Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوجه الآخر للحرب في إثيوبيا... الرعب

بدأت الاعتقالات عقب اندلاع القتال في إقليم تيغراي في أقصى شمال البلاد مطلع نوفمبر 2019

يعتبر كثيرون من أبناء تيغراي أن هناك محاولات لدفعهم إلى العيش في الخوف (أ ف ب)

على مدى العام الماضي، استهدفت حملة اعتقالات تعسفية واسعة النطاق تيغرانيين من جميع الأطياف في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وأماكن أخرى، في وجه آخر خفي للحرب المدمرة في شمال البلاد.

ويؤكد المسؤولون شرعية التدابير الهادفة إلى القضاء على "جبهة تحرير شعب تيغراي" التي يعتبرونها منظمة إرهابية.

غير أن مقابلات أجرتها وكالة الصحافة الفرنسية مع عشرات الموقوفين والمحامين ومسؤولين في القضاء وحقوقيين، تكشف عن عملية أكثر عشوائية تطاول مسؤولين عسكريين بارزين وصولاً إلى عمال باليومية.

وقال ضحايا، إن تجربتهم كشفت عن طابع عرقي للتوقيفات، فيما بنيت القضايا على أدلة واهية، حسب قولهم.

وفي أحد أيام يوليو (تموز) الماضي، دهم عناصر من الشرطة الإثيوبية كاتدرائية في أديس أبابا قبل طلوع الشمس، واقتادوا قرابة عشرة كهنة من إثنية تيغراي في شاحنة.

لم يقدم عناصر الشرطة أي تفسير للمداهمة، لكن لم تكن حاجة إلى ذلك، فالموقوفون أدركوا على الفور أنهم سينضمون إلى آلاف التيغرانيين الذين اعتقلوا بتهمة دعم "جبهة تحرير شعب تيغراي" المتمردة.

وأوقفت الشرطة رجال الدين لأكثر من أسبوعين، واتهمتهم بجمع أموال للجبهة وإحراق أعلام إثيوبية، والتخطيط لهجمات إرهابية بأنفسهم.

ويقول راهب إنه لم يتمالك نفسه عن الضحك عندما سأله محقق عن مكان إخفاء المسدسات.

ويضيف مشترطاً عدم نشر اسمه لدواعٍ أمنية، "قلنا لهم نحن رجال إيمان ولسنا سياسيين... لا أعلم من أين جاؤوا بالمعلومات، لكنهم يستخدمونها لقمعنا نحن التيغرانيين، ودفعنا لكي نعيش في الخوف".

إعدام "الخونة"

بدأت الاعتقالات عقب اندلاع الحرب في إقليم تيغراي في أقصى شمال البلاد مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعد أشهر من التوتر بين رئيس الوزراء أبيي أحمد و"جبهة تحرير شعب تيغراي" التي كانت تمسك بالسياسات الوطنية قبل تولي أبيي أحمد مهماته في 2018.

في البدء، استهدف المسؤولون عسكريين بشكل رئيس.

وبعد أسبوعين على أول عملية إطلاق نار، استدعي عشرات الضباط التيغرانيين إلى اجتماع متلفز في أديس أبابا. وبثت وسائل الإعلام الرسمية المشاهد كدليل على دعم المشاركين فيه للحكومة.

لكن، في وقت لاحق، اعتقل ثلاثة من أولئك الضباط وتم تفتيش منازلهم بحثاً عن أسلحة قبل سجنهم بتهمة التواطؤ للإطاحة بأبيي، وفق ما قال أفراد من عائلاتهم.

ويقول مايكل الذي كان والده من بين الموقوفين، إن الاعتقالات أثارت دهشته.

ويضيف إن والده وهو ضابط خدم لثلاثة عقود "لم يمكن يحب التحدث بالسياسة... بل كان يوبخنا عندما نتحدث في السياسة".

وبعد تقرير نشرته وسائل إعلام رسمية في أغسطس، وذكر أن محكمة عسكرية قضت بإعدام عدد من الضباط "الخونة"، ازدادت مخاوف مايكل.

ويقول، "أخشى كثيراً أن يحكموا بالإعدام أو المؤبد على والدي والمحيطين به".

ولم يرد متحدث عسكري على طلب وكالة الصحافة الفرنسية التعليق على الموضوع.

وبعد مضي نحو عام، لا يزال والد مايكل معتقلاً في معسكر للجيش غرب أديس أبابا. والسماح له بثلاث زيارات أسبوعياً يجعله محظوظاً مقارنة بآلاف الموقوفين الآخرين الذين لا يؤذن لهم بذلك.

خشية

وكانت القوات الإثيوبية سيطرت سريعاً على الجزء الأكبر من إقليم تيغراي. ومع استمرار الحرب في 2021، تكثفت حملة التوقيفات، وإن كان ببطء.

لكن "جبهة تحرير شعب تيغراي" تمكنت في أواخر يونيو (حزيران) من استعادة السيطرة على غالبية المنطقة، ومنها العاصمة ميكيلي، ما دفع بالجيش إلى سحب جزء كبير من قواته.

وبعد ثلاث ليالٍ على استعادة السيطرة على ميكيلي، وصل خمسة من عناصر الشرطة الفيدرالية وثلاثة ضباط باللباس المدني إلى منزل ألولا في أديس أبابا، وطرقوا باب الناشط التيغراني الذي كان يستخدم صفحته على موقع "فيسبوك" لتسليط الضوء على مجازر واغتصابات جماعية في تيغراي، وفق منشوراته.

أبقوه قيد الاحتجاز ليلاً في مركز للشرطة في العاصمة، ثم اقتاده جنود إلى معسكر يبعد 200 كلم شرقاً في منطقة عفر.

وفي الأيام السبعة التي تلت، عاش ألولا، وهذا ليس اسمه الحقيقي، على قطعة خبز وكوبين من الماء يومياً.

وكان في المعسكر أكثر من ألف موقوف، بينهم صحافيون وسياسيون جاهروا بالحديث عن أهوال النزاع الذي أودى بالآلاف، ودفع وفق الأمم المتحدة بعشرات الآلاف إلى ظروف تشبه المجاعة.

أفرج عن ألولا، لكنه بات يخشى الحديث عن الحرب.

ويقول، "إذا تحدثت عن ذلك، سيتم اعتقالي مجدداً، أو ربما قتلي".

تدابير قمعية

في موازاة الاعتقالات، أغلق المسؤولون آلاف المحال التجارية "الداعمة لجبهة تحرير شعب تيغراي"، وفق ما أعلن مسؤول في وزارة التجارة في سبتمبر (أيلول).

في مجمع واحد في أديس أبابا، أغلقت سبع حانات وفندقين في يوليو (تموز) بسبب "الضجيج الملوث"، اعتبرها أصحاب المصالح اتهامات لا أساس لها.

ويقول صاحب حانة يدعى مايكل "يتصورون أن التيغرانيين يحتفلون بالتقدم الذي أحرزته الجبهة".

واعتبر إغلاق المحال دليلاً آخر على أن المسؤولين يستهدفون جميع التيغرانيين وليس داعمي الجبهة فحسب.

ويقول الباحث في منظمة العفو الدولية، فيسيها تيكلي، إنه من الصعب معرفة الحجم الحقيقي للتدابير القمعية بسبب سريتها، لكنه يلفت إلى أن المنظمة "تلقت تقارير عدة" تفيد باحتجاز أكثر من ألف شخص في معسكر واحد في ظروف "بائسة".

ولا تتوافر معلومات عن العديد من الموقوفين.

ويضيف تيكلي، "قطع أفراد الأسر مئات الكيلومترات بحثاً عن أقارب موقوفين. وتوجه آخرون إلى مراكز الشرطة للاستفسار عنهم".

لا ثقة

وأثارت الاعتقالات حتى انتقادات بعض المسؤولين الحكوميين.

في أواخر سبتمبر، كتب المسؤول البارز في الإدارة المؤقتة المعينة من أبيي في تيغراي أبراها دستا، على "فيسبوك"، إن السلطات خلقت بيئة يعد فيها التحدث باللغة التيغرانية، "جريمة".

وفي اليوم التالي، اعتقل أبراها واتهم بانتهاك قوانين الأسلحة والتحريض.

وتحدث مسؤولون آخرون في مجالس خاصة، وفق تقارير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال مؤتمر في سبتمبر في مدينة أداما، وبخ المدعي العام غيديون تيموثاوس موظفين في مديرية استرداد الأصول في مكتبه لحماستهم المفرطة في مطاردة أصحاب الأنشطة التجارية، وفق ما قال مسؤولون حضروا المؤتمر.

واتهم المديرية بـ"سوء استخدام النفوذ"، ودعا إلى وقف الإجراءات ذات "الطابع العرقي".

ولم يرد غيديون، وهو الآن وزير العدل، على طلب للتعليق.

وحتى إن توقفت الاعتقالات، يخشى الضحايا من أنها تسببت بتآكل النسيج الاجتماعي، وخصوصاً في أديس أبابا، حيث كان التيغرانيون يعيشون في حرية.

ويقول محام تيغراني يمثل نحو 90 من الموقوفين التيغرانيين، "واضح أن كل شخص يشعر بالارتباك... لا يعلمون ما سيحصل غداً".

ويضيف، "حتى أنا لا أشعر بالثقة. يمكن أن يعتقلوني في أي وقت".

محطات

وشهدت إثيوبيا، ثاني أكبر دول أفريقيا من حيث عدد السكان، منذ أن شنت الحكومة هجوماً قبل نحو عام على إقليم تيغراي لإطاحة "جبهة تحرير شعب تيغراي"، كثيراً من الأحداث.

في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، أمر رئيس الوزراء أبيي أحمد برد عسكري على هجوم وصفه بأنه "غادر" وقال إنه استهدف معسكرات الجيش الفيدرالي في تيغراي.

وحمل "جبهة تحرير شعب تيغراي" المسؤولية، ما نفته الحركة المتمردة التي هيمنت على الحياة السياسية في إثيوبيا لنحو ثلاثة عقود إلى أن وصل أبيي إلى السلطة في 2018.

وقالت الجبهة، إن ما يشاع عن هجوم تعرضت له القوات الإثيوبية في تيغراي هو مجرد ذريعة لغزو الإقليم.

وأدى اشتداد القتال إلى فرار عشرات الآف السكان إلى السودان المجاور.

وبعد عشرة أيام على اندلاع المعارك حذرت الأمم المتحدة من احتمال وقوع جرائم حرب في تيغراي.

وأرسلت إريتريا المجاورة التي وقع معها أبيي اتفاقية سلام في عام 2018 نال إثرها جائزة نوبل للسلام، قوات إلى تيغراي لمؤازرة القوات الإثيوبية، لكن أديس أبابا نفت ذلك.

بعد أسبوعين، وبعد أن رفض الدعوات لإنهاء العملية العسكرية، أعلن أبيي أن قواته تتقدم في اتجاه ميكيلي، عاصمة الإقليم.

واستهدف قصف عنيف ميكيلي في 28 نوفمبر، أعلن أبيي بعده أن العمليات العسكرية "أنجزت".

في فبراير (شباط) 2021، اتهمت منظمة العفو الدولية قوات إريترية بقتل "مئات المدنيين" في بلدة أكسوم في نوفمبر.

ولاحقاً حض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إريتريا على الانسحاب، ووصف أعمال العنف في غرب تيغراي بأنها "تطهير عرقي".

نفت إثيوبيا وإريتريا لأشهر أي انخراط للقوات الإريترية في النزاع.

لكن، في 23 مارس (آذار)، أقر أبيي بأن القوات الإريترية دخلت تيغراي، وفي اليوم التالي أعلنت المفوضية الإثيوبية لحقوق الإنسان أن جنوداً إريتريين ارتكبوا مجزرة بحق أكثر من مئة مدني في أكسوم.

وفي مطلع أبريل (نيسان)، أعلنت إثيوبيا أن القوات الإريترية "بدأت تخرج" من تيغراي، لكن الأمم المتحدة أعلنت في 15 أبريل أن ليس هناك أي دليل على انسحاب هذه القوات.

مع تزايد الغضب الدولي، حصلت وكالة الصحافة الفرنسية على وثائق حكومية تبين أن قوات إريترية تمارس النهب وتمنع دخول مساعدات غذائية.

في أواخر مايو (أيار) دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى وقف لإطلاق النار، مشدداً على "ضرورة وقف" انتهاكات حقوق الإنسان.

في يونيو، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن أربعة ملايين شخص يواجهون أزمة غذائية في تيغراي.

وتنظم انتخابات في معظم أنحاء إثيوبيا، لكن ليس في تيغراي.

في 22 يونيو (حزيران) قتل 64 شخصاً على الأقل وجرح 180 آخرون في غارة جوية إثيوبية استهدفت سوقاً في توغوغا.

وشدد الجيش الإثيوبي على أن الهجوم استهدف مقاتلين متمردين.

في 28 يونيو، ومع تقدم "قوات دفاع تيغراي"، غادرت الإدارة المؤقتة التي عينها أبيي في تيغراي عاصمة الإقليم ميكيلي، ما شكل منعطفاً في النزاع.

وأعلنت الحكومة الفيدرالية "وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد"، وافق عليه المتمردون "من حيث المبدأ"، لكنهم تعهدوا مواصلة القتال إن لم تلبَّ شروطهم.

في 14 يوليو، وبعد أربعة أيام على فوز حزب أبيي في الانتخابات تعهد بـ"صد الهجمات".

وفي اليوم التالي، أعلنت ثلاث مناطق أنها ستنشر قوات دعماً لعمليات القوات الفيدرالية في تيغراي. وامتد النزاع إلى منطقتين مجاورتين لتيغراي هما عفر وأمهرة.

وفي الخامس من أغسطس، سيطر المتمردون على مدينة لاليبيلا في أمهرة، والتي صنفتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي.

في السادس من أغسطس، رفض المتمردون دعوة أميركية إلى الانسحاب من المناطق المجاورة لتيغراي. وهددت إثيوبيا بنشر "كامل قوتها الدفاعية". وفي العاشر منه، دعا رئيس الوزراء السكان للانضمام إلى القوات المسلحة.

وفي الرابع من أكتوبر أدى أبيي اليمين لولاية جديدة من خمس سنوات.

وبعد أسبوعين، دخل النزاع منعطفاً جديداً مع شن الطائرات الإثيوبية ضربات جوية على ميكيلي، مطلقة حملة قصف جوي في تيغراي.

وقضى أكثر من 12 شخصاً منذ بدء حملة القصف الدوي في 18 أكتوبر.

المزيد من دوليات