Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميزانية ريشي سوناك ليست مما يسعد الجمهور وقد بدأ الملايين يشعرون بالضائقة

قدم لنا عبرها أفضل ما في العالمين لكنها قد لا تنال شعبية كبيرة

قدم وزير المالية البريطاني صورة وردية عن ميزانيته الجديدة لكن جمهوراً كبيراً لم يقتنع بكلماته (يوتيوب)

لطالما أُعجِبَ ريشي سوناك برجل الأعمال الشهير والمستثمر الكبير وارن بافيت، إذ يعجبه أيضا أحد التشبيهات التي يستخدمها بافيت وقد استقاها من لعبة البيسبول (الأميركية)، ومفادها "إنه كي تكون بارعاً في الاستثمار يجب أن يكون لديك القدرة أن تجلس وتتابع رمي الكرات الواحدة تلو الأخرى منتظرا الكرة الجميلة التي تتطابق مع تطلعاتك (الاستثمارية). وإذا سمعت صراخ الناس يحثونك على ضرب الكرة عليك، تجاهل ما يقولون."

وبحسب ما نقل لي أحد العارفين بشؤون وشجون حزب المحافظين، "إن ذلك التشبيه يلخص الفارق بين ريشي سوناك وبوريس جونسون. إذ سيُعدّ ريشي العدّة والأرضية، وينتظر وصول الكرة التي تناسبه. بوريس ليس صبوراً أبداً، بل سيضرب أي كرة متجهة نحوه. إنه يسعى إلى إرضاء الجماهير."  

وأخيراً، عثر ريشي سوناك على مكانه الجميل الذي يقع بين اعتماده سياسة مالية تظهره كشخص يتحلى بالمسؤولية المالية، وبين توفير جرعة تمويل إضافية بـ150 مليار جنيه إسترليني (حوالي 207 مليار دولار). لقد قدم ميزانية تتميز بما يُعتبر أنها تجمع "الأفضل من العالمين كليهما" (إشارة إلى السعي لإرضاء الأطراف كلها)، ما يتيح له الادعاء بأن حزب المحافظين يمثّل الحزب الوحيد الموثوق القادر على التصرف بأموال العباد، لكنه أيضاً "الحزب الحقيقي الذي يدعم قطاع الخدمات العامة."

واستطراداً، لقد أظهرت الميزانية التي قدمها سوناك أيضاً أنه يستسيغ إرضاء الجماهير. ويتمثّل الأرنب الذكي الذي أخرجه في نهاية أسبوع من تسريبات سبقت إعلانه عن الميزانية، في تغييره نظام العمل "القرض المالي الشامل" universal credit (قرض يقدم بهدف دعم أصحاب الدخل المحدود أو العاطلين عن العمل) بما يتيح للناس بالاحتفاظ بـ45 قرشاً من كل جنيه إسترليني يكسبونه ابتداء من مطلع ديسمبر (كانون أول)، بدلاً من الـ37 قرشاً التي يحتفظون بها حالياً. وقد وصف ريشي ذلك بأنه يشكل "حسماً ضريبياً بملياري جنيه إسترليني (حوالي 2.8 مليار دولار أميركي) تستفيد منه شريحة الموظفين من أصحاب الدخل المحدود في البلاد". وفي المقابل، إن ما لم يعلنه سوناك يتجسد في أنه لا يعطي (من خلال ذلك التغيير) سوى ثلث المليارات الستة الإسترلينية التي استعادها من 4.5 ملايين عائلة عبر إلغائه الدعم الإضافي المتمثل بـ20 جنيهاً إسترلينياً كدعم لنظام "القرض المالي الشامل".  

واستكمالاً، لقد حاول وزير الخزانة من خلال ميزانيته رسم الحدود، وأنهى برنامج التمويل الطارئ الذي اعتمده خلال الجائحة وبلغ حوالي 407 مليار جنيه إسترليني (حوالي 560 مليار دولار)، مع اعترافه في الوقت نفسه أن الحرب ضد فيروس كورونا لم تنته بعد. وربما أبرز ما يعبّر عن آرائه الشخصية جاء في المقطع الذي أوضح فيه أن "للقدرات الحكومية حدوداً" وأنه لا يمكن لدافعي الضرائب التدخل لحل كل المشاكل التي تطرأ في الظروف العادية. وأضاف أنه فيما لم يكن يرغب في إعلان زيادة ضريبية بـ36 مليار جنيه إسترليني في بداية هذه السنة، إلا "إنه لن يقدم اعتذارا على ذلك". وكذلك أشار إلى إن "مهمته" الآن ترتكز على خفض الضرائب قبل الانتخابات العامة المقبلة. في ذلك الصدد، إنّ الجمهور الذي حاول إرضاءه من خلال تلك الملاحظة كان جالساً خلفه على المقاعد التي يملؤها نواب حزب المحافظين.

وعلى الرغم من أن سوناك تمكن بواسطة ميزانيته إعادة ارتداء عباءة "العقلانية المالية" التقليدية التي يرتديها حزبه، إلا أن ترديده الحديث عن "عهد جديد من المسؤولية المالية" يشبه وعود برنامج حزب المحافظين التي أُطلِقَتْ في 2019 وتعهدت آنذاك بعدم الاستدانة بهدف تمويل قطاعات الخدمات الحكومية اليومية، إضافة إلى أنها أظهرت رغبة (الحزب والحكومة) في رؤية انخفاض نسبة الديون مع نهاية الدورة البرلمانية حينذاك.

في زاوية اخرى، تجسّد الانطباع العام الذي أعطاه سوناك أثناء قراءته لائحة طويلة من الإلتزامات في الإنفاق الحكومي، في أنه متردد من الانتقال فجأة من بابا نويل (يقدم الهدايا) إلى جحا (المعروف ببخله). فقد أربك خصومه الذين توقعوا مراجعة قاسية للانفاق خلال ثلاث سنوات الأخيرة، عبر إشارته إلى أن جميع الإدارات الحكومية ستنعم بارتفاع ميزانياتها بشكل واقعي. واستدراكاً، ليس ذلك الأمر كريماً بالشكل الذي يبدو عليه. إذ يتوجّب على تلك الإدارات تمويل الزيادات في الأجور بشكل "عادل ويمكن توفيره"، في وقتٍ رفع فيه سوناك فيه التجميد عن تمويل القطاع العام من الميزانيات الخاصة بتلك الإدارات. وبالتالي، لقد قدم ريشي سوناك ملياري جنيه إسترليني (حوالي 2.8 مليار دولار) كتمويل لدعم المدراس والكليات بهدف مساعدة الطلبة على التعويض أكاديمياً عما خسروه خلال جائحة كورونا، لكن مجموع الـ5 مليارات جنيه إسترليني تبقى مجرد ثلث ما دعا إلى توفيره كيفان كولينز، الذي استقال كوزير معين للسهر على تنفيذ برنامج التعويض الأكاديمي للطلبة. وكذلك سيُستعاد ما اقتطع من ميزانيات المساعدات الدولية، لكن ليس قبل 2024 أو 2025.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بصورة عامة، ظهر توتر بين رئيس الوزراء (بوريس جونسون) المعروف عنه بذخه، ووزير خزانته المتحفظ، في الفترة التي سبقت الإعلان عن الميزانية الجديدة التي عكست شبه تسوية بين موقفهما. واستطراداً، أظهرت اللغة التي استخدمها سوناك اعترافاً بأن جونسون هو الوزير الأول المفوض شؤون مالية الدولة العامة. وتالياً، بدت عبارات كـ"اقتصاد ملائم لعهد جديد من التفاؤل" كأنها خرجت للتو من الدفتر الإرشادي لجونسون. وكرر سوناك التذكير بما أورده جونسون في تعهداته السابقة، ودعم رؤيته عن بناء "اقتصاد تتوفر فيه رواتب أعلى، ومهارات أعلى، وإنتاجية أعلى."  

في سياق متصل، لقد وضع سوناك سياسة جونسون "للنهوض والمساواة بين المناطق" في قلب ميزانيته الجديدة. وأبلغ الحكومة (قبل نشره الميزانية) أن "سياسة النهوض والمساواة" تشكّل الخيط الذهبي الذي يربط ويميز هذه الميزانية. ولكن، لم يكن للأولوية الأخرى التي تعهد بها جونسون سوى إشارة ضعيفة، لا سيما الوصول إلى تصفير الانبعاثات الكربونية مع حلول 2050.

وإضافة إلى التفاؤل العام، ظهرت لمسة لجونسون وجشعه اللامتناهي في حيازة الكعكة والتهامها كلها في الوقت نفسه، عبر تزامن نشر "مكتب المسؤولية عن الميزانية" توقعات أكثر إيجابية مما ساد الظنُّ بشأنه، عن مستقبل النمو والآثار التي ستترتب على الجائحة في المدى الطويل، ومسألة الاقتراض.

ولم يكن سوناك ليتصرف مثل الرئيس بايدن، لكنه يقدم (عبر تلك الميزانية) على مغامرة محسوبة تفيد بأن الاقتصاد سينمو بالشكل المطلوب من دون الحاجة إلى سياسة تحفيز مالية. ووفق الأرقام التي اعتمد عليها، من المتوقع أن تؤدي وثبة القطاعات الاقتصادية بعد تلاشي آثار كورونا، إلى تراجع النمو بعد عامين إلى 2.1%، ثم تنخفض إلى مجرد 1.3%، ثم إلى 1.6%. 

واستناداً إلى تلك المعطيات، إن الامتحان الذي تواجه هذه الميزانية لن يكون عناوين الصحف ونشرات الأخبار، لكن كيفية شعور ملايين المواطنين بأزمة ارتفاع كلفة المعيشة مع حلول إبريل (نيسان) المقبل وكيفية التعامل معها. وفي ذلك الوقت، سيبدو التعديل الذي أدخله وزير الخزانة على برنامج الاقتراض المالي الشامل مجرد تفصيل صغير، تماماً مثل خفض ثمن كأس الجعة بثلاث بنسات إسترلينية. في ذلك الشهر (إي إبريل المقبل)، قد يستنتج المواطنون أن كل الزيادة في المرتبات قد أكلها التضخم الذي سيرتفع إلى أربعة في المئة. وسيرى أولئك المواطنون أيضاً  أن نسبة غرض الضرائب القصوى قد جُمّدت، وسيشهدون زيادة بـ1.25% في فاتورة ضريبة صندوق الضمان الاجتماعي، وارتفاعاً في قيمة فواتير الضرائب البلدية، وزيادة كبيرة (وربما بـ300 جنيه إسترليني) سنوياً على فاتورة استهلاكهم للطاقة (بسبب ارتفاع أسعار الغاز والمحروقات).

في ذلك الوقت، لن يكون الجمهور سعيداً جداً بميزانية وزير الخزانة. وقد يبدو في حينه أن ميزانية اليوم لم تكن كافية للتعامل مع أزمة غلاء المعيشة وحجمها.

© The Independent

المزيد من آراء