Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تبدأ الأزمة المالية العالمية الجديدة من الصين؟

تحذيرات من خطر تداعيات القطاع العقاري في بكين على الأسواق الأميركية

مجموعة العقارات الصينية "إيفرغراند" أقرت بأنها تواجه ضغوطاً هائلة (رويترز)

حذر الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي من أن الضغوط التي يتعرض لها القطاع العقاري في الصين "تشكل خطراً على النظام المالي في الولايات المتحدة". وأشار في تقريره نصف السنوي حول الاستقرار المالي إلى أن الشركات العقارية الصينية التي تواجه مشاكل مديونية هائلة قد تصبح مصدراً للعدوى في الأسواق العالمية كلها.

ويأتي تحذير الاحتياطي بعد أيام من إعلان شركة "إيفرغراند"، أكبر مجموعة عقارية في الصين وتواجه مشاكل مديونية بلغت 300 مليار دولار، أنها أنجزت أكثر من 57 ألف شقة سكنية وسلمتها لملاكها في الفترة من يوليو (تموز) إلى أكتوبر (تشرين الأول). لكن الذعر من مشاكل مديونية الشركات العقارية في الصين لم يهدأ، بخاصة وأن هناك شركات أصغر من "إيفرغراند" تواجه مشكلة مديونيات كبيرة. ولا تبدو الحكومة الصينية مستعدة لإنقاذ تلك الشركات، بل إنها تتخذ إجراءات متتالية لتهدئة الغليان في السوق العقارية الصينية تفادياً لتضخم فقاعة قابلة للانفجار.

مخاطر أوسع

وجاء في تقرير الاستقرار المالي للبنك المركزي الأميركي: "أخذاً في الاعتبار حجم الاقتصاد الصيني ونظامه المالي، إضافة إلى علاقاتها التجارية مع بقية العالم، فإن الضغوط المالية في الصين يمكن أن تزيد الضغط على الأسواق المالية العالمية من خلال تدهور مستوى المخاطر وتشكل مخاطر على النمو الاقتصادي العالمي وتؤثر بالسلب على الولايات المتحدة".

ذلك على الرغم من أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قلل قبل شهرين من مخاطر أزمة مجموعة "إيفرغراند" العقارية الصينية على الولايات المتحدة. كان ذلك حين اندلعت أزمة المجموعة العقارية وأصيب العالم بالذعر. لكن باول قال وقتها إن الأزمة "صينية" في الأساس، وإنه لا يرى "انكشافاً مباشراً للولايات المتحدة" على الأزمة. وإن حذر وقتها من تأثيرها الأوسع على ثقة المستمرين والأوضاع المالية العالمية عموماً.

وأعرب البنك المركزي الأميركي في تقريره عن قلقه من أن "دين الشركات والحكومات المحلية يظل كبيراً جداً، والمخاطر المالية مرتفعة بخاصة في البنوك صغيرة ومتوسطة الحجم، وأن أسعار الأصول في القطاع القعاري مغالى فيها بشدة". وأضاف تقرير البنك: "في ظل هذه الظروف، فإن تركيز سلطات تنظيم الأعمال على المؤسسات عالية المخاطر الائتمانية يمكن أن يزيد الضغط على الشركات ذات المديونية الكبيرة بخاصة في القطاع العقاري، كما شهدنا بالانزعاج بشأن مجموعة إيفرغراند الصينية".

أما الخطر الذي حذر منه تقرير البنك المركزي الأميركي فتمثل في "انتقال ذلك إلى الشركات المالية والتصحيح المفاجئ في أسعار العقارات أو تراجع شهية المخاطر لدى المستثمرين". فذلك سيؤدي بالتالي إلى الضغط الشديد على النظام المالي كله في الصين ويمكن أن تنتقل عدواه إلى النظام المالي العالمي.

أزمة عقارية أم مالية؟

كما حظر تقرير الاستقرار المالي نصف السنوي للبنك المركزي الأميركي من مخاطر تمثلها الاقتصادات الصاعدة عموماً، وليس الصين فقط، بخاصة مع احتمال رفع أسعار الفائدة وزيادة كلفة الدين في الأسواق العالمية. لكن تظل الصين متفردة في حجم المديونيات بخاصة في القطاع العقاري. وكرر تقرير الاحتياطي الفيدرالي الإشارة إلى احتمالات التصحيح في الأسواق المالية العالمية باعتباره خطراً يهدد ربما بأزمة.

ويفسر البعض تكرار الإشارة إلى عمليات تصحيح، بخاصة في تقييمات الأصول العقارية والمالية، بأنه إنذار مبكر بشأن اتجاه أغلب البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة إلى تشديد السياسة النقدية (رفع سعر الفائدة ووقف ضخ السيولة في السوق). 

رغم أن أحداً لم يذكر بوضوح وحسم احتمالات أزمة مالية عالمية مثل تلك الأخيرة في 2008-2009، فإن تصاعد القلق من مشاكل مديونية القطاع العقاري الصيني تحمل ضمناً مصادر القلق. خصوصاً وأن الأزمة المالية العالمية السابقة بدأت بانهيار سوق الرهن العقارية في الولايات المتحدة. وإذا كان القطاع العقاري الأميركي يظل أكبر بكثير من القطاع العقاري في الصين، إلا أن نسبة مساهمة القطاع في الاقتصاد الصين كبيرة جداً.

فحسب دراسة للاقتصادي في صندوق النقد الدولي يوانشن يانغ وأستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد كينيث روغوف يمثل القطاع العقاري نسبة 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الصين. وتقدر الدراسة أن مشاكل القطاع العقاري الصين ربما تستمر لمدة 10 سنوات، ما يجعل تأثيرها يتجاوز حدود الصين.

خلال أكتوبر فقط، قامت مؤسسة التصنيف الائتماني موديز بـ32 مراجعة بالسلب في القطاع العقاري الصيني. وقالت موديز في تقرير لها الأسبوع الماضي، إن الشركات العقارية الصينية الخاضعة للتصنيف الائتماني تواجه مستحقات ديون بعشرات المليارات في الأشهر المقبلة. منها 33.1 مليار دولار من سندات الدين المسجلة في داخل الصين، و48.8 مليار دولار من السندات الخارجية المقومة بالدولار الأميركي.

ليست موديز وحدها التي تضع نظرتها المستقبلية للقطاع العقاري الصين في خانة سلبية. بل إن مؤسسة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني تقدر أن تتراجع مبيعات العقارات السكنية في الصين بنسبة 10 في المئة العام المقبل، وبنسبة ما بين 5 و10 في المئة في العام التالي 2023. وقالت ستاندرد أند بورز في تقرير لها نهاية أكتوبر: "سيزيد عدد الشركات المتخلفة عن سداد ديونها (إفلاس) مع استمرار سلبية الدورة الاقتصادية للقطاع وتراجع المبيعات وتضييق قنوات التمويل والحذر المتزايد من جانب المقرضين".

لكن احتمالات أن تؤدي مشاكل القطاع العقاري الصيني إلى أزمة مالية عالمية تظل أقل من مخاطر تضييق سوق الائتمان في العالم مع تشديد السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية. فذلك سيعني عدوى تخلف عن سداد ديون من عدة دول نامية وصاعدة تواجه مستحقات ديون هائلة.