Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انعطافة جديدة بـ"الحزب الكردستاني" عقب تسميم بعض قياداته

قادة بارزون أجروا فحوصات مخبرية في ألمانيا عقب تدهور حالتهم الصحية

رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني مع عدد من قادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني  (أ ف ب)

أقر حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني بتعرّض أحد قادته البارزين لـ"التسميم" مع مسؤولين آخرين ليعقّد ذلك مشهد الانقسام القائم بين أقطاب الحزب، فيما تتزايد الهواجس من انعكاسات ربما تفضي إلى مواجهة مسلحة أو وقوع انشقاق جديد.

وتداولت وسائل الإعلام الكردية أخيراً، "تسريبات" تشير إلى تعرّض عدد من قادة الحزب إلى محاولة اغتيال بواسطة "سم قاتل"، استناداً إلى توجه بعضهم في الآونة الأخيرة إلى دول أوروبية لإجراء فحوصات طبية، وما سبقه من ضجة أثارها الرئيس المشارك للحزب بافل طالباني عندما اتهم نظيره وهو أيضا نجل عمه، لاهور شيخ جنكي بمحاولة اغتياله عبر "جاسوس" من خلال مادة سامة، في ذروة احتدام الصراع بين الاثنين على الزعامة في الثامن من يوليو (تموز) الماضي، وأكد حينها بافل رسمياً، "نعم لقد تم تسميمي، ولدي دليل، وهناك من اعترف، وبحوزتي أدلة أخرى، وأسباب عدم كشفي عنها واضحة".

لكن شيخ جنكي اعتبر تلك الاتهامات بأنها "محاولة مكشوفة لتشويه سمعتي وخلق تبريرات لإزاحتي"، داعياً إلى "فتح تحقيق قضائي مستقل".

تحقيقات مطولة

وأفاد عضو المجلس الرئاسي في حزب "الاتحاد" أريز عبدالله لـ"اندبندنت عربية" بأن "ما تم التأكد منه إلى الآن هو تعرّض ملا بختيار (عضو المجلس السياسي الأعلى في الاتحاد) إلى تسمم، ويجري الحديث عن إصابة شخصين آخرين، ونحن بانتظار نتائج الفحوصات المخبرية والتحقيق القضائي الجاري"، مبيّناً أن "التوصل إلى نتائج سيأخذ بعض الوقت، للتأكد من الجهة التي قامت بهذا الفعل الشنيع برفاقنا، هل هي دولة أم منظمة أم شخص؟".

ورفض عبدالله صحة ما يُشاع حول الترجيح بتوجيه الاتهام إلى شيخ جنكي للوقوف وراء هذا الفعل، وقال "إلى الآن، لم نتهم أي أحد إطلاقاً، هذا الأمر يحسمه القضاء والتحقيقات، ومن المبكر جداً الحديث عن الجهة أو الشخص المتهم. ملا بختيار هو أحد الضحايا، ولم يوجّه أي اتهام لأحد، ولا يبدو واضحاً ولا مؤشرات بعد حول هوية الجاني".      

وآخر مرة ظهر فيها ملا بختيار تعود إلى 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أثناء لقائه وفداً من الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني في مدينة السليمانية، في إطار مشاورات جارية بين القوى الكردية تهدف إلى صوغ "موقف كردي موحد" قبل الدخول في مفاوضات مباشرة مع بغداد لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في العاشر من الشهر الحالي.

وحول المستجدات حيال الأزمة القائمة بين شيخ جنكي وبافل طاباني، قال عبدالله إن "جنكي بإرادته تخلى عن صلاحياته لحين ظهور نتائج التحقيق التي تجريها لجنة حزبية".  

وبرز اسم لاهور شيخ جنكي منذ تولّيه رئاسة جهاز "زانياري" وهو بمثابة جهاز الاستخبارات ضمن نطاق نفوذ الحزب المعروفة بـ"الخضراء" في محافظة السليمانية وتوابعها، وعُرف بانتقاداته الحادة لحزب بارزاني، وتأييده الضمني لحزب "العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة، ثم فاز مع بافل طالباني كرئيسين مشاركين لزعامة الحزب في فبراير (شباط) عام 2020، قبل أن يدخل الرجلان في صراع على الزعامة أظهر تمتّع جنكي بشعبية على مستوى القاعدة الحزبية.  

التوتر بين الأجنحة

وأكد الناطق باسم "الاتحاد" أمين بابا الشيخ "تعرّض ملا بختيار إلى حالة تسمم، وهو يخضع للعلاج خارج البلاد، فضلاً عن حالة مماثلة تعرّض لها مسؤولون في جهاز أمن محافظة السليمانية". ونفى ما وصفها بـ"الإشاعات" عن احتمال نشوب صراع مسلح بين قادة أجنحة الحزب، قائلاً "لا صحة لهذه الأنباء، نحن نعيش في مدينة يحكمها القانون، وكلنا يحترم الأمن والقانون".

واشتد التوتر بين أجنحة الحزب منذ تعرّض مؤسسه، رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني إلى جلطة دماغية عام 2012، ليتعمّق الصراع بعد وفاته أواخر أكتوبر عام 2017، فتوّلت عقيلته هيرو إبراهيم أحمد (73 سنة)، زمام الأمور لبضعة أعوام قبل أن تتوارى عن الأنظار نتيجة تدهور حالتها الصحية.      

وبالتزامن، ورد اسم القيادي الرفيع في الحزب، المدير السابق لأمن السليمانية حسن نوري المعروف بـ"أوستا حسن"، ضمن الذين تعرّضوا لـ"التسمم"، وخضع أيضاً لفحوصات طبية في ألمانيا قبل أن يعود إلى الإقليم، على إثر تدهور صحته ومعاناته من "مضاعفات غير طبيعية آلمته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتأسس حزب "الاتحاد الوطني" في 1 يونيو (حزيران) 1975، إثر انشقاق طالباني عن الحزب "الديمقراطي" بزعامة ملا مصطفى بارزاني، وتمكّن من ضم خمس قوى كردية، أبرزها "مجموعة كادحي" كردستان بزعامة نوشيروان مصطفى (انشق بدوره عن الحزب عام 2006 معلناً تشكيل حركة "التغيير" )كأول قوة معارضة)، كردّ فعل على الانهيار الذي مُنيت به الحركة الكردية عقب توقيع اتفاقية الجزائر بين الحكومة العراقية وإيران الدولة الداعمة للحركات الكردية المسلحة، واستمر طالباني في زعامة الحزب لنحو أربعة عقود.

سابقة خطيرة

وقال المحلل السياسي كمال رؤوف إن "تعرّض قادة للتسمم يُعدّ سابقة خطيرة، خصوصاً أن الحديث يجري عن تعرض عدد وليس شخصاً واحداً، وأن الغموض القائم وعدم توافر المعلومات الكافية والأدلة محل استغراب، والحديث يقتصر على ضحية تدّعي أنها ضمن الذين تعرّضوا لتسميم متعمد، والكل في حالة ترقب إلى حين أن يكشف أحدهم عن نتائج الفحوص المخبرية، أو أي دليل آخر"، مستبعداً أن يكون الحدث ضمن سيناريو يهدف إلى استبعاد نهائي لشيخ جنكي عن الحزب. وقال "الأمر لا يحتاج إلى سيناريو أو تلفيق تهمة، فقد تم استبعاده فعلياً وجُرّد من صلاحياته خارج السياقات الرسمية الحزبية، وهو الآن رئيس مشارك من حيث الاسم وليس من حيث الفعل والمضمون، وهو اليوم معتكف في منزله"، واستدرك "يمكن تفسير الأمر على أنه مسعى لتشويه شخصيته وتوجيه الأنظار إلى وقوفه وراء هذه الجريمة، على اعتبار أنه امتلك الأدوات عندما كان يتحكم بإدارة جهاز الاستخبارات ومكافحة الإرهاب". 

 وبالنظر إلى خريطة الانقسامات بين قيادات الحزب، ظهر تولّي بافل عن والدته قيادة الجناح الإداري أو ما يُعرف بـ"الحرس القديم" الذي يضم رفاق والده الراحل، في حين تركز نفوذ جنكي على التحكم بالجناح الأمني والاستخباري قبل أن تُنتزع منه صلاحياته في أحداث الثامن من يوليو، متهماً حزب بارزاني بالتورط في "المؤامرة" بالتعاون مع تركيا، ليضطر لاحقاً وعلى مضض إلى قبول قرار إبعاده عن إدارة الجهاز الأمني، والابتعاد "مؤقتاً" عن المشهد على الرغم من احتفاظه بلقب الرئيس المشارك للحزب، ناهيك عن جناح ثالث يتزعمه كوسرت رسول علي الذي يخضع منذ أعوام لعلاج من مرض نادر في الأمعاء.        

سيناريوهات محتملة

وضمن الاحتمالات المطروحة أن يتعرض الحزب لتصدّعات جديدة على غرار انشقاق القيادي الراحل نوشيروان مصطفى وإعلانه تأسيس حركة "التغيير"، قال رؤوف إن "تجربة حركة التغيير كانت مختلفة، فـنوشيروان مصطفى كانت لديه خلافات مع جلال طالباني، وقراره كان نابعاً من رغبة ذاتية ولم يتم إخراجه بالقوة كما يحدث الآن مع شيخ جنكي، ثم إن مصطفى اتجه إلى تأسيس حركة مدنية، ومعلوم أن غالبية الحركات المدنية فشلت في آخر المطاف. وفي حال اتجه شيخ جنكي لخيار الانشقاق، فإنه لن يقدم على هذه الخطوة قبل أن يحصّن حركته المستقبلية، وبالطبع سيكون ذلك عبر امتلاكه قوة مسلحة".

ويرى مراقبون أن إحكام بافل قبضته على دفة الحزب من شأنه أن يسهم في إعادة ترميم العلاقة مع حزب بارزاني، إذ يتقاسمان سلطة إدارة الإقليم منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، على الرغم من أنهما ما زالا يعانيان انقساماً في إدارة الجوانب العسكرية والأمنية والمالية.  

وشدد بافل، الأربعاء الماضي، لدى استقباله السفير الألماني الجديد في العراق مارت ييغر، على أن "حالة التفرد بالقرار والتدخل في إدارة الحزب والتحكم بقيادته انتهت". وأضاف "نحن في هذه المرحلة، نتهيّأ لتطوير مؤسسات الحكومة وتصحيح الأخطاء على مستوى الإدارة".  

حزب مسلح

وما زالت الهواجس تلوح في الأفق من نشوب نزاع مسلح بين أجنحة الحزب، إذ يمتلك كل جناح أذرعاً مسلحة ومناصرين. وعن مدى واقعية هذه الهواجس، قال رؤوف "لا أستبعد ذلك، كل شيء وارد، لأن الاتحاد بطبيعته حزب مسلح، وهذه القوة العسكرية مقسمة بين أفراد، وكل من هؤلاء الأفراد أو القادة كوّنوا لأنفسهم مواقع ومصالح خاصة واكتسبوا موالين وجمهوراً"، لافتاً إلى أن "التدخلات الخارجية من شأنها أن تعزز هذا الاحتمال (نزاع مسلح)".

ولا يؤيد رؤوف فكرة وقوف جهات خارجية وراء حل أزمة حزب طالباني، قائلاً إن "عامل وجود يد خارجية سيكون له دور مؤثر حتماً عندما يقع خلاف أو انشقاق فعلي، ما يفتح الباب أمام الجهة المعنية للعب دور عن قرب في توجيه المسار لصالحها". وبشأن تداعيات هذا التوتر على مستقبل العلاقات بين حزبي طالباني وبارزاني، لفت إلى أن "مؤشرات الارتياح تبدو واضحة على الحزب الديمقراطي في إبعاد شيخ جنكي، وعلى الرغم من ذلك قد لا يكون شرطاً أن تدخل العلاقة بين الطرفين مرحلة مختلفة عن سابقاتها، وهذا حدث مع مصطفى الذي كان يُدرج ضمن القيادات المتشددة ضد الديمقراطي، ثم شاهدنا كيف أن الطرفين أبرما تفاهمات، خصوصاً في ضم الحركة إلى تشكيلة حكومة الإقليم، وهذا السيناريو ربما نشهده مع شيخ جنكي أيضاً".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير