مع إعلان مجموعة "تداول" السعودية القابضة تعيين مديرين للطرح المحتمل لحصة من أسهمها للاكتتاب العام الأولي في سوق الأسهم السعودية "تداول"، إذ من المتوقع أن يشمل الطرح بيع 30 في المئة من أسهم الشركة، تكون شرارة إطلاق قطار الاكتتابات قد انطلقت بقوة في منطقة الخليج. وقد ضم مديرو الطرح والمستشارون الماليون للطرح كلا من شركة "الأهلي المالية" وشركة "جي بي مورغان العربية السعودية" و"سيتي غروب العربية السعودية"، في وقت توقع فيه محللون ماليون أن تشهد أسواق الأسهم الخليجية تسارعاً في حركة الاكتتابات الحكومية في منطقة الخليج الغنية بالنفط، بعد أن تبنت توجهاً يهدف إلى إحياء الطروحات العامة وسط زيادة كبيرة في عمليات الإدراج في السعودية وأبوظبي.
وقال المحللون في تصريحات متفرقة لـ "اندنبدنت عربية"، إن هذا التوجه من شأنه توفير مزيد من العمق للأسواق عبر إضافة قطاعات جديدة، إذ يخلق قاعدة أكبر من الشركات والقطاعات للمستثمرين تضمن التنويع في الاستثمارات.
تنويع الاقتصاد
وتسعى دول الخليج إلى تنويع اقتصاداتها بعيداً من عوائد النفط، وتأمل بأن تتحول إلى مراكز مالية رائدة، وكجزء من هذا التحول فإن كبرى الشركات في المنطقة بدأت تسعى إلى البحث عن التمويل المحلي، وتعد الصفقات المرتقبة علامة على أن الشركات التي تسيطر عليها الحكومة تبحث بشكل متزايد عن طرق للاستفادة من ارتفاع طلب المستثمرين على الطروحات الجديدة، مع جمع الأموال للمساعدة في تمويل خطط لتنويع الاقتصاد.
خطط السعودية
وفي السعودية، يمضي صندوق الاستثمارات العامة والشركات الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة في خطط لتسريع عمليات الخصخصة وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد عبر بيع حصص في مجموعة كبيرة من الشركات خلال العامين الحالي والمقبل، ويأتي طرح "تداول" بعد إتمام خمس إدراجات منذ بداية العام، كان آخرها وأكبرها "أكوا باور" الذي يعد الأضخم منذ طرح شركة أرامكو عام 2019.
دبي: 10 شركات حكومية في طريق الطرح
وفي أحدث توجه في هذا الشأن، أعلنت إمارة دبي خطة طرح 10 شركات حكومية وشبه حكومية في سوقها المالية، كمسعى إلى اللحاق بركب الرياض وأبوظبي.
وستشهد دبي خلال الأشهر المقبلة صفقة جديدة تتمثل بطرح هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) الحكومية في بورصتها، ومن المنتظر أن يكون هذا الطرح الضخم على مراحل، بما يراعي حجم أصول الشركة البالغة 200 مليار درهم (54.5 مليار دولار).
إدارج "ديوا"
إلى ذلك، نقلت وكالة "رويترز" أن دبي قامت بتعيين بنك الاستثمار الأميركي "موليس" و"بنك الإمارات دبي الوطني" لتقديم استشارات في طرح عام أولي لحصة من أسهم هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا" في سوق دبي المالية، فيما تترقب سوق أبوظبي خطوة إدراج شركة "موانئ أبوظبي" قبل نهاية العام الحالي، بعد أن شهد ثلاثة طروحات منذ بداية العام كان أخرها "فرتيغلوب" وقبلها "أدنوك للحفر" و"الياه سات".
من ناحية أخرى، تستعد شركة مبادلة للاستثمار لاختيار ثلاثة بنوك أميركية في إطار طرح عام أولي محتمل لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وفقًا لما نقلته وكالة "بلومبرغ"، والذي قد يقيم أكبر منتج للألمنيوم في الشرق الأوسط بأكثر من 15 مليار دولار.
وخلال الشهر الماضي أطلقت أبوظبي صندوقاً للاكتتابات بقيمة 5 مليارات درهم مبدئية، بهدف الاستثمار في خمس إلى 10 شركات من القطاع الخاص سنوياً، مع التركيز على الشركات الصغيرة والمتوسطة، عبر استهداف ما بين 10 إلى 40 في المئة من إجمالي الأسهم المتاحة للاكتتاب، وبالتالي مساعدتها في النمو بتوفير السيولة اللازمة من خلال الاكتتاب العام.
تفاوت كبير
وتشهد القيمة السوقية للبورصات الثلاث تفاوتاً كبيراً، إذ تصل القيمة السوقية للسوق السعودية "تداول" إلى 10.53 تريليون ريال (2.8 تريليون دولار)، فيما تبلغ قيمة سوق أبوظبي للأوراق المالية 1.48 تريليون (404 مليارات دولار)، أما القيمة السوقية لسوق دبي المالية فتبلغ 414 مليار درهم (112.8 مليار دولار).
نظرة تفاؤلية
ويرى عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار وضاح الطه، أن طرح "تداول" يأتي لتأكيد النظرة التفاؤلية حيال وضع سوق الأسهم السعودية كقيمة، إذ إنها مصنفة ضمن أكبر الأسواق العالمية وأكبر سوق في المنطقة العربية، وتمثل قيمتها السوقية أكثر من 80 في المئة من إجمالي القيمة السوقية للأسواق العربية.
وأضاف أن تحديد موعد الطرح سيدفع إدارة الشركة إلى البحث في تنويع الأدوات الاستثمارية بهدف تعظيم قيمة السهم، مشيراً إلى أن الطرح ككل يمثل رسالة طمأنة للمستثمر الأجنبي ومن شأنه زيادة جاذبية الاستثمارات الدولية.
وأوضح أن هذا الطرح "سيمثل مرحلة جديدة للسوق السعودية، إذ ربما نشهد توسعاً في طرح الشركات وتنويع وضم قطاعات جديدة، وهو الأمر الذي يزيد من عمق السوق التي تعتبر أكبر سوق في المنطقة"، لافتاً إلى أن طرح "تداول" يسهم أيضاً في خلق حال من التنوع والمرونة في تشكيل المحافظ الاستثمارية، كما أنه سيزيد مستويات السيولة وقيمة التداولات، كأحد العوامل الأساس التي تضعها الصناديق الأجنبية في الحسبان، إذ إن تلك الوسيلة تسهل لها تحديد وقت الخروج، مؤكداً أن هذا الطرح كمحصلة يصب في مصلحة الهدف الأساس للسعودية وهو دعم رؤية 2030 والتي تحمل تحولاً كبيراً في اقتصاد السعودية .
الطرح المربح
على صعيد متصل، يرى المحلل المالي، محمد علي ياسين، أن "الاكتتاب في شركة (تداول) السعودية هو طرح طال انتظاره، فالشركة تُعد من أهم المؤسسات المربحة في المنطقة، وعندما يتم طرح البورصات للتداول فغالباً ما يكون عليها إقبال كبير من قبل المستثمرين والصناديق، بسبب التداول اليومي، حيث يقوم المستثمر بسداد عدد من الرسوم، ما سيؤدي إلى زيادة العائدات التي تستخدم في زيادة الموارد وتطوير المنتجات الاستثمارية". وتوقع المحلل ياسين، أن "يكون هناك إقبال كبير على هذا الطرح"، حيث يشير إلى أن "التوقعات تلمّح إلى تغطية الطرح بنسب عالية في أول أيام الاكتتاب، خلال طرح 30 في المئة من الشركة"، مضيفاً أن كبار المستثمرين، وبخاصة المؤسسات، يفضلون المشاركة في شركات الأسواق والبورصات، حيث إنه غالباً ما تُتاح فرص جديدة في أسهم السوق للحصول على التغطية الكاملة، كما أن صعود المؤشرات من حيث القيمة السوقية، أو زيادة أحجام التداولات، سينعشان الأسعار، مرجحاً أن يحقق هذا السهم ارتفاعات كبيرة من بدء التداول عليه.
إقبال كبير
إلى ذلك، توقع المتخصص في الشؤون الاقتصادية محمد مهدي أن تشهد أسهم "تداول" إقبالاً كبيراً من قبل الصناديق الاستثمارية المحلية والأجنبية للمشاركة في الاكتتاب المنتظر، نظراً لتحسن مستويات سيولة السوق السعودية والتي تجاوز متوسطها اليومي 7 مليارات ريال (1.87 مليار دولار). وبيّن مهدي أن هذا الطرح قد يمثل مصدراً من مصادر التنويع في دخل السعودية، وهو ما يدعم تنفيذ خطة التحول الاقتصادي، لافتاً إلى أن تخصيص الأسهم قد يشهد تغييراً في الهيكل كما حدث مع "أرامكو"، نظراً إلى الإقبال الكبير أخيراً من قبل المستثمرين الأفراد، وما لم يكن هناك تغيير من قبل هيئة سوق المال فسيتم تخصيص 90 في المئة للمؤسسات و10 في المئة للأفراد.
عودة نشاط الطروحات
من جهته، قال نائب رئيس إدارة البحوث والاستراتيجيات الاستثمارية بشركة "كامكو إنفست" الكويتية رائد دياب، إن ارتفاع أسواق الأسهم والنمو التي حققته بعد التعافي من أزمة كورونا كان واضحاً من خلال أرباح الشركات والبنوك المدرجة، إضافة إلى ارتفاع السيولة ونشاط التداول، الأمر الذي أعاد نشاط الطروحات في المنطقة، لا سيما أن حجم الإقبال على الطروحات كان كبيراً.
وأشار دياب إلى أن ارتفاع أسعار النفط كان له الأثر الإيجابي على معنويات المستثمرين، إذ إن التوقعات بشأن الفترة القادمة زادت.
تدخل حكومي
بدوره، قال المحلل المالي لدى شركة "بي إتش مباشر" للخدمات المالية جمال عجاج، إن قرار حكومة دبي بتنشيط أسواق المال بالبلاد يعد المرة الأولى التي نرى فيها تدخلاً حكومياً مباشراً في أسواق المال في دبي، وبهذا الشكل القوي والشامل الذي يعتمد على نقطتين رئيستين، الأولى هو صانع السوق والذي يعتبر ركيزة مهمة في أسواق المال ويحدث نوعاً من التوازن في السوق خوفاً من التراجعات الكبيرة أو الارتفاعات المبالغ فيها".
وتابع عجاج، "أما النقطة الأخرى فهي رفع القيمة السوقية للأسهم بإدراج شركات حكومية وشبه حكومية، وهذه الشركات قائمة ولديها نتائج واضحة وقويه تستطيع أن تكون من الركائز الأساس للسوق بعد خروج بعض الشركات نتيجة الإعسار المالي أو بعض المشكلات المالية".
ولفت عجاج إلى أن هذا الأمر يعتبر انسجاماً مع التطور الاقتصادي الكبير الذي تشهده دبي، متوهجاً مع فعاليات معرض "إكسبو 2020" والنشاطات الاقتصادية المتزايدة في الدولة، حتى تكتمل الصورة الاقتصادية في دولة الإمارات بأفضل أشكالها وصورها.
التوقيت مناسب
إلى ذلك، قال المحلل المالي ومدير الاستثمار لدى "يونيفرسال" لتداول الأوراق المالية محمود عطا، إن "الوقت الحالي مناسب لسوق دبي للقيام بطروحات جديدة، بخاصة لما تشهده دبي من أحداث اقتصادية عدة أهمها معرض "إكسبو 2020"، وبدء توافد ملايين الزائرين واستغلال هذا الحدث مع عودة حركة الطيران بعد جائحة كورونا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد عطا أن نتائج الشركات المدرجة والبنوك أظهرت نمواً ملحوظاً خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي مما يدعم نشاط السوق، هذا بخلاف إعلان سوق دبي عن خطط تحفيزية للشركات خلال الفترات المقبلة، واعتماد دبي صندوق صانع السوق بملياري درهم (817 مليون دولار)، وآخر بمليار درهم (544.6 مليون دولار) لتشجيع شركات التكنولوجيا على الإدراج في أسواق دبي.
ويرى عطا أن الوقت مناسب بالنسبة إلى سوق دبي لاستقبال الطروحات الحكومية وشبة الحكومية خلال الفترات المقبلة، خصوصاً بعد نجاح طروحات عدة في أسواق الخليج، مثل "أكو باور" في السوق السعودية و"أدنوك للحفر" و"فيرتيغلوب" في سوق أبوظبي، والاستفادة من حال الرواج داخل أسواق الخليج بفعل ارتفاع أسعار النفط وتأثيرها في نتائج أعمال الشركات داخل أسواق المنطقة.