Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع السياسي للهيمنة على العملات المشفرة يشتعل في واشنطن

ستؤثر تلك الصناعة على الفن والإعلام والخدمات المصرفية والألعاب والتجارة الإلكترونية

المدير التنفيذي لشركة "روبوكوين" جوردان كيلي يشرح كيفية بيع وشراء عملة "بيتكوين" المشفرة خلال عرض تجريبي سابق في مبنى الكابيتول في واشنطن (أ ف ب)

بعدما فاحت "الروائح الكريهة" من شركات التكنولوجيا العملاقة في واشنطن، حل الدور على العملات الرقمية المشفرة التي جذبت كثيراً من الانتباه بعدما تجاوزت قيمتها السوقية حاجز تريليوني دولار في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، إذ خضعت صناعة العملات المشفرة لمزيد من التدقيق السياسي من المشرعين في الكونغرس والمنظمين في الوكالات الحكومية الفيدرالية، في حين سعت مؤسسات ضخمة إلى طرح خطط جريئة لصياغة قواعد عمل وتشغيل جديدة لتلك العملات، وفي المقابل دفعت الشركات الناشئة التي تدير العملات المشفرة، ملايين الدولارات لجماعات الضغط السياسي في "كيه ستريت" في واشنطن للدفاع عنها وتحسين صورتها أمام السلطات التنفيذية والتشريعية، فما طبيعة هذا الصراع وكيف سيشكل مستقبل العملات الرقمية المشفرة؟
على الرغم من التحول الإيجابي نسبياً الذي شهده هذا العام إزاء العملات الرقمية المشفرة وما يصفه البعض بـ"الشرعية" التي اكتسبتها في التعامل الرسمي الأميركي بعدما أصبحت قوة رئيسة في عالم المال، فإن مؤشرات عدة برزت خلال الأيام القليلة الماضية في واشنطن نحو تنظيم هذه الصناعة والتدقيق في تفاصيل عملها وتأثيراتها المستقبلية على الاقتصاد والشركات والأفراد في الولايات المتحدة، ما دفع الشركات الناشئة في هذه الصناعة إلى الدفاع عن نفسها عبر تنظيم حملات لشرح مزايا وفوائد العملات المشفرة على الاقتصاد بالتوازي مع إنفاق ملايين الدولارات للضغط على الكونغرس والبيت الأبيض في محاولة لدرء الرياح المعاكسة من تهديدات تشريعية وإجراءات تنظيمية لإعادة تنظيم عملها وطريقة تشغيلها بهدف الهيمنة على هذه الصناعة.   

دفاع في الكونغرس

وبدأت شركات العملات الرقمية الناشئة وعلى رأسها شركة "كوين بيس" التي تُعد إحدى أكبر بورصات العملات المشفرة خلال الأشهر الماضية، تعزيز وجودها في واشنطن، حيث استأجرت خمس شركات ضغط خارجية حتى شهر يوليو (تموز) الماضي، وفقاً لما تم الكشف عنه، أخيراً، بحسبما ينص القانون. ووفقاً للتعاقد المبرَم مع شركة "ويلمر هيل"، قام روب ليهمان، وهو كبير موظفي السيناتور الجمهوري روب بورتمان، بالضغط من أجل شركة "كوين بيس" بشأن تشريع العملة المشفرة، وهي واحدة من شركات ناشئة عدة للعملات المشفرة التي ارتفعت نفقاتها لممارسة ضغوط سياسية خلال الربع الثالث من هذا العام.

واستهدفت هذه الضغوط إجراء تعديلات على بند في مشروع قانون البنية التحتية الذي أقره مجلس الشيوخ وانتقل إلى مجلس النواب، من شأنه تحديد متطلبات جديدة للإبلاغ عن تعاملات العملات الرقمية المشفرة، وهي متطلبات سارعت الشركات التي تهيمن على هذه الصناعة إلى العمل مع المشرعين في الكونغرس على محاولة تغييرها وإضافة تعديلات عليها بدعوى أنها واسعة النطاق وستضر بالمساهمين المحتملين في النظام البيئي للعملات المشفرة.
وعلى الرغم من أن السيناتور بورتمان ساند في النهاية التغييرات التي طلبت شركات العملات المشفرة إضافتها في صياغة مشروع القانون ودعمتها مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبَين (الجمهوري والديمقراطي)، فإنه لم يتم تعديلها عملياً في مشروع القانون لأسباب إجرائية، ولهذا من المرجح أن تظل المادة الأصلية في مشروع القانون إذا أقرها مجلس النواب خلال الأيام القليلة المقبلة ووصلت إلى مكتب الرئيس جو بايدن لإقرارها بشكل نهائي.

وبذلك تكون شركة "كوين بيس" خسرت 625 ألف دولار أنفقتها وحدها للضغط على المشرعين في الكونغرس خلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام الحالي، وتوزعت على خمس شركات مختلفة هي "ويلمر هيل"، و"ريتش فيور أندرسون"، ومجموعة "فرانكلين سكوير"، و"ماير براون"، و"تايغر هيل بارتنرز"، فضلاً عن نحو مليوني دولار أنفقتها شركات أخرى لنفس الغرض.

حملات لتحسين الصورة

ومع ذلك لم تتوقف جهود شركات العملات المشفرة لثني السلطات عن عزمها على اتخاذ إجراءات صارمة ضدها، فأطلقت شركة "ريبل بلوكتشين" حملة بمئات آلاف الدولارات تهدف إلى تثقيف صانعي السياسات والمنظمين والمحللين بتفاصيل هذه الصناعة. وتشمل هذه الحملة، موقعاً إلكترونياً تحت اسم "حقيقة العملات المشفرة"، فضلاً عن حملة إعلانية عبر وسائل الإعلام في واشنطن تروج لفكرة أن "العملات المشفرة تؤثر على طريقة تفاعل المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة وخارجها مع المؤسسات المالية حول العالم، ومع ذلك يُساء فهم التشفير الذي أصبح قوة حقيقية للغاية تدفع الابتكار في الولايات المتحدة، وتنشط الاقتصاد، كما يوفر التشفير عند استخدامه بالطريقة الصحيحة مزايا وفرصاً هائلة للأفراد والشركات والحكومات".
وتأتي هذه الحملة بعدما دعا كبار المشرعين إلى اتخاذ إجراءات ضد الشركات الناشئة للعملات المشفرة.
وأصبح المسؤولون الحكوميون يتنازعون في ما بينهم حول الوكالة الفيدرالية التي تملك حق الإشراف والاختصاص القضائي على العملات المشفرة.

خطط الهيمنة

قبل أيام قليلة، قال روسن بيهنام، القائم بأعمال رئيس "لجنة تداول العقود الآجلة للسلع"، إن وكالته يجب أن تكون هي الجهة المنظمة الرئيسة لأسواق العملات الرقمية المشفرة، بدلاً من لجنة الأوراق المالية والبورصات التي تستند في إشرافها إلى أن العملات المشفرة أشبه بالأوراق المالية. إلا أن "لجنة تداول العقود الآجلة للسلع" تطالب الكونغرس الأميركي بتوسيع صلاحياتها، على اعتبار أن من بين أكثر من تريليوني دولار من صناعة العملات المشفرة، كان ما يقرب من 60 في المئة منها من السلع.

هجوم خاطف

لكن محاولات الهيمنة لا تأتي فقط من الوكالات الفيدرالية، إذ بدأت مؤسسات عملاقة مثل شركة "أندريسن هورويتز" التي تنتمي إلى وادي سيليكون في كاليفورنيا، ولعب مؤسسوها أدواراً كبيرة في تطوير الإنترنت، السعي إلى امتلاك جزء كبير من عالم العملات الرقمية وصياغة القواعد الخاصة بهذا العالم، حيث رصدت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق لها، أن هذه الشركة العملاقة تعمل على امتلاك أجزاء كبيرة من عالم العملات الرقمية الناشئ وكتابة القواعد التي تعمل على أساسها في المستقبل، حيث أرسلت فريقاً من المطلعين على بواطن الأمور في واشنطن للترويج لخطتها عبر "هجوم خاطف" استمر خمسة أيام أجروا خلالها لقاءات مع السيناتور كيرستن غيليبراند، وعدد من كبار المساعدين الاقتصاديين للرئيس بايدن.
وكان الموضوع الذي طرحه فريق "أندريسن هورويتز" على المسؤولين في واشنطن هو "كيف تربح المستقبل في السباق العالمي لهيمنة العملات المشفرة؟"، وذلك من منظور شركة رأس المال الاستثماري في وادي سيليكون التي وظفت مجموعة نافذين ذوي خبرة في واشنطن ومن بينهم توميكا تيلمان، المساعد السابق لبايدن عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، وكاتي هاون التي شغلت منصب مدعية عامة للعملات المشفرة في وزارة العدل، وبرايان كوينتز، القيادي السابق في لجنة تنظيمية للعملات المشفرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتمتع شركة "أندريسن هورويتز" بوزن خاص، بسبب تمويلها 50 شركة ناشئة للعملات الرقمية، مع الإعلان عن صفقات جديدة أسبوعياً، لتصبح بذلك أكبر مستثمر تشفير على مستوى العالم، كما أنها أنشأت صندوقاً استثمارياً جديداً بقيمة 2.2 مليار دولار للاستفادة من النمو السريع للعملات المشفرة والبنية التكنولوجية والمالية التي تقف وراءها، فضلاً عن كونها مستثمر رئيس في "كوين بيس"، وهي من أكبر بورصات العملات المشفرة، إلى جانب عدد من الشركات الناشئة الأحدث.

تأثير متنوع

وتتمثل الرؤية التي يسعى إليها مؤسسا الشركة وهما مارك أندريسن وبن هورويتز، في أن تكون شركتهما في قلب نظام بيئي جديد مزدهر للتكنولوجيا الرقمية التي ستؤدي إلى التأثير بقوة على صناعات متنوعة مثل الفن، والخدمات المصرفية، والتمويل، والألعاب، والتجارة الإلكترونية، والموسيقى، ووسائل الإعلام والاتصالات، ولهذا السبب كان اقتراحهما إجراء تعديلات تنظيمية على طريقة عمل العملات المشفرة من خلال تسليط الضوء على القضايا المتعلقة بالدعم العام من الحزبَين الجمهوري والديمقراطي للتغلب على السباق مع الصين في العملة الرقمية المشفرة والمدفوعات، واستعادة دور أميركا كمبتكر تقني رائد وتوسيع الفرص الاقتصادية، وتمكين الجيل القادم للإنترنت من الازدهار بطريقة تكون مفيدة للولايات المتحدة وللشركات الخاصة في آن.

لكن خبراء خارجيين درسوا مقترحات شركة "أندريسن هورويتز"، يقولون، إنها تتعلق بالمصلحة الذاتية في تحقيق الأرباح، أكثر من المصالح المجتمعية أو الوطنية الأميركية، إذ إن مشروع القانون المقترح سيمنح الشركات إعفاءات ضريبية. ولهذا قال روهان غراي، المحامي المالي وأستاذ القانون الذي نصح الديمقراطيين في الكونغرس بشأن تشريع تنظيم مدفوعات العملات المشفرة، إن "هذه حالة كلاسيكية لمطالبة الثعلب بتصميم بيت الدجاج".

تواصل الضغوط

ومع ذلك فإن الشركة التي أُنشئت في عام 2009 واتبعت نهجاً مختلفاً لرأس المال الاستثماري، تبدو مصممة على المضي قدماً في الضغط السياسي داخل واشنطن بعدما حققت نجاحات تاريخية في عالم الإنترنت وأنشأت "نيتسكايب" كأول متصفح على الشبكة، وأسهمت مبكراً في تطوير "الحوسبة السحابية" قبل أن تحصل على حصص في شركات كبرى مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"بينتريست"، وتنتهي خلال الأعوام الثماني الماضية بالتركيز على العملات المشفرة التي استثمرت فيها بكثافة وأنشأت الشركة صناديق للعملات المشفرة بمليارات الدولارات.
ومن خلال تحقيق عوائد كبيرة على كل هذا الاستثمار، أدرك المسؤولون التنفيذيون في شركة "أندريسن هورويتز" أن استمرار النجاح يتطلب لعب دور رئيس في تشكيل قواعد آلية عمل العملات المشفرة خاصة في غياب شركة منافسة في عالم التشفير تمتلك تشكيلة منافسة من الخبراء المتمرسين داخل لعبة التأثير بواشنطن.
وبحسبما تقول صحيفة "نيويورك تايمز"، تحدث أعضاء فريق "أندريسن هورويتز" مراراً مع المسؤولين في واشنطن عن التزامهم بـ"دمقرطة الإنترنت"، وأن الطبيعة اللامركزية للعملات المشفرة ستسهل على مزيد من الناس الحصول على القروض والاستثمار عبر منصات التشفير.
ومع ذلك، فإن طريق التأثير في واشنطن ما زال طويلاً نظراً إلى حالة الانزعاج التي أبداها قانونيون من أن العديد من عناصر الخطة الرئيسة تعبر عن مصلحة ذاتية وستخلق مسارات للتهرب من اللوائح الحالية، ما يترك المستهلكين عرضة للخطر.

المزيد من عملات رقمية