Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشارع السوداني يؤكد المضي في "المواجهة السلمية"

"يسعون لفرض إرادتهم على الشعب بالقوة لكنهم يواجهون واقعاً مختلفاً يصعب تحقيقه ولا يريدون الاعتراف بما وقعوا فيه من خطأ"

تظاهرات في الخرطوم (رويترز)

ظل الشارع السوداني، منذ إعلان القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد وتعطيل الشراكة مع المدنيين في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في حالة ترقب لما ستسفر عنه جهود الوساطة الإقليمية والدولية والمحلية من حلول للأزمة السياسية. لكن يبدو أنه توصل لحقيقة واحدة لا ثانية لها، وهي السير في طريق المواجهة السلمية، على الرغم من المخاطر ووسائل القمع التي تمارسها ضده الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد.

لكن كيف تنظر القوى السياسية بكل مكوناتها لهذا الواقع وإمكانية إيجاد حلول توافقية تجنب السودان مأزق التفكك والانهيار نحو الهاوية؟

حوار شفاف

يقول الأمين العام في حزب الأمة القومي السوداني الواثق البرير، "في رأيي كل المؤشرات توضح أنه يجب على المكون العسكري أن ينصت لصوت العقل، كما أن الواقع يؤكد أن هناك رفضاً كبيراً من قبل كل مكونات الشارع السوداني الجهوية والعرقية والقبلية والعمرية لهذا الانقلاب، فضلاً عن الرفض الدولي والإقليمي، وأيضاً من قبل المؤسسات الدولية المالية، ومنظمات حقوق الإنسان، وتلا ذلك رفض دول الجوار التي كنا نحسب أن لها أيادي خفية في ما حدث من قرارات شمولية. فالجميع يقول يجب الاستجابة لصوت الجماهير التي قالت كلمتها يومي 21 و30 أكتوبر بألا عودة لحكم العسكر، وبالتالي المنطق لحل الأزمة السياسية هو الجلوس في حوار شفاف بين المكونين المدني والعسكري لوضع حد لهذه المشكلة من خلال معالجة ترضي كل الأطراف، وتبعد البلاد من مخاطر التفتت والانزلاق".

وأضاف البرير "لكن من وجهة نظري، فإن الشيء الإيجابي الآن هو تردد المكون العسكري ممثلاً في القائد العام للقوات المسلحة في تعيين رئيس وزراء جديد، ما يؤكد أنه يواجه مشكلة حقيقية، على الرغم من إصداره أكثر من 400 قرار بإعفاء وتعيين قيادات في الخدمة المدنية، وتجميد حسابات شركات، والقيام باعتقالات واسعة للسياسيين في الخرطوم والولايات المختلفة. فالمراقب لكل ما يجري الآن في المشهد السوداني يصل إلى نتيجة تؤكد أن هؤلاء العسكريين يريدون فرض إرادتهم على الشعب بالقوة، لكنهم يواجهون واقعاً مختلفاً يصعب تحقيقه، وفي الوقت نفسه لا يريدون الاعتراف بما وقعوا فيه من خطأ، فظلوا تائهين لأنهم ضلوا الطريق، حيث وقف الشارع لهم بالمرصاد".

وتابع الأمين العام في حزب الأمة القومي السوداني، "هناك عدد من السيناريوهات المتوقعة، لكن نأمل أن يعود العسكر إلى رشدهم بإرجاع الأوضاع لنصابها، ومن ثم العودة إلى الحوارات العالقة لإنجاز الملفات المهمة والضخمة التي تحتاج إلى عمل كبير، كالعلاقة بين العسكريين والمدنيين، وقضية التحول المدني، وصناعة الدستور، والترتيبات الأمنية، وقانون الانتخابات العامة. ونتوقع في حال رفضهم التراجع عن قرارات 25 أكتوبر مواصلة الشارع موجة الاحتجاجات، وقد تنجح مساعيهم في قمع الشارع، وستكون النتيجة عودة العقوبات الدولية وانهيار الأمن واستمرار القتال وهذا سيناريو لا نرغب فيه".

التحلي بالحكمة

وفي السياق، أوضح الأمين العام في "الحزب الجمهوري" السوداني حيدر الصافي، أن "المشهد السوداني ممثلاً في الحراك الشعبي والضغوط الدولية والإقليمية تصب في اتجاه واحد هو دعم المسار الديمقراطي، احتراماً للرأي العام العالمي، ونزولاً عند رغبة الشارع التي تعبر عنها المسيرات الجماهيرية، لذلك أصبح المكون العسكري أمام خيار واحد فقط، هو دعم التوجه الديمقراطي ولو على مراحل، وهذا يتطلب التحلي بالحكمة بأن تكون هي الأداة المسيطرة على المشهد".

وزاد الصافي، "أي اتجاه لتكوين حكومة من دون مراعاة لهذه التوجهات والآليات ستكون منبثقة عن المنظومة العسكرية، وبالتالي لن تجد القبول المحلي والدولي، ولا مستقبل لها، بل ستشهد المزيد من الخلافات. فالذين يريدون صناعة الحاضر عليهم أن يعرفوا جيداً أن الحرية هي مبدأ أساسي، وأن قراراتهم الآنية التي صدرت في 25 أكتوبر ليس فيها مستقبل للوطن. ففي الحقيقة لا أعلم ما يدور في أروقة هؤلاء العسكريين، لكن عليهم أن يعلموا أنه ليس لدينا رجعة إلى الوراء، ولا نشم غير رائحة الحرية".

ومضى الأمين العام في "الحزب الجمهوري"، قائلاً "الشارع السوداني ليس لديه خيار غير التمسك بشعار السلمية للوصول إلى نهاية انتفاضته التي مهرها بدماء عشرات الضحايا والمفقودين، ومئات الجرحى. فالممارسة الديمقراطية زادت من وعي القاعدة الجماهيرية، لذلك لا بد أن يسير المشهد في اتجاه الديمقراطية، وهذا التحول والانتقال الديمقراطيين حق مكفول وممنوح ليس له سقف معين ليتحقق على أقساط. فالشارع السوداني لا ينادي بحزب معين أو كتلة سياسية محددة، فهو يدعو إلى الحرية والعدالة ويتطلع لتحقيقها بأي ثمن، وتجارب الانتفاضة شاهدة على ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبضة أمنية

من جانبه، رأى الأمين السياسي في "حزب المؤتمر الشعبي" (حزب الترابي) كمال عمر، أنه "من الواضح أن كل الضغوط الدولية والمحلية لم تفلح في زحزحة العسكر من خطواتهم ذات الصبغة الأمنية، وأنهم ماضون في برنامجهم المعلن للسيطرة على الحكم، والدليل على ذلك حملة الاعتقالات المستمرة لكل من عارض توجههم، والفصل التعسفي الذي طال كثيراً من المعارضين لقرارات 25 أكتوبر في الهيئات، فضلاً عن مواجهتهم العصيان المدني بمزيد من القبضة الأمنية، بالتالي لم نشعر بأن هناك تراجعاً عن موقفهم. ففي نظري هؤلاء العسكر لم يقرأوا الدروس والعبر في ولادة الديمقراطية في البلاد، حيث كل يوم يزداد الشارع السوداني وعياً وتجربة وصموداً وقوة، في حين بلغت مظاهر الاحتجاجات والرفض في الشارع شأناً كبيراً".

ولفت عمر إلى أن كل القوى السياسية الحية مجتمعة الآن رافضة لأي حكم عسكري، وأن كل الأحزاب توصلت إلى حقيقة من خلال تجربة تحالفاتها مع العسكر بأنهم لا يعرفون المواثيق والدساتير، بل يعرفون كرسي السلطة والتمكين، مؤكداً أن الإجراءات التي اتخذها البرهان، أخيراً، مستمرة وستُدخل البلاد في نفق مظلم وصراع طويل ضد إرادة الشعب بواسطة القمع.

ورأى الأمين السياسي في "حزب المؤتمر الشعبي"، أن "أي حكومة تأتي في خضم الأزمة الدستورية الحالية سيكون مصيرها الفشل، لأنه من الواضح أن القوى التي شاركت في السلطة الانتقالية السابقة ما عادت ترضي طموح الشارع. فالشارع الآن يطرح خطاً ثالثاً جديداً ليس بينهم العسكر، ولا حكومة قبل 25 أكتوبر، ما عدا إجماع الكل على شخصية حمدوك باعتباره رئيس وزراء تحت قبضة القوة العسكرية. فالمطلوب الآن حكومة تعبر عن نبض الشارع، وهذا حلم صعب المنال، لكن الشعب السوداني مستعد لأن يضحي من أجل تحقيق شعاراته في المدنية الحقة من غير تحالف مع العسكر من خلال ميثاق دستور جديد. وهذا التوجه ثمنه غال في ظل الحشود العسكرية التي تطوق العاصمة، وبالتالي أنا غير متفائل بحل سياسي يجنب البلاد إراقة الدماء، فالطرفان (العسكر والشارع) متخندقان في مواقعهما".

خط أحمر

في المقابل، أوضح رئيس "الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة"، أحد مكونات الجبهة الثورية، الأمين داؤود، أنه "لا تراجع عن قرارات 25 أكتوبر، باعتبارها خطاً أحمر وأمراً مستحيلاً، لأنها صدرت بعد رؤية جديدة وواضحة، لإنقاذ البلاد من خطر ومأزق حقيقيين. لكن في الوقت نفسه هناك اجتماعات متواصلة وجهود مبذولة بأن يحدث توافق بين الحاضنتين السياسيتين على رؤية سياسية جديدة، يمكن أن تكون مخرجاً لهذه الأزمة. فالمشكلة في الأساس التي فجرت هذا الوضع، كانت في الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، إذ كانت تسيطر عليها مجموعة محدودة من القوى السياسية، ورفضت توسيع قاعدة المشاركة حتى تنفرد بالسلطة والثروة".

ويعتقد داؤود أن "التأخير في الإعلان عن تشكيل مجلسي السيادة والوزراء الجديدين مسألة إيجابية، وليست سلبية كما يظن البعض، لإعطاء فرصة للمكونات السياسية المختلفة للوصول إلى توافق يقود لاستقرار السودان بصورة مستدامة، بعد أن تكون قد وُضعت أسس واضحة المعالم والأركان لمسألة الحكم، وهو تأكيد على أن الحوار في الشأن السياسي مستمر وستكون النتائج على أفضل وجه". معترفاً بتأثير المجتمع الدولي والإقليمي على مجريات الأحداث باعتبار أن السودان جزء منه، وكذلك الحال بالنسبة للشارع السوداني، لكنه يرى أن التأخير في حسم المشكلة السودانية ليس بسبب الضغوط الدولية والجماهيرية، بل نتيجة للحوار المفتوح الذي قطع شوطاً كبيراً.

وأضاف "في تقديري أن الوضع المقبل سيكون على أي حال من الأحوال أفضل من سابقه. فالناس كانت تعتقد أن المشهد قبل 25 أكتوبر كان فيه حريات واستقرار ونهضة اقتصادية، هذا غير صحيح، فالوضع كان متأزماً من كل النواحي، إذ تشهد معظم ولايات البلاد أزمات في الوقود والغاز وغيرها من السلع، فضلاً عن انعدام الحريات واشتعال الصراعات والنزاعات القبلية، إضافة إلى التشاكسات السياسية ما عطل عجلة العمل الحكومي، وأسهم في بطئه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير