لم يكترث كثير من السودانيين بالقرارات المتتالية للقائد الأعلى للقوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان، عقب إعلانه حالة الطوارئ في البلاد وتعطيل بعض مواد الشراكة مع المدنيين في الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولم يتوقفوا عند قرارات البرهان المتعلقة بإعفاء موظفين كبار في الدولة نتيجة عدم تنفيذ أوامره، بل قوبلت تلك القرارات بالسخرية والتندر في الشارع السوداني، الذي التزمت غالبيته بدعوات العصيان المدني المفتوح، الصادرة من الاتحادات والنقابات المهنية والعمالية لمقاومة ما سمي الانقلاب العسكري، بالإشارة إلى قرارات البرهان.
قرارات باطلة
ووفق النائب العام الأسبق في السودان، عمر عبدالعاطي، فإن تلك القرارات تعد من الناحية القانونية "باطلة"، لكونها "لا تستند إلى الشرعية، أو إلى السلطة القانونية، باعتبار أن البرهان عطل الدستور ممثلاً في الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019، ومارس سلطة قائد الجيش، بالتالي، فإن ما قام به البرهان هو انقلاب، وقد صدرت القرارات عن القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، لذلك مارس البرهان سلطاته الانقلابية بالقبض على كل من يعتقد أنه محل تهديد لسلطته، بعيداً من أي حق دستوري مكفول له".
ويعتقد عبدالعاطي أن العصيان هو "إحدى وسائل المقاومة السلمية لمواجهة مغتصب الحكم المدني، وهو إحدى الأدوات الناجحة، إذا ما كانت هناك قناعة من الشارع وتنسيق بين الجهات المنظمة له". ويذكر بأن السودانيين "سبق أن انتظموا في عصيان مدني في أبريل (نيسان) 1985، أطاح حكومة الرئيس الأسبق جعفر النميري".
معركة مفصلية
في السياق ذاته، ينفي المحامي أبو بكر عبدالرازق، أي علاقة ما بين "ما يقوم به البرهان" والدستور. فالبرهان أصبح قائداً أعلى للجيش ويصدر قرارات بحكم الطوارئ، ونصّب نفسه حاكماً للسودان من دون أي تشريع بعد أن حل مجلس السيادة، إذ أعطى لنفسه مشروعية، وهي حالة استثنائية لا تستند إلى أي سلطة قانونية، غير أنه حاكم فرد يعمل ما يريد حسب هواه ومصلحته الخاصة، وفي المقابل لا توجد قوة تقابل الجيش، إلا عملية العصيان القائمة حالياً، فهذه هي طريقة العسكر يحاولون دائماً فرض سياسة الأمر الواقع، حتى تنتهي إلى معركة مفصلية، إما يظل التمترس أو التصالح".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعبر عبدالرزاق عن مفاجأته بإخراج الانقلاب، قائلاً، "الطريقة كانت سيئة، وكان ممكناً أن تكون مختلفة عن ذلك، لأن البرهان نفسه كرئيس لمجلس السيادة ارتكب أخطاءً بحق الوثيقة الدستورية، بحكم أنه شريك مع المكون المدني، كذلك كان أمامه طريق آخر مقبول، لكن الداعمين له استعجلوا الأمر رغبة في السلطة، فقرار الانقلاب لم يكن موفقاً، ومبرراته ضعيفة، فهو انقلاب كامل المواصفات والأركان، إذ خلع لباس مجلس السيادة، وارتدى لباس العسكرية كونه قائداً للجيش".
ويعتقد عبدالرازق أن "العصيان من ناحية دستورية ممتاز، فهو يعطل الدولة، لكن يتطلب من الجهات المنظمة له أن تكون قوية وذات قاعدة فاعلة في المواقع الاستراتيجية المؤثرة مثل قطاعات الكهرباء والمياه والمصارف والطاقة والمسستشفيات"، لافتاً إلى أن "العصيان المدني الذي نفذ في أبريل 1985 ضد نظام النميري، نجح بنسبة كبيرة، وقاد إلى إطاحة نظام الحكم القائم، نظراً إلى تلاقي إرادة الإسلاميين والشيوعيين".
ويستبعد عبدالرزاق "استمرار العصيان الحالي ونجاحه في حال فشل التسوية السياسية، لعدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة للقوى السياسية المعارضة للبرهان داخل الخدمة المدنية، فضلاً عن إمكانية استعانة السلطة الانقلابية بكتائب النظام السابق لسد الفراغ الذي يمكن أن يحدث في قطاعات الخدمة المدنية، بخاصة القطاعات الحيوية التي يحتاج إليها المواطن".
ظروف المرحلة
في المقابل، أوضح رئيس أركان القوات البحرية السودانية سابقاً الفريق أول ركن فتح الرحمن محيي الدين صالح، أن "القوات المسلحة هي الجهة الوحيدة التي تقدر مآلات الوضع في البلاد، وتتخذ بحسب دستورها الإجراء اللازم للحفاظ على الأمن والاستقرار. وهو ما تم بالفعل من قبل القائد العام للقوات المسلحة باتخاذ قرارات 25 أكتوبر وما تلاها من إعفاءات وتعيينات لعدد من المسؤولين"، قائلاً إنه "إجراء يتماشى مع ظروف المرحلة وأهدافها، ويصب في خانة تصحيح المسار للمشهد السياسي الذي كانت تتحكم فيه قلة من القوى السياسية".
وأشار إلى أن الخطوة المقبلة هي تشكيل الحكومة من وزراء تكنوقراط لا علاقة لهم بالأحزاب السياسية، لتجنب التجاذب والتناحر والتشظي في سير عمل الدولة، مبيناً أن الحياة في البلاد تسير بشكل طبيعي والمحال والبنوك والمستشفيات تقدم خدماتها للجمهور، وهناك قناعة لدى الناس بأن الحكومة السابقة لم تكن في مستوى طموحاتهم.
وكان البرهان قد أعفى عدداً من السفراء السودانيين في الخارج لاعتراضهم على قرار إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء، إضافة إلى إعفاء وكلاء الوزارات ومديري الهيئات الحكومية المختلفة، للسبب نفسه، فضلاً عن إعفاء النائب العام المكلف وسبعة من وكلاء النيابة العامة بعد إطلاق سراح رئيس المؤتمر الوطني المحلول إبراهيم غندور وآخرين يتبعون نظام البشير وجهاز الأمن والاستخبارات.