Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصينية يونغ تشانغ تروي المسار الشاق لأخوات ثلاث

الرواية الجديدة تكمل الخط الذي انتهجته في "بجعات برية" التي راجت عالميا

الروائية الصينية العالمية يونغ تشانغ (دار بنغوين)

لم تشذّ الكاتبة الصينية يونغ تشانغ، في روايتها "الأخوات الثلاث"، الصادرة عن دار الساقي، بترجمة سميّة فلّو عبود، عن روايتها السابقة "بجعات برية"، الصادرة عن الدار نفسها. وهي التي ترجّعت أصداؤها الإيجابية في دول عالمية، ومنحت صاحبتها شهرة واسعة. فالروايتان تتناولان المرأة الصينية، في معاناتها من الواقع الصيني ووقائعه القاسية، خلال القرن العشرين، من جهة، وفي نضالها لتغييره وفرض وقائع مختلفة، من جهة ثانية.  وبذلك، تكمل الكاتبة في روايتها  الثانية ما بدأته في الأولى. على أن ما يجمع بين الروايتين، في المضمون، هو أنّ كلاًّ منهما  يتناول سيرة ثلاث نساءٍ صينيات، لعبن أدواراً مؤثّرة، في مقاربة الواقع ومحاولة تغييره. وما يفرّق بينهما، في الشكل، هو أن النساء الثلاث في "بجعات برية" ينتمين إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، الجدة والأم والحفيدة، بينما النساء في "الأخوات الثلاث" ينتمين إلى جيل واحد متزامن، هو جيل الأخوات الثلاث.

وإذا كان العنوان الفرعي في الرواية الثانية "نساء مميّزات رسمن تاريخ الصين الحديث" يوحي بانتماء الرواية إلى حقلٍ معرفيٍّ معيّن، فإنّ متنها حمّال أوجه بامتياز، ويفارق هذا الإيحاء، في الشكل والمضمون.

في الشكل، تكمن المفارقة في أن العنوان الفرعي يُحيل إلى التاريخ، بينما يجمع المتن بين التاريخ والسيرة والرواية، ولا ينتمي إلى أيٍّ من هذه الأنواع، في الوقت نفسه. وفي المضمون، يشير العنوان الفرعي إلى نساءٍ لعبن أدواراً في تاريخ الصين الحديث، يحدّدهن العنوان الرئيسي بثلاث أخوات، بينما يتعدّى المتن النساء الثلاث للكلام عن رجالٍ أسهموا في صنع ذلك التاريخ، ويُفرد لهم الكثير من الصفحات.

ويونغ تشانغ ، المولودة في الصين في العام 1952، المقيمة في بريطانيا منذ العام 1978، تحظى بشهرة عالمية، وقد تُرجِمت كتبها إلى أكثر من أربعين لغة. ومنها رواية "الأخوات الثلاث" التي تجمع بين السِّيَر الشخصية الخاصة وأحداث التاريخ العامة. وتعبّر عنها في سرد روائي عاطفي، ملحمي. تتمظهر فيه قدرة الفرد على صناعة التاريخ، وانعكاس المصنوع على الصانع، في علاقة جدلية بين الاثنين. على أن ما حدا بالكاتبة إلى وضع هذه الرواية هو عمق شخصيات الأخوات الثلاث، وانخراطهن في العمل السياسي، ووجودهن في قلب الأحداث التي شهدتها الصين خلال مائة عام من الحروب والثورات والتحوّلات، على حدِّ إشارتها في مقدّمة الكتاب.

   الأخوات الثلاث

 الأخوات الثلاث هنّ: إي ـ لينغ "عمر الحنان"، وتشينغ ـ لينغ "عمر البهاء"، وماي ـ لينغ "عمر الجمال".  يتحدّرن من عائلة سونغ الثريّة، لأبٍ رجل أعمال وطني وأُمٍّ ناشطةٍ اجتماعية. وقد وُلِدن في شانغهاي أواخر القرن التاسع عشر، وتابعن تعليمهنّ في الولايات المتحدة، حتى إذا ما عُدْنَ إلى الصين شكّل ارتباط كلٍّ منهنّ بشخصية تاريخية مقرِّرة فرصة لها للتأثير في صنع القرار ورسم مسار التاريخ؛ فارتباط الأخت الكبرى إي ـ لينغ بـ ه.ه. كونغ الذي شغل مناصب رئيس الوزراء ووزير المالية ووزير الخارجية لسنوات جعلها من أغنى نساء الصين. وارتباط الأخت الوسطى تشينغ ـ لينغ بسون يات ـ سين المعروف بـ "أبي الصين" الذي لعب الدور الأكبر في تحوّل الصين من الملكية إلى الجمهورية،  جعلها شريكة في صنع القرار، وأهّلها لتصبح نائبة الرئيس ماو تسي تونغ. وارتباط الأخت الصغرى ماي ـ لينغ بشيانغ كاي ـ شيك المعروف بـ "القائد الأعلى"، وانخراطها في العمل السياسي القومي، جعلاها أكثر النساء شهرة في زمانها.

ولعلّ نشوء الأخوات الثلاث في أسرة غنية وطنية، ومتابعتهن الدراسة في الولايات المتحدة، وامتلاكهن مهارات وقدرات شخصية مميّزة، ناهيك بزواجهن الاستثنائي، هي العوامل التي جعلتهنّ ينهضن بأدوارهنّ، في مقاربة مشكلات الحاضر، ورسم آفاق المستقبل. وهي أدوار تتفاوت في الكمّ والنوع، وتتّخذ تمظهراتٍ مختلفة، وتتمّ بالتعاون مع الرجل والتكامل معه، وتتمحور حول شخصيّتين تاريخيّتين، هما: سون يات ـ سين الذي يُعزى له الفضل في التحوّل من الملكية إلى الجمهورية، والملقّب بـ"أبي الصين"، وشيانغ كاي ـ شيك الذي يُعزى له الفضل في توحيد البلاد والملقّب بـ" القائد الأعلى".

  الأخت الكبرى

يتمظهر دور الأخت الكبرى إي ـ لينغ في لعب دورٍ استشاري لكلٍّ من الشخصيّتين المذكورتين، وفي تأثيرها في أختَيْها الصغرَيَيْن، وفي مشاركتها غير المباشرة في إدارة مالية الدولة؛ فسون يات ـ سين يقرِّبها منه، ويكنّ لها مشاعر حبٍّ تتخلّص منها بلباقة، فهي معجَبة به قائداً وليس حبيباً، وحين يصدر عنه ما يثير تحفّظها، على المستويين الشخصي والسياسي، تنأى بنفسها عنه. وشيانغ كاي ـ شيك يتّخذها مستشارة له، ويَهاب منها، ويحرص على الاطلاع على آرائها السياسية والاقتصادية، لا سيّما أنّها، بما تملك من حسٍّ سياسي قوي، تتوقّع له مستقبلاً مشرقاً وتتدبّر أمر تزويجه من أختها الصغرى ماي ـ لينغ التي ستلعب دوراً مهماًّ إلى جانبه. وهي، إلى جانب كلمتها المسموعة لدى أُختَيْها، كانت لها اقتراحات مالية عمل زوجها على تنفيذها ما أدّى إلى مراكمتها الأموال الطائلة. غير أنّ الاتّهامات التي وُجّهِت إلى الزوجين بالفساد ستؤدي إلى عزل الزوج من منصبه والانتهاء بها مَنفيّة في نيويورك.

   الأخت الوسطى

يتخطّى الدور الذي لعبته الأخت الوسطى تشينغ ـ لينغ دور أختها الكبرى؛ ويعكس شجاعتها واندفاعها وصلابة شخصيّتها وتغليبها الاعتبارات السياسية على ما عداها. وهي تنهض به من خلال علاقتها بثلاثة رجال تاريخيّين، هم: زوجها "أبو الصين" سون يات ـ سين، وصهرها "القائد الأعلى" شيانغ كاي ـ شيك، وزعيم حزبها ماوتسي تونغ؛ تتمظهر علاقتها بالأوّل في انخراطها في العمل السياسي إلى جانبه، فتحضر الاجتماعات، وتشارك في اتخاذ القرارات، وتكتب الرسائل لاستدرار الدعم العسكري له، وتُعرّض نفسها للخطر لتحميه من الموت، وتلازمه في السرّاء والضرّاء، وتكتسب لقب مدام سون الذي ينطوي على رمزية كبيرة. وتتمظهر علاقتها بالثاني في معارضتها له، وهي معارضة يختلط فيها السياسي بالشخصي، فتكرهه لقتله صديقها دنغ يان ـ دا، وتزمع الانتقام منه، وتحمّله مسؤولية القضاء على الثورة الشيوعية، وترفض المساعدة لإطلاق سراحه حين وقوعه في فخ المارشال الشاب زانغ زيو ـ ليانغ، وتنضمّ إلى الشيوعيّين في حربهم لإسقاط نظامه مغلّبة الاعتبارات الحزبية على الأسرية.

لكنها رغم هذه المعارضة القوية لا تتوانى عن دعمها له في حربه ضد الاحتلال الياباني، وعن إعلان تضامنها معه في تصدّيه لانشقاق الرجل الثاني في الحكومة القومية وانغ جينغ ـ واي المتعامل مع اليابانيّين مغلّبة الاعتبارات القومية على الحزبية. أمّا علاقتها بالرجل الثالث ماو تسي تونغ فتتمظهر في انتمائها إلى حزبه، ووقوفها إلى جانبه بعد انتصاره على شيانغ، وفي قبول منصب نائبة الرئيس، حتى إذا ما لمست جنوحه نحو الدكتاتورية وعدم قبوله الرأي الآخر، تُضطرّ إلى المصانعة كي تحفظ نفسها، وتعيش سنواتها الأخيرة في بيجينغ.

   الأخت الصغرى

على أنّ الدور الأهم بين الأخوات الثلاث تلعبه الأخت الصغرى ماي ـ لينغ من خلال ارتباطها بالقائد الأعلى شيانغ كاي ـ شيك؛ ويعكس شجاعة خارقة وشخصية قيادية وإرادة صلبة، ويختلط فيه العاطفي بالوطني، والسياسي بالعسكري، والاجتماعي بالإنساني. وفي هذا السياق، تقرّر العمل إلى جانب زوجها لتعزيز قوّة الصين، وتتصرّف كممثّل شخصي له، وتُخفّف من دكتاتورية قراراته، وتجعله أكثر تسامحاً مع المعارضين له، وتُدخل أبعاداً إنسانية على جيشه، وتتنكّب المسؤولية اللوجستية خلال تصدّيه لتمرّد إقليم آنهوي. وتتّخذ القرارات الصحيحة في اللحظات العصيبة، فتذهب بنفسها لمفاوضة المارشال الشاب زانغ زيو ـ لينغ للإفراج عنه، فتحمي زوجها، وتحمي وطنها. ويبلغ دورها الذروة حين تنخرط في الحرب ضدّ الاحتلال الياباني؛ فتقوم بواجباتها كسيّدة أولى في الحرب، ترفع معنويات الجنود، تلقي الخطابات، تكتب المقالات، تجري المقابلات، تخوض الحوارات، تشجّع النساء على القيام بأدوارهن اللوجستية، تُعِدّ المستشفيات لاستقبال الجرحى، تزور المصابين، تشجّع الطيارين باستقبالهم لدى العودة من مهماتهم القتالية، تشرف على بناء قوة الملاحة الجوية. وحين يتراجع زوجها إلى تايوان إثر سقوط نظامه، تنضمّ إليه، وتعمل على رفع معنويات القوميّين، وينتهي بها المطاف مع أختها الكبرى في نيويورك، تمضيان سنواتهما الأخيرة معاً. وهكذا، يتجاوز دور الأخت الصغرى دوري أختيها الكبرى والوسطى، وتسهم الأدوار الثلاثة في رسم تاريخ الصين، خلال القرن العشرين.

  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على أنّ لا بدّ من الإشارة إلى أن العلاقة بين الأخوات الثلاث لم تكن دائماً على ما يرام، بل كانت تتراوح بين المدّ والجزر، بين التوافق والتباين. غير أن التباين السياسي بينهن لم يكن ليفسد في الود قضية، في ظاهر الأمر. مع العلم أن سلّم الأولويات في هذه العلاقة يختلف من أخت إلى أخرى؛ ففي حين تقدّم الأخت الكبرى الاعتبار العائلي على ما عداه، إلى حدّ اتخاذه مبرّراً للفساد الذي اتُّهمت به. نرى الأخت الحمراء الوسطى تستفيد من هذا الاعتبار لحماية نفسها، حين تكون في موقع الضعف، لكنها تضرب به عُرض الحائط مقدّمة الاعتبار الحزبي عليه، حين تصبح في موقع القوة،  فتتحلّل من العواطف الحميمة، وتقلب لأختيها ظهر المجن. بينما تتمسّك الأخت الصغرى بهذا المعيار، فتتضامن مع أختها الكبرى، حين يتمّ عزل زوجها من منصبه، وتنقطع عن التواصل مع زوجها الذي قام بعملية العزل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة