Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى متى يحمي الذكاء السياسي بوريس جونسون؟

الحنكة أفادت رئيس الوزراء البريطاني في التمسك بمكاسبه حتى الآن على الرغم من الفضائح والضغوط

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون (أ ف ب)

تراجعت الحكومة البريطانية نهائياً عن محاولتها إلغاء لجنة المعايير البرلمانية، وتشكيل لجنة جديدة يسيطر عليها حزب المحافظين الحاكم فقط.

وكان زعيم الأغلبية في مجلس العموم (البرلمان البريطاني) جاكوب ريس موغ، تقدم بمقترح التعديل وأجبر نواب الحزب الحاكم على تمريره بهدف منع محاسبة النائب أوين باترسون، الذي خلص تقرير للجنة إلى معاقبته على فساده بتعليق عضويته لمدة شهر.

واضطر باترسون للاستقالة، على الرغم من محاولات الحزب وزعيمه رئيس الوزراء بوريس جونسون، إنقاذه من المحاسبة، لكن تفجر العديد من فضائح الفساد في حزب المحافظين الحاكم على مدى الأيام الماضية، وتهديد كل أحزاب المعارضة السياسية في بريطانيا بمقاطعة أي لجنة جديدة تشكلها الحكومة، أديا إلى تراجع الحكومة تماماً عن اقتراحها وسحبه من البرلمان.

وتواصل المعارضة التي يقودها حزب العمال والحزب القومي الاسكتلندي ومعهما الليبراليون الأحرار وغيرهم، استغلال تلك الفضائح وقضايا الفساد للضغط على حكومة المحافظين بقيادة بوريس جونسون، ربما لدفع رئيس الوزراء للاستقالة.

لكن أغلب المحللين والمراقبين والمعلقين السياسيين يستبعدون احتمال استجابة جونسون لتلك الضغوط وترك منصبه أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وعلى الرغم من الضغوط واللغط السياسي لا يبدو أن أحزاب المعارضة ترغب أيضاً في استقالة الحكومة، لأن ذلك سيعني إجراء انتخابات عامة في البلاد قبل موعدها المقرر في 2025.

وبحسب أغلب استطلاعات الرأي ووضع تلك الأحزاب، خصوصاً حزب العمال المعارض الرئيس، لا يمكن لتلك الأحزاب التغلب على أغلبية حزب المحافظين البرلمانية، وبالتالي لن تستطيع تشكيل حكومة لو أجريت الانتخابات الآن.

سلسلة فضائح فساد

ستبدأ الشرطة البريطانية تحقيقاً جنائياً في فضيحة الفساد التي فجرتها صحيفة "صنداي تايمز" هذا الأسبوع حول "خدمات مقابل مدفوعات"، بعدما تقدم نائب عن الحزب القومي الاسكتلندي ببلاغ إلى الشرطة.

وكشف تقرير الصحيفة أن الفساد متفش في أروقة الحزب الحاكم والحكومة، إذ يتم منح لقب "لورد" لمن يدفع للحزب الحاكم أكثر من 4 ملايين دولار (3 ملايين جنيه استرليني).

وأضافت أن 16 شخصاً على الأقل تولوا أمانة الصندوق في الحزب تم تعيينهم في مجلس اللوردات بعدما دفعوا تلك المبالغ وأكثر، وعينت حكومة المحافظين 22 لورداً في العقد الأخير بينما رفضت لجنة التعيين في المجلس ترشيحات ستة آخرين.

ودفع هؤلاء للحزب أكثر من 70 مليون دولار (54 مليون جنيه استرليني) في شكل تبرعات.

ولأن لقب لورد يختلف عن الألقاب التشريفية الأخرى مثل لقب سير ولقب فارس وغيرها، فإن منحه مقابل المال يعني شبهة فساد وتهمة جنائية، فلمجلس اللوردات دور تشريعي في التصديق على القوانين واعتماد السياسات في البلاد.

قضايا أخرى

لكن تلك ليست فضيحة الفساد الوحيدة الأخرى التي يواجهها حزب المحافظين وحكومته برئاسة بوريس جونسون، فإلى جانب ما قررته لجنة المعايير بشأن فساد النائب السابق أوين باترسون الذي تقاضى أموالاً من شركة "راندوكس" للاختبارات الصحية ليضغط على وزراء الحكومة لمنحها عقوداً بما يقارب ثلاثة أرباع مليار دولار (نصف مليار جنيه استرليني) خلال وباء كورونا، والقضية التي فجرتها "صنداي تايمز"، هناك قضايا أخرى، أحدثها ما كشفت عنه الصحافة البريطانية بشأن استغلال الوزير السابق في حكومة المحافظين النائب سير جيفري كوكس، لوضعه البرلماني للتربح من استشارة قانونية لحكومة أجنبية في قضية فساد مالي رفعتها عليها حكومة بريطانية، بل واستغلال مكاتب مجلس العموم في القيام بهذا النشاط متجاهلاً مهماته البرلمانية، وحصل من تلك الحكومة على أتعاب تزيد على مليون دولار (800 ألف جنيه استرليني).

هناك أيضاً قضايا تمس رئيس الوزراء بوريس جونسون نفسه، منها قضية تجديد شقته الحكومية بأموال رجال أعمال من الممولين لحزب المحافظين. وما زالت لجنة الانتخابات تحقق في تلك المسألة، لكن لجنة المعايير البرلمانية ألمحت إلى أنها قد تبدأ تحقيقها الخاص في الموضوع ما إن تنتهي لجنة الانتخابات من تحقيقها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما أحدث ما يتعلق بجونسون فهو ما كشف عنه بشأن عطلته العائلية الأخيرة الشهر الماضي في ماربيا جنوب إسبانيا على حساب اللورد غولدسميث. وأظهرت سجلات المصالح أن رئيس الوزراء وعائلته قضوا العطلة في منزل غولدسميث مجاناً، وربما يبدو ذلك عادياً لولا أن غولدسميث، وهو وزير سابق في حكومة المحافظين مثل جيفري كوكس، خسر الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فعينته حكومة جونسون في مجلس اللوردات، مما يزيد من شبهات "الدفع مقابل الخدمات" التي تحيط بحزب المحافظين وحكومته، وقد تتحول إلى تحقيق جنائي في الشرطة.

مهارة بوريس جونسون

كل تلك المشكلات والضغوط قد لا تطيح بالحكومة وبوريس جونسون من 10 داوننغ ستريت (مقر الحكومة البريطانية)، لكنها بالتأكيد قد تنال من صدقية حزب المحافظين.

أما رئيس الوزراء فقد تمكن طوال مسيرته المهنية من الصحافة والإعلام إلى السياسة من تفادي الخسائر على الرغم من الأخطاء.

وفي وثائقي قصير أعدته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عام 2019 مع فوز بوريس جونسون بزعامة حزب المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية خلفاً لتريزا ماي، أمكن للمتابع أن يخلص إلى أنه يعتمد على ذكائه أكثر من "العمل الجاد" في تحقيق نجاحاته.

هذا الذكاء والحنكة السياسية جعلا جونسون يفلت من أول مشكلاته حين كان صحافياً صغيراً مراسلاً في بروكسيل، ولفق تقريراً صحافياً غير حقيقي، فعلى الرغم مما قد يبدو ظاهرياً من غرابة في تصرفاته، إلا أنه صقل ذكاءه بتعليم مميز بدأ من كلية غيتون، أعرق مدرسة داخلية خاصة في بريطانيا، ثم جامعة أكسفورد، وأكسبه العمل في الصحافة والإعلام مهارات المناورة والالتفاف مستغلاً ذلك الذكاء والقدرة على التحليل.

"القواعد والمعايير هي للخاسرين"

وربما كانت أكثر مناوراته السياسية ذكاء هي تزعمه فريق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) قبل استفتاء عام 2016 مباشرة، وعلى الرغم من أن بعض قيادات حزب المحافظين كانوا أكثر حماساً لـ "بريكست" منه، مثل جاكوب ريس موغ ومايكل غوف ودومينيك راب وغيرهم، إلا أنه تمكن من جعلهم حلفاء له وهو الزعيم. وبعدما فاز برئاسة الحزب والحكومة عينهم في مناصب قيادية في حكومته، ثم أخذ ينقلهم من منصب إلى منصب حتى خفت وهجهم تماماً.

وبحسب ما نشرت مجلة "إيكونيميست" المحافظة في تقرير لها هذا الأسبوع، فإن بوريس جونسون طالما "اعتبر القواعد والمعايير هي للخاسرين ليتمسكوا بها" بدلاً من قدرتهم على تحقيق النجاح.

وتعتقد مجموعة "بريكست" في حزب المحافظين أنهم أخرجوا بريطانيا من أوروبا غصباً عن الليبراليين والتقدميين، وتقريباً نصف البريطانيين الذي صوتوا للبقاء في أوروبا في استفتاء 2016، وبالتالي فإن ما يواجهونه ناتج من غضب هؤلاء من نجاح تلك المجموعة في إنجاز "بريكست".

لكن تلك الحجة ربما بدأت تفقد بريقها، ويحتاج بوريس جونسون إلى كل ذكائه وحنكته السياسية ومهارته في المناورة، ليجد سبيلاً آخر للحفاظ على كرسيه وبقاء حزبه في الحكم.

المزيد من تقارير