Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف حمت الإعانات المالية السعودية الأسر الفقيرة خلال فترة الأزمات؟

دخلت إصلاحات عدة على المنظومة الاجتماعية في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية

أطلقت السعودية حزماً اقتصادياً لحماية الفئات الأقل حظاً من تأثيرات الإغلاق وحظر التجول العام الماضي (واس)

عندما ألقت جائحة كورونا بثقلها على الاقتصاد العالمي، لعب الإنفاق الحكومي من خلال الإعانات الاجتماعية والصحية والتعليمية دوراً رئيساً في تفادي بعض التداعيات السلبية لانتشار الفيروس. وتمحور ذلك الانفاق حول تقديم مبادرات وإعانات مالية من قبل دول "مجموعة العشرين"، بقيادة السعودية، للدول الأكثر فقراً، وأبرزها تعليق ديون تلك الدول بهدف توفير الحيز المالي لها للتصدي للجائحة محلياً، بالاضافة إلى تقديم حزم تحفيزية بقيمة أكثر من 11 تريليون دولار تهدف بمجملها إلى حماية الأسر الأقل حظاً، وكذلك العمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.
وعلى الرغم من أن قرارات "مجموعة العشرين" كانت موجهة لدول الأكثر فقراً، فإن دول المجموعة ذاتها عملت على إطلاق حزم وبرامج للتخفيف من الآثار الاجتماعية للجائحة على مواطنيها أيضاً، ومنها السعودية التي أسهمت برامج الإعانات المالية التي وضعتها في الحد من تفاقم الأزمة داخلياً.

الإعانات الاجتماعية

وتُعد الإعانات الاجتماعية، والتي تعني التحويلات النقدية التي تقدمها الجهات الحكومية إلى الأفراد والأسر والبرامج المساندة والمتمثلة في الإعانات المالية لذوي الإعاقة والعاطلين عن العمل والباحثين عنه عبر برنامج "ساند"، وإعانات برنامج "حساب المواطن" وبرنامج الرعاية الصحية التأهيلية المنزلية، إضافة إلى مكافآت الطلاب الجامعيين.
ولم تكن تلك البرامج وليدة الجائحة، إذ شهدت منظومة الحماية الاجتماعية في البلاد خلال السنوات الخمس الماضية، إصلاحات عدة متعلقة بتطوير أنظمتها وتشريعاتها، ومنها استحداث برنامج "حساب المواطن" لمواجهة تداعيات الإصلاحات الاقتصادية، وبرنامج التوازن المالي والمعروف حالياً باسم "برنامج الاستدامة المالية". كما عملت السلطات على تنظيم جديد للإعانات للباحثين عن العمل ضمن برنامج "حافز"، والذي تم من خلاله تعديل شروط الاستحقاق ومقدار الإعانة مع ربط المستفيد ببرنامج التطوير والتدريب التابع لصندوق الموارد البشرية، والذي يعمل على تحفيز المنضمين إليه على البحث عن عمل وإنهاء الاتكالية على الإعانة.
كما شملت الإصلاحات إصدار نظام جديد للضمان الاجتماعي مع لائحته التنفيذية التي تؤكد الاستحقاق من خلال البحث الاجتماعي، بعيداً عن الفئوية.
كما أسهم دمج المؤسسة العامة للتقاعد والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في زيادة الكفاءة التشغيلية والمالية للكيان الجديد بعد الاندماج.
وفي الصدد ذاته، أوضحت دراسة صادرة عن مؤسسة الملك خالد، بعنوان "الإعانات الاجتماعية في السعودية"، أنه خلال جائحة كورونا، وما تلاه من إجراءات احترازية وإغلاق عام، تجاوز الانفاق الاجتماعي، الإنفاق الحكومي في بعض الدول خلال الازمة الاقتصادية العالمية خلال عامي 2007 و2008، بأربعة أضعاف، إذ ارتفع بمعدل 148 في المئة. وأشارت تقديرات البنك الدولي الأخيرة إلى أن حجم الإنفاق الاجتماعي وقت الجائحة بلغ 2.9 تريليون دولار، ما يمثل 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام الحالي.

استقرار النمو الاقتصادي

وفي السياق ذاته، أشارت دراسات أجرتها "منظمة التعاون الاقتصادي" و"منظمة العمل الدولية" إلى أن "الانفاق الحكومي في أوقات الأزمات يسهم بشكل كبير في استقرار النمو الاقتصادي للدول، بالإضافة إلى تخفيف التبعات الاقتصادية على الفئات الهشة في المجتمع". وبالنظر إلى دور الانفاق الحكومي أثناء جائحة كورونا على وجه التحديد، نجد أن دولاً عدة في العالم لجأت إلى زيادة إنفاقها الاجتماعي، وهذا ما أكدته إحصائيات البنك الدولي الصادرة في مايو (أيار) الماضي، والتي أشارت إلى إطلاق 782 برنامج إعانة اجتماعية حول العالم تُقدر قيمتها بـ2.4 مليار دولار، يستفيد منها 1.5 مليار شخص في العالم.

الميزانية والأزمات

أما على المستوى المحلي، فتمكنت الرياض من التصدي بإحكام للجائحة، وظهر ذلك من خلال بيانات ميزانيتها لهذا العام، والتي أظهرت استعادة وتيرة النمو الاقتصادي في البلاد، إضافة إلى تعزيز منظومة الدعم والإعانات الاجتماعية والخدمات الأساسية. وتُقدَّر قيمة التدابير المالية للتصدي الجائحة، والتي أسهمت في التعافي الاقتصادي السريع من آثارها، 258 مليار ريال (68.79 مليار دولار)، منها برامج دعم للقطاع الخاص من قبل البنك المركزي بقيمة 130.6 مليار ريال (34.85 مليار دولار)، وضخ 66 مليار ريال (17.60 مليار دولار) كودائع لدعم توفير السيولة في البنوك التجارية المحلية، إضافة إلى تمويل صندوق التنمية الوطني للقطاع الخاص بقيمة 18.5 مليار ريال (4.93 مليار دولار).
كما خصصت الحكومة السعودية نفقات إضافية خارج ميزانيتها بقيمة 40 مليار ريال (10.66 مليار دولار)، لدعم القطاع الصحي، و30 مليار ريال (8 مليارات دولار) كنفقات لتخفيف تبعات الجائحة على قطاع الأعمال، تضمنت إعفاءات مالية وتأجيل مستحقات وتوفير سيولة لتسمح باستمرار العمالة. كما تمت الاستعانة ببرنامج التأمين ضد التعطل عن العمل "ساند"، وبلغ حجم الإعانات للمواطنين من خلاله، 6 مليارات ريال (1.60 مليار دولار) خلال عام 2020 الماضي.
وبحسب دراسة مؤسسة الملك خالد، شملت التعديلات في ميزانية الرياض وقت الأزمات، زيادة في الإنفاق الحكومي على الإعانات الاجتماعية بقيمة تتراوح بين 15 و20 مليار ريال سنوياً (من 4 إلى 5.23 مليار دولار تقريباً)، بهدف التخفيف من تداعيات ارتفاع تكلفة المعيشة على الأُسر الأقل دخلاً، إضافةً إلى التخفيف من ارتفاع معدلات التضخم الذي واكب الأزمة وزيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة إلى 15 في المئة وإلغاء بدل غلاء المعيشة.

لجنة لحوكمة وتعديلات الإعانة

وسعت السلطات السعودية إلى تشكيل لجنة متخصصة في حوكمة التعديلات في مقدار الإعانات الاجتماعية، والتي تتلخص مهامها في الاسترشاد بنموذج وآلية عمل لجنة حوكمة تعديل أسعار منتجات الطاقة والمياه، وإنشاء لجنة دائمة تجتمع دورياً، كل ستة أشهر، لوضع سقوف عُليا ودُنيا لرفع أو خفض الإعانات، بحيث لا تتجاوز 10 في المئة صعوداً أو نزولاً مع كل تعديل، إضافةً إلى إنشاء فريق عمل متخصص داخل اللجنة لدراسة أثر التغيرات الاقتصادية على الأُسر الأقل دخلاً في المجتمع لضمان مواكبة قيمة الإعانات الاجتماعية، تكاليف المعيشة والتطورات الاقتصادية.
كما عملت السعودية على تطوير أدوات السياسة المالية الخاصة بالإنفاق الاجتماعي من خلال وضع تقديرات للإنفاق على الإعانات ضمن إطار تقدير المدى المتوسط للميزانية العامة لدولة، إضافة إلى القيام بحساب المضاعف المالي للانفاق الحكومي الرأسمالي والجاري، وكذلك الاجتماعي، بشكل دوري لضمان تقدير الاستدامة المالية لكل شكل من أشكال الإنفاق، ومن ثم رصد الميزانيات بالكشل الكفء، وتوجيه حصص الميزانية لبنود الإنفاق ذات المضاعف المالي والعائد الاقتصادي الأعلى.

تحديات تشغيلية

وأشارت الدراسة إلى 4 تحديات تشغيلية تواجه تقديم الإعانات الاجتماعية في البلاد، أولها، ضعف القدرة المؤسسية الخاصة لتقديمها، نظراً إلى غياب مهنة "الباحث الاجتماعي"، والتي تُعد من المهن الحرجة التي تمس الصحة العامة وتنمية وسلامة المجتمع، لذا فإن مزاولتها عالمياً تخضع لشروط رقابية تضمن المصلحة العامة ومعايير أهمها، ضمان المساءلة بشأن جودة الممارسات والقرارات التي يتخذها "الممارسون الاجتماعيون"، والتزامهم بالتطوير المهني المستمر، ووجوب ممارسة العمل بشكل آمن وقائم على النزاهة واحترام المهنة وتشجيع العمل الأخلاقي والبلاغ عن سوء المعاملة. كما يُفترض أن يبني الممارس الاجتماعي علاقات ثقة مع الناس.
وأدى غياب الاهتمام بالتخصصات الاجتماعية وغياب هيئة مهنية متخصصة بها في السعودية إلى ضعف الكوادر البشرية العاملة في هذا المجال، ما دفع السلطات إلى إنشاء وحدة إدارية تحت اسم "وحدة التخصصات الاجتماعية" بقرار من مجلس الوزراء، تابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بهدف سد الفجوة في هذا المجال المهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويُعد ضعف التنسيق بين الجهات المقدِمة للإعانات الاجتماعية، سواء أكانت حكومية أو أهلية، أحد أهم التحديات التشغيلية، لا سيما أنه يؤدي إلى "الانتفاع المزدوج" أو هدر الإعانات، إضافة إلى غياب المسوحات الدورية الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالأسر، إذ لا تزال هنالك فجوة في البيانات المرصودة، والتي تشكل تحدياً كبيراً أمام اعتماد السياسات والبرامج المبنية على الأدلة والبراهين، إضافة إلى الحد من القدرة على استهداف الفئات المستحِقة للدعم والبرامج الاجتماعية، والتي تسهم في تمكينهم اقتصادياً واجتماعياً.

النقد أفضل الوسائل

ويُعدّ الدعم المالي المحلي المقدَم من قبل الحكومات على وجه العموم، والسلطات في الرياض على وجه الخصوص، من أسرع الوسائل لضمان الصمود في فترات الأزمات الاقتصادية، إذ تمنح المواطنين القدرة على استيعاب الصدمة المالية الناتجة عن فقدان بعض الأسر لمصادر دخلها، وتوقعت دراسة صادرة عن المعهد النيوزيلندي للدراسات الاقتصادية بعنوان "التأثير الاقتصادي للإنفاق على الحماية الإجتماعية"، أن "تساعد التدخلات المالية المبكرة في تسارع التعافي الاقتصادي في الدول التي تسخر الإعانات النقدية كوسيلة رئيسة للتصدي للأزمات الاقتصادية وتداعياتها الناجمة عن انتشار فيروس كورونا عالمياً".
وأرجعت الأسباب إلى أن المعونات المالية تُصرف للأسر والمواطنين الذين يميلون إلى إنفاقها بشكل سريع نتيجة الاستهلاك وعزوفهم عن الادخار، بالتالي فإن ذلك يؤدي إلى ضخ الأموال في الاقتصاد من خلال توفير سيولة شرائية فورية، ويتفق ذلك مع النظريات الاقتصادية التي تتوقع زيادة المضاعف المالي مع تزايد الميل الحدي للاستهلاك بسبب الضخ، ما يسهم في سرعة تعافي اقتصادات الدول ويقلل من الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية.
وأشارت نتائج دراسة المعهد النيوزيلندي إلى أن "قيمة التحفيز الاقتصادي الناجم عن الإعانات الاجتماعية، يتجاوز أثرها الإيجابي أثر تقليص الضرائب وقت الأزمات".

تطور الضمان الاجتماعي

في سياق متصل، طرأت على معاش الضمان الاجتماعي تعديلات في فترات زمنية مختلفة بموجب أوامر ملكية في الأعوام 2008 و2015 و2018. وبحسب تلك القرارات ارتفع مقدار معاش الضمان الاجتماعي من 783 ريالاً (نحو 208 دولارات) في عام 2007 ليصل إلى 862 ريالاً (نحو 229 دولارات) شهرياً، وفي عام 2015 وصل الضمان الاجتماعي للفرد إلى 1000 ريال (266.61 دولار). وفي عام 2018 تمت زيادة 500 ريال (نحو 123 دولاراً) كبدل لغلاء المعيشة.

اقرأ المزيد