Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنهي خصخصة قطاع الكهرباء معاناة العراقيين؟

يلقي مراقبون اللوم في نقص التغذية بالتيار على فساد أحزاب تنفذ أجندات خارجية

عراقي يعمل بكابلات كهربائية تابعة لأحد المولدات الأهلية بمدينة الصدر، في يوليو الماضي (أ ف ب)

يحلم المواطن العراقي منذ أعوام طويلة بساعات تغذية بالطاقة الكهربائية مستمرة تصل إلى 24 ساعة، إلا أن هذا الحلم يبدو بعيد المنال على الرغم من صرف مليارات الدولارات وإطلاق مئات المشاريع من قبل الحكومات المتعاقبة بعد عام 2003، للنهوض بواقع الكهرباء إلا أن ما أُنجز أتى محدوداً جداً بسبب الأوضاع الأمنية والاستهدافات المتكررة لأبراج الكهرباء والفساد المستشري في مفاصل الدولة منذ سقوط النظام السابق. ومن تلك المشاريع، مشروع "خصخصة الكهرباء" الذي بدأت به حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي (2014-2018)، وطُبّق على أحياء سكنية في العاصمة بغداد. وفي وقت سجّل نجاح الخصخصة في تلك المناطق بالمقارنة مع ما تقدمه "المولدات الأهلية" للمواطن، إلا أن المشروع واجه انتقادات سياسية وأخرى شعبية بذرائع مختلفة، حتى توقفت توسعته في بقية مناطق بغداد والمحافظات الأخرى.

وأصبحت "خصخصة الكهرباء" محط جدل سياسي في العراق، لأن الكهرباء دخلت ضمن المزايدات السياسية والدعاية الانتخابية عند كل استحقاق في بلاد الرافدين، إذ تزوّد "الشبكة الوطنية" اليوم المواطن العراقي بعدد محدود من ساعات التغذية بالتيار، بينما يعتمد في تأمين القسم الأكبر من حاجته على أصحاب "المولدات الأهلية".
 


3 أعوام لتأمين الكهرباء 24 ساعة

من جهة أخرى، أكد وزير الكهرباء عادل كريم أنه يمكن للعراق أن يؤمّن الطاقة الكهربائية على مدار الساعة خلال ثلاثة أعوام على أقل تقدير. وقال، "استطعنا في فترة وجيزة إصلاح نظام الكهرباء بشكل لا يتعرض للعطل بسهولة، وذلك باتخاذ بعض الإجراءات الفنية ورفع نسبة توليد الطاقة"، مضيفاً "تمكنّا للمرة الأولى من إنتاج 21 ألف ميغاواط، ونسعى إلى زيادة الطاقة الإنتاجية في وقت قصير".
وذكر كريم أن "هناك جهات تحاول تعطيل منظومة الكهرباء من خلال استهداف الشبكة والأعمدة الناقلة للطاقة"، مؤكداً أن "الوزارة واجهت المشكلة بشكل فوري وتغلبت عليها".

وأوضح أن "توفير الطاقة الكهربائية يختلف من محافظة إلى أخرى، بحيث يتم تزويد المحافظات شمال بغداد بواقع 12 إلى 14 ساعة، بينما تتوافر الطاقة في محافظات جنوب بغداد بين 16 و24 ساعة، كما تلعب الحالة المناخية دوراً في ذلك".
وكشف كريم عن مساعي الحكومة العراقية لإيصال حجم الطاقة الكهربائية المنتجة في البلاد إلى 35 ألف ميغاواط خلال الأعوام الثلاثة المقبلة على المدى المتوسط"، مشيراً إلى أن "البلاد تحتاج اليوم إلى 35 ألف ميغاواط لتغطية حاجتها من الطاقة. وحاجتها تزيد بحجم 1500 ميغاواط سنوياً".

وبيّن كريم أن الوزارة اتخذت بعض الخطوات لاستثمار الطاقة النظيفة (الشمسية) في إنتاج الكهرباء، مشيراً إلى أن "العراق لن يعتمد بشكل كلّي على الغاز المستورد من إيران وسيعمل على تأمين مصادر متعددة لتوفيره، ويمكن استغلال الثروة الغازية الكبيرة الموجودة في إقليم كردستان لأغراض إنتاج الطاقة". واعتبر أن "خصخصة القطاع الكهربائي والقطاعات الأخرى يمكن أن تحلّ مشكلات كثيرة".

الحاجة إلى خطط في علم اجتماع السوق

في سياق متصل، قال مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، إن "الخصخصة هنا هي تجربة قيام القطاع الأهلي بالتوزيع. كما أن التوجه إلى هذا النشاط بحاجة لخطط في علم اجتماع السوق، لا سيما في ظل وجود نشاط لأصحاب المولدات الأهلية الذي يمتد عمره لأكثر من 30 عاماً وتأسيسهم سوقاً واسعة ونشاطاً اقتصادياً مباشراً وغير مباشر، ابتداءً من باعة قطع الغيار ومستوردي أجهزة التوليد والأسلاك واللوازم الكهربائية المتشعبة، إضافة إلى توظيف آلاف العاملين في الصيانة والتشغيل". وأضاف صالح لـ "اندبندنت عربية" أن "المردود السنوي لهذا النشاط يُقدَّر بما لا يقل عن 5 تريليونات دينار وهو في تزايد ولمنفعة قطاع أهلي واسع يعمل في تقديم خدمات التوليد المساعد، في حين أن قدرات الشبكة الوطنية ما زالت محدودة التجهيز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واقترح صالح، "تشكيل شركات تضامنية من أصحاب المولدات الأهلية أنفسهم في مختلف المدن، حيث يتولون تنظيم تحصيل أجور الكهرباء من مستخدمي الشبكة الوطنية لقاء نسبة من ذلك الأجر وضمن عقود متوازنة وقانونية دقيقة تحقق المنفعة للدولة والمشغّلين الأهليين وفي الوقت ذاته تضمن عدم تضارب المصالح بين أصحاب العلاقة، من مالكي المولدات الأهلية والوزارة القطاعية، مع الأخذ في الاعتبار أن الصناعة التوليدية تجذرت في سوق الطاقة العراقية وتعاقب عليها كنشاط أكثر من جيل، منذ انهيار الشبكات عام 1990 وحتى الساعة".

وأوضح مستشار الكاظمي أن "أصحاب المولدات لديهم حقوق في سوق الطاقة وقد أدوا دوراً اقتصادياً مهماً في استدامة الحياة في أصعب الظروف، لذا هم عنصر إنجاح أو إفشال أي مشروع لخصخصة التحصيل ورفع عوائد الشبكة الوطنية المهدورة. ولا يتم ذلك إلا بمساعدتهم كقوة سوق تجزئة مهمة في تنظيم استهلاك الطاقة الكهربائية وحماية المصلحة العامة كجزء من مصالحهم، إذ تُقدَّر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن عدم التحصيل والاعتداء على الشبكات بنحو 30 في المئة من طاقة التجهيز، وإذا ما أضفنا خسائر أخرى نسبتها 30 في المئة أيضاً، تُسمّى بالضائعات التكنولوجية، فإن الهدر في الطاقة يصل إلى 60 في المئة، في حين أن المعدل العالمي للهدر يبلغ أقل من 6 في المئة".

"الخصخصة لن تنهي المعاناة"

في المقابل، رأى الباحث الاقتصادي إيفان شاكر أن "خصخصة قطاع الكهرباء لن تنهي معاناة الشعب العراقي، إذ إنه في الوقت الحالي البيئة غير مناسبة للخصخصة بسبب هيكلية الحكومات المتعاقبة المبنية على أساس المحاصصة المقيتة، أي إنها ستخضع لسيطرة الأحزاب، وسيكون هناك احتكار لأحزاب السلطة لخصخصة هذا القطاع، الذي يُعتبر دسماً بالنسبة إليها من الناحية المالية".

ولفت شاكر إلى أن "الخصخصة في الوقت الراهن ستكون عرضة للفساد، والصفقات تحت الطاولة ستكون حاضرة أيضاً في ما بين الأحزاب المسيطرة على كل مفاصل الدولة. كما أن هناك ضغوطات وأجندات خارجية بأدوات داخلية تفتعل أزمة الكهرباء في العراق من حين إلى آخر، إضافة إلى صراعات سياسية بين الأحزاب الحاكمة، بحيث يشكل ملف الكهرباء إحدى ساحات المعارك وليّ الأذرع في ما بينها. وتمّ قبل أشهر عدة تفجير وتخريب عشرات أبراج الطاقة الكهربائية، وهذا يدل على أن هناك ضرباً تحت الحزام ما بين الأقطاب السياسية العراقية وتنفيذ أجندات ومصالح خارجية، ومفاقمة أزمة الكهرباء في البلاد بنوايا خبيثة".

وذكر أن "الخصخصة لن تحد من المشكلة بوجود هذه الطبقة السياسية لأن الكهرباء تُعتبر ورقة ضغط سياسية ما بين الأحزاب، والحل يكمن في تسليم ملف الكهرباء إلى شخصيات وطنية كفوءة قادرة على حل هذه الأزمة".