Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفط الملوث يربك روسيا ويهدد بتراجع إيراداتها المالية

الأزمة تتصاعد مع رفض المنتجين تحمل الخسارة وإرتفاع التكاليف

منصة لإنتاج النفط في روسيا (رويترز)

يبدو أن سوق النفط على موعد مع أزمة جديدة، ربما يستفيد منها منتجو النفط في دول الخليج، إذ أقدمت عدة دول أوروبية على وقف واردات النفط الروسي، بعد التأكد من تلوثه بشكل لا يسمح باستخدامه.

يأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه سوق النفط ضغوطاً مع اتجاه أميركي قوي إلى تصفير صادرات إيران النفطية، إضافة إلى ممارسة ضغوط على موسكو، التي تدعم إيران، وهو ما يشير إلى إمكانية أن تستخدم واشنطن أزمة النفط الروسي الملوث في تضييق الخناق على روسيا وبالتبعية إيران.

وفيما أوقفت دول أوروبية توريد النفط الروسي الملوث، فإن سوق النفط العالمية تعاني، في الوقت الحالي، نقص إمدادات ما يسمى بـ"النفط الثقيل"، خصوصاً مع استمرار المنتجين في تنفيذ اتفاق "أوبك" للحد من الإنتاج المرتفع، الذي تسبب في تراجع الأسعار بنسب عنيفة خلال السنوات الخمس الماضية.

وذكرت مصادر وتقارير إعلامية، أن "الخام الروسي أصبح ملوثاً بالكلوريدات العضوية، التي عند تكريرها تصبح حمض الهيدروكلوريك، الذي يمكن أن يلحق الضرر بالنباتات".

وأثَّرت هذه القضية، التي أثارتها بيلاروسيا للمرة الأولى خلال الشهر الماضي، في الإمدادات من ميناء "أوست – لوغا" الروسي في بحر البلطيق.

زيادة نسبة الكلوريد العضوي
ويستخدم الكلوريد العضوي لتنظيف آبار النفط، وتسريع تدفق الخام، لكن يجب إزالته قبل أن يدخل الزيت إلى سلسلة الإمداد، لأن المركبات يمكن أن تلحق الضرر بمعدات التكرير. ولإعادة تشغيل خط الأنابيب مرة أخرى يحتاج الزيت الملوث إلى إزالته وتخزينه في مكان ما، بحيث يمكن تخفيفه بالزيت النظيف (في بعض الحالات بنسب من 1 إلى 30) لخفض الكلوريد العضوي إلى مستويات آمنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتحول الكلوريدات العضوية بمرور الوقت خلال عملية التكرير إلى حمض الهيدروكلوريك ما يضر بالمصافي.

ويقدّر التجار أن عملية معالجة جميع النفط الروسي الملوث ستكلف عشرات الملايين من الدولارات، وهو ما يطرح السؤال الأهم: من يتحمل هذه التكلفة الباهظة؟

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد كمال قال، في اتصال، "إن أزمة النفط الروسي الملوث تبدو معقدة لعدة اعتبارات، أهمها اتجاه الرئيس الأميركي إلى تصفير صادرات النفط الإيراني مع استمرار التزام المنتجين في (أوبك) باتفاق خفض الإنتاج، وهو ما يضع سوق النفط في مأزق كبير".

تضييق الخناق على النفط الروسي
وأوضح كمال، أن "أميركا تسعى حالياً إلى تضييق الخناق على التوسع الروسي في المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه أعلنت مواجهة إيران ووقف تمويل أذرعها، وتتجه بوصلة واشنطن حالياً إلى الضغط على تركيا، وهو تكتل كان من الممكن أن ينقذ النفط الروسي في حال استخدام أميركا أزمة تلوث النفط في تقليص الصادرات الروسية".

وأشار إلى أن "الأزمة من الممكن أن تتصاعد في حال رَفَضَ المنتجون الروس تحمل تكلفة النقل والتكلفة العالية، التي تطلبها مصافي التكرير الأوروبية، التي من المؤكد أن ترفض تنقية الخام الروسي الملوث بنفس الأسعار، إضافة إلى عدم إمكانية شراء هذا الخام الملوث بنفس أسعار شراء الخام النقي".

أمريتا سين، وهي كبيرة محللي النفط في شركة "إنرغي أسبيكتس المحدودة"، قالت إن "الكلور العضوي لا يحدث بشكل طبيعي، ويستخدم في عمليات المنبع لزيادة الإنتاج، لكن يجب إزالته قبل طرح الطرود الخام في السوق".

وينقل الجزء الشمالي من خط الأنابيب نحو 10% من استهلاك أوروبا بالكامل، ما يصل إلى 1.5 مليون برميل في اليوم، وفقاً لبيانات وزارة الطاقة الروسية.

مباحثات لم تصل إلى حلول
في الوقت نفسه، ذكرت مصادر مطلعة، أن "مباحثات بين شركات خطوط أنابيب روسية وأوروبية لم تصل إلى حلول واضحة لكيفية معالجة التلوث النفطي الضخم في خط الأنابيب دروغبا الممتد إلى أوروبا".

وأضافت المصادر، وفقاً لما نشرته وكالة "رويترز"، أن "المباحثات ستتواصل في موسكو لمعرفة كيفية التخلص من النفط الملوث في خط الأنابيب لاستئناف العمليات المعتادة". وذكرت "لم يتضح بعد متى يمكن أن يعود الضخ عبر خط أنابيب دروغبا إلى مستويات ما قبل الأزمة".

وتعد هذه هي المرة الأولى، التي تعلق فيها دول أوروبية واردات النفط الروسي بسبب عملية التلوث، خصوصاً بعدما شكا زبائن من وجود شوائب غير عادية في الخام، وهو ما يسبب مزيداً من الاضطراب في سوق النفط العالمية، ويدفع الأسعار إلى الارتفاع في لندن فوق مستوى 75 دولاراً للبرميل.

وذكرت وكالة "بلومبيرغ" للأنباء، أن "بولندا التي تحصل على النفط عبر جزء شمالي من خط أنابيب (دروغبا)، أطول خطوط أنابيب نقل النفط في العالم، قالت إن (الشحنات أصبحت ملوثة بكلوريدات عضوية)".

ويمر الجزء المتوقف من خط الأنابيب من بولندا إلى ألمانيا. ولا يزال النفط يتدفق عبر خط منفصل يغذي كثيراً من دول شرق ووسط أوروبا.

ونقلت الوكالة عن شركة "بيرن" البولندية القائمة على تشغيل خط الأنابيب أن "مستوى التلوث يمكن أن يتسبب في ضرر مادي لمنشآت تكرير النفط".

مساعٍ لتصريف الخام الملوث
وفي مسعى لتصريف الإمدادات، التي رفضها المشترون في أوروبا، ذكرت مصادر تجارية وبيانات تتبع السفن، أن شركات لتجارة النفط ترسل نحو 700 ألف طن من النفط الروسي الملوث إلى آسيا، بعدما تعرض خط أنابيب دروغبا الروسي الممتد إلى أوروبا وميناء أوست لوغا إلى التلوث بالكلوريد العضوي، الذي يمكن أن يضر بمعدات التكرير. ونتيجة لذلك، اضطرت روسيا إلى خفض الصادرات في أسوأ تعطل للإمدادات على الإطلاق.

وذكر التجار أن "شركتي (فيتول) و(يونيبك) تستهدفان في الأساس شركات التكرير الصينية المستقلة، التي أبدت اهتمامها بشراء النفط". وقد عرضت روسيا على هذه الشركات شحنات من خام الأورال، الذي يحتوي على 30-50 جزءاً في المليون إلى 200 جزء في المليون من الكلوريد العضوي.

لكن في المقابل، يتوخى المشترون الحذر، لأن خام الأورال الملوث يحتاج إلى التخزين في صهاريج، وتخفيفه عدة مرات بالنفط النظيف لتقليص محتوى الكلوريد العضوي، كي لا يضر بمعدات التكرير.

فيما تجري الشركات الصينية في الوقت الحالي مزيداً من فحوصات الجودة على الخام الروسي الملوث، فقد يتسبب الكلوريد العضوي الموجود في النفط الخام في صدأ وتآكل الصهاريج، ويدمر وحدات التكرير.

تكلفة الخدمات اللوجيستية باهظة
وفي الوقت الذي تستعد فيه الشركات الصينية لشراء النفط الروسي الملوث، قال تاجر في تصريحات نقلتها "رويترز"، إن سنغافورة "عرضت براميل تحتوي على 200 جزء في المليون، لكني رفضت، خصوصاً أن الخدمات اللوجيستية بالغة الصعوبة، وشركات التكرير الكبرى فقط هي التي تستطيع تدبير أمورها".

وأوضح أن "شحنة تحتوي على 200 جزء في المليون من الكلوريد العضوي تحتاج إلى مزجها بعشرين شحنة من نفس الحجم لينخفض محتوى الكلوريد إلى المستوى الطبيعي البالغ عشرة أجزاء في المليون".

لكن متعاملين في سوق النفط الأوروبية قالوا إن "الشحنات الملوثة عُرضت بخصم بين عشرة دولارات و20 دولاراً للبرميل، لكن عدداً قليلاً جداً من المشترين هم من أبدوا اهتمامهم". ويجرى تداول خام الأورال الروسي النظيف من البلطيق عند 74 دولاراً للبرميل حالياً.

وتمثل الكميات، التي تتجه إلى آسيا حالياً نحو نصف الإمدادات البالغة 1.5 مليون طن، أو 11 مليون برميل، من خام الأورال الملوث، التي جرى تصديرها من ميناء أوست لوغا المطل على بحر البلطيق في الأسابيع الأخيرة.

ونظرا إلى أن المشترين الأوروبيين رفضوا الكميات، انتهى المطاف بمعظمها إلى الشركات التجارية. وثمة ما يقدر بتسعة ملايين برميل أخرى عالقة في خطوط أنابيب دروغبا بين روسيا البيضاء وألمانيا.

شركات ومصافٍ أوروبية ترفض الاستلام
وقبل شهر، امتنعت شركات النفط الغربية والمصافي الأوروبية، التي اشترت النفط قبل شهر عن الاستلام، بعدما اكتشفت أنه "غير صالح للاستخدام".

وطلب كثير من المشترين الغربيين من المنتجين الروس تأجيل المدفوعات مقابل النفط الخام الملوث، بينما اتفق البائعون والمشترون على حل الأزمة وكيفية تقاسم التكاليف.

لكن بالنسبة إلى المشترين، الذين تقدر حجم مشترياتهم بنحو 19 مليون برميل من النفط الخام الملوث ما زالت عالقة في خط الأنابيب، فإن تكلفتها تتجاوز نحو 1.2 مليار دولار.

وطلب المشترون الأوروبيون من المنتجين الروس تقديم ضمانات على شكل ودائع بنكية تفيد بأنهم سوف يسهمون في عملية التنظيف أو تأخير المدفوعات المستحقة، حتى يتم حل الأزمة، مشيرين إلى أن ما يقرب من مليون برميل نفط ملوثة ما زالت في خطوط الأنابيب بين روسيا البيضاء، وأوقفت المصافي الألمانية تكريرها.

وقالت شركة "روسنفت" الروسية المنتجة النفط والمملوكة للدولة، إنه "من السابق لأوانه التعليق على هذه القضية". ورفضت "لوك أويل" التعليق، وقالت إنها "تجري مناقشات تجارية مع مشتريها".

وتقول روسيا إن "النفط ملوث بشكل متعمد من قبل منتج محلي"، لم تذكر اسمه، بينما قالت بيلاروسيا إن "الأمر سيستغرق شهوراً لاستعادة إمدادات النفط النظيفة إلى أوروبا".

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد