Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشكلة التضخم تحرج بنك إنجلترا

موقف المصرف المركزي يزداد صعوبة إذ تحاصره أسعار متصاعدة ونمو اقتصادي متباطئ

تعاني شركات الصناعة البريطانية من صعوبات في الحصول على التمويل بأثر من مشكلة التضخم المقلقة (أ ف ب)

بشكل متزايد يتحول التضخم إلى مشكلة يصعب التغاضي عنها.

من المسؤولين في المصرف المركزي إلى المستهلكين العاديين الممتعضين من فواتيرتهم في الطاقة، أضحت وتيرة ارتفاع الأسعار مصدر قلق ضاغط. وقد قلق المستثمرون أيضاً.

كذلك تراهن الأسواق المالية على ارتفاع معدل الفائدة الرئيسة (التي تقرض المصارف المال وفقها) المحددة من قبل "بنك إنجلترا" إلى واحد في المئة مع حلول نهاية 2022، ومن شأنه ذلك المعدل أن يكون الأعلى في أكثر من عقد، على أن تبدأ الزيادة بنسبة صغيرة تساوي 0.15 نقطة مئوية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل. في المقابل، يأتي ذلك الرهان على خلفية توقعات اقتصادية عالمية غامضة، وتعافٍ اقتصادي في المملكة المتحدة يبدو أنه يفقد زخمه، إذ تحد منه نواقص في المواد والعمالة.

واستطراداً، تضع تلك الأمور "بنك إنجلترا" في موقف صعب. ففي 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، يجب أن يواجه المسؤولون عن تحديد معدلات الفائدة لدى المصرف المركزي، المشكلة التي يعملون على تقييمها منذ أشهر، ومفادها الحسم بشأن كون التضخم المتزايد مشكلة قريبة الأجل من مشاكل الجائحة، نشأت من وقف العجلة الاقتصادية وإعادة تشغيلها، إلى جانب تعثر سلاسل الإمداد العالمية، أو مشكلة مستمرة يجب احتواؤها برفع معدلات الفائدة.

وإذا عمدت اللجنة المسؤولة عن تحديد المعدلات إلى رفع معدل الفائدة الرئيس، فسيعني هذا أن المصرف المركزي استبق المؤسسات الدولية النظيرة له، واتخذ قرار الرفع قبل هيئة "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي والمصرف المركزي الأوروبي.

في هذا الصدد، يتوقع "بنك إنجلترا" أن يفوق معدل التضخم أربعة في المئة مع حلول نهاية العام، ما يرجح أنه يتجاوز مبدئياً النمو في متوسط الرواتب الحقيقية المحتسب من قبل "مكتب الإحصاءات الوطنية". وكذلك بينت أرقام أميركية صدرت الأربعاء الماضي أن نمو الأسعار في أكبر اقتصادات العالم لا يزال مرتفعاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ملمح بارز، غير محافظ بنك إنجلترا، أندرو بايلي، لهجته في شأن المسألة. في يوليو (تموز) الماضي، ذكر بايلي أن "من الأهمية بمكان عدم المبالغة في رد الفعل إزاء النمو والتضخم القويين مؤقتاً". وفي الأسبوع الماضي، أشار إلى أنه "لدينا بعض التغييرات السعرية الكبيرة جداً وغير المرغوب فيها"، وقد يصبح ذلك "ضاراً جداً" إذا أصبحت تلك التغييرات "متضمنة" في الاقتصاد خلال الأجل البعيد.

وبصورة عامة، تكون الزيادات في معدلات الفائدة مؤلمة بالنسبة إلى شخص لديه رهن عقاري أو ديون، لكنها قد تشكل نبأً طيباً للمدخرين، وتحرك موجات واسعة من المال ضمن الأسواق المالية.

في المقابل، فحينما تشير رهانات المستثمرين إلى أن رفع المعدلات سيحصل قريباً، قبل نهاية العام، يعتقد بعض الخبراء الاقتصاديين بأن الخطوة ستكون عبارة عن زلة. وثمة صعوبة في فهم الاتجاه المحدد لدى المصرف المركزي.

في ذلك الإطار، هنالك هوس لدى المستثمرين في تفحص كل كلمة تصدر عن مسؤولي المصارف المركزية، سواء أكانت مكتوبة أو منطوقة. ويستخدم كثيرون من المستثمرين هذه الأيام الذكاء الاصطناعي في محاولة بناء مجموعات من العادات اللغوية [في كلام مسؤولي المصارف المركزية] بهدف التوصل إلى فهم ما قد تشير إليه تحديداً عبارة معينة. وعلى غرار سائر المصارف المركزية، يعرف "بنك إنجلترا" ذلك الأمر، بالتالي فإنه يحاول توفير إشارات هادئة وواضحة للأسواق، بغرض تجنب الذعر أو التعطل.

ومع ذلك، تشوشت قليلاً تلك السلسلة الحساسة في التواصل عند الفقرة 65 من آخر محضر صدر من "بنك إنجلترا"، بحسب تعبير جون رايث، رئيس الاستراتيجية الخاصة بمعدلات الفوائد لدى المصرف السويسري "يو بي أس".

وجاء في نص تلك الفقرة الكلمات التالية، "اتفق الأعضاء جميعاً في هذه المجموعة على أن أي تشديد أولي في المستقبل للسياسة النقدية [بمعنى رفع معدلات الفوائد] يجب تطبيقه من خلال زيادة في معدل الفائدة الخاصة بالمصرف [التي يقرض المصرف المركزي وفقها المال إلى المصارف]، حتى لو أصبح التشديد مناسباً قبل انتهاء العمل بالبرنامج الحالي بشأن شراء سندات الأصول الحكومية البريطانية [من قبل المصرف المركزي]".

يذكر أن برنامج شراء السندات المشار إليه، والاسم أيضاً التيسير الكمي، من المقرر أن ينتهي العمل به في منتصف ديسمبر المقبل. وبناءً على الفقرة 65، خلص المستثمرون إلى أن هذا كان [كلمات الفقرة] إشارة إلى رفع معدل الفوائد في وقت قريب هو نوفمبر، لكن لا يعتقد السيد رايث أن الأمر بهذه البساطة تماماً.

وبحسب كلماته، "وفق تحليلي، إنهم [واضعو السياسات النقدية في المصرف المركزي] لا يقولون "إننا نلمح إلى اعتقادنا أن رفع المعدلات سيحصل في أي لحظة" [في إشارة إلى كلمات تلك الفقرة نفسها]". وأشار إلى أن المقصود بدلاً من ذلك يتمثل في الإشارة إلى أن المسؤولين عن تحديد معدلات الفائدة، إذا شعروا بقلق من خروج التضخم عن السيطرة، فسيرفعون معدلات الفوائد أولاً. وكذلك يوضح السيد رايث أنهم لم يحددوا مهلة.

وقد شاركه الرأي نيل شيرينغ، الخبير الاقتصادي الأول لدى "كابيتال إيكونوميكس"، إذ لا يعتقد أن رفع معدلات الفائدة هذه السنة "هو أمر مبرم"، بل يرجح رفع المعدل الرئيس قبل مايو (أيار) 2022.

ومع ذلك، ذكر محللون لدى "غولدمان ساكس"، الجمعة، أن رفع معدلات الفائدة خلال اجتماع [لجنة السياسات النقدية في المصرف المركزي] خلال نوفمبر المقبل "أمر أكثر ترجيحاً" منه في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وإن المعدلات، في رأيهم، سترتفع هذا العام.

وحاضراً، تسهم عوامل عدة في التضخم البريطاني، كثير منها خارجي إلى جانب العوامل الداخلية، إذ تعتمد المملكة المتحدة كبلد على الواردات، ويتراوح ذلك بين تلبية حاجات البلاد على صعيد الطاقة والأغذية وبين الاتكال على الاستثمار الأجنبي بغية تمويل العجز الحالي في الحساب الحالي [بسبب تفوق قيمة الواردات على الصادرات]. وفي حين قفزت الأسعار العالمية الخاصة بمجموعة من السلع، تراجعت قيمة الجنيه الاسترليني. وأدى ذلك إلى مزيد من التضخم المستورد.

 

في المقابل، إذا حاول بنك إنجلترا السيطرة على تلك الضغوط السعرية بأسرع مما ينبغي، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية.

وتناول السيد رايث ذلك الملمح، "أعتقد أن رفع معدلات الفوائد الآن سيكون مدفوعاً جزئياً بالأمل أو الهدف المتمثل في تمتين الجنيه". في المقابل، سيعطي ذلك إشارة سيئة توجه إلى المستثمرين في حين تشير أدلة أخرى إلى أن التعافي الاقتصادي لا يزال هشاً. "ويتمثل الخطر في قول الأسواق [لأعضاء اللجنة] "حسناً، لقد تصرفتم بأسرع مما ينبغي" [بشأن معدلات الفائدة].

في العادة، تعزز التوقعات الخاصة برفع معدلات الفائدة قيمة العملة، لكن تلك التوقعات التي سرت في الآونة الأخيرة، تركت أثراً معاكساً. وتشير بيانات "لجنة تداول العقود الآجلة للسلع" إلى رهانات على انخفاض قيمة الجنية لأن تجار العملات يعتقدون أن رفع معدلات الفوائد سيؤدي إلى نتائج عكسية، وفق السيد رايث. ووفق رأيهم، بدلاً من تؤدي معدلات الفائدة المرتفعة إلى تعزيز الجنيه، قد تضعفه أكثر عبر إبطاء النمو الاقتصادي.

وفي ملمح متصل، ثمة حالات من عدم التطابق على صعيد العمالة في الاقتصاد يجب مواجهتها. فقد انتهى العمل ببرنامج الإجازات المدفوعة، ويجري الإعلان عن مستويات قياسية من الشغور في الوظائف، لكن بعض العاملين يبدو أنهم يخرجون من سوق العمل تماماً، في حين لا يحصل بالضرورة تناسب بين العاملين المتوافرين من جهة، وبين المهارات التي يحتاج إليها أصحاب العمل، من جهة أخرى، بالتالي، يعني تأثير عدم التطابق هذا أن صورة سوق العمل قد تبدو إيجابية لكنها ليست السوق التي يصفها الخبراء الاقتصاديون بأنها "ضيقة". واستطراداً، يعني ذلك أن ما يبدو مصدراً تقليدياً للتضخم، وهو التوظيف العالي الذي يستطيع رفع الرواتب، إذ يلبي الطلب من قبل أصحاب العمل حد الإمداد الخاص بالعاملين، قد لا يؤثر إلا في بعض القطاعات بدلاً من الاقتصاد ككل.

وفي سياق متصل، تلوح في الأفق أيضاً أزمة على صعيد تكاليف المعيشة، يكون فيها كثيرون من طالبي المنافع حاصلين على وظائف لكنهم يعانون توظيفاً ناقصاً، إذ يعملون عدداً أقل مما يجب من الساعات أو يتلقون رواتب أقل مما يكفي لتلبية احتياجاتهم.

في ذلك الشأن، أوضح إيان مولهيرن، كبير الاقتصاديين في "معهد توني بلير للتغيير العالمي"، أن "الجائحة شوهت الاقتصاد. وفي الوقت الحالي، يتوجب على المرء أن يعتبر الأثر التضخمي مؤقتاً".

من زاوية أخرى، لا يعني كون الظاهرة مؤقتة أن نمو الأسعار سيخف بسرعة. وشرح السيد مولهيرن الأمر، مشيراً إلى أنه "من الأشياء المنبهة أكثر أن هذه الضغوط قد تستمر لفترة". وقد يظل معدل التضخم مرتفعاً أكثر بكثير من مستوى اثنين في المئة المستهدف من قبل المصرف المركزي، امتداداً إلى العام المقبل.

ولهذا السبب من بين أسباب أخرى، في رأيه، يبدأ محافظ البنك المركزي بالتشدد أثناء الكلام عن الضغوط السعرية بهدف السعي إلى إدارة التوقعات في حين يثبت التضخم أنه مستمر أكثر مما كان يؤمل فيه في البداية.

وبحسب السيد مولهيرن، "ثمة قيمة للظهور بهيئة الواعي في الوقت الراهن. ربما يؤمل في الظهور بهيئة الواعي، أن لا تدعو الحاجة إلى العمل بالسرعة نفسها تماماً في الحال التي تبدو فيها كأنك مرتاح. أعتقد بأن ثمة محاولة لإرسال رسالة". في المقابل، إن تكاليف "التصرف بأسرع مما يجب" والخضوع للضغط من أجل رفع معدلات الفائدة، تكون "أقل بكثير" من تكاليف المخاطرة بالتقاعس.

وفي ذلك الإطار، يعتقد بعض أعضاء لجنة السياسة النقدية الذين سيتخذون قراراً في شأن معدلات الفائدة خلال بضعة أسابيع، أن رفع المعدلات هذا العام قد يكون أقسى من أن يتحمله الاقتصاد، لكن لا شك في أن التضخم أثبت أنه أكثر استمراراً مما كان يتوقع في البداية، ولا شك أيضاً في صفوف الخبراء الاقتصاديين في أن أمام المملكة المتحدة طريقاً طويلة تخوضها بغية التعافي بعد الجائحة.

وبحسب السيد رايث، "وفق كلمات محافظ البنك المركزي نفسه، ثمة (مرحلة صعبة) أمامنا. وفي نظري، إن ذلك شيء لا يمكن إنكاره".

 

© The Independent