Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لاستخلاص الدروس من المعركة ضد كورونا من أجل مكافحة السل

أسهم "كوفيد- 19" في ارتفاع وفيات السل. لكن فيما قوضت الجائحة جوانب كثيرة في إدارة الصحة العالمية، أظهرت في المقابل أن في المستطاع إيجاد نهج بديل أفضل، كما يكتب سامويل لوفيت

مصاب بالسل في أحد أجنحة المستشفى المدني لمرض السل في أحمد آباد بالهند (غيتي)

صحيح أنه نبأ مقلق ومأساوي على حد سواء، بيد أنه ليس مفاجئاً. للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، ارتفعت الوفيات العالمية الناجمة عن داء السل Tuberculosis ( ويعرف بـ"تي بي"TB  اختصاراً). بعدما ضربت جائحة كورونا العالم، واضعة أجزاء كثيرة منه في حالة توقف مؤقت، باتت الخدمات الصحية التي تتصدى للأمراض المعدية الأخرى في مواجهة صعوبات دائمة.


في خضم الحاجة إلى تدخل سريع ضد "كوفيد- 19"، وجهت الأموال والإمكانات بعيداً من الشبكات البالغة الأهمية المعنية برصد الفيروس ومراقبته في بعض أفقر البلاد على كوكب الأرض. كذلك تعطل وتأخر إيصال الأدوية ومعدات الرعاية الصحية واللقاحات المضادة. وإذ وجدوا أنفسهم عالقين في إغلاق (حجر) تلو آخر، واجه المرضى الذين يعانون مشكلات صحية تهدد حياتهم صعوبات كثيرة من أجل الوصول إلى الخدمات الصحية والعلاجات المحلية.

كان وقع الجائحة على الإدارة العالمية لداء السل "شديداً جداً"، وفق تقرير أصدرته "منظمة الصحة العالمية" حديثاً. وقال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام للمنظمة، إن نتائج البحث "تؤكد مخاوفنا" من أن جائحة كوفيد "يمكن أن تبدأ في تقويض سنوات من التقدم المحرز ضد السل".

في الحقيقة، يرسم تقرير "منظمة الصحة العالمية" صورة قاتمة بشأن السل. إلى جانب ارتفاع وفياته، من 1.4 مليون في عام 2019 إلى 1.5 مليون العام الماضي، انخفضت تشخيصات الإصابات الجديدة به من 7.1 مليون إلى 5.8 مليون خلال الفترة الزمنية عينها. وتشير تقديرات إلى ازدياد عدد مرضى السل المجهولة إصابتهم بمقدار 1.2 مليون. كذلك تراجع عدد الأشخاص الذين حصلوا على العلاج الوقائي. وتقلص الإنفاق العالمي على خدمات مكافحة السل بمقدار 400 مليون جنيه استرليني... والقائمة تطول.

لما كان السل عدوى قابلة للعلاج والشفاء، يبعث على الشعور بالخزي أنه ما زال يحيق بالبشرية من كل حدب وصوب. وحدها، تكابد 30 دولة العبء الأكبر من وفيات السل وإصاباته، ولا غرابة في أن غالبيتها ذات دخل منخفض ومتوسط. بإيجاز، يدفع أفقر الناس ثمن عدم كفاءة العالم في مواجهة هذا الداء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في السنوات الأخيرة، واجهت شركات الأدوية الكبرى المتعددة الجنسية، المسماة اختصاراً "بيغ فارما"، اتهامات بأنها لا تبذل جهوداً كافية في سبيل تعزيز إمكانية الوصول إلى أدوات الفحص المهمة في البلاد التي تكابد العبء الأكبر من الإصابات [تتصدر لائحة إصابات السل]. وعقب إعلان "منظمة الصحة العالمية" النتائج الواردة في تقريرها، وجهت "أطباء بلا حدود"، المنظمة الخيرية الدولية، سهامها صوب شركة الأدوية الأميركية "سيفيد"Cepheid ، ذلك أن سعر "اختبارها اللازم لإنقاذ الأرواح ليس في متناول" كثير من الدول الأكثر تضرراً من السل.

وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" إنها تقدم "اختبارات السل وعلاجاته في 38 دولة، ونرفض أن يكون مرضى السل عاجزين عن الحصول على الاختبارات التشخيصية التي يحتاجون إليها لأن شركات مثل "سيفيد" تؤثر الربح على إنقاذ الأرواح".

تذكيراً، أثار "كوفيد- 19" نقاشاً مماثلاً، إذ اعتبرت اللقاحات التي تنتجها شركات مثل "موديرنا" و"فايزر" مكلفة جداً بالنسبة إلى البلاد الفقيرة. عليه، واجهت الشركات المصنعة دعوات عدة تحثها على التنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة بمنتجاتها ومشاركة مخططات اللقاحات الخاصة بها مع بقية العالم، لكن شركات الأدوية الكبرى تشبثت بدفاعها ومؤداه أنه لا بد من حماية الأرباح وبراءات الاختراع في سبيل دعم الابتكار- حتى ولو في خضم جائحة فريدة لا تتكرر أزهقت أرواح الملايين.

بناء عليه، حريّ بالعالم أن يبلي بلاء أفضل [ويبذل مزيداً من الجهود] في مواجهة كورونا والسل في آن واحد. ولكن، أما وقد أطاح كورونا بالسل عن صدارة أكثر الأمراض المعدية فتكاً في العالم، فلا ينبغي أن يقلص ذلك من عزيمة السعي إلى استئصاله من بين البشر.

في الحقيقة، يرجح أن واقع السل على الصعيد العالمي سيزداد سوءاً ويتفاقم. ففي توقعات أصدرتها "منظمة الصحة العالمية" مستخلصة من نماذج حاسوبية افتراضية، يظهر أن عدد الأشخاص الذين يصابون بداء السل ويموتون بسببه، قد يرتفع أكثر في العامين 2021 و2022. عموماً، حتى قبل "كوفيد"، لم تكن أهداف العالم المتعلقة بالتصدي للسل في مسارها الصحيح.

في ضوء الاضطرابات التي تسبب بها "كوفيد- 19"، لا بد من بذل مجهود كبير في سبيل مواصلة الحرب، بل تشديدها، ضد السل في السنوات المقبلة. ليس في متناولنا أي خيار آخر. وإلا فلا مفر من تفاقم المعاناة والموت اللذين يترصدان بأفقر الناس في العالم، في فترة ستشهد على الأرجح ارتفاعاً مماثلاً في نسبة الأمراض المعدية الأخرى.

ومع ذلك، كشفت الاستجابة لـ"كوفيد- 19" حجم الأمور التي في المستطاع إنجازها إذ ما تضافرت جهود المجتمع العالمي. لقد تحرك العالم بوتيرة تفوق التصور لتطوير لقاحات مضادة وعلاجات للفيروس، منقذاً خلال ذلك ملايين الأرواح. وإذ تركت جانباً الإجراءات والأطر التنظيمية البالية التي طالما أعاقت التقدم العلمي، تسارعت الخطى نحو تطوير تلك العقاقير الطبية.

كذلك تحققت قفزات هائلة إلى الأمام في مجال التشخيص. بعد أن كان الحصول على نتائج اختبارات "كوفيد- 19" يستغرق ثلاثة أيام في البداية، صار في مقدورها اليوم تبيان إصابة المرء من عدمها في غضون دقائق. ولكن ماذا لو حظي تطوير هذه التكنولوجيا في اختبارات السل بالقدر عينه من الإلحاح الطارئ؟ وماذا لو استخدمت هذه الخبرات في ابتكار عقاقير جديدة وأي اختراقات علمية يمكن أن تتحقق؟

صحيح أن العالم الغربي نال حصة الأسد من التقدم العلمي الذي تحقق في إطار جائحة "كوفيد- 19". لكن الجائحة كشفت عن وجود طريقة أخرى ممكنة لمكافحة الأمراض المعدية. لذا، في ظل تعاظم طيف داء السل، من المهم جداً ألا يدير العالم ظهره للدروس المستقاة من الأشهر الثمانية عشر الماضية، وألا يرجع إلى عاداته السيئة السابقة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة