اشتعل السباق نحو كرسي الرئاسة في ليبيا، حتى قبل أن ينتهي الجدل القانوني بشأن التشريعات الانتخابية التي أصدرها البرلمان، أو تصدر المفوضية العليا الشروط الخاصة بالترشح للانتخابات الرئاسية بشكل رسمي. فأعلنت شخصيات بارزة عزمها على دخول السباق للفوز بمنصب الرئيس الأول في تاريخ البلاد الذي يتم اختياره عبر صناديق الاقتراع.
ويترقب الشارع حسم مسألة الترشح لشخصيات أخرى، ربما تزيد سخونة المنازلة، مع إعلان مجلس الأمن عقد اجتماع مهم الشهر الحالي لتسوية الوضع القانوني لنجل الرئيس الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام، مع محكمة الجنايات الدولية. ووسط هذا، تسرّبت معلومات عن نية رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة دخول قائمة المرشحين رسمياً، الأسبوع المقبل.
حظوظ متفاوتة
ومن أبرز الشخصيات التي أعلنت بشكل رسمي ترشحها للانتخابات الرسمية، مندوب ليبيا السابق لدى الأمم المتحدة إبراهيم الدباشي، ورئيس تكتل إحياء ليبيا والسفير السابق في الإمارات عارف النايض، إضافة إلى قائد الجيش الليبي في الشرق خليفة حفتر، الذي أعلن ترشحه في وقت مبكر.
ويُعتبر الدباشي من الشخصيات المعروفة على الساحة السياسية في البلاد، وشغل لأعوام طويلة منصب مندوب طرابلس في الأمم المتحدة، في عهد النظام السابق للرئيس الراحل معمر القذافي، ولأعوام تلت بعد الثورة على حكمه عام 2011.
وعلى الرغم من التاريخ السياسي الحافل للدباشي، إلا أن مراقبين يقللون من حظوظه في الفوز، نظراً إلى تحالفاته الضعيفة مع الكتل والكيانات السياسية الفاعلة، إذ يُعتبر من الشخصيات القليلة التي لا تنتمي إلى أي تيار، وتكاد لا تجد قبولاً من أي طرف على الساحة السياسية في ليبيا.
ويرى الأكاديمي فرج الجارح أن "حظوظ الدباشي قليلة نظراً إلى بعده عن الوسط السياسي منذ أعوام، لإقامته في الولايات المتحدة التي هاجم منها كل الفاعلين في الساحة المحلية تقريباً".
ويضيف "مجرد ذكر اسم الدباشي يثير غضب أي موالٍ لنظام القذافي في الداخل، وهم قوة انتخابية لا يُستهان بها، بسبب موقفه أثناء جلسة لمجلس الأمن في بداية الثورة الليبية، وقد لعب دوراً كبيراً في استصدار قرار بتدخل حلف ناتو ضد قوات النظام، وهو القرار الذي غيّر مجرى الأحداث، ولعب دوراً رئيساً في إسقاط القذافي ومقتله بعد ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع "العداء المتبادل بين الدباشي والتيار الإسلامي في البلاد معروف ولا يُخفى، وهذا العداء سيكلّفه فقدان الثقل القبلي المؤثر في ليبيا داخل مدينته صبراتة، أحد أهم معاقل التيارات الإسلامية في الغرب الليبي، وهو عائق مهم ربما يقف في طريق وصوله إلى الكرسي الرئاسي".
ويخلص إلى أن "الدباشي ليس خياراً مفضلاً في الشرق الليبي أيضاً، فهو لم يكُن يوماً موالياً صراحة للجيش، على الرغم من خلافه مع التيار الإسلامي، كما أنه انتقد مراراً وتكراراً، خلال الأعوام الماضية، عمل مجلس النواب، بالتالي لا أرى له ثقلاً يستند إليه مع أي طرف سياسي أو جهوي أو قبلي في الانتخابات المقبلة".
بينما يرى المناصرون لترشح الدباشي أنه صاحب أفضل سيرة ذاتية، من ناحية الخبرة في السياسة المحلية والدولية بحكم المناصب التي تولاها خلال العقدين الماضيين، مقارنة بالمرشحين الآخرين.
النايض والفرص المتفاوتة
على العكس من الدباشي، يعتمد عارف النايض على تحالفات سياسية كثيرة في الشرق الليبي. وعلى الرغم من ذلك، تقلل وجهات نظر عدة فرصه في الفوز بالرئاسة، نظراً إلى الأسماء التي سيواجهها في الانتخابات الرئاسية، إذ يصنف في ترتيب المنافسين بحظوظ أقل من مرشحين مثل الدبيبة وسيف الإسلام القذافي وحفتر، الثلاثي الأكثر حظاً للفوز بالمنصب، استناداً إلى معظم الاستطلاعات الأولية لآراء الناخبين.
ويرتبط النايض بعلاقات قوية مع حفتر، وكتل واسعة في البرلمان، وسيكون الخيار البديل المحتمل لمناصري حفتر، إذا ما نجحت المساعي القانونية والسياسية لخصوم الأخير في إبعاده من المنافسة.
ويملك النايض سلاحاً قوياً في المعركة الانتخابية، يميز حملته عن كثير من المرشحين، يتمثل في شبكة إعلامية واسعة يديرها، موزعة ما بين قنوات تلفزيونية وإذاعات ومواقع إخبارية، تعطي زخماً إعلامياً ودعاية لحملته التي بدأت مبكراً.
الدبيبة يتأهب لدخول المنافسة
في السياق، يترقب الشارع والمنافسون، التأكد من صحة التقارير التي تفيد بعزم رئيس الحكومة الدبيبة على إعلان ترشحه للرئاسة في منتصف الأسبوع المقبل، ما يغيّر موازين المنافسة بعد أن نجح في استغلال الأشهر الماضية لكسب ودّ الشارع بجملة من القرارات الاقتصادية التي حسنت الأوضاع المعيشية.
وبحسب مصادر متطابقة، ينوي الدبيبة الاستفادة من الضوء الأخضر الذي منحته بعثة الأمم المتحدة لشاغلي المناصب العليا حالياً للترشح في الانتخابات الرئاسية، وضغطها على المفوضية العليا ومجلس النواب لإلغاء القيود التي تمنع هذا الترشح، في القوانين الانتخابية التي أصدرها البرلمان.
وتشير التوقعات إلى أن الدبيبة في حال ترشحه سيكون خياراً أولاً لكثير من الناخبين في الغرب الليبي، لأسباب جهوية وسياسية، إذ يُتوقع أن يذهب إليه معظم أصوات المعارضين لحفتر وسيف الإسلام القذافي، في حال قبول ترشحهما.
في المقابل، من المرجح أن يصطدم الدبيبة بمعارضة قانونية شديدة لترشحه من البرلمان الليبي، الذي رفض رسمياً في بيان حاد تدخّل البعثة الأممية في صميم اختصاصاته، من خلال طلبها تعديل بنود في القانون الانتخابي، من بينها البند الذي يسمح لشاغلي المناصب الانتقالية في الدولة بالترشح للانتخابات المقررة نهاية العام الحالي.
وفي التعليق الأول من المفوضية العليا للانتخابات على أنباء ترشح الدبيبة، قال عضو مجلس إدارتها عبد الحكيم الشعاب إنه "لن يكون من حق رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الترشح لأنه لم يتنحَّ عن عمله في الموعد المحدد قانوناً".
وبحسب قانون الانتخابات الرئاسية، الذي أصدره البرلمان واعتمدته المفوضية، يُسمح لشاغلي المناصب السيادية السياسية والعسكرية في الدولة الترشح للانتخابات، على أن يجمدوا مهماتهم في فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل موعد فتح الصناديق، وهو ما لا ينطبق على وضع الدبيبة.
وأضاف الشعاب "انتهينا من تسجيل قاعدة البيانات ونستعد لتوزيع بطاقات الناخبين، وانتهينا من نقل البطاقات إلى المناطق الشرقية وبعض المناطق الغربية، وننطلق قريباً إلى الجنوب لتوزيع البطاقات، ونعلن الأسبوع المقبل بداية التسليم".
ورفض عضو المفوضية "اتهام البعض لها باللجوء إلى البعثة الأممية للضغط على النواب لإنجاز تعديلات على القوانين الانتخابية"، قائلاً إن "المفوضية لا تملك التأثير في البعثة الأممية، والبعثة لها لوائحها وقوانينها، ولها سياستها التي لن تغيّرها من أجل المفوضية".