بعد جلسات "ماراثونية" للكنيست الإسرائيلي، للتصويت على موازنة عامي 2021- 2022 التي بدأت الثلاثاء وانتهت فجر الجمعة، تمت المصادقة على الموازنة وإرجاء التصويت على بعض القوانين المختلف عليها بين أحزاب الائتلاف والتي ما زالت حجر عثرة أمام تماسك حكومة بينيت - لبيد، خشية تفكيكها.
ومع المصادقة على الحكومة تنفس نفتالي بينيت ويائير لبيد الصعداء، حيث إن إقرار الحكومة منع إسقاطها، على الأقل في المرحلة القريبة إلى حين الاتفاق والمصادقة على مختلف القضايا الحساسة والمهمة المختلف عليها بين أحزاب الائتلاف الحكومي.
وضعت الموازنة الجديدة، التي تعتبر الأضخم، فلسطينيي الداخل على الهامش حيث لا تحظى هذه الشريحة التي تصل نسبتها في المجتمع الإسرائيلي إلى 20 في المئة سوى بواحد في المئة منها بينما تمتع البناء الاستيطاني بميزانيات هائلة ارتفعت بنسبة 50 في المئة.
الميزانية العسكرية
وتربعت الميزانية العسكرية على رأس القضايا الاجتماعية والاقتصادية بذريعة الحفاظ على أمن إسرائيل وضرورة استعداد الجيش بكامل وحداته ومجالاته لأي تصعيد أمني، خصوصاً تجاه إيران و"حزب الله" وقطاع غزة.
منذ الحكومة السابقة برئاسة بنيامين نتنياهو مع تحالف بيني غانتس، قبل ثلاث سنوات، بقيت إسرائيل من دون موازنة، وهو وضع لم تشهده أي حكومة إسرائيلية منذ عام 1948، إلى أن تمت المصادقة بأكثرية 61 عضو كنيست، ومعارضة 59 لتكون الأضخم حيث وصلت حجم موازنة العام الحالي إلى 432 مليار شيكل (حوالى 139 مليار دولار) والعام المقبل 2022 إلى 435 مليار شيكل (حوالى 140 مليار دولار).
ورضخت الحكومة لضغوط المؤسسة العسكرية ووافقت على مطلبها بضمان موازنة ضخمة وصلت إلى 62 مليار شيكل، وأخرى بـ8.9 مليار شيكل، التي جاءت تحت بند أطلق عليه "إنفاقات أمنية مختلفة"، من دون أي توضيح لهذه الإنفاقات لتصل بالمجمل إلى 70.9 مليار شيكل (حوالى 23 مليار دولار)، وتأتي بعدها ميزانية التربية والتعليم، والتي تصل إلى 67 مليار شيكل (21.5 مليار دولار).
"عيد لإسرائيل"... هكذا وصف رئيس الحكومة نفتالي بينيت المصادقة على الموازنة، معتبراً المصادقة عليها بعد ثلاث سنوات هو الإنجاز الأكبر لحكومته إضافة إلى "الانتصار على فيروس كورونا" الذي وصفه بـ"إنجاز لا يقل أهمية".
وزير الخارجية يائير لبيد الذي جلس طوال النقاشات حول الموازنة بحالة من العصبية والتوتر خشية فشل المصادقة عليها وبالتالي زعزعة استقرار الحكومة، اعتبرها هو الآخر بمثابة "الإنجاز الكبير والانتصار للحكومة".
تحديات أمام الحكومة
لكن بينت ولبيد، وإن تنفسا الصعداء فأمامهما تحديات لا تقل صعوبة تبدأ المعارك حولها خلال الأيام المقبلة. فهناك العديد من القضايا لم يتم التصويت عليها لسبب الخلافات بين أحزاب الائتلاف نفسها، وهي قضايا مركزية ومهمة للحكومة ولسياستها واستقرارها. إلى جانب هذا تتوقع وزارة المالية أن يصل العجز بالموازنة العامة في العام الجاري، إلى نسبة 6.8 في المئة من حجم الناتج العام (ما يعادل 32 مليار دولار). وتهبط نسبة العجز في العام المقبل إلى 3.9 في المئة، وفي 2023 إلى نسبة 3 في المئة، وتواصل النسبة تراجعها حتى 2026 لتصل إلى 1.5 في المئة.
ويعتبر مشروع تقييد ولاية رئيس الحكومة، ومشروع آخر يمنع أي متهم بمخالفات جنائية من تشكيل حكومة المختلف عليهما عقبة مستقبلية أمام الحفاظ على الائتلاف. وزير القضاء جدعون ساعر، الذي بادر إلى هذين القانونين اتفق مع بينيت على تأجيل التصويت عليهما إلى ما بعد المصادقة على الموازنة، بسبب الخلافات الحادة حولهما، فيما يعارض نواب من حزب "يمينا" برئاسة بينيت القانونين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويطالب نواب من اليمين تمديد قانون منع لم الشمل في مقابل رفض أحزاب أخرى لهذا الطرح، خصوصاً حزب "ميرتس" اليساري.
ومن تلك القضايا أيضاً، فتح القنصلية الأميركية في القدس لتقديم خدمات للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، والتي تُمارس كثيراً من الضغوط على رئيس الحكومة لرفضه وعدم التجاوب مع مطلب الإدارة الأميركية، وهو أمر قد يؤدي إلى توتير في العلاقات مع إدارة جو بايدن.
شرعنة البؤر الاستيطانية
فبينما يسعى بيني غانتس للمصادقة على بناء مئات الوحدات السكنية للفلسطينيين في الضفة وزيادة عدد تصاريح العمل، يرفض وزير الإسكان زئيف الكين ونواب حزب "يمينا"، أي بناء في البلدات الفلسطينية.
وعلى الرغم من زيادة ميزانية المستوطنات بنسبة 50 في المئة، فإن الخلاف حول البؤر الاستيطانية في مختلف المناطق الفلسطينية يحتدم بين أحزاب اليمين وحزبي العمل و"ميرتس" اللذين يرفضان شرعنة البؤر الاستيطانية، فيما أحزاب اليمين يعتبرونه مشروع ضمان الخريطة الديمغرافية لإسرائيل، ويركز الخلاف حول البؤرة الاستيطانية "أفيتار".
فلسطينيو الداخل والشرائح الضعيفة
في التصويت على الموازنة كانت القائمة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية) برئاسة منصور عباس، الحزب العربي الوحيد الذي صوت لصالحها، والتي من أبرز مضامينها زيادة المستوطنات واستعداد الجيش وجهوزيته لمواجهات تجاه لبنان غزة وإيران.
واعتبر نواب القائمة المشتركة التصويت على هذه الموازنة بمثابة التصويت على زيادة المستوطنات وتوجيه ضربات عسكرية متوقعة قريباً، خصوصاً على غزة.
وعمقت الموازنة التمييز ضد فلسطينيي الداخل، حيث لا يتجاوز ما خصص لهم نسبة الـ1 في المئة إلى جانب الضرائب العالية التي تفرض على مختلف الخدمات اليومية للسكان والتي يقع ضحيتها الشرائح الضعيفة، حيث هناك فرض ضريبة جديدة على ثاني أكسيد الكربون للجم انبعاثاته، وبالتالي رفع أسعار الكهرباء للمستهلك بنسبة 5 في المئة بشكل تدريجي خلال خمس سنوات، ويشمل ذلك زيادة أسعار الوقود والغاز.
هل تكون المسمار الأخير في نعش نتنياهو؟
لا شك أن المصادقة على الموازنة منح حكومة بينيت – لبيد فترة زمنية من التماسك الائتلافي ما يحد من المعركة التي سبق وقادها رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، ولا يزال من أجل إسقاط الحكومة. وأجمع الإسرائيليون على أن المصادقة حسمت نهاية عهد نتنياهو لتكون المسمار الأخير في نعشه. ولكن نتنياهو، ووفق مقربين منه، لا يلتفت لمثل هذه التوقعات حيث سيبدأ معركة قضائية جديدة قبل أن يتغير المستشار القضائي للحكومة. وكما نُقل عن وزير كبير قوله "بيبي لن يذهب إلى أي مكان، لديه 10 أرواح. سيحاول بلورة الليكود كي لا يمحوه وسيواصل العمل لتفكيك الحكومة".
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى عدم قدرة نتنياهو في الحفاظ على قوة حزبه "الليكود" في مقابل ارتفاع إمكانية استقرار الحكومة الحالية، وفيما يرى معارضو نتنياهو أن مشكلته بعدم قراءته الصحيحة للوضع الحالي، خصوصاً نتائج استطلاعات الرأي، يؤكد مؤيدوه من اليمين وحزب "الليكود" أنه لن يتوقف عن معركته لتفكيك الحكومة.
وما بين هذا وذاك، أثارت وضعية الأحزاب المتشددة دينياً "الحريديم" النقاش، حول ما إذا كان بينيت سيلجأ إليهم في محاولة لتثبيت حكومته.
وأمام هذا الوضع يبقى السؤال إذا كانت بالفعل المصادقة على الموازنة تشكل محطة كبيرة ومهمة في الطريق إلى نهاية نتنياهو ومدماكاً قوياً لثبات حكومة بينيت - لبيد.