Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحول صراع تيغراي إلى حرب "وجودية"؟

"من الممكن أن يتعمق النزاع الإثني ويستمر لسنوات طويلة وتتمثل خطورته في أنه يمكن أن يمتد إلى عدد من دول القرن الأفريقي"

العاصمة أديس أبابا (رويترز)

مع دخول الأزمة الإثيوبية مرحلة جديدة بعد تقدم عناصر "جبهة تحرير شعب تيغراي" نحو شمال إثيوبيا، أعلنت الحكومة الإثيوبية إنها أوشكت على الانتصار في هذه الحرب المستمرة منذ عام، معبرة عن ذلك بقولها "هذه ليست دولة تنهار تحت الدعاية الأجنبية، نحن نخوض حرباً وجودية". ومهّد لهذا التصعيد عدد من الأسباب أهمها، الاختلاف حول توقيت الانتخابات وتأجيلها من قبل آبي أحمد، وشعور تيغراي بالتهميش بعد فقدانهم السلطة باستقالة رئيس الوزراء السابق هايلي ماريام ديسالين الذي ينتمي إلى تيغراي، ومن قبله ميليس زيناوي وترجمة هذا الشعور في المصادمة أولاً ثم تطوره إلى صراعات عسكرية وسياسية وإثنية.

جذور الحرب

وقال المختص في شؤون القرن الأفريقي عبد المنعم أبو إدريس "بدأت الخلافات منذ انتخاب آبي أحمد في عام 2018، وكانت جبهة تحرير شعب تيغراي قد رشّحت ضده زعيم قوات الجبهة دبرصيون جبرميكائيل. وكانت المجموعة الوحيدة التي صوتت ضد آبي أحمد، وعندما فاز بالانتخابات قام بعزل قيادات من تيغراي منهم رئيس الأركان، ومدير الشرطة، ومدير جهاز الاستخبارات، واتهم عدداً من المستثمرين التيغراي، كانت لهم استثمارات في مشروع سد النهضة، بالفساد". وأوضح "لم يعجب جبهة تحرير تيغراي انتهاء سيطرتها التي استمرت على مدى سنوات طويلة، كانت تهيمن خلالها على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا قبل أن يتولى آبي أحمد السلطة، وعندما فصل مسؤولي تيغراي اتهمته الجبهة باستهداف قوميتهم".

وأضاف أبو إدريس "ازدادت الخلافات عندما حان أوان الانتخابات مرةً أخرى وقام آبي أحمد بتأجيلها في عام 2019 بسبب كورونا، ومرة أخرى في مايو (أيار) 2020 إلى أغسطس (آب) من العام نفسه. واحتج تيغراي وقرروا عقد انتخاباتهم بصورة مستقلة ما اعتبره آبي أحمد تمرداً على الحكومة المركزية، بينما اعتبروا  سلطة آبي أحمد غير  شرعية. بعد ذلك، قرر قطع التحويلات البنكية عن إقليم تيغراي والإمدادات وعدم الاعتراف بالانتخابات".

وتابع "في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2020 هاجم تيغراي القيادة الشمالية في الجيش الفيدرالي الموجودة في إقليمهم، ما اعتبرته الحكومة عملاً عدوانياً. وفي 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 أطلقت الحكومة عملية عسكرية على تيغراي، استخدمت فيها سلاح الجو والطيران، وأرسل آبي أحمد قواته من الجيش الفيدرالي وقوات أمهرة وقوات إريترية اجتاحت المدن وسيطرت على الإقليم وانتقل تيغراي إلى الكهوف وداخل الجبال، وتمكن باستخدام سلاح الجو السيطرة على المنطقة، وانتصر عليهم في البداية، لكن سرعان ما استعاد تيغراي التوازن، وانسحبت القوات الإريترية ثم أعلنت الجبهة سيطرتها على عاصمة الإقليم ميكيلي، وبعد وقف إطلاق النار، أعلنت جبهة تيغراي تصعيد الهجوم وفرض السيطرة من جديد".

تركيبة ثلاثية

وأوضح أبو إدريس "تلفت سيطرة عناصر تيغراي على مدينة ديسي وكومبليتشا في إقليم أمهرة، ومواصلة زحفها نحو أديس أبابا، النظر إلى تركيبة الجيش الفيدرالي، وهي تركيبة ثلاثية الأبعاد، والقانون الإثيوبي يتيح لكل إقليم أن تكون لديه قواته الخاصة ما عدا سلاح الجو. كما أنَّ الجيش الفيدرالي يتكون من 162 ألف جندي من مجموع سكان إثيوبيا الذي يتجاوز 108 ملايين نسمة، بينهم أكثر من 32 مليون شخص يصلحون للخدمة العسكرية، وهذا يوضح دعوة آبي أحمد للتسلح. بينما عناصر تيغراي بالإضافة إلى ميليشياتها تصل إلى حوالى 250 ألف عنصر من تعدادهم البالغ 7 ملايين نسمة".

وذكر "جاءت مهاجمة تيغراي لإقليم أمهرة رداً على مشاركتهم آبي أحمد، وكذلك هاجموا إقليم عفر فقطعوا الطريق الحيوي الوحيد وتكمن أهميته في إيصال الإمدادات الحيوية، فلم يبق أمام السلطات غير طريق بني شنقول وهو طريق طويل ومكلف. وعقّد قطع هذا الطريق الوضع الإنساني لنقص الإمدادات، إذ ذكرت الأمم المتحدة أن هناك حوالى 20 مليون شخص يحتاجون للغذاء العاجل وحوالى 7000 منهم متأثرين بالحرب. وبعدها سيطروا على ديسي وكومبليتشا، وأهمية هذه المنطقة في أنها تقع على الطريق الرابط بين بحردار عاصمة جنوب أمهرة وأديس أبابا. ونتج من العملية أن أصبح إقليم أمهرة شبه معزول عن بقية إثيوبيا".

وأفاد بأنَّ "عناصر تيغراي مصرون على أنَّ حربهم مع الحكومة هي حرب قومية إثنية أكثر منها حرب حزب سياسي، وزاد هذا الإحساس بعد مشاركة أمهرة عبر قواتها الخاصة وميليشياتها، وأصل كل ذلك هو المنافسة التاريخية بين القوميتين على تداول السلطة، إذ إن مشاركة أمهرة لقوات آبي أحمد طابعها إثني. وهذا يمثل خطراً على الوجود الإثيوبي نفسه، إذ إنه لو تقدمت تيغراي  إلى العاصمة، فإن عدداً من القوميات سوف تقاتلهم على أساس إثني، لأنهم حرموا غيرهم على مدى 27 عاماً من السلطة، منذ بداية عهد ميليس زيناوي في مايو (أيار) عام 1991، كما حُرموا من الوظائف المرموقة العسكرية والسياسية وغيرها".

خريطة سياسية

أما عن الاحتمالات المتوقعة، فقال أبو إدريس "من الممكن أن يتعمق النزاع الإثني ويستمر لسنوات طويلة، وتتمثل خطورته في أنه يمكن أن يمتد إلى عدد من دول القرن الأفريقي، فهناك تيغراي في إثيوبيا وإريتريا، وهناك عفر في إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي، وبني شنقول قمز في كل من إثيوبيا والسودان، والنوير والأنواك في كل من إثيوبيا ودولة جنوب السودان، وصوماليا وهي قومية مشتركة بين إثيوبيا والصومال، كما هناك شعب جنوب إثيوبيا وهؤلاء مشتركون بينها وبين كينيا".

كما توقع حدوث ثلاثة سيناريوهات هي، "السيناريو الأول، أن تحالف تيغراي مع  أرومو يمكن أن يوصلهم العاصمة وسيمتد النزاع لأجل طويل. والسيناريو الثاني، إذا استطاعت قوات آبي أحمد إيقاف تقدم تيغراي باستخدام القوات الجوية، يمكن أن تتراجع تيغراي إلى إقليمهم ولكن ستتصاعد الدعوة إلى الانفصال وستشجع قوميات أخرى مثل أروميا وعفر، وهذا ما يكفله الدستور الإثيوبي، إذ تتيح المادة 39 منه حق تقرير المصير. أما السيناريو الثالث فهو أن تحصل تسوية سياسية بجهود الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، ويتم الجلوس إلى مائدة التفاوض، وحينها ستتغير الخريطة السياسية في إثيوبيا ويتم التضحية بآبي أحمد".

و"يمكن أن يؤثر اتساع رقعة الحرب بشكل أكبر على إريتريا، لأنَّه لو حكمت جبهة تيغراي فربما تنتقم من أسياس أفورقي نسبة للعداء التاريخي بينهما منذ الخلافات الحدودية في مثلث بادمي والحرب التي استمرت من 1989 وحتى 2002، عندما كانت جبهة تحرير تيغراي تحكم إثيوبيا. كما سيتأثر السودان باعتبار أن هناك حوالى 4 ملايين إثيوبي يعيشون قرب الحدود الإثيوبية- السودانية، وبازدياد وتيرة الحرب يمكن أن يتحولوا إلى لاجئين في السودان بالإضافة إلى اللاجئين الموجودين حالياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مواجهة حتمية

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين سعد الكرم "لم تتحمل جبهة تيغراي قرار آبي أحمد عزل عدد من قياداتها العسكرية في مارس (آذار) 2018، واستراتيجياً كانت قومية تيغراي مسيطرة على الجانب العسكري في الدولة، وبحكم طبيعتهم كمتمرسين على القتال وقادة أقوياء، قادوا هذه الحرب وصولاً إلى تحالفهم مع قومية أورومو. أما توجههم الآن نحو الشمال فهو يأتي في الإطار نفسه بالإضافة إلى هدف إكمال حلقة التطويق، التي فرضوها بعد تحقيق مكاسب في نقاط استراتيجية جنوباً وشرقاً وغرباً، ولكل من هذه النقاط ميزة استراتيجية".  وأضاف أنّ "آبي أحمد أغرته الإنجازات التي حققها مثل سد النهضة وطموحه الزائد وإعادة العلاقة مع إريتريا، وفي المقابل فكأنما تعرض لجفاء بينه وبين قوميته التي تمثل 40 في المئة من الشعب الإثيوبي، وكانوا يطالبون بأن يتم تمثيلهم في الحكومة بنسبة كبيرة، ولكن ذلك لم يحدث، ونجد أن أكثر المهاجرين واللاجئين في العالم من قومية أرومو".

وتوقع الكرم "إما أن ينتصر اتحاد جبهة تيغراي وأورومو على آبي أحمد، وسيكون ذلك سبباً أساسياً في إبعاده وإبعاد أسياس أفورقي الذي يمارس بعض الاستفزازات في منطقة القرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر، إذ تعتقد واشنطن أن قوته من قوة آبي أحمد ولا بد من وضع حد له. وحرص الولايات المتحدة على استقرار إثيوبيا بآبي أحمد أو بغيره هو مطلبها لأنها منطقة محورية بالنسبة لها واستقرارها من استقرار المنطقة".

أما الاحتمال الثاني فهو "المواجهة الحتمية بين الطرفين ولكن من الصعب جداً قبول آبي أحمد بالتفاوض أو السماح بحدوث اختراق، بسبب مبالغته في تصوير قواته، ولأن ذلك يعني تقديم تنازلات  ستكون على حساب إثيوبيا في المستقبل، لأنَّها ستكون مُطالبة من قِبل دول أخرى بمطالب شتى".

اختراق إثني

ويؤكد أستاذ علم الأجناس والأنثروبولوجي في جامعة الخرطوم عبد الباسط سعيد أن "الرجوع مرة أخرى للقبلية والإثنية على الرغم من انتهائها منذ بداية بزوغ الدولة القومية الحديثة في القرن التاسع عشر، هو ردة ودليل على فشل النخبة في أن تحول الدولة إلى دولة مؤسسات. وهذه الظاهرة وإن كانت تتفاوت في أغلب دول العالم، إلا أنها في منطقة القرن الأفريقي وإثيوبيا خصوصاً تأخذ شكلاً صارخاً". وأضاف أن "جبهة تحرير شعب تيغراي تنطلق من نقاط قوة هي أولاً مصالحها الذاتية، وتنسحب تلك القوة على بقية إثنيات إثيوبيا إن وجدت الفرصة والمؤهلات للمصادمة، وثانياً مقدرة تيغراي على اختراق إثنيات أخرى مثلما فعلت مع أورومو، فضلاً عن أن لديها وجوداً في إريتريا ومثلها مثل قوميتي عفر والعيسى في الصومال، فإنه حتى الوظائف تُقسّم على أساس إثني. وتبدو مظاهر غريبة لمن هم خارج المنطقة".

وأوضح سعيد "يمكن أن تكسب تيغراي مزيداً من الهيمنة، ولكن سيتسبب اعتراف أي دولة بها في إساءة العلاقة مع حكومة آبي أحمد. وحتى وإن كان جذر هذا الخلاف هو تهميش تيغراي بعد أن كانوا مستولين على السلطة، فإنَّ رجوعهم لها سيكون على حساب القوميات الأخرى".

وأضاف "شعور تيغراي بطموحها أقل تأثراً بالقيود الجغرافية حتى داخل أرضها. فعلى مدى السنوات الماضية وجدت إثنية تيغراي نفسها طليقة أمام طموح آبي أحمد، فكانت أول إثنية تتعامل مباشرة مع الحكومة بهذه الطريقة المصادمة، أما الصدامات المتفرقة الأخرى فكانت بين تيغراي وإريتريا، وبين بقية القوميات مع إثنيات من دول الجوار".

المزيد من تقارير