Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيئة البنتاغون أكل الدهر عليها وشرب

هناك حاجة ملحة إلى تغيير بيروقراطية الأمن القومي للولايات المتحدة

وصف أحد كبار المسؤولين أخيراً العمل في وزارة الدفاع (البنتاغون) بأنه "رجعي بشكل مثير للقلق" (غيتي)

ربما لا يختلف اثنان على أهمية وثقل وزارة الدفاع الأميركية على مستوى العالم، لكن مقدار ما نعرفه من إجراءات وتصريحات وقرارات وسياسات تصدر (عن) الوزارة أكبر بكثير من معلوماتنا عما يجري (في) البنتاغون.

هذا المكان غريب، إنه القلب النابض لآلة الحرب والأمن الأميركية الهائلة، وتفوق الأموال التي يلتهمها هذا العملاق 700 مليار دولار، قد تتوقعون إذاً أن يكون مقرّ وزارة الدفاع الأميركية نفسه متطوراً جداً، ويشغله موظفون يتمتعون بمواهب على مستوى العالم، قادرة على اتخاذ القرارات في أجزاء من الثانية أثناء عملها على مشاريع مستقبلية تهدف كلها إلى حماية الأمة، مكان شبيه بشركة "أبل"، لكنه يتعامل مع الأسلحة المتطورة.

ممرات البنتاغون

على كل حال، وبحسب ما ذكرت مجلة "فورين بوليسي"، "Foreign Policy"، فإن أي شخص سار في ممرات البنتاغون العفنة، أو عانى من معاملاته الورقية، يعلم أن الواقع مختلف تماماً. يبدو الأمر كما لو أنه تم الحفاظ على البنتاغون تماماً مثلما تركه وزير الدفاع السابق روبرت ماكنمارا عندما استقال عام 1968، تاركاً وراءه متحفاً حياً لثقافة مكان العمل والعمليات الإدارية في العصر الذي تدور فيه أحداث مسلسل "رجال ماد" أو "Mad Men" بين ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم. وفي حين أن الأعوام الـ50 التي تفصلنا عن عهد ماكنمارا شهدت الكثير من التغيير، ظل الكثير على حاله تماماً.

لا تزال التراتبية الهرمية تسود في الوزارة بشكل صارم، في تناقض صارخ مع المؤسسات الحديثة التي تبنّت منذ فترة طويلة هياكل تنظيمية أكثر بساطة تسهّل اتخاذ القرارات بشكل أسرع، وغالباً أفضل. لا يزال البنتاغون مهووساً بالبروتوكولات، في حين أن المؤسسات الحديثة لم تصبح فقط أكثر بساطة، ولكن أكثر تنوعاً وشمولية وديناميكية، وكل ذلك، يسهّل الإبداع بدلاً من أن يثبطه. لا تزال الوزارة مثقلة بالالتزام الصارم بالعمليات البطيئة وفق التسلسل الوظيفي، بينما عرفت أماكن العمل الأكثر حداثة أن الأساليب المتوازية والآنية وغير المتزامنة تزيد من سرعة إنجازها بشكل كبير.

الأسلحة الفاعلة

صحيح أن وزارة الدفاع تطور بعض الأسلحة الفاعلة بشكل مثير للدهشة، ولكن يتم تبديد مبالغ كبيرة بشكل مرعب على النفقات العامة للعقود وبرامج الاستحواذ التي تستغرق وقتاً طويلاً جداً بحيث يمكن أن تصبح الأسلحة قد عفا عليها الزمن تقريباً بحلول الوقت الذي تُنشر فيه. وماذا عن المواهب العالمية؟ يشتمل البنتاغون على عقول فذة، لكن الكثير منها على أبواب التقاعد، بينما يتطلب توظيف شخص جديد إتقان الفنون المقيتة لكل من إدارة الأفراد ومداعبة غرورهم. غالباً ما تكون ظروف العمل في البنتاغون والوكالات التنفيذية الأخرى متخلفة للغاية ومحبطة للروح المعنوية لدرجة أن وسط الأمن القومي كان يغوص في أزمة للقوى العاملة حتى قبل بدء أزمة كورونا عام 2020.

وبالنسبة إلى اتخاذ القرارات؟ ما بين التنسيق الأفقي مع كل مكتب لديه "ما يقوله" في أي قرار يجب اتخاذه، ثم اختراق سبع طبقات عمودية أو ما إلى ذلك حتى الوصول إلى الموافقة، غالباً ما تعاني الأفكار الجريئة إما من الموت بسبب آلاف الجروح التي تخلفها المعاملات المكتبية أو ربما تصبح أكثر اعتدالاً بسبب غرقها في الملل.

خلاصة القول هي أنه في حين يمكن للاستراتيجيين العسكريين الإسهاب في الجدل حول ما إذا كانت طبيعة الحرب تتغير أو لا، فلا شك في أن طبيعة العمل تغيرت، وبيروقراطية البنتاغون المتصلبة تزداد تأخراً يوماً بعد يوم.

ثورة

في الواقع، تجري ثورة من نوع ما في أماكن العمل، ثورة تنقلب على نظريات الإدارة التي سادت لأكثر من قرن وتغيّر كلاً من أماكن العمل والطريقة التي يتم بها إنجاز العمل نفسه، يطلق أنصار هذه الثورة أسماء عدة عليها، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: خفيفة، رشيقة، فكر ابتكاري. يمكن أن نجدها في كل قطاع من قطاعات اقتصاد المعرفة تقريباً، بدءاً من الأسماء التي تخطر في البال عادة في الشركات الناشئة في وادي "السيليكون"، إلى مؤسسات متحولة جديدة قد لا تتوقعونها، بما في ذلك الأسماء الراسخة في مجال التصنيع والتمويل وتكنولوجيا المعلومات وصناعات خدمة المستهلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استناداً إلى كل الخبرات التي اكتسبناها في العقود الأخيرة حول علم النفس البشري والمؤسساتي، يعمل هؤلاء الثوار جاهدين على إعادة اختراع مؤسساتهم، من خلال دمج وظائف كانت معزولة في السابق، وتسريع عملية صنع القرار من خلال منح المزيد من السلطة والموارد للشخص الأكثر كفاءة ويمتلك أكبر قدر من المعلومات، وتنمية ثقافات مكان العمل التي تكون أكثر انفتاحاً وشفافية وتركيزاً على الإنسان.

لقد أدركوا أن العاملين في المؤسسة يقررون، حتى في عصر البيانات الضخمة والآلات الذكية، وربما على وجه الخصوص، ما إذا كانت مؤسستهم ستنجح أو تفشل، وعرفوا أن الأشخاص يبذلون قصارى جهدهم عندما تتم تنمية مواهبهم وتنسيقها، وليس التحكم فيها.

"رجعي بشكل مثير للقلق"

فلننظر إلى وزارة الدفاع في ضوء كل ما سلف، وصف أحد كبار المسؤولين أخيراً العمل في القسم بأنه "رجعي بشكل مثير للقلق"، وتابع بالتفصيل وصف المشاهد المثيرة للشفقة للموظفين المتجمعين في تلك المناطق القليلة التي تصل إليها شبكة الهواتف المحمولة بالكاد ضمن مبنى البنتاغون الذي تبلغ مساحته 6.5 مليون قدم مربع، أما شبكات الإنترنت اللاسلكية فانسوها تماماً، ويتحملون يوماً بعد يوم الاجتماعات الروتينية التي من الواضح أنها غير مفيدة.

في هذا المكان، جمود الإدارة هو الوضع الطبيعي، وغالباً ما يتم التعامل مع الأشخاص على أنهم قطع قابلة للتبديل في واجهة آلة صناعية هائلة. هذه الوزارة التي تأسست على عقيدة السيطرة الهرمية تغذيها كل من التقاليد العسكرية والنظريات شبه العلمية للإدارة في القرن الـ 19، رفعت الامتثال للعقيدة إلى مستوى الفضيلة وتفوقت في خنق كل ما يعارض ذلك، بحيث تُعتبر المبادرة والإبداع مجرد أضرار جانبية.

هنا، تزداد المعلومات كلما اتجهنا نحو قمة الهرم، أو "يتم توظيفها" وفقاً للغة الدفاع، بينما تتراجع القوة كلما اتجهنا نحو قاعدته. يختار القادة المهمون قادة أقل أهمية منهم، بينما يتنافس الآخرون جميعاً ضمن الحدود الصارمة لنظام الخدمة المدنية الذي عرفنا لعقود أنه خَرِب من أساسه. تتناسب التعويضات المادية مع الموقع والمدة التي أمضاها الشخص في الوظيفة، وليس مع موهبته أو إسهامه. يتم توزيع المهمات وتقييم الأداء وإصدار القواعد، بطريقة تشكّل أساساً لثقافة الخوف من المجازفة، جاعلة الإخلاص في الحفاظ على الوضع الراهن رهاناً أكثر أماناً من محاولة تغييره. ربما كان تشبيه مراسل البنتاغون جيف شوغول، هو الأبلغ عندما قارن وزارة الدفاع بـ"كاتالوغ لبيع البضائع يوزع في صناديق البريد وهو يكافح للحفاظ على إقبال المستهلكين عليه في عالم تسوده خدمة أمازون برايم".

المزيد من تقارير