أبابا) وكومبولشا (380 كيلومتراً شمال أديس أبابا) الاستراتيجيتين، وتقدم حلفائهم من "جبهة تحرير الأورومو" نحو مدينة كميسي (340 كيلومتراً جنوب العاصمة).

في موازاة ذلك، يتصاعد قلق المراقبين بشأن مستقبل إثيوبيا الواقعة في إقليم جغرافي هش "أمنياً وسياسياً"، ولطالما كان مرتعاً للجماعات المتطرفة مع أهميته الاستراتيجية على الصعيد الدولي.

وفيما تتمسك الحكومة الاتحادية، بنفي أي تقدم كبير للمتمردين، مؤكدة أنها ستنتصر في هذه "الحرب الوجودية"، تتسع في المقابل دائرة الجماعات الإثنية المتحالفة في تمردها على سلطة آبي أحمد، وتزداد الترجيحات بشأن احتمال انزلاق تلك الدولة المكوّنة من تسعة أقاليم عرقية ذات حكم ذاتي، وتقطنها قوميات عدة، وفق ما تقول دائرة المعارف البريطانية، نحو "حرب أهلية" ستكون تداعياتها "كارثية" على إثيوبيا، وذلك في وقت بدأ البعض يستعيد نموذج "انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك جمهورياته" في تسعينيات القرن الماضي.

إلا أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن عبّر الأربعاء، عن اعتقاده بأن جميع الأطراف ترى مخاطر إطالة أمد الصراع في إثيوبيا، محذراً من أنه لا وجود لحل عسكري للخلافات بين الأطراف.

وقال بلينكن للصحافيين "هناك فرصة يحدوني الأمل في أن يغتنمها الجميع، بالجلوس ووقف ما يجري على الأرض، وفي نهاية المطاف التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإتاحة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، ومع الوقت التفاوض على حل سياسي أكثر استدامة".


سيناريو التفكك يخيم على المشهد

وبحسب تحليل مطوّل نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، فإن تطورات الحرب في إثيوبيا حتى إن كان من الممكن وقفها، إلا أنها أثبتت أن غياب هوية موحدة للبلاد والخلافات الشديدة حول من يجب أن يحكم وكيف يستمر، تجعل من الصعب نجاة الدولة من التفكك، مشيرةً إلى أنه "من دون رؤية مقنعة ومشتركة على نطاق واسع للدولة الإثيوبية، لن يتمكن رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد ولا أي خليفة محتمل له من منع قوى التفكك من الصعود على حساب قوى التوحيد والتماسك".

وتقول "فورين أفيرز" إنه في حال انتصار تحالف "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" و"جبهة تحرير الأورومو" في تلك الحرب ووصولها إلى العاصمة أديس أبابا، فمن المرجح أن يؤدي الاضطرار لتقاسم السلطة، إلى إبراز التوترات طويلة الأمد بين المجموعتَين، ما يزيد خطر عدم الاستقرار السياسي، مضيفةً أنه حتى إذا قررت جبهة تيغراي عدم الاستمرار في الاستيلاء على العاصمة من أجل السلام بشروط مؤاتية والمطالَبة باستفتاء على قدر أكبر من الحكم الذاتي والحماية لتلك الأقلية التي تمثل نحو 6 في المئة من تعداد سكان البلاد (يتجاوز عددهم الـ110 ملايين نسمة)، فمن المرجّح أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات مع حليفتهم "جبهة تحرير الأورومو" التي تدّعي أن العاصمة هي قلب إقليم أوروميا، ما سيترك بالتبعية الدوافع الكامنة وراء الصراع من دون حل.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وبعد خلافات استمرت أشهراً، أرسل رئيس الوزراء آبي أحمد الجيش إلى تيغراي لطرد السلطات الإقليمية المنبثقة من "جبهة تحرير شعب تيغراي" التي اتهمها بمهاجمة قواعد للجيش، وبعد ذلك بأسابيع أعلن انتصاره في المعركة، لكن في يونيو (حزيران) الماضي، استعاد عناصر الجبهة معظم مناطق تيغراي وواصلوا هجومهم في منطقتَي عفر وأمهرة المجاورتين.

ومع تركيزهم على الجبهة الجنوبية خلال الأسابيع الأخيرة، أعلن عناصر تيغراي في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، السيطرة على بلدة ووشال، وتساقطت في طريقهم إلى ديسي بلدات وقرى صغيرة عدة. ومع نهاية الشهر ذاته، وصلوا إلى مشارف ديسي، وخاضوا معارك ضارية مع القوات الاتحادية وعناصر الأمهرة، أخذت طابع الكر والفر، واستمات الطرفان للسيطرة عليها. وتضاربت الأنباء بين تأكيد المتمردين سيطرتهم على ديسي ونفي حكومي لذلك، إلا أنه في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تأكد سقوط ديسي، بخاصة بعد إعلان الحكومة قتل المتمردين لـ100 شاب في كومبولشا، ما يعني اعترافاً ضمنياً بسقوط ديسي.

وعلى وقع تلك التطورات وتشدد كل طرف بالمضي قدماً في إطاحة الآخر، تقول "فورين أفيرز" إن "الطرفين يريان في التسوية خيانة، ما يعني أنه وبغض النظر عن الطريقة التي سينتهي بها الصراع الحالي، فإن الاستقرار، وفي نهاية المطاف، بقاء الدولة الإثيوبية، سيتطلبان من قادة الدولة وضع رؤية جديدة للبلاد يبدو أنهم غير قادرين على وضعها حالياً".

من جانب آخر، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن أزمة إقليم تيغراي لم تسلّط الضوء على خطر تفكك إثيوبيا فحسب، بل أظهرت كيف أن بذور عدم الاستقرار في هذه البلاد ظلت مزروعة منذ نهاية القرن الـ19، إذ لم تشهد سلاماً داخلياً إلا نادراً، موضحة أنه "من السهل رؤية الانقسامات في إثيوبيا على أنها نتيجة حتمية للحجم الهائل للبلاد وتنوعها الإثني، فهي البلد رقم 27 في العالم من حيث كبر المساحة وموطن لأكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة، لكن لا الجغرافيا ولا الديموغرافيا تشكّل قدراً. فالقادة الإثيوبيون المتعاقبون أثاروا التوترات العرقية والمناطقية، وحكم كل منهم بطريقة أعطت مجتمعاً واحداً على الأقل سبباً للشعور بالظلم".

وعلى مدى العامين الماضيين، ازدادت حدة الانقسامات في إثيوبيا بسبب انتشار خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت فرانسيس هوغن، المبلّغة عن المخالفات على "فيسبوك" لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في جلسة استماع خلال الشهر الحالي، إن "الحديث الخطير عبر الإنترنت في إثيوبيا أدى إلى عنف حقيقي يضر بالناس بل ويقتلهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك ما لا يقل عن 13 مجموعة عرقية مختلفة تطالب حالياً إما بمزيد من الحكم الذاتي أو الانفصال الذي يكفله الدستور، لكن تلبية هذه المطالب صعب للغاية. على سبيل المثال، تطالب مناطق مثل تيغراي وأمهرة بأجزاء من أراضي بعضها البعض، وقد ظلت عالقة في نزاعات حدودية طويلة الأمد. وهناك نزاعات أخرى أكثر تعقيداً تجري بين سكان الإقليم الواحد مثل إقليم سيداما حول الانفصال أو الوحدة. ويؤكد مثل هذه الأمثلة الصعوبة الهائلة في إدارة الفسيفساء العرقية المعقدة في إثيوبيا والحاجة الملحة إلى رؤية موحّدة إذا كان للبلاد أن تنجو من التفكك، بحسب ما تشير "فورين أفيرز".

الصراع العرقي يتفاقم

وبنظرة أخرى، تُرجَّح كذلك احتمالات تفكك الدولة الإثيوبية، إذ تقول مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن الصراع العرقي تفاقم في البلاد مع وصول آبي أحمد إلى السلطة، معتبرةً أن الحرب في تيغراي ليست مجرد صراع عسكري في مقاطعة شمالية، بل حرب للسيطرة على المركز السياسي في أديس أبابا نفسها، ومضيفةً أن "السؤال الآن يتركز حول من سيحكم إثيوبيا؟ هل تيغراي الشمال أم الأمهرة المهيمنون تاريخياً، أم الأورومو الأقوياء ديموغرافياً؟، وعليه فإن القضية الأساسية التي يتعين حلها في البلاد تتعلق بالعلاقات بين الأعراق".

وتتكون إثيوبيا من تسعة أقاليم عرقية ذات حكم ذاتي. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن هناك قوميات متعددة في تلك الدولة الأفريقية، مشيرةً إلى أن التمايز اللغوي يُعدّ أحد أبرز أسباب الخلافات في البلاد، حيث هناك نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 مجموعات لغوية رئيسة هي السامية والكوشية والأومية وجميعها من الأسرة الأفرو- آسيوية، كما أن هناك مجموعة رابعة تنتمي إلى النيلية وهي جزء من أسرة اللغات النيلية الصحراوية.

ووفق الموسوعة البريطانية، تأتي على رأس أبرز القوميات العرقية في إثيوبيا، الأورومو، المتمركزة في أوروميا بوسط البلاد ويشكلون نحو 34 في المئة من عدد السكان، وهم أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا ويشكون منذ زمن طويل من تعرضهم للتهميش.

ولآبي أحمد أصول من جماعة الأورومو العرقية، وساعدته أكبر الجماعات العرقية في البلاد في الوصول إلى منصبه بعد أعوام من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. لكنه فقد بعض الدعم بعدما اعتقلت قوات الأمن الآلاف من الأورومو، الذين اتهمه بعضهم بأنه لا يقدم ما يكفي لجماعتهم. كما احتجزت السلطات زعماء عدة منهم في أعقاب أحداث شغب أودت بحياة المئات. وتعاني أوروميا، وهي المنطقة المحيطة بأديس أبابا، من الانقسامات.

أما الأمهرة وهي ثاني أكبر مجموعة عرقية، فيشكلون نحو 27 في المئة من عدد السكان، وتُعدّ لغتها، اللغة الرسمية للجمهورية الإثيوبية، وينتمي إليها عدد من الرموز في التاريخ الإثيوبي، مثل الإمبراطور هيلا سيلاسي والزعيم الشيوعي منغستو هيلا ماريام.


وفي عام 2019، شهد إقليم أمهرة محاولة انقلابية قُتل نتيجتها مسؤولون حكوميون، أبرزهم رئيس أركان الجيش سيري مكونن الذي ينتمي إلى قومية تيغراي. وحينها قال مراقبون إن هذه المحاولة كانت تستهدف بالأساس إضعاف آبي أحمد، الذي كان لتحالفه مع سيري مكونن أهمية خاصة، إذ ينتمي أحمد لقومية الأورومو، بينما ينتمي مكونن لقومية تيغراي. ويقول مراقبون إن العامل المهم في الصراع الحالي في البلاد هم الأمهرة، الذين باتت مشاركتهم في هذا النزاع أمراً وجودياً، لا سيما بعدما نقل عناصر تيغراي المعركة إلى مناطقهم ويسعون إلى عزلها عن العاصمة.

وتحل عرقية تيغراي في المرتبة الثالثة بنحو 6.1 في المئة من التعداد السكاني، وغالبيتهم يعيشون في شمال البلاد. وهيمنت "جبهة تحرير شعب تيغراي" على الأجهزة السياسية والأمنية في إثيوبيا بعدما قادت الائتلاف الحاكم في السلطة والمعروف بـ"الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي" لنحو 30 سنة، إثر سيطرتها على أديس أبابا وإطاحتها النظام العسكري الماركسي المتمثل في "المجلس العسكري الإداري المؤقت" عام 1991. إلا أنه في عام 2018، أزاح آبي أحمد الذي عُيّن رئيساً للوزراء، الجبهة من الحكم، فتراجعت هذه الأخيرة إلى معقلها في إقليم تيغراي.

وحقق عناصر تيغراي تقدماً استراتيجياً خلال الأسابيع الأخيرة بعدما سيطروا على ديسي ثالث أكبر مدينة في إقليم أمهرة، ويقطنها 136 ألف نسمة، بحسب موقع "وورلد ماترز"، بعد كل من بحر دار (نحو 170 ألف نسمة) وغوندر (نحو 154 ألف نسمة). وتكمن أهمية ديسي الاستراتيجية في وقوعها على الطريق الرابط بين إقليم تيغراي وأديس أبابا، كما أنها قريبة من الطريق الدولي، الذي تمر منه نحو 95 في المئة من الصادرات الإثيوبية نحو ميناء جيبوتي. كذلك سيطر مسلحو تيغراي على كومبولشا، الواقعة على الطريق الرابط بين إقليم تيغراي وأديس أبابا، وقرب الطريق الدولي والتي تُعدّ منطقة صناعية جذبت مستثمرين أجانب من آسيا وأوروبا، ما يعني أن المنطقة الشرقية لإقليم أمهرة أصبحت في قبضة تيغراي، وذلك تزامناً مع إعلان الأورومو سيطرتهم على كيميسي (جنوب كومبولشا)، وبلدات صغيرة عدة على الطريق المؤدي إلى أديس أبابا.

وتبرز قوميات أخرى، كالقومية الصومالية التي تشكل نحو 6.1 في المئة من تعداد السكان الذين يتركز وجودهم في منطقة أوغادين (شرق)، كما هناك قوميات أخرى أصغر مثل الغوراغ والولياتا وعفار وهادييا وغامو وغيرها.

المزيد من تقارير