Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتعثر الفترة الانتقالية في السودان لصالح التيار الإسلامي؟

المشهد المعقد خلقته الخلافات المستمرة بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية

يشهد السودان نزعة متزايدة داعية إلى الإقصاء والإقصاء المضاد (اندبندنت عربية - حسن حامد)

توحد السودانيون بمختلف توجهاتهم السياسية في القيام بثورة على النظام السابق، متغاضين عن كثير من الاختلافات. وبعد نجاح الثورة وسقوط الرئيس السابق عمر البشير، وفي خضم صراع السلطة الانتقالية المكونة من مدنيين وعسكريين، وافتراض إدارتها البلاد إلى حين تنظيم انتخابات عامة في عام 2023، ظهرت الانقسامات بأشد مما كانت عليه. فقوى الحرية والتغيير باتت مجموعتين، الأولى داخل الحكومة الانتقالية ممثلة للمكون المدني وضائقة بشراكة المكون العسكري، والأخرى خارج الحكومة وتحاول التقرب من المكون العسكري متهمة المجموعة الأولى بإقصائها. عندما خرجت احتجاجات 16 أكتوبر (تشرين الأول) السلمية اتفق على استرداد الثورة وإعادة الاعتبار للجيش السوداني، مما سمي تغول المجموعة الأولى من قوى الحرية والتغيير، مستقوية بالمجتمع الدولي ومتمسكة بفزاعة الانقلاب العسكري. ووسط هذه الأحداث، يتوقع تسرب مشروع التيار الإسلامي، وأول خطوة فيه هي إفشال المرحلة الانتقالية، بالتشكيك في أهداف المجموعة الأولى بأنها ليست حريصة على الديمقراطية أكثر من حرصها على الاستمرار في السلطة، وخصم الرصيد الشعبي من المجموعة الثانية باتهامها بموالاة النظام السابق، وهو إضعاف من الداخل برعت فيه الائتلافات السياسية السودانية.

منصة التأسيس

هذا المشهد المعقد خلقته الخلافات المستمرة بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية، والمحاولة الانقلابية الفاشلة والهجوم الإرهابي الأول منذ إسقاط نظام البشير والمنسوب إلى تنظيم "داعش"، بالإضافة إلى تصعيد قضية شرق السودان وتنفيذ الاعتصامات وإغلاق الطرق التي عطلت حركة صادرات السودان ووارداتها المعتمدة عبر ميناءيه الرئيسين في بورتسودان وسواكن. قبل التاريخ المحدد لوقفة احتجاجية حول محيط القصر الجمهوري بساعات، أعلن رئيس وزراء الفترة الانتقالية، عبد الله حمدوك، أنه وضع خريطة طريق مع الأطراف السياسية لإنهاء الأزمة في البلاد، بعد إجرائه سلسلة من النقاشات معهم. ولأن في تلك الساعات كانت متحركات الاحتجاج قد سلكت طريقها من مختلف الولايات السودانية، لم يكن هناك ثمة فرصة لسماع خطاب حمدوك، بل إن حتى من أصغى إليه خرج بقناعة مفادها أنه يشبه الوعود السابقة من دون جديد أو تقديم حلول لمشاكل قائمة منذ تسلمه رئاسة الوزراء. ومع تأكيده "عدم التهاون مع محاولات إجهاض الفترة الانتقالية عبر الانقلابات أو التخريب"، فإنه استدرك واصفاً الأزمة الحالية بأنها "ليست بين العسكريين والمدنيين، ولكن بين أولئك الذين يؤمنون بالانتقال نحو الديمقراطية والقيادة المدنية ومن لا يؤمنون بها".

وتقف الآن المجموعة المنشقة عن قوى الحرية والتغيير ويطلق عليها "منصة التأسيس"، وينتمي قادتها إلى أحزاب عقائدية مثل حزب البعث السوداني وطائفية مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي وحركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام، في مواجهة مجموعة قوى الحرية والتغيير في مجلس السيادة ممثلة بعدد من الوزراء في الحكومة التنفيذية التي يرأسها حمدوك.

حرب الانتماءات

هناك نزعة متزايدة داعية إلى الإقصاء والإقصاء المضاد لمصلحة اتجاه شعبوي ثوري يقلل من دور الجيش ويعمل على استعدائه، تقابلها نزعة نتج عنها استخراج الصورة الذهنية لدى المجتمع السوداني وهي اتسام العسكر، نسبة إلى تكوينه الأول منذ الاستقلال، بصفات لازمته زمناً طويلاً، وهي أن العسكرية مهنة واختصاص تضفي سلطة على بقية المؤسسات الأخرى، وأنها نموذج للتنمية وصورة مصغرة عن الدولة تدير المجتمع بمؤسساته المختلفة. وتحاول المجموعة التي خرجت في احتجاجات 16 أكتوبر التركيز على أن المؤسسة العسكرية هي تنظيم اجتماعي في المقام الأول، بدلاً من تأكيد دورها في السياسة أو ضلوعها في الانقلابات على النظم الديمقراطية، أو انقلابات مضادة (عسكر ضد عسكر).

وما أسهم في ترسيخ رؤية تدخل الجيش في السياسة، أنها تختص بها الدول الخارجة من الاستعمار، باعتباره المؤسسة الأقرب إلى فرض السيطرة على الحكم والتنمية، ولذلك وجدت دعماً قوياً من الشعب السوداني آنذاك. وفي العهود العسكرية اللاحقة، مثل عهدي جعفر النميري وعمر البشير خصوصاً، كانت الخدمة في الجيش وكل المؤسسات العسكرية التابعة له وجهاز الأمن والاستخبارات هي المفضلة على غيرها، لتمتعها بضمانات عالية واستقرار وتعويضات ومعاش مضمون، بالإضافة إلى دخول الجيش في إدارة الشركات الخاصة في ما سمي "شركات الجيش". ودعم هذا الاستحواذ على اقتصاد الدولة وأصبحت الوحدات والميليشيات المساندة للجيش في حربه في جنوب السودان، لا تصاغ على أساس التطوع والقدرة القتالية وإنما على أساس الانتماء إلى التنظيم الإسلامي، خصوصاً بعد إحالة عدد كبير من الضباط للصالح العام من معارضي الانقلاب. ولهذا قلَّ أن تجد من يعمل في هذه المؤسسة من غير المنتمين بشكل ما إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، أو قلة في نطاق ضيق من المحايدين سياسياً. ولكن، ما تريده مجموعة المكون المدني في السلطة الانتقالية التي اختيرت على أساس انتمائها إلى أحزاب معارضة للنظام السابق، هو أن يكون المكون العسكري على الانتماء نفسه، وإلا فإنه لا بد أن يكون موالياً للمؤتمر الوطني.

خلافات القوى

يعتقد الداعمون لاحتجاجات 16 أكتوبر حسب التصور الشعبي في إمكانية المكون العسكري نحو إحداث تغيير أكبر من اعتقادهم في المكون المدني، ولكن الجفوة بين العسكر والأحزاب السياسية الأخرى حدت من دوره المؤثر اجتماعياً. وربما يرى المكون المدني في مجلس السيادة خطورة ترابط الجيش وتفاعله مع المجتمع وتمدده اجتماعياً، لدرجة رهن التنمية بوجوده على رأس الحكم وسيطرته على المؤسسات الاقتصادية والقطاعات ذات الموارد الغنية مثل مؤسسة النفط وقطاع تعدين الذهب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدى تصور الجيش على أنه أداة للتنمية إلى تعزيز تدخله في السياسة ولكن ليس في اتجاه حزب معين ومن دون لون سياسي واضح. فالمؤسسات السياسية القائمة كالأحزاب والتكتلات الأيديولوجية لا تقوى على مواجهة العسكر، بل يتسرب إليها بناءً على شروطه. ومع شدة الاستقطاب السياسي، بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول)، فإن هناك بادرة لتحويل تدخل الجيش في السياسة وفق نظام اجتماعي إلى آخر، أو بصيغة أخرى، التحول من النظام الزراعي (احتكار الجيش مواطني المناطق الموازية للنيل) إلى النظام القبلي بإدخال غالبية من مواطني الولايات وتتصدرها دارفور وكردفان. ومع أن هناك مناطق قبلية أخرى تعاني التهميش في الشرق وشمال السودان، لكن تتجاوزها هذه التركيبة الجديدة لصالح أبناء غرب السودان. وهنا يمكن ملاحظة الحرص على دمج الحركات المسلحة في الجيش وفق اتفاق جوبا للسلام من قبل بعض الأصوات، وربما يكون هذا النص ارتد على المكون المدني الممسك بالسلطة الآن وانتقلت رايته إلى المكون العسكري. كما يمكن ملاحظة أن القوى التي قادت حراك 16 أكتوبر تحت شعار "استرداد الثورة" وحل الحكومة جلها من أبناء غرب السودان المنتمين إلى الحركات المسلحة، تدعمهم الإدارات الأهلية وتطغى انتماءاتهم القبلية على غيرها. وعلى رأس هذه القوى رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، الذي يشغل منصب وزير المالية، ووزيرة الحكم الاتحادي، بثينة دينار، المنتمية إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، ومدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، مبارك أردول، المنتمي أيضاً إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، ورئيس حركة جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي، الذي يشغل حاكم إقليم دارفور.

موقف المجتمع الدولي

تقف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب السودان وتدعم الانتقال الديمقراطي، وقد رحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بخريطة الطريق التي أعلنها حمدوك، والمستندة إلى الوثيقة الدستورية لعام 2019 واتفاقية جوبا للسلام لعام 2020، ودعا إلى تنفيذ الإعلان الدستوري والحفاظ على الانتقال الديمقراطي. وفي حين جاءت دعوة المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، إلى تجنب الحكومة الانتقالية سياسة "حافة الهاوية"، بعد تصاعد الخلاف في مجلس السيادة الانتقالي، قال المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية، ساميويل وربيرغ، إن "ما يحدث في السودان شأن داخلي بحت، والشعب السوداني هو من يقرر مصير الحكومة الحالية ويعترف بشرعية الحراك والاعتصام الحالي". واعتبر التصريح الأخير مناقضاً للموقف المعروف للولايات المتحدة، ومباركة غير مباشرة لما يمكن أن تؤدي إليه نتيجة الأحداث الحالية، ما دام ذلك هو خيار الشعب، وهو وإن كان تعضيداً للقيمة الليبرالية المتمثلة في حرية التعبير والاحتجاج، إلا أن ذلك ما لم تتوقعه مجموعة قوى الحرية والتغيير في المجلس السيادي.

تسلل الإخوان

وتشكل هذه الفترة تربة خصبة لتسلل التيار الإسلامي، ضمن مساعٍ مستمرة ظهر من خلالها في قضية الشرق واحتجاجاتها بشكل أوضح من ظهوره في احتجاجات الخرطوم، ويمثله هناك محمد الأمين ترك، زعيم قبيلة البجا. وعلى الرغم من عدالة قضية الشرق وتعرض الإقليم لتهميش قديم، فإن تصدر ترك المشهد السياسي في شرق السودان، وهو المنتمي إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، أضر بقضية الشرق، وجعل المكون المدني في الحكومة يتمسك بهذه الصفة من دون البحث عن حل للقضية. وما زاد الطين بلة إصرار الحكومة على أن تكون ضمن اتفاقية السلام بجوبا، وضمن مسار دارفور التي يرى أهل الشرق أنها تعزز التبعية، فرفضوها، سوى قلة يمثلها الموقعان على المسار.

وعلى الرغم مما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي من وجود تحالف بين التيار الإسلامي وعدد من الأحزاب والحركات المسلحة المقربة من الشق العسكري في مجلس السيادة، فإن الافتراض الأقرب إلى الواقع هو أن معظم الإخوان المنظمين تحت راية حزب المؤتمر الوطني فروا إلى تركيا وغيرها، ومن بقي منهم يقبع في سجن كوبر في انتظار المحاكمة. وهنا ينشأ السؤال من يقود حراك الإسلاميين وسط حشود المعتصمين؟ في الغالب فإن الموجودين حالياً هم أتباع المؤتمر الوطني، بالإضافة إلى حزب المؤتمر الشعبي الذي استنفر قادته وقاعدته وشارك في اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة في 2019. وهو الآن يواصل استثمار الحالة السياسية لغرضين، الأول، الثأر لزعيمه حسن الترابي الذي أقصاه البشير ونكل بقياداته في السجون، والثاني هو إقامة الدولة الإسلامية، وهي حسب رؤية الترابي يجب أن تتم ببطء كمشروع شراكة بين فئات المجتمع، بمؤسساتها وسلطاتها وقواتها المسلحة وجهازها الأمني.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل