Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عندما يصبح العالم نوويا ينفجر مرة واحدة وإلى الأبد

هل تكفل ترسانات الدول من الرؤوس الذرية الردع المتبادل، بالتالي تجعل الكرة الأرضية أكثر أماناً؟

كشف الجيش الأميركي عن تطوير صاروخ باليستي جديد أسرع من الصوت (صورة نشرها سلاح الطيران الأميركي)

أيهما يجعل العالم أكثر أمناً وأماناً، عالم مليء بالأسلحة النووية لدى كافة الأقطاب الدولية الكبرى، أم عالم مختلة توازناته النووية، بين من يملكون الرؤوس النووية ومن يفتقدونها؟

تبدو علامة الاستفهام المتقدمة عبثية أو محيرة، لا سيما وأن الجواب الطبيعي هو أن أسلحة الدمار الشامل عن بكرة أبيها، أدوات للموت لا للحياة، وعليه فانتشارها يعني تهديداً مباشراً لسلام المسكونة وساكنيها.

لكن حال القراءة بمنظور معكوس يمكننا الحصول على نتيجة أكثر إثارة... على سبيل المثال: ماذا لو لم تكن موسكو قد امتلكت أسلحة نووية بعد أن خرجت القنبلة النووية الأميركية إلى النور؟ هل كانت واشنطن قد تركتها في حال سبيلها أم سعت في طريق إعاقة إمبراطوريتها الحمراء التي كانت ودامت نحو سبعة عقود؟

لا يعني ما تقدم أننا نرى في الانتشار النووي حلاً، بل تعقيداً أكثر لوضع الكرة الأرضية القلقة في الأصل مناخياً والتي تكاد تنفجر بحكم الطبيعة، إلا أن أحداً لا ينكر كون الرؤوس النووية لدى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، قد خلقت مجالاً من الردع المتبادل، الأمر الذي منع نشوب حرب نووية في زمن المواجهات الباردة، وقطع الطريق إلى الشتاء النووي.

غير أن موجة من التسلح النووي المعاصر، تعيد هذه الأيام طرح علامات الاستفهام عن مستقبل الأسلحة النووية، وهل ستحفظ التوازنات، أم أن هناك متغيرات يمكنها أن تجعل من الانتشار النووي، كارثة لا تحد ولا تمد، وتفتح الباب أمام مواجهة يخشى الجميع مآلاتها، بخاصة في عالم سيبراني، لا يمتلك أحد شفرته السرية بشكل آمن بالمطلق، ما يجعل من الإرهاب النووي، أمراً وارداً وبقوة... لماذا العودة من جديد إلى دائرة الحديث عن جدلية التسليح النووي وانتشاره ومعاهداته التي تكاد تتحول إلى حبر على ورق؟

الإعلان عن الترسانة النووية الأميركية

في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على فعل قد يبدو غريباً للبعض، عجيباً للبعض الآخر، إذ أعلنت عن مخزونها من الرؤوس النووية، بعدما رفعت السرية عما كان محرماً من قبل.

وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، فإن لدى واشنطن حتى سبتمبر (أيلول) الماضي نحو 3750 رأساً حربياً، مبيناً أن هذا الرقم يمثل انخفاضاً تقريبياً بنسبة 88 في المئة من المخزون من الحد الأقصى 31255 في نهاية السنة المالية 1967، وانخفاضاً 83 في المئة عن عام 1989.

لماذا قامت إدارة الرئيس بايدن بعكس اتجاه رياح سلفه ترمب، والذي حافظ على سرية أرقام الترسانة النووية الأميركية؟

الخارجية الأميركية تلفت إلى أن الإعلان يأتي في إطار زيادة شفافية المخزونات النووية للدول، وضمن جهود منع انتشار وانتزاع الأسلحة النووية، بما في ذلك الالتزامات بموجب معاهدة انتشار الأسلحة النووية والجهود المبذولة لمعالجة جميع أنواع الأسلحة النووية الاستراتيجية وغير الاستراتيجية.

تبدو واشنطن في حالة تشارع وتنازع بين إدارتين، فقد سبق لإدارة ترمب أن انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني ومعاهدة القوات النووية متوسطة المدى مع روسيا، كما انسحبت من اتفاق آخر أيضاً هو معاهدة ستارت الجديدة، والتي تنص على عدد أقصى من الرؤوس الحربية النووية التي يمكن لواشنطن وموسكو الاحتفاظ بها.

لم يكن ترمب عشوائياً في تفكيره، وهذا ما بدأت إدارة بايدن تدركه اليوم، فقد صرح وقتها بأنه يريد صفقة جديدة تشمل الصين التي لا تمتلك – حتى الساعة – سوى عدد قليل من الرؤوس الحربية بالمقارنة مع الولايات المتحدة وروسيا.

كانت تلك وجهة نظر ترمب، وقبل أن تكشف صور الأقمار الاصطناعية الأميركية سوراً نووياً صينياً تحت الأرض، وهو ما سنتوقف عنده لاحقاً.

غير أن بايدن وبمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، اقترح على الفور تمديد المعاهدة لخمس سنوات وهو ما وافق عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسرعة، وتحدد المعاهدة عدد الرؤوس النووية التي يمكن لكل من موسكو وواشنطن نشرها.

هل الإعلان على هذا النحو يحمل صك البراءة للولايات المتحدة، أم أن في الأمر مناورة ما تتبدى من خلال تعميق البحث في أضابير واشنطن النووية؟

البنتاغون ووثيقة "مراجعة الوضع النووي"

في قراءة مطولة لجيفري فيلدز الدبلوماسي الأميركي الذي عمل على حظر انتشار الأسلحة النووية في وزارة الدفاع، ووزارة الخارجية، والمنظمات غير الحكومية، يطرح تساؤلاً جوهرياً عن الولايات المتحدة وهل تقوم بالفعل بأي عمل حقيقي للحد من ترسانتها النووية، أم أنها تنتهج تمويهاً ما، وتلتف من حول التضاريس وبصورة تبدو للعالم معها أنموذجاً تقدمياً، في حين أنها تمضي في مسيرة تسلح نووي مغايرة؟

باختصار، يمكننا الغوص في لجة التفكير النووي الأميركي من خلال مطالعة الوثيقة التي نشرها البنتاغون عام 2018 عن دور الأسلحة النووية في الاستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة، والتي تعرف باسم "مراجعة الوضع النووي"، وتوصي المراجعة واشنطن بإضافة صواريخ جديدة باليستية ذات قوة تفجيرية ضعيفة تطلقها الغواصات، وصواريخ كروز إلى ترسانتها.

جاءت هذه التوصية لتضرب كل الأقاويل حول نية أميركا تخفيض أسلحتها النووية، وقد نظر مراقبون أميركيون إلى التوصية بوصفها بداية لسباق تسلح جديد، بينما رآها آخرون شيئاً أساسياً للإبقاء على رادع نووي موثوق به، بل ومتسق مع سياسات الإدارات السابقة النووية.

يلحظ القارئ للوثيقة أن هناك توجهاً للحفاظ على الترسانة النووية للولايات المتحدة، وتطويرها باستمرار، حتى وإن كان نزع السلاح النووي هدفاً بعيداً ونهائياً، فيما قدر مكتب الميزانية بالكونغرس تكلفة تطوير وتحديث قوات الولايات المتحدة النووية الحالية بحوالى 1.3 تريليون دولار خلال العشرين سنة المقبلة.

الوثيقة عينها تشير إلى الالتزام باستبدال العناصر الرئيسية للترسانة النووية الأميركية بأسلحة جديدة وأكثر تطوراً خلال العقدين المقبلين، وتؤكد أن الولايات المتحدة ستلتزم باتفاقات الحد من التسلح الحالية، مع التعبير عن شكوك حول إقرارات جديدة، وتشير أيضاً إلى أن واشنطن ستستخدم السلاح النووي فقط في "الحالات القصوى"، مع إضافة قدر من الغموض حول ما يعنيه هذا الأمر.

واشنطن تطور أسلحة نووية جديدة

ولأن العقول الأميركية التي تقود مستقبل البلاد تدرك أن المخاطر تتعاظم من جراء المواجهة مع بكين وموسكو، لذا فقد وضعت توصيات البنتاغون المتقدمة موضع التنفيذ وبشكل كبير، وهذا ما خرج للنور في فبراير (شباط) من عام 2020.

في ذلك التوقيت نشر الجيش الأميركي صوراً ومعلومات عن سلاح نووي جديد منخفض المدى يطلق من غواصة، وهو أمر مهم لمواجهة التهديد الذي تشكله ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية الأصغر، والعهدة هنا على الراوي، شبكة الأخبار الأميركية "سي أن أن".

هنا يمكن اعتبار الرؤوس الحربية الجديدة أول سلاح نووي أميركي جديد منذ عقود، والمراد من إنتاجه بعث رسالة لأعداء أميركا الذين قد يعتقدون أنهم قد يستخدمون سلاحاً نووياً أصغر ضد الولايات المتحدة أو حلفائها من دون خوف من قيام واشنطن بالانتقام النووي بسبب الأسلحة الأميركية بشكل غير متناسب أكثر تدميراً.

تبدو واشنطن إذن أقرب ما تكون إلى توسيع خياراتها النووية المرنة، لتشمل خيارات منخفضة العائد، وهو أمر مهم للحفاظ على ردع موثوق به ضد العدوان الإقليمي أو الدولي، كما أنه يساعد على ضمان ألا يدرك الخصوم المحتملون أي ميزة ممكنة في تصعيد نووي محدود.

ولعل الأخبار المتواترة من واشنطن تؤكد وجود مسارات ومساقات أميركية لتعديل الرؤوس النووية الحالية على الصواريخ الباليستية التي تطلقها الغواصات كجزء من برنامج مدته خمس سنوات، ولن تحمل كل غواصة سوى عدد قليل من هذه الصواريخ الجديدة.

في هذا الصدد كان جون رود وكيل وزارة الدفاع الأميركية، يؤكد أنه مع هذه النوعية من الأسلحة النووية الأميركية الجديدة، سوف يوقن الخصوم المحتملين أنه لا توجد ميزة لاستخدام نووي محدود أو تكتيكي لأن الولايات المتحدة يمكنها أن ترد بشكل موثوق وحاسم على أي سيناريو للتهديد.

هل في هذا النوع من الأسلحة تحايل على فكرة عدد الرؤوس النووية التي تملكها واشنطن؟

لا تبدو واشنطن فقط من يتلاعب بفكرة الأسلحة الـ "ميني نووي"، إذ يعتقد أن روسيا تحتفظ بمخزون كبير من تلك النوعية، والتي وإن كانت أقل قوة من الأسلحة التي تملكها الولايات المتحدة، إلا أنها في الوقت عينه قادرة على إحداث خسائر جسيمة في الجسد الأميركي.

وتعد أبرز الاختلافات بين السلاح النووي الأميركي الجديد ونظيراته القديمة، مقدرته على اختراق أهداف في عمق الأراضي التي لا تستطيع الطائرات الحالية اختراقها بقنابلها التقليدية، كما أن خسائرها أقل من خسائر قنابل "الجاذبية النووية" القديمة والتي تحدث خسائر فادحة على قدر واسع من المساحات.

من الذي تخشاه واشنطن أكثر من الآخر على الصعيد النووي، موسكو أم بكين؟

عدم يقين من الترسانة النووية الروسية

في أواخر أبريل (نيسان) الماضي أعرب قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية الأميرال تشارلز ريتشارد، عن قلق بلاده جراء عدم اليقين من حجم وموقع الترسانة النووية الروسية، بما في ذلك أحدث الأسلحة التي لم يتم النظر فيها ضمن معاهدة "ستارت".

التصريح المتقدم يستدعي بعض علامات الاستفهام ومن بينها: هل جاء إعلان واشنطن عن ترسانتها النووية لتضع موسكو في حرج أمام العالم، ولترغمها على إعلان ما ظهر وما بطن من أسلحتها النووية؟

في هذا الإطار ترى القيادة الاستراتيجية الأميركية أن روسيا الاتحادية لديها مجمع موثوق لإنتاج الأسلحة النووية وقادرة على الحصول على مئات الرؤوس النووية سنوياً.

ولعل تصريحات المسؤول العسكري الأميركي الكبير جاءت بعد أن أورد تقرير استخباري أميركي، تم إماطة اللثام عنه في 13 أبريل يفيد بأن روسيا تقوم ببناء مجموعة كبيرة ومتنوعة وحديثة من الأسلحة غير الاستراتيجية القادرة على إيصال رؤوس حربية نووية وتقليدية.

هل من أرقام عن ترسانة روسيا النووية؟

ما يتوافر وبحسب موقع "غلوبال فاير باور" الشهير يفيد بأن موسكو تحشد أكثر من 1500 رأس نووي استراتيجي معد للإطلاق باستخدام أكثر من 500 صاروخ باليستي عابر للقارات والغواصات والقاذفات الاستراتيجية، بينما يصل عدد القنابل النووية الاستراتيجية والتكتيكية المخزنة إلى 2700 قنبلة، إضافة إلى 2510 رؤوس نووية من المنتظر أن يتم تفكيكها.

أما موقع "نيفيل نيوز" الأميركي فيتناول امتلاك الأسطول الروسي لأخطر سلاح نووي في العالم يعرف باسم "طوربيد يوم القيامة"، والذي تم الكشف عنه في عام 2015، وأكدته وثائق تابعة لوزارة الدفاع الأميركية العام الحالي.

هذا الطوربيد النووي الذي يطلق عليه أيضاً "ستاتس-6"، قادر على أن يدمر شواطئ العدو بشكل كامل، ويقضي على مظاهر الحياة فيها لأجيال، والعهدة هنا على الراوي مجلة "بوبيلر ميكانيكز" الأميركية.

ووفقاً لمجلة "ناشيونال إنترست"، فإن الطوربيد الروسي الخارق ينطلق تحت الماء على عمق يزيد على ألف متر، مشيرة إلى أنه ينطلق عبر تضاريس قاع البحر التي لا يمكن لأي غواصات أو مضادات للطوربيدات أن تصل إليها.

عن أميركا وضربة نووية روسية

شيء ما غير واضح المعالم تجري به المقادير على صعيد الخطط النووية العسكرية الأميركية، فقد واكب الإعلان المفاجئ عن ترسانة البلاد النووية، حديث أكثر مدعاة للقلق حول احتمالات تعرض البلاد لضربة نووية روسية.

الكلام هنا جاء عبر مجلة "ناشونال إنترست"، حيث أعلن الضابط السابق في الجيش الأميركي ديفيد باين "عن مخاوف بشأن تفوق روسيا والصين في المجال النووي على الولايات المتحدة"، الأمر الذي يمكن أن يضحى كارثة غير مسبوقة في تاريخ الإمبراطورية الأميركية المنفلتة... ماذا في التفاصيل؟

تبدو التفاصيل وكأنها خطة تحريضية تجاه بناء قوة ردع نووية أميركية حديثة، قوة تختلف عما آلت إليه ترسانة أميركا النووية منذ زمن الحرب الباردة وحتى بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

المجلة الأميركية الشهيرة تشير إلى أن الترسانة النووية المشتركة لروسيا والصين تزن ضعف عدد الرؤوس الحربية التي ينشرها الجيش الأميركي، وأنه إذا استمر هذا الاختلاف في النمو، فستصبح روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية القوة النووية الوحيدة المهيمنة، وفي هذه الحالة، لن يكون لحالة القوات المسلحة الأميركية التقليدية أهمية، لا سيما وأنها لن تكون قادرة على احتواء الخصوم بأي حال من الأحوال.

هنا يمكن تصور سيناريو تعرض الولايات المتحدة لضربة نووية روسية – صينية مشتركة، وساعتها ستكون أميركا في اختبار يفوق بدرجة غير مسبوقة الاعتداء على بيرل هاربور أو أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ناهيك عن ضحايا جائحة "كوفيد-19" المستجد.

ستكون عواقب الضربة النووية المحتملة لروسيا على الأراضي الأميركية كارثية، ذلك أنه من المتوقع خلال الإثني عشر شهراً الأولى بعد الهجوم أن يموت حوالي 90 في المئة من سكان البلاد بسبب الضربة النووية المباشرة نفسها والجوع والمرض والانحلال الاجتماعي.

والمزعج للأميركيين أنه في حالة وقوع هجوم صيني – روسي مشترك، سيضحى الواقع أكثر كارثية من جراء بقاء أميركا في الميدان الدولي منفردة، إذ لن تبادر أي قوة نووية أوروبية أخرى للدفاع عنها خوفاً من مشاركتها مصيرها المحتوم.

هل سيناريو "ناشونال إنترست"، واقعي أم تخيلي لا مكان له على أرض التنفيذ الفعلي؟

 تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، لا سيما بعد الزحف الأميركي جهة المحيط الهادئ، وبناء مجموعة من التحالفات السياسية الجديدة، بدءاً من "أوكوس" وصولاً إلى "كواد"، تلك التي قرأتها الصين وروسيا بأنها تهديد مباشر لهما، وقد جاء الرد الصيني مباشراً ومهدداً باستخدام القوة النووية، أما روسيا فقد شلت العالم عبر التلاعب بسلاح الطاقة، ما جعل الأزمة تنتقل من أوروبا إلى أميركا.

وفي كل الأحوال يمكن القول إن التحالف الصيني – الروسي، حتى وإن كان براغماتياً، إذ لا يثق الروس إلى الأبد في الصينيين، والعكس صحيح، إلا أنه مهدد قوي للولايات المتحدة الأميركية، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار ما تخطط له الصين نووياً في العقد الحالي... ماذا عن ذلك؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بكين تهديد نووي يفوق موسكو

في أواخر أغسطس (آب) المنصرم، أشار الليوتنانت جنرال بسلاح الجو الأميركي توماس بوسييه، نائب قائد القيادة الاستراتيجية الأميركية التي تشرف على الترسانة النووية، إلى أن تطوير الصين للقدرات النووية "لا يمكن أن يظل بعيداً من الاهتمام"، في ظل قولها المعلن إنها تريد حيازة الحد الأدنى من رادع نووي.

بوسييه في تصريحاته أكد أنه ستكون هناك مرحلة ما يمكن أن تعتبر مرحلة عبور، سيزيد فيها عدد التهديدات النووية التي تمثلها الصين على عدد التهديدات النووية التي تمثلها روسيا حالياً، وأن القدرات لن تقاس بعدد الرؤوس النووية التي تخزنها بكين لكن أيضاً بكيفية تشغيلها ميدانياً.

هل جاءت تصريحات المسؤول الأميركي بناء على أقوال الصين المعلنة فحسب؟

بالقطع لا، فهناك أدلة قاطعة تثبت رغبة الصين في حيازة موقع وموضع نووي متقدم، يفوق أميركا، وربما روسيا، وهذا أيضاً تدركه الأخيرة، غير أنها تفسح المجال للتعاون المشترك لمواجهة واشنطن، وبعد ذلك يبقى لكل حادث حديث.

في يوليو (تموز) الماضي، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" المقربة من البيت الأبيض والبنتاغون وغالبية الوكالات الاستخبارية الأميركية تحليلاً يرجح قيام الصين ببناء أكثر من 100 منصة للصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية في صحراء بالقرب من مدينة "يومين" شمال غربي الصين، مما قد يشير إلى توسع كبير في القدرات النووية لبكين.

تظهر صور أقمار اصطناعية تجارية حصل عليها باحثون في مركز جيمس مارتن المتخصص بدراسات انتشار الأسلحة في مونتيري بكاليفورنيا، العمل الجاري في عشرات المواقع عبر شبكة تغطي مئات الأميال المربعة من التضاريس القاحلة في مقاطعة غانسو الصينية.

وتحتوي المواقع الـ119 المتطابقة تقريباً على ميزات تعكس تلك التي شوهدت في منشآت الإطلاق الحالية لترسانة الصين من الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس النووية.

ما تقوم به الصين نووياً يحتاج في واقع الحال إلى قراءة مستقلة قائمة بذاتها، ويكفي الاستدلال بما قاله الباحث جيفري لويس، الخبير في الترسانة النووية الصينية وعضو فريق تحليل المواقع المشبوهة في مركز "جيمس مارتن"، وعنده أن طفرة البناء تشير إلى وجود جهد كبير لتعزيز الردع النووي الصيني، واصفاً طفرة البناء بأنها لا تصدق.

تحلم الصين بحيازة عشرة آلاف رأس نووي، وربما تعمل على ذلك، ما يجعل موازين الردع الاستراتيجي النووي تختل بشكل غير مسبوق حول العالم.

وفي الخلاصة، يمكن القول إن المارد النووي، انفلت من القمقم مرة أخرى، هذه المرة سيكون من الصعب إعادته إليه كما حدث بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وهو ما يؤكده معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إذ يشير إلى أن الدول النووية الرئيسية في العالم تعمل جاهدة على تطوير أسلحتها النووية، والإبقاء على عدة آلاف من الرؤوس النووية عالية الجاهزية.

هنا لن تضحى القصة مجرد ردع متبادل، بل خوف متصل ويقين منقطع من أن يتحول العالم إلى كرة نار مشتعلة، سواء جرى ذلك بقصد من قبل القيادات المسلحة في دول الرؤوس النووية، أو في حال الاختراقات السيبرانية القادرة على التلاعب بالرؤوس النووية، وهذه كارثة تستدعي قصة أخرى تراعي تداعيات الإنذارات النووية الكاذبة وما يمكن أن تسببه للعالم من أخطار حقيقية كارثية.

المزيد من تقارير