Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النفايات الطبية... قنبلة موقوتة في العالم العربي

ترمى مخلفات المستشفيات من دون معالجة غالباً في الأنهار أو تحرق من دون أي مراعاة للتوازن البيئي

تؤكد الأبحاث العلمية أن النفايات المعدية تنقل بعض الجراثيم والأمراض (خالد سليمان)

تعرّف النفايات الطبية الخطرة على أنها "أي مواد لا يمكن التخلص منها في مواقع طرح النفايات العامة أو شبكات الصرف الصحي، بسبب خواصها الخطرة، وآثارها الضارة على البيئة وسلامة الكائنات الحية، وتحتاج إلى وسائل خاصة للتعامل معها والتخلص منها".

مما لا شك فيه أن المخاطر البيئية لسوء إدارة نفايات المؤسسات الصحية كبيرة جداً وهي تؤثر سلباً على المواطن.

وتؤكد الأبحاث العلمية أن النفايات المعدية تنقل بعض الجراثيم والأمراض، وقد تتسبب النفايات التي تحتوي على أدوية منتهية الصلاحية، وأدوية السرطان، ومواد مشعة وغيرها، بالتهابات رئوية وغيرها من الأمراض المزمنة كالسرطان.

ومع أن المصدر الأول لهذه النفايات هو المستشفيات، فإن المراكز الطبية والمستوصفات وشركات الأدوية والمختبرات والعيادات، تضاف إليها الأدوية المستخدمة منزلياً التي لا تقل خطورة عن نفايات المستشفيات، ويتم التخلص منها بطريقة غير مدروسة وآمنة.

فكيف يتم التعامل مع النفايات الطبية في دول عربية، وكيف تُفرز، وما دور وزارة البيئة ونقابة أصحاب المستشفيات في ذلك؟

العراق يفتقد إلى معالجة المخلفات الطبية

لا يمكن إحصاء طبيعة تلوث البيئة العراقية، فهو متعدد الأنواع والأسباب. منها ما خلفته سنوات الحروب واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، التي أدت إلى زيادة عدد المصابين بالسرطان بعد تلوث أغلب مناطق العراق باليورانيوم المنضب، إضافة إلى العمليات التخريبية كما هي الحال عندما تعرضت ملايين الأسماك في أكثر من محافظة للنفوق بسبب إلقاء مواد سامة في النهر.

ولعل أخطر تحد يجابه البيئة العراقية، هو النفايات الطبية وما تلقي به المستشفيات والمراكز الصحية بمختلف تخصصاتها، التي غالباً لا تعالج بالشكل الصحيح، ملوثة الماء والتربة.

قنبلة موقوتة

تضم المخلفات الطبية، فضلاً عن النفايات الاعتيادية التي تأتي نتيجة الأنشطة الإدارية مثل الورق وعلب البلاستك، مخلفات خطرة منها مخلفات مشعة ناتجة عن علاج المرضى، وما يزيد عن الحاجة من الأدوية المنتهية الصلاحية، وما ينتج من بعض الأجهزة والمعدات المستخدمة للعلاج أو التشخيص. وهناك المخلفات الطبية المعدية الناتجة من معامل الدم والفحص الجرثومي والفيروسي، وأخرى مستعملة من قبل المرضى مثل الضمادات وأغطية الأسرة والوسادات الملوثة.

أما مياه الصرف الصحي الخاصة بالمستشفيات، فهي تحمل كميات كبيرة من ميكروبات الأمراض المعدية. كما لا تقل مخلفات مراكز خدمات الأسنان خطورة، كونها تضم المعادن الثقيلة ذات السمية العالية، مثل الزئبق والفضة والرصاص. وهذا ما يجعل هذه المخلفات أشبه بقنبلة موقوتة قد تؤدي لانتشار أوسع للأوبئة والأمراض في حال عدم معالجتها بالطريقة الصحية.

يوضح الناشط والمدون في قضايا البيئة والمياه حسام صبحي، أن المستشفيات في العراق تتعامل مع النفايات الطبية بطريقتين. الأولى، هي جمع هذه النفايات وحرقها ضمن محارق متوزعة على أطراف العاصمة.  والثانية، التي يصفها بالخيار "الأسوأ"، هي طرح هذه المخلفات مباشرة في النهر. وهذه هي الطريقة الأساسية للتخلص من النفايات داخل أكبر مجمع صحي في العراق (مدينة الطب)، ما يؤدي إلى تلوث المياه ويشكل مصدر خطر للتنوع الأحيائي.

معالجات ولكن

يحتوي مجمع "مدينة الطب" على محرقة مركزية لجميع المستشفيات والمراكز التخصصية التي يضمها، وتتكون من ست غرف احتراق مخصصة لمعالجة المخلفات الطبية. لكن هذه الغرف تفتقر إلى الشروط الصحية التي تنص عليها متطلبات حماية البيئة، فهي لا تحتوي على ميزان خاص لمعرفة الكمية الداخلة إلى غرفة الحرق، لأن زيادة الكميات قد تؤدي غالباً إلى عدم الاحتراق الكامل، بالتالي إرسال مخلفات إلى الطمر الصحي من دون حرقها.

ويوضح الصحافي المتخصص في شؤون البيئة والمناخ خالد سليمان، أن العراق بكل مدنه وأقضيته ونواحيه يفتقد إلى معالجة المخلفات الطبية، وفقاً للشروط الصحية العالمية. "ففي أكثر من مدينة وقرية وناحية وقضاء من إقليم كردستان إلى البصرة، نجد ظاهرة رمي المخلفات الطبية مع النفايات العادية".

ويقول إن النفايات الطبية المحروقة لا بد من جمع رمادها ووضعه في أكياس محكمة الإغلاق، كي لا يتناثر ويتسبب في انتشار المواد الملوثة. وهذا ما لا يحدث في مجمع "مدينة الطب"، حيث يتم غالباً جمع رماد الحرق في عربات مكشوفة عند نقله إلى مجمع الحاويات.

الأنهار القاتلة

ويشير إلى أن بعض المخلفات الصيدلية يتم التخلص منها في النهر مباشرة، وهي قد تحتوي على مضادات حيوية وأدوية سامة لعلاج الأورام. ويضيف سليمان أن "هناك أنهاراً قاتلة في البصرة والديوانية والسليمانية وبغداد وديالى، حيث ترمى كل المخلفات الطبية والبشرية".

ودعا سليمان إلى ضرورة وجود صحافة استقصائية حقيقية تعمل على رصد هذه المواضيع، كونها مواضيع تهدد الصحة العامة ومصادر مياه الشرب، إضافة إلى تعزيز دور الدولة في متابعة هذه القضايا.

 

قلة الوعي آفة النفايات الطبية في مصر والقوانين متوفرة

قبل أشهر قليلة، ألقت الشرطة المصرية القبض على مجموعة من الأفراد أداروا مصانع ومخازن وشركات قائمة على تداول وإعادة تصنيع النفايات الطبية الخطرة في محافظتي الشرقية والمنوفية (شرق وشمالي القاهرة). بعدها بأسابيع، شنت وزارة الداخلية حملة مشابهة على مخازن نفايات طبية، إضافة إلى كسارات عشوائية للمواد البلاستيكية يعاد تصنيعها وطرحها في الأسواق من دون رقابة.

وبين هذه الحملة وتلك، عثر الأهالي في مدينة الأقصر (جنوب مصر) على نفايات طبية ملقاة على الطريق. واتضح أن النفايات بالغة الخطورة وتم التعامل معها من قبل مديرية الشؤون الصحية التي اتبعت إجراءات مشددة لنقلها إلى المحارق المتخصصة.

محارق ومكبات

المحارق المتخصصة موجودة (وبعضها يشكل معضلة بيئية في حد ذاته) وكذلك المفارم المعنية بالمخلفات الطبية بعد تعقيمها، لكن الوعي ليس موجوداً بالضرورة. يشار إلى أن شروط الحصول على ترخيص لتدشين منشأة طبية تحوي شرط وجود وسيلة قانونية للتخلص من النفايات الطبية أو وجود تعاقد مع محرقة أو مفرمة قانونية.

وفي الحالات التي يتم اكتشافها قبل أن تقع فأس النفايات في الرأس ويعاد تدويرها وبيعها في مصانع غير قانونية حيث عيادة طبية أو مستشفى خاص أو حكومي وطرق تخلص غير آمنة من النفايات عادة تتحجج الإدارة بأن "العمال" أخطأوا أو العاملات أهملن أو ما شابه. لكن الجميع يعلم أن مشكلة التخلص من النفايات الطبية مزمنة، وأن الحلول رغم وجودها تواجه صعوبة حيناً ومقاومة أحياناً واستهانة في التعامل مع الأمر كثيراً.

حفاضات ولعب بالنفايات

كثيراً ما تباع حفاضات أطفال ولعب بلاستيكية ومحارم وغيرها من المنتجات الرخيصة التي يقبل على شرائها كثيرون وهم غير مدركين أو مدركين، لكن غير عابئين بأصلها ومحتوياتها.

طراطير وقسطرة

الطراطير (قبعات ورقية) تباع في المناطق الشعبية ولدى باعة الأرصفة على سبيل المثال لا الحصر بعضها يحتوي على مواد لا تخطر على بال، وإن خطرت لا يتوقف عندها البسطاء كثيراً. لكن الكاتب طارق عباس كتب في مقال له، إن صديقاً له اشترى "طرطوراً" لابنه من مولد شعبي واكتشف أن في الطرطور ماسورة بلاستيكية عبارة عن قسطرة بول مستعملة!

القوانين متوفرة

القوانين كثيرة. نصوصها واضحة والعقوبة المنصوص عليها صارمة. بحسب قانون البيئة رقم 4 الصادر في عام 1994، فإن أصحاب المنشآت الطبية ملزمون بالتخلص من النفايات الطبية بحسب القواعد المنصوص عليها. وتشمل بنود القانون عقوبات تتراوح بين الغرامة والحبس في حالات الإهمال في التخلص من النفايات، وتتدرج نحو الزيادة في حال كان الإهمال متعمداً ونجم عنه إصابة شخص بمرض يستحيل الشفاء منه. ويصل الأمر إلى عقوبة السجن 25 عاماً مع الأشغال الشاقة لو أصيب ثلاثة أشخاص أو أكثر.

لكن ضمن أخطر ما يواجه ملف النفايات الطبية ليس فقط قلة وعي المتعاملين مع النفايات والأفراد العاديين فيما يختص بخطورتها، ولكن أيضاً في تطبيق القانون على أرض الواقع، التي تشير إلى وجود النفايات في أماكن عدة.

وبحسب ورقة أعدها الأستاذ في كلية الزراعة فوزي عبد القادر الفيشاوي عنوانها "نفايات للصحة أيضاً"، "فإن النفايات موجودة في أماكن عدة وليس في المستشفيات فقط. عيادات الأطباء وسيارات الإسعاف ومعامل التحاليل الطبية وغيرها يصدر عنها نفايات طبية أكثرها (خطر) أو (بالغ الخطورة)".

وبحسب الأرقام وأحدثها عمره عقد كامل (أي قبل الوباء ببعض سنوات)، "فإن مستشفيات مصر تخرج نحو 145 طناً من المخلفات الطبية يومياً، بينها 55 طناً مصنفة تحت بند (ناقلة للأمراض وملوثة للبيئة)". ورغم ذلك، فإن الواقع يؤكد أن الوعي الخاص بسبل التخلص الآمن من النفايات الطبية إضافة لآثارها القاتلة يعاني وهناً شديداً.

ويؤكد الفيشاوي، "أن هذا النقص في الوعي موجود بين العاملين في عيادات الأطباء وداخل المستشفيات بأنواعها، بما في ذلك تلك التي تبدو مبهرة براقة من الخارج، إضافة إلى عدم وجود أساليب آمنة وكفء لمعالجة النفايات والتخلص منها".

ويتابع، "الأدهى من ذلك أن البعض في المستشفيات يجمعون القمامة في سلات ثم يلقونها خارج المستشفيات بطريقة عشوائية أو في صناديق القمامة العادية ومنها إلى جامعي القمامة العاديين أو النباشين (الذين ينبشون في القمامة بحثاً عن مواد معينة مثل البلاستيك والمعادن والورق) وغيرها، وهو ما يفاقم الأخطار بشكل مفزع".

قمامة مخلوطة

وإذا أضيف إلى ذلك ما ذكره المسؤول الفني لمشروع إدارة النفايات الطبية والإلكترونية الذي ينفذ بالتعاون بين وزارة البيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي شريف النجدي من "أن دراسة ميدانية أثبتت أن بين 13 و40 في المئة من أكياس القمامة في مصر تحوي مواد خطرة، وبين 49 و67 في المئة من الأكياس المخصصة للنفايات الملوثة تحوي نفايات عادية، تكون المعضلة الرئيسة في التعامل مع ملف النفايات الطبية بشرية بامتياز".

وزارة البيئة المصرية دشنت موقعاً إلكترونياً عبر مشروع "إدارة المخلفات الطبية والإلكترونية"، يمكن للمنشآت الطبية أن تسجل عليه معلوماتها وكميات نفاياتها اليومية وتوقيت النقل وغيرها حيث يحوي الموقع الإرشادات البيئية الآمنة للتخلص من المخلفات الطبية وكيفية نقلها إلى محطات النفايات المخصصة لذلك وغيرها.

وشهد ملف النفايات الطبية قدراً أكبر من الرقابة والاهتمام من قبل المسؤولين في الأشهر التي تلت بداية الوباء، خوفاً من توسيع رقعة المرض والعدوى أكثر من انتشارها الأصلي.

طلب إحاطة

وقبل أشهر تقدم برلماني مصري بطلب إحاطة يطالب فيه رئيس الوزراء بضرورة التخلص الآمن من المخلفات الطبية، لا سيما الخاصة بالمصابين والمخالطين لمرضى كورونا في المستشفيات.

وكانت هذه المخلفات وصلت نحو 500 طن يومياً بينها مواد طبية خطرة تحوي قفازات وكمامات وسترات واقية وسرنجات طبية المستخدمة. كارثة أخرى مكتومة هي سبل التخلص من نفايات ومخلفات مرضى كورونا المعزولين في بيوتهم! الغالبية المطلقة من البيوت المصرية لا تفصل القمامة. والغالبية المطلقة تتخلص من نفايات مرضى كورونا في كيس القمامة نفسه الذي يحوي مخلفات البيت.

يشار إلى أن قوانين حماية البيئة في مصر تحظر تداول المواد والنفايات الخطرة بغير ترخيص من الجهة الإدارية المتخصصة. ويخضع التخلص من النفايات الطبية لشروط ومعايير بحسب القانون. لكن العبرة في التنفيذ.

 

 

كورونا زادت من مخاطر النفايات الطبية في الأردن

تولي الحكومة الأردنية اهتماماً كبيراً بإدارة النفايات بأنواعها وهي من المهام الرئيسة لوزارة البيئة والبلديات، وفقاً لقوانين وأنظمة محلية وتشريعات الناظمة لهذا القطاع.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن معدل الإنتاج السنوي للنفايات في المملكة يعادل 2.7 مليون طن من النفايات الصلبة، وما يعادل 2745 طناً من النفايات الطبية، و45 ألف طن من النفايات الصناعية الخطرة.

نفايات كورونا

وخلال جائحة كورونا، واجه العاملون في جمع النفايات الطبية والتخلص منها، تحدياً كبيراً بسبب خطورة التعرض للنفايات الخاصة بمرضى كورونا، ففي العام الماضي، أحرقت وزارة البيئة نحو 2000 طن من النفايات الطبية الخطرة الناتجة من أماكن الحجر الصحي والمستشفيات والفنادق للمصابين بفيروس كورونا في بداية الأزمة.

وأظهرت دراسات ارتفاع كميات النفايات الطبية في الأردن بسبب انتشار فيروس كورونا إلى عشرة أضعاف، ويقول مختصون إن معدل إنتاج النفايات الطبية في الأردن يتراوح بين 400 و500 غرام نفايات طبية لكل سرير يومياً، وهناك نحو 11 ألف سرير، ما يعني إنتاج نحو 5.5 طن يومياً من النفايات الطبية.

ويؤكد الباحث في إحصائيات انتشار كورونا معتصم سعيدان أهمية التعامل مع النفايات الناجمة عن حالات الإصابة بالفيروس وفق الطرق العلمية الصحيحة، لضمان عدم انتقال العدوى. ووفقاً لسعيدان، فإن ثمة أنواع نفايات طبية تنتج من حالات الإصابة بالوباء، ما يجعل الطريقة الفضلى للتعامل معها الحرق، قبل طمرها.

وهناك أنواع عدة من النفايات الناجمة عن الاستهلاك المتزايد للكمامات، والقفازات، والبدلات الطبية والواقية، وتتم عملية الحرق على مرحلتين داخل أفران مخصصة لهذه الغاية، الأولى على حرارة 800 درجة مئوية، بينما تصل الثانية إلى 1000 درجة مئوية وأكثر، وتتولد في المرحلة الأولى غازات سامة وخطيرة، ويتم تحويل النفايات إلى رماد لضمان عدم خطورتها.

شروط صارمة

وثمة نظام خاص للتعامل مع النفايات الطبية ومخلّفات المستشفيات في الأردن، حيث تمنع معالجه النفايات الطبية في مستشفى معيّن في أجهزة المعالجة الموافق عليها في مستشفى آخر، وعلى المستشفيات المخالفة تصويب أوضاعها خلال تسعة أشهر، وتلزم القوانين السارية العيادات والمراكز الصحية والمختبرات الطبية بمعالجة النفايات الطبية المتولدة عنها بواسطة أجهزة تعقيم خاصة بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتسمح الحكومة الأردنية بإنشاء مراكز لمعالجة للنفايات الطبية المتولدة عن المراكز الصحية والعيادات وعلى أسس تجارية، كما تتيح استخدام أجهزة المعالجة الصديقة للبيئة لمعالجة النفايات الطبية المتولدة في مؤسسات الرعاية الصحية، وذلك عبر المعالجة الحرارية للنفايات الطبية المعدية والحادة والإشعاع بالموجات الدقيقة طبقاً للمواصفات القياسية.

تقنيات وتشريعات

يعتمد الأردن تقنيات دولية لمعالجة النفايات الطبية، من بينها المعالجة الحرارية والمعالجة الكيماوية وبالإشعاع، إضافة لمعالجة النفايات الطبية باستخدام الحرق، وثمة تشريعات تنظم إدارة النفايات الطبية من بينها قانون الصحة العامة الذي يعاقب من خالف الشروط المتعلقة بإدارة النفايات الطبية.

وتعد النفايات الطبية من أبرز التحديات التي تواجه النظام الصحي، وتعمل وزارة البيئة على ترخيص منشآت تجارية لمعالجتها على أسس تجارية بواسطة التقنيات الحديثة، كما تقوم الوزارة بمنح تصاريح للمركبات العاملة على نقل النفايات الطبية، التي تحقق الشروط المطلوبة، وفقاً لتعليمات إدارة النفايات الطبية الصادرة بموجب قانون الصحة العامة.

ويسيّر فريق مديرية البيئة دوريات للتفتيش على منشآت معالجة النفايات الطبية.

 

 

تحديات إدارة النفايات الطبية في لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية

لا يختلف الوضع في لبنان كثيراً، عن دول عربية، في إدارة ملف النفايات الطبية، وما زاد الطين بلة، الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها البلد.

وفي هذا السياق، يوضح وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين أن "الوزارة تحاول وضع الإطار العام للنفايات الصلبة وتقسيمها ما بين النفايات الطبية والخطرة والردميات التي نتجت عن انفجار المرفأ والمناطق المجاورة لها. فمن ناحية النفايات الطبية وطرق معالجتها في المستشفيات، هناك بعض المستشفيات التي تراقبها الوزارة لا تلتزم بالمعايير المطلوبة"، لافتاً إلى أن "هذه المستشفيات لديها مشكلة في تعطل المحارق لديها، وبالتالي هناك مساع لإيجاد حلول لعدم تراكم هذه النفايات. أما بالنسبة للمستشفيات التي تتعاقد مع شركات أو مع جمعيات خاصة، فيتم معالجتها ضمن الأطر والمعايير التي وضعتها وزارتا البيئة والصحة".

وفي هذا الوقت، لا تزال الوزارة غير جاهزة بعد "للتعمق" بالنفايات الطبية، بل الأولوية بحسب ياسين "لإدارة الأزمة الكبرى فيما يتعلق بالنفايات المتراكمة في الشوارع"، مستذكراً "الحراك الشعبي الواسع الذي انطلق عام 2015 والذي جاء نتيجة الفشل في إدارة النفايات الصلبة، والذي صدر بعده قانون عام 2018 لتنظيم هذا الموضوع ووضع خريطة طريق للمعالجة على المستوى المركزي، أي في المدن وضواحيها وفي عدد من المناطق اللبنانية. كما يتضمن هذا القانون تشكيل الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة التي تعمل تحت وصاية وزارة البيئة، ولكنها تكون الجهة المخولة لتوحيد المعايير والخطط المحلية فيما يتعلق بإدارة النفايات الصلبة، خصوصاً أن الوضع الحالي مجزأ على أكثر من وزارة وإدارة رسمية، وهناك كثير من المعامل في المناطق الداخلية متوقفة عن العمل بسبب الأزمة المالية والاقتصادية".

وعن الخطوات المطلوبة، يكشف ياسين عن "استراتيجية متكاملة للنفايات الصلبة تم وضعها لتهيئة الأرضية المناسبة لهذه الهيئة، التي من الممكن تعيينها خلال فترة الحكومة من أجل وضع الأطر الناظمة لموضوع النفايات"، مشيراً إلى "خطط محلية تهدف إلى توحيدها من ناحية العمل والفرز، كما أن الاستراتيجية المعتمدة مبنية على الفرز من المصدر، وهذا أمر أساسي نسعى إلى تحقيقه، ومن ثم الانتقال إلى معالجة المعامل"، لافتاً إلى أن "الحل الذي يتم اعتماده اليوم هو الطمر"، مشدداً على "أهمية أن تكون الطريقة صحية وسليمة". كما يشير إلى أن "هذه الاستراتيجية تتضمن كثيراً من عمليات الطمر بالطرق الآمنة من أجل التخلص من النفايات بشكل نهائي، على الرغم من صعوبة الأمر في الوضع الذي نحن فيه. أما من ناحية الأزمة المحلية، وبينما نضع هذه الاستراتيجية، نحاول أن نجد حلولاً لأجور ورواتب العاملين بعد انهيار سعر العملة، وهي لا تزال قيد الدراسة والبحث".

واقع المستشفيات

وعن مدى جدية والتزام المستشفيات بالإجراءات الصحية والبيئية في ظل الأزمة المالية والاقتصادية والصحية التي تعصف بلبنان، يؤكد نقيب المستشفيات في لبنان سليمان هارون أنه "يتم العمل على فرز النفايات الطبية في المستشفى بحيث توضع في أكياس مختلفة. بالنسبة للنفايات التي تكون شبيهة بالنفايات المنزلية يتم إرسالها إلى البلديات، أما النفايات الطبية المعدية فيتم فصلها وحدها وتؤخذ إلى غرفة مبردة حتى تتسلمها جمعية متخصصة لتعالجها بطريقة علمية وسليمة"، لافتاً في الوقت عينه إلى أن "هناك أقل من عشر مستشفيات يوجد فيها المعدات الخاصة للفرز، أما المستشفيات الباقية فتتعاون مع الجمعية المعنية بشكل مباشر".

عملية الفرز

وللمزيد من الاستيضاح حول كيفية فرز النفايات الطبية والتعامل معها في لبنان، يشرح رئيس عمليات معالجة النفايات المعدية في إحدى الجمعيات المتخصصة في هذا المجال مارك كرم، أن "هناك أنواعاً عدة من النفايات الطبية منها المعدية والكيماوية والسامة وتلك التي تتعلق بالأدوية، ونحن متخصصون في النفايات المعدية التي تشكل الجزء الأكبر من النفايات التي لا يوجد فيها أي أدوية منتهية الصلاحية ولا أدوية السرطان والأمراض المزمنة"، لافتاً إلى أن "الجمعية لديها ثلاثة مراكز تعقيم النفايات: الأولى منطقة جسر الواطي، والثانية في زحلة، والثالثة في صيدا التي يوجد فيها ماكينة حديثة. وتتمتع هذه المراكز بقدرتها على استيعاب 21 طناً يومياً من النفايات الطبية، ولكن يتم استقبال من 13 إلى 14 طناً يومياً".

الطريقة الآمنة

وعن كيفية التعاون مع المستشفيات لإدارة هذه النفايات وإيصالها بشكل آمن إلى المطامر، يشير كرم إلى أن "كل المراكز الطبية والمستشفيات تتواصل معنا. بعد الاتفاق على العقد، تطرح الشروط والتي تشدد إحداها على أن يكون لدى المستشفى غرفة مبردة لتخزين النفايات، خصوصاً أننا لا نقوم بجمع النفايات بشكل يومي. وبعد إمضاء العقد، نحدد كمية الصناديق التي يجب إعطاؤها للمستشفيات لبدء تجميعها. وعلى المستشفى أن تزن النفايات وبعدها يقوم كل من ممثل المستشفى وممثل الجمعية بإمضاء ورقة لتحديد كمية الصناديق التي يجب إعطاؤها لكل كيلوغرام. لذا، بعد عودة الشاحنات إلى مراكزنا يتم وضع النفايات في هذه الغرف المبردة أيضاً لدينا لحين يتم تعقيمها".

وعن الطريقة المتبعة خلال هذه العملية وعما إذا كانت آمنة بيئياً وصحياً، يؤكد كرم "نتفادى حرقها إذ يتم تعقيمها عن طريق الضغط القوي واستخدام البخار على حرارة مرتفعة جداً"، مشيراً إلى أن "هناك آلتين مختلفتين: الأولى تعرف بمعقمات البخار، والتي تعمل على تقطيع النفايات وطحنها من دون اللجوء إلى فتح الأكياس عبر درجة حرارة مرتفعة جداً، لتتبخر كل المواد السامة، كما أن الحرارة يجب أن تصل إلى 124 درجة مئوية مع ضغط عال خلال مدة أقصاها 30 دقيقة من التعقيم. لذا، بعد هذه المدة، يتم فتح الآلة وتفريغها لتخرج النفايات مقطعة ومعقمة بطريقة أنظف من النفايات المنزلية، ويتم وضعها في أكياس سوداء لتنتقل بعدها إلى المطامر بطريقة آمنة".

ويلفت كرم أن "الجمعية حصلت على تراخيص من وزارتي البيئة والصحة وشهادة الآيزو وشهادة في الإدارة". كما يشير إلى أن "كل التدابير خاضعة للرقابة وكل الاختبارات البيولوجية والكيماوية تقام بشكل أسبوعي للتأكد من أن الآلات تقوم بالتعقيم بالشكل الصحيح والسليم"، لافتاً إلى أن "مركز الجمعية يحتوي على الكاشفات المشعة التي تعمل على ضبط المواد المشعة، والتي من المفترض أن تقوم المستشفيات بعزلها عن النفايات العادية، ومن ثم تخضع لفحص في المركز للتأكد من عدم وجودها. كما يوجد آلة الميكروويف الكهربائية المتخصصة في التعقيم، والتي تعمل على طحن النفايات وتسييرها عبر أنبوب يعمل على جزيئات المياه، لتحميلها على حرارة مرتفعة لضمان خروجها نظيفة ومعقمة".

تجدر الإشارة إلى أن الجمعية تحاول خلال هذه الأزمة الاقتصادية، تغطية كل الأموال التي لا تستطيع المستشفيات أن تدفعها من خلال مشاريع على شكل هبات وتبرعات وبعض التمويل الخارجي للمساعدة قدر المستطاع.

 

 

نفايات تونس الطبية تضاعفت  

تفاقمت معضلة النفايات الطبية الخطرة في تونس مع انتشار وباء كورونا، وأصبحت تهدد البيئة وصحة المواطنين، إذ تضاعفت كمية النفايات من المواد الخطرة في محيط المستشفيات ومراكز التلقيح، في ظل المشاكل المتعددة التي تشهدها الشركات المعنية بالتخلص منها والتصرف فيها.

ويقول نائب رئيس غرفة أصحاب مصانع تدوير النفايات الطبية، وليد الحمدي، في تصريح خاص، إن "إنتاج الوحدات الصحية من النفايات تضاعف منذ انتشار كورونا"، لافتاً أن "مراكز التلقيح دخلت أيضاً ضمن شبكة المؤسسات الصحية التي تتولى مصانع متخصصة معالجة وتجميع ما تخلفه من نفايات طبية".

جهود إضافية

ويرى الحمدي أن "معالجة نفايات المستشفيات ومراكز معالجة مرضى كورونا تحتاج إلى جهود اضافية"، مستدركاً "غير أن تباطؤ دفع مستحقات المصانع من قبل المستشفيات العمومية، يعرقل كل محاولات توسيع قدرة تلك المصانع على استيعاب كميات أكبر من النفايات الطبية".

ونفذت الشهر الماضي غرفة شركات تجميع ونقل ومعالجة النفايات الطبية الخطرة إضراباً شاملاً، ما تسبب في تراكم النفايات في محيط المؤسسات الصحية.

وقالت الغرفة، في بيان لها، إنها أجبرت على قرار الاحتجاج، نظراً "لعدم استجابة السلطات لمطالب تسهيل مهمة تجميع النفايات في ظرف صحي استثنائي، يتطلب تدابير خاصة لجمع مخلفات النفايات الطبية التي ارتفعت كمياتها بنحو 90 في المئة مع الجائحة"، بحسب نص البيان.

مواد خطرة جداً

وتفرز المستشفيات والمصحات التونسية سنوياً 18 ألف طن من النفايات الطبية، من بينها 8 آلاف طن من النفايات الخطرة التي تخضع للمراقبة، غير أن مراكز علاج "كوفيد-19" ومراكز التلقيح زادت كميات النفايات بنحو 90 في المئة.

وترفع شركات خاصة تلك النفايات من 210 منشآت صحية عامة، و110 مصحات خاصة، و165 مركزاً لتحليل الدم، و500 مختبر. وتشير أرقام رسمية لوزارة البيئة إلى أن معالجة هذه النفايات تتراوح نسبتها بين 85 و94 في المئة.

وإضافة إلى النفايات التي خلفها وباء كورونا من تلاقيح وغيرها من مواد طبية، تتضمن النفايات الطبية التي يتم إتلافها في تونس مواد خطرة جداً، وذلك بحسب رئيس الجمعية التونسية للحقوق البيئية مهدي العبدلي، "على غرار مادة الزئبق الموجودة في ميزان الحرارة والحقن والإبر، والأعضاء التي يتم بترها أو الأجنة، والمواد الكيماوية المستعملة في المختبرات"، كلها مواد خطرة على البيئة وعلى صحة المواطنين، وبالتالي من الضروري أن تُعالج بطريقة صحية وناجعة.

المشرع التونسي

تشير أرقام رسمية كشفت عنها وزارة البيئة، إلى أن معالجة هذه النفايات الطبية تتراوح نسبتها بين 85 و94 في المئة، وقد لا تتجاوز أحياناً مستوى 45 في المئة.

أما من الجانب القانوني، فإن المشرع التونسي يخضع في التصرف ومعالجة النفايات الطبية لقانون صدر عام 1996، وتنص قرارات رسمية عدة على "ضرورة تولي الوحدات الصحية القيام بعملية الانتقاء للنفايات الصحية الخطرة من المصدر، ويشترط أن تجري معالجة النفايات الطبية الخطيرة هذه في وحدات خاصة".

المزيد من بيئة