Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة الملح السوري إلى موائد الطعام

المُمسك بالملف الاقتصادي لم يوصد الباب أمام مساعدة الحلفاء لكن العيون بدت شاخصة نحو الاعتماد على الذات

الملاّحات السورية في شمال البلاد (اندبندنت عربية)

تتجه سوريا إلى حظر استيراد مادة الملح بعد خطة إسعافية قادتها وزارة النفط والثروة المعدنية أواخر عام 2018، لإعادة تأهيل وتشغيل أحد أهم مناجمه في دير الزور شرق البلاد، معاوداً الملح السوري إنتاجه قبل نهاية مايو (أيار) 2019.

بدورها طالبت المؤسسة العامة للجيولوجيا، وزارة الاقتصاد، بإيقاف استيراد مادة الملح إثر استعادة الملاّحات عافيتها، ومع عودة دوران عجلة العمل المحلي، خصوصاً في حقل "التبنة" في دير الزور، أكبر الحقول الذي سيلبّي مع بقية المناجم والمسطحات الملحية متطلبات وحاجة استهلاك السوق السورية، التي تقدر بـ200 ألف طن سنوياً.

إنتاج فائض

حقل "التبنة" ليس المنجم الملحي الوحيد في سوريا، لكنه الأهم وأكبر الحقول، الواقع على الضفة اليمنى لنهر الفرات في منطقة التبنة على بعد 50 كلم غرب مدينة دير الزور. يصل عمقه إلى 165 متراً وتتراوح نقاوة الطبقة الملحية فيه بين 97 في المئة و99.8 في المئة منذ البدء باستثماره في عام 1969، من قبل شركة "أريم" الإسبانية.

وتتميز الملاحات السورية بإنتاجها الغزير، إذ كانت تغطي حاجة السوق المحلية ويفيض الإنتاج عن الحاجة في ظروف الأسواق المستقرة، قبل الحرب السورية الأخيرة، ويبلغ الاحتياطي قرابة 350 مليون طن.

ويرى اقتصاديون أن من شأن سوريا توفير كميات كبيرة من القطع الأجنبي، كانت تخسرها بعد عام 2012، لخروج المسطحات والمناجم الملحية عن العمل، وحاجة الأسواق لهذه المادة الأساسية.

الخبز والملح

على الرغم من الأيام المالحة التي عاشها السوريون في سنوات الحرب إلا أن الملح أنقذ شيئاً من تردي الحال اقتصادياً، وأوقف نزيف القطع الأجنبي جراء استيراده، في ظل حصار أميركي وأوروبي مفروض على دمشق، والتي باتت تنظر بعين صناعية وأخرى اقتصادية، وتسابق الزمن لتنفيذ سيناريوات جديدة وبديلة لم تكن بحسبانها، بعد أن أرخى قانون "سيزر" بظلاله على الاقتصاد السوري.

الاعتماد على الذات إحدى هذه الخطط، على الرغم من "الخبز والملح" الروسي والإيراني، إلا أن حليفي دمشق يواجهان تبعات السياسات الخارجية المتمثلة بالصراع مع واشنطن، على الرغم من نسائم التقارب بين روسيا وأميركا، وإن بدت تلفح العلاقات بين البلدين في موازاة اقتصادٍ إيراني بدأ يهتز مع وقف التوريدات النفطية.

موارد البلاد

المُمسك بالملف الاقتصادي سورياً لم يوصد الباب لدخول مساعدة الحلفاء، ولكن العيون بدت شاخصة نحو الاعتماد على الذات وضرورته، في مرحلة وُصفت بمرحلة "التعافي" التي تسبق مرحلة إعادة البناء والإعمار.

الأمر الذي دفع بالإسراع لإنجاز إصلاح مصفاة بانياس النفطي، بعد أن توقفت الشحنات الإيرانية النفطية وضرورة الحصول على الإنتاج النفطي المحلي من شرق سوريا، ومنها حقل "التيم" الذي ينتج 2500 برميل في اليوم، في وقت بدأ يتصاعد إنتاج الحقول النفطية الواقعة تحت سيطرة داعش في دير الزور إلى 4600 برميل يومياً، وفق ما أعلنه وزير النفط علي غانم.

من جهتها، أحكمت سوريا قبضتها بعد سيطرتها على مناطق جديدة وعودة سيطرتها على موارد كالنفط والملح والفوسفات والقطن والقمح وغيرها، باستثناء مناطق نفوذ في الشمال والشمال الشرقي، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والغنية بمنابع النفط، إضافة إلى إدلب وريف حلب آخر معاقل المعارضة.

طريقة الاستخراج

يمكن استخراج الملح من البحر، أو من المسطحات والمناجم الملحية شمال سوريا وشرقها بكثافة، حيث تتساقط الأمطار فتذيب المعادن في الصخور والتربة كالكلور والصوديوم والكالسيوم وغيرها من المعادن، في حين أن نسبة الملح في المياه بلغت 2.5 في المئة.

ويدخل في معدن الملح عنصرا الصوديوم والكلور المفيدان لجسم الإنسان، ويوجد الملح كما يتحدث الجيولوجي المهندس عبد الرحمن حداد، في الترسبات الملحية الموجودة تحت سطح الأرض في مياه البحار والبرك والأجسام المائية.

توجد الكثير من طرق وأساليب استخراج الملح ومنها التبخّر الشمسي. ويشرح المهندس حداد، حول هذه الطريقة التي تعتمد على الشمس والرياح وتبخر المياه من المسطحات المائية، تاركةً وراءها الملح، قائلاً "يُستخدم أسلوب الحصاد لتجميع الأملاح بعد تبخر هذه البرك عند وصول الملح لسماكة معينة مرة في السنة، وبعد حصاده يجري غسل الملح ويجفف من جديد".

موسم الحصاد

وتقتصر طرق الاستخراج أيضاً على أساليب تقليدية، كما الحصاد الملحي، ويكمل الجيولوجي حداد قائلاً إنه "من أساليب التعدين المحوري، ويشبه طريقة استخراجه أي أسلوب آخر لاستخراج المعادن الموجودة في قاع البحر، كما توجد طريقة أخرى باستخدام التعدين المحلولي عبر إنشاء آبار على القباب الملحية".

وتزخر البادية السورية بملاّحات متجددة تُعدّ ثروة تتجمع مياهها من جداول مائية بعد تساقط الأمطار، محدثة سيولاً تتجمع على مساحات مترامية النظر في البادية، وحين تجف في فصل الصيف وتتبخر المياه مخلفة كميات كبيرة تقدر بأطنان من الملح، وهنا يجري حصاد الملح من قبل آلاف العمال الذين ستتوافر لهم فرصَ عمل خلال موسم الملح هذا.

وهكذا يعود الملح السوري على موائد طعام السوريين، مع توجس من أيام سوداء اقتصادياً في ظل الحصار. وعلى السوريين الاستفادة من تجارب البلدان التي تعرضت لخنق اقتصادي ومحاصرة بعض الموارد نتيجة وقف الاستيراد، لذا لا بد من الاتجاه نحو الصناعة والاعتماد على الذات، وإلا لن يبقى للسوريين إلا القمح والملح ليقتاتوا.

المزيد من العالم العربي