Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"البريد" يسقط بعد "غار حراك"... رمزية ساحات الاحتجاج في الجزائر

علمت "اندبندنت عربية" أن شخصيات من النظام السابق المؤيدة لعبد العزيز بوتفليقة حاولت تشويه المسيرات السلمية

بعد إغلاق السلطات محيط ساحة البريد المركزي الجمعة 24 مايو (أيار) 2019، حاول عشرات آلاف المتظاهرين تغيير موقع الاعتصامات التي تسبق المسيرات في عاصمة البلاد، نحو ساحة الشهداء، في سباق حول "رمزية الأماكن" في الساحات العامة، بعدما تحولت الأخيرة في أكثر من محافظة، لمنصات فكرية وأيديولوجية ومطلبية.

منذ بدايات الحراك الشعبي في الجزائر في 22 فبراير (شباط) 2019، تشكلت رمزيات كثيرة على مدار الأيام لترتبط بمسيرات الجزائريين بشكل عفوي، وشكلت ساحة البريد المركزي، محطة لافتة في المسيرات الـ14، والتي أغلقت وأحيطت بعشرات مدرعات الشرطة، بعد أيام فقط على إغلاق "نفق الجامعة المركزية"، الذي بات يسميه الجزائريون "غار حراك".

"راديكالية الشعارات" وراء حجة "الترميم"

يطل مبنى البريد المركزي على خليج العاصمة الجزائرية، وهو مؤلف من طبقات عدة شيدت قبل قرنين من الزمن. وتحيط بالمكان ساحة مقابلة وجنائن، لتتحول هذه المنطقة مع الوقت، إلى مركز لصناعة شعارات المسيرات، حيث كان المتظاهرون يمضون الليل لتأليف شعاراتهم، قبل صلاة الجمعة وخروج المصلين للمشاركة في المسيرات الحاشدة.

وبمرور المسيرات اختار الناشط السياسي المعارض، كريم طابو، أن يلتقي أنصاره بسلالم الساحة صباح كل جمعة، لتكون الشعارات الصادرة من المكان تعبيراً هو الأكثر "راديكالية" بين بقية الشعارات قياساً لمواقف طابو من النظام السياسي القائم وما يسميه امتداداته في بقية المؤسسات بما فيها الجيش.

وراحت فئات مهنية وطلابية بساحة البريد المركزي، تتقاسم أيام الأسبوع في ما بينها، لترفع بشكل مستقل مطالب قطاعية، ثم تلتقي جميعها في مسيرات الجمعة، تحت شعار موحد "تغيير النظام".

في 17 مايو في مسيرات الجمعة 13، برزت ملامح رغبة من السلطات في إغلاق الساحة، لكن عناصر الشرطة الذين كلفوا بحماية السلالم، لم يتمكنوا من الحفاظ على التطويق الأمني، أمام رغبة المتظاهرين في الصعود إلى أعلى الساحة.

وبررت السلطات المحلية قرار الإغلاق بإصدار بيان رسمي "يشدد على ضرورة ترميم سلالم الساحة فوراً بعد ملاحظات من قبل خبراء في العمران"، قبل أن يبث التلفزيون الرسمي مشاهد لأضرار في منطقة غير مرئية تحت السلالم، قبل أن تسارع السلطات إلى إحاطة المبنى بشكل كامل، لتنتهي قصة البريد المركزي مع المسيرات في العاصمة.

وقال الكاتب الصحافي فريد معطاوي إن "تسييج سلالم البريد المركزي كشف أن النظام لم يتغير، فالسيناريو نفسه واجهناه مع بوتفليقة عندما سيجوا ساحة الشهداء بحجة الأشغال، حين احتدمت الاحتجاجات هناك".

وتساءل معطاوي قائلاً "وماذا عن جحافل المحتجين في برج بوعريريج وتلمسان وتيزي وزو وخنشلة وتينركوك وسيدي بلعباس، هل يصر النظام على اللعب على جزئيات بالية وفي مساحات ضيقة، في الوقت الذي قفز الحراك إلى حضارية وسلمية وسقف لم يستوعبه النظام بعد"؟

"غار حراك"... دسائس النظام البائد

أخذ مسار المسيرات الشعبية في عاصمة البلاد، شكله المعتاد عبر الشوارع منذ المسيرة الثانية، في أوائل مارس (آذار) 2019، إذ تنطلق جموع من ساعة أول مايو، باتجاه البريد المركزي، ثم شارع "باستور" وصولاً إلى شارع محمد الخامس. ويستوجب هذا المسار عبور "النفق الجامعي"، حيث تنطلق المزامير والهتافات وحتى الألعاب النارية، ويختار أغلب المتظاهرين أخذ صور للمسيرة عبر هذا النفق، ليتحول إلى تسمية "غار حراك".

إلا أنه ومنذ المسيرة الـ11، تفاجأ المتظاهرون بفرق أمنية متخصصة في كشف المتفجرات تتجول عبر النفق الجامعي، قبل أن يُغلق الممر من الجهتين، بحجة وجود معطيات عن محاولات تنفيذ اعتداءات ضد "عزل" في المسيرات هناك.

وعلمت "اندبندنت عربية" أن شخصيات من النظام السابق المؤيدة لعبد العزيز بوتفليقة، حاولت "تشويه" صور المسيرات السلمية، بزرع "بلطجية" داخل النفق بادروا بالاعتداء على المواطنين. وتقول مصادر إن "شخصية مالية نافذة من حي القصبة العتيق، اعتقلت بعد التأكد من وقوفها وراء "جلب مندسين"، بل امتد التحقيق إلى رجال أعمال دفعوا أموالاً مقابل تلك العمليات.

"دار الشعب" تخطف الأنظار

تمكنت الصور التي تناقلها المتظاهرون في المحافظات، من صناعة ساحات في بقية المحافظات، برمزية أكبر مع مرور الأيام، فذلك المبنى المهجور وغير المكتمل وسط محافظة برج بوعريريج (200 كلم جنوب شرقي العاصمة)، تحول إلى رمز للحراك بظرف أسابيع قليلة.

وباتت "دار الشعب" كما لقبها المتظاهرون، مرجعاً للملايين ممن آمنوا أن ساحة البريد المركزي في العاصمة قد "اختُرقت من أنصار فرنسا"، ليتحول برج بوعريريج، إلى مكان تُرفع فيه رايات "الإصلاحيين المحافظين" ضد "التقدميين العلمانيين"، في ترجمة مباشرة لمعارك فكرية على مواقع التواصل الاجتماعي، كسرت وحدة شعارات الحراك من الأساس.

المحافظات الداخلية تلحق بثورات "الرمزية"

لم تكن المحافظات الداخلية أو الشمالية بعيدة من الرمزية، التي صنعت أولاً في العاصمة وبرج بوعريريج، وبرز منحى الساحات مع تقدم الأيام ورهانات المسيرات نفسها والمشاركين فيها، كل هذا بعدما اكتشف الجزائريون أنه من الصعب عليهم التوحد حول حل واحد، سواء دستورياً أو سياسياً، بل إن انقسامهم حول هوية الشخصيات المرشحة لتمثيل الحراك، عميق بما يكفي لصناعة رمزية الساحات، علها تؤدي مهمة نقل وجهات نظر بقية المحافظات.

وصنع سكان محافظة البليدة جنوب العاصمة، شعارات شهيرة بـ "ساحة التوت" وسط البلدة، وفعل سكان سكيكدة الشيء نفسه، وحوّل أهل قسنطينة مبنى "الأوبرا" إلى رمزية جديدة ترفع عليها الشعارات الكبرى، وكذلك فعلت محافظة المسيلة وكثير من المحافظات.

المزيد من العالم العربي