Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمد حداقي: أكثر ما يهدد الدراما تحولها إلى فن سياحي

لا يتخلى عن المسرح ويرى أن الصراع على النجومية يصبح دامياً والإنتاج لا يخلو من التجارة

الممثل المسرحي والتلفزيوني السوري محمد حداقي (صفحة الممثل على فيسبوك)

محمد حداقي ممثل مبدع تشهد له تجربته الفنية الغنية التي تتنوع بين التلفزيون والمسرح. سجل حضوراً لافتاً في الكوميديا من خلال الأدوار التي لعبها وأبرزها "ضيعة ضايعة" و"الخربة" و"بقعة ضوء". وكانت له مشاركات كثيرة في مسلسلات درامية كـ"الولادة من الخاصرة"، و"أهل الراية"، و"عنترة بن شداد"، و"الاجتياح"، و"عمر الخيام" و"تخت شرقي". علاقته بالمسرح لم تنقطع أبداً، وتألق على الخشبة في مجموعة من الأعمال من بينها "سفر برلك"، و"العين والمخرز"، و"فوتوكوبي"، و"سيدي الجنرال" وسواها. إلى المسرح والتلفزيون عمل في الإذاعة أيضاً، وفي مجال دبلجة الرسوم المتحركة.

شركات إنتاج "ع البيعة"

حداقي الذي يصور حالياً عمله الجديد "بستان الشرق" وهو مسلسل مشترك من كتابة ممدوح حمادة الذي كتب "الخربة" و"ضيعة ضايعة" ومن إخراج محمد خير العمري، يتحدث بداية عن مستوى الدراما السورية التي تقدم حالياً وهل هي استطاعت أن تثبت نفسها، قائلاً "هي لم تثبت نفسها، إذا كان المقصود على مستوى التطور المثالي الذي نتمنى أن تكون عليه، أما بالمقارنة مع الدراما المحيطة بها فهي بعيدة قليلاً عنها. حتى خلال السنوات السابقة هي لم تكن بالمستوى المرجو، ولا أعرف لماذا أطلقوا تلك الشائعة التي كان لها علاقة بالسوق التسويقية وليس أكثر. هي لم تحقق علامات فارقة جداً ولم تكن بالمستوى المطلوب الذي حاولوا تهويله إعلامياً أو في الشارع. نحن لم نكن عظماء، وهذا الكلام فيه الكثير من التجني لمفهوم ماهية الدراما، بل كانت هناك محاولات ثابتة لكي تؤسس الدراما السورية حضوراً لنفسها، ولكنها لم تكتمل لعدة أسباب، من بينها أننا نتعامل مع المجال بمفهوم تسويقي وسياحي، وليس بمفهوم علمي وفني وثقافي، وعلى أنها تجارة تسوق وتعود بالربح الوفير".

وفي مقارنة فنية يجريها بين الدول العربية والدول الأوروبية، يرى حداقي أن "من يقود التلفزيون في الدول الأوروبية أشخاص درسوا المهنة، سواء على مستوى التمثيل أو الكتابة أو الإخراج أو الإضاءة أو التصوير. وخضعوا لمجموعة من التجارب لإنتاج نظم فكرية تمكنهم من معرفة نتائج أي عمل مسبقاً، بينما نحن نعتمد على التكهنات ولا نخضع لشروط علمية حقيقية نحقق من خلالها ما نرجوه. نحن نتعامل مع المهنة كهواية. المنتج عندنا شخص يملك مجموعة شركات، أسس إلى جانبها ‏ شركة إنتاج (على البيعة)، ولا توجد شركات إنتاج حقيقية. وإذا كان هم تلك الشركات الفن والدراما ونبض الشارع وعكس مشاكله فعلاً، لكانت أرسلت إلى الخارج أشخاصاً لدراسة الإخراج والإضاءة والسيناريو والكاميرا، لمعرفة كيفية التعامل مع المهنة، بهدف تقديم أعمال مختلفة. لكننا نكرر أنفسنا، والمخرج الفلاني يقلّد مخرجاً آخر، في ظل انعدام الرؤية الإخراجية التي يمكن أن تقودنا إلى مكان أفضل ومختلف. العالم أصبح في مكان بعيد جداً عنا، ونحن مجرد (صنايعية) يتعلم بعضنا من بعض، ونفتخر بأن هناك دراما لبنانية أو سورية أو تونسية أو مصرية أو مغربية، ونقيم مهرجانات كاذبة تشبه الحركات الفنية التي تحصل في الخارج. لكن سرقة العناوين والأفكار لا تصنع فنانين حقيقيين، بل السفر وحضور المهرجانات ومشاهدة الأفلام وكيفية حصول (المايكنغ أوف)". 

اجتهاد شخصي

كيف يعلل حداقي تحقيق الحركة الفنية في العالم العربي نشاطاً لافتاً؟ يرد "هي مجرد رغبة لتحقيق شيء ما، والعمل الذي يبرز يقوم على اجتهاد شخصي من المخرج أو المؤلف أو الممثلين لما قرأوه أو يعرفونه. لكنه غير مكتمل لأنه لا يخضع لمنهج علمي. في العالم العربي، بإمكان أي شخص أن يصبح ممثلاً أو مخرجاً أو كاتباً ولكن ليس بإمكانه أن يصبح طبيباً أو مهندساً، مما يؤكد أن هناك استسهالاً في التعامل مع المهنة. وبالنسبة إلى التمثيل، فالموهبة وحدها لا تكفي بل يجب أن تكون مدعومة بالثقافة وبخلفية علمية مفتوحة على كل المجالات الأخرى". 

ويعلق على الفكرة السائدة بأن الممثلين السوريين هم الأكثر براعة عربياً لكونهم من خريجي معاهد التمثيل، مشيراً إلى "أن خريج المعهد الذي يحاول تطبيق ما يعرفه وفق منهج تفكيره، يقابل بالسخرية في معظم الأحيان، ويقال له (هلق وقتك. قول هالجملة وخلصنا). المنتج يهمه إنهاء العمل بأقصر وقت ممكن لتقليص النفقات، في حين أن المنتج الحقيقي يجب أن يدرس هذا الاختصاص، لأن دوره لا يقتصر على دفع المال فقط، بل يشمل قيادة العمل الفني، وأن يكون لديه رأي في النص، وفي اختيار المخرج الذي يستطيع تنفيذه، وفي اختيار الفريق الفني والممثل القادر على لعب الدور".

ويقول حداقي إن ما يجعله يعمل في مهنة ليس مقتنعاً بها هو وجود مخرجين قلة يمكن التعامل معهم أو في الأقل مناقشة الأفكار معهم كرشا شربتجي، والليث حجو، ورامي حنا، والسدير مسعود. أما الأمر الأهم، كما يضيف "حبي للمهنة ورغبتي بأن أكون ممثلاً جيداً وليس ممثل (ترند)، لأن الشهرة والنجومية هما تحصيل حاصل للجهد".

جنون الدوبلاج

حداقي الذي كانت له مشاركات كثيرة في الدوبلاج إلى جانب عمله في المسرح والتلفزيون، يتحدث عن علاقته بهذا المجال، ويقول "أحب دبلجة الكرتون تحديداً وأنا أطلب دائماً من الاستوديوهات أن تتذكرني عندما تصلها أعمال كرتونية، ولكنني لم أحب دبلجة الأعمال الدرامية، لأنني شعرت بأنني لست سوى مقلد لكلام الممثل الأساسي. الشخصيات الكرتونية تخرج كل الجنون الموجود في داخلي، وهذا الأمر لا يتحقق عندما ألعب الشخصيات الدرامية، كما أنها تولد في داخلي فرحاً عارماً وتشعرني كأنني طفل صغير". 

ولأن البعض يرى أن الجيل السابق من الممثلين هو الذي يسيطر على المشهد الدرامي في سوريا حتى في موضوع الأسماء يقول "أنا لا أتدخل في صراع الأسماء، ولكنني أعرف أنه دام. في هذه المهنة، لا أحب الدخول في صراعات مع أحد. وفي الأساس صراعي ليس مع الأشخاص بل مع نفسي ومع فضائي، بمعنى كيف يجب أن أكون حاضراً ومقنعاً في الشخصية التي ألعبها في المسلسل، لأنها أهم مني. صراع الأسماء يحصل خلف الكاميرات وأنا لست بارعاً فيه، وهو مسألة ترتبط بغرور الفنان وأين يرى نفسه. لكن يكذب على نفسه من يعتقد أنه سيظل الممثل الأعظم، لأن لا بد أن يبرز ممثل جديد يقدم ما هو مختلف ويصبح أفضل منه، وأنه لا بد من أن يغادر، إنها سنة الحياة. الحفاظ على مكانة الاسم لا تعني الحفاظ على المكانة الفنية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عن علاقته بالمسرح، الذي لم يتخل عنه على الرغم من الصعوبات، فيقول "كنت مرتبطاً بعمل مسرحي لشكسبير بعنوان (حلم ليلة صيف) قبل تصوير مسلسلي الجديد، لكننا دخلنا في الموسم والعرض سيكون في الفضاء الخارجي، لذا أرجأناه إلى العام المقبل. سنقوم بالبروفات في بداية شهر رمضان المقبل، على أن نقوم بالعرض بعده بشهر". ويشدد حداقي على تعلقه بالمسرح، من خلال حرصه على المشاركة بعرض مسرحي سنوياً. ولكنه يعقب "العروض تصلني بشكل دائم ولكن بعضها يكون غير مقنع فأعتذر عنه، وأنا أعتبر أن لا بد من أن يشارك في عمل مسرحي كل عامين أو ثلاثة أعوام وآخر أعمالي كانت (سوبر ماركت) مع أيمن زيدان قبل نحو عامين".

رغبة ومتعة خالصة

وعن سبب رفضه الأعمال المسرحية غير المقنعة وقبوله في المقابل بأعمال تلفزيونية غير مقنعة أيضاً، يجيب "الضغط المادي يجعلني أقبل ببعض الأعمال التلفزيونية ولكن في المسرح لا يوجد مردود مادي، بل رغبة ومتعة خالصة. أنا أرغب بأن أوجد على خشبة المسرح بعرض جيد، ولكن إذا لم يرضِ هذا العمل المسرحي طموحي الفني وغروري كممثل مسرحي، فلست مجبراً على المشاركة فيه، وإلا فإنه يتحول إلى نوع من التعذيب". ويتابع "المسرح يثقل الممثل ويجدد عقله وجسمه وصوته وإحساسه، والعمل فيه يجعلني أشعر بالنشاط على المستويين الجسدي والنفسي، لأنه يتطلب لياقة جسدية ولياقة حسية. ويفترض بكل ممثل أن يخضع لورشة صيانة وأن يمر عليه، عدا عن أنه يتيح الفرصة للتلاقي مع ممثلين قدماء وجدد، وللتعرف على نص لكاتب عظيم يحرك أفكارنا. كما أنه يساعدنا في المحافظة على علاقة طازجة مع الجمهور، وهذا الأمر لا يتحقق إلا من خلال فكر طازج وحضور حقيقي وليس شكلياً فقط. فضاء خشبة المسرح يتطلب حضوراً كاملاً من الممثل وإلا فإنه يضغطه ويفشل في ملئه ولن ينجح بأن يكون مقنعاً".

وعن الممثلين الذين يستفزونه سلباً "هم موجودون. ربما يحق للفتاة الجميلة القبول بأن تصبح نجمة والمشكلة ليست فيها بل في من يتبناها. ولكن عتبي على ممثلين أعرف أنهم جيدون ويملكون إمكانية أن يظلوا كذلك وأن يقدموا مشاريع مهمة، لكنهم يختارون مشاريع تقزمهم، وتقزم حضورهم الثقافي والفكري، لمجرد تفضيلهم الفن السياحي والمال، وحباً في الظهور والاستعراض".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة