Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اتفاقيات الدفاع الأميركية والفرنسية مع أثينا تتجاوز توترات شرق المتوسط

تتزايد الحاجة للشراكات الأمنية والدفاعية بين حلفاء واشنطن في شرق المتوسط كوسيلة لمواجهة النفوذ الصيني والروسي وإحباط رغبة إيران وتركيا في التوسع

مددت اليونان والولايات المتحدة اتفاق التعاون الدفاعي المتبادل خمس سنوات (أ ب)

وقعت اليونان والولايات المتحدة، نهاية الأسبوع الماضي، اتفاقاً لتوسيع وتمديد اتفاقية للتعاون الدفاعي المتبادل بينهما لمدة خمس سنوات وتجديده تلقائياً، بعدما كان تجديده يتم على أساس سنوي منذ عام 1992، كما ينطوي على منح القوات الأميركية استخداماً أوسع لأربع قواعد عسكرية إضافية في اليونان، مما يسمح بمزيد من الاستثمار في القواعد العسكرية مثل تأسيس قاعدة بحرية جديدة في خليج سودا في جزيرة كريت، وهي جزيرة استراتيجية  توصف بأنها حاملة طائرات غير قابلة للإغراق.

جاء الاتفاق اليوناني الأميركي، الذي وقع في واشنطن بين وزيري الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس، خلال الحوار الاستراتيجي الأميركي اليوناني الثالث، بعد نحو أسبوعين من اتفاق دفاعي جديد مع فرنسا شمل شراء أثينا ثلاث فرقاطات فرنسية قيمتها حوالى ثلاثة مليارات يورو، وينطوي على دعم عسكري متبادل في حال تعرض أي من الحليفين في الناتو لخطر خارجي. 

التهديد التركي

من الجانب اليوناني، فإن مثل هذه الاتفاقيات الدفاعية حاسمة في ردع التهديد التركي المتواصل لمياهها الإقليمية. فعقب توقيع الاتفاق مع الولايات المتحدة، قال ديندياس "في شرق المتوسط (...) تواجه اليونان تهديداً بالحرب إذا مارست حقوقها السيادية، وعلي أن أقول إن اليونان تواجه استفزازاً يومياً". وأضاف أن "اليونان ملتزمة حل الخلافات بالدبلوماسية ودائماً بما يتماشى مع القانون الدولي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقول تركيا إنها استُبعدت "ظلماً" من الوصول إلى غاز شرق البحر المتوسط، في نزاع أدى إلى توترات بحرية متكررة مع اليونان العام الماضي، وتجدد التوتر في الأسابيع الأخيرة، ومراراً أرسلت تركيا سفن المسح الزلزالي تمهيداً للتنقيب عن الغاز في مناطق تقع ضمن سيادة اليونان وفقاً للاتفاقية الدولية لقانون البحار لعام 1982، التي لا تعترف بها أنقرة. غير أن السلوك التركي في شرق المتوسط تجاه كل من اليونان وقبرص، اعتبرته واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي انتهاكاً للمناطق الواقعة ضمن سيادة البلدين، ما أسفر عن توقيع عقوبات محدودة على أنقرة في محاولة لوقف التجاوزات. 

وكادت اليونان وتركيا أن تخوضا حرباً في عدد من المناسبات، لا سيما خلال النصف الثاني من العام الماضي، بشأن ترسيم حدود الجرف القاري في شرق المتوسط.

وعادت التوترات إلى الظهور مرة أخرى أخيراً مع تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً وتكراراً بأن تركيا ستواصل التنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط. 

وفي نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي، طردت البحرية التركية سفينة المسح الإيطالية Nautical Geo التي كانت تقوم بمسح مسار خط أنابيب الغاز "إيست ميد"، (وهو مشروع تموله المفوضية الأوروبية) في المياه الدولية بين جزيرة كريت اليونانية وقبرص. وزعمت تركيا أن المنطقة جزء من جرفها القاري بموجب مذكرة تفاهم "غير معترف بها" وقعتها مع الحكومة السابقة في طرابلس بليبيا. 

وهذه ليست المرة الأولى التي تعرقل فيها تركيا عمليات شركات النفط في شرق المتوسط، ففي فبراير (شباط) 2018، منعت البحرية التركية منصة الحفر التابعة لشركة إيني الإيطالية بالقوة من الوصول إلى الكتلة 3 في المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية. 

وتحتل تركيا الشطر الشمالي من قبرص وتزعم أن المياه القبرصية في البحر المتوسط هي امتداد للجرف القاري لتركيا. 

ورداً على التوتر المتزايد في البحر، أعلنت الحكومة اليونانية العام الماضي أنها تقوم بعمليات تحديث لجيشها، بما في ذلك تعيين أفراد وبرنامج مشتريات عسكرية كبير شهد بالفعل شراء البلاد 18 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز "رافال". وتواصل حالياً عقد شراكات دفاعية مع حلفائها في الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا. 

ويقول تشارلز إليناس، الزميل الرفيع لدى المجلس الأطلنطي، في واشنطن، إن اليونانيين أدركوا أخيراً أنه على الرغم من فترة من الهدوء النسبي، فإن تركيا ليست على وشك التخلي عن سلوكها في شرق البحر المتوسط. 

إضافة إلى ذلك، لم تسفر المفاوضات المباشرة بين البلدين عن شيء، وبات من الواضح لليونان أن الاعتماد على استعداد تركيا للتفاوض بحسن نية، قد يكون اقتراحاً محفوفاً بالمخاطر، بخاصة إذا لم يكن لدى اليونان أي أوراق جادة أخرى لتلعب بها.

سياسة دفاعية أوروبية مستقلة

تعتبر فرنسا واليونان الاتفاقية، التي صادق عليها البرلمان اليوناني في السابع من الشهر الجاري، بمثابة بداية لسياسة خارجية ودفاعية أوروبية مستقلة. 

وتقول كاترينا سوكو، الزميل لدى المركز الأوروبي بالمجلس الأطلنطي، إن الاتفاقية هي أكثر من مجرد صفقة أسلحة، وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بها باعتبارها تعكس عقيدته الخاصة بالحكم الذاتي الاستراتيجي الأوروبي. 

من بين البنود الأخرى، وافق العضوان الأوروبيان في الناتو على بند المساعدة الدفاعية المتبادلة في حالة هجوم طرف ثالث، ونتيجة لذلك، تبدو المادة الثانية من معاهدتهما شبيهة إلى حد كبير بالمادة الخامسة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي تنص على أن كل أعضاء الناتو ملتزمون بالدفاع المشترك عن أي عضو يتعرض لعدوان. لكن في الوقت نفسه فإن التوترات المستمرة بين أثينا وأنقرة تزيد موقف الناتو تعقيداً، وتؤثر على ترابطه بالنظر إلى أن تركيا أيضاً عضو في الحلف.

 

وترى سوكو في هذا السياق، أن الاتفاقية الفرنسية اليونانية تهدف إلى معالجة عدم الاستقرار في البحر المتوسط ​​عبر التعامل المشترك مع التحديات المتعددة في المنطقة، من النزاع المسلح والإرهاب إلى تدفقات الهجرة وتحديات الطاقة.

وتعتقد أثينا أن الاتفاقية تتجاوز بشكل أساسي التزامات كل دولة داخل الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال الالتزام بالمساعدة الدفاعية المتبادلة، على الرغم من معارضة حزب سيريزا اليوناني اليساري، الذي يرى أن الاتفاقية تخاطر بتوريط بلاده في الصراعات العسكرية الخارجية لفرنسا. 

مواجهة النفوذ الصيني والروسي

بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي رحبت بالاتفاق اليوناني الفرنسي، فإنها تشجع الشراكات الأمنية والدفاعية جنباً إلى جنب مع التجارية، بين حلفائها في شرق المتوسط كوسيلة لمواجهة النفوذ الصيني والروسي في المنطقة، فضلاً عن تزايد الحاجة إلى مثل هذه الشراكات في ظل الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، مما يترك مجالاً لإيران وتركيا لتوسيع مناطق نفوذهما. 

ووفقاً للبيان اليوناني الأميركي المشترك عقب الحوار الاستراتيجي، فإن الحكومتين تبادلتا وجهات النظر حول شرق المتوسط وغرب البلقان والمؤسسات الأوروبية وعبر الأطلسي والهجرة، و"ناقشتا قضايا دولية أوسع، بما في ذلك التطورات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وروسيا والصين". 

ويقول مراقبون، إن الوجود الفرنسي أو الأميركي في اليونان من شأنه أن يقوي الجناح الجنوبي لحلف الناتو بينما يساعد أيضاً في تجنب زعزعة الاستقرار في بحر إيجه وشرق البحر المتوسط. وأكد الدبلوماسيون اليونانيون على أن الاتفاق مع فرنسا من شأنه أن يكمل الشراكة الاستراتيجية القوية بالفعل بين الولايات المتحدة واليونان. 

كما أن نفوذ الصين في اليونان، خصوصاً شراءها حصة الغالبية في أكبر ميناء يوناني وموقعه الاستراتيجي، وهو ميناء بيريوس، ربما يكون عاملاً آخر في المحادثات بين واشنطن وأثينا، وفقاً لإذاعة صوت أميركا. إذ اشترت شركة "تشينا أوشن شيبينغ" 51 في المئة من هيئة ميناءبيريوس عام 2016، ووقعت صفقة للحصول على حصة إضافية بنسبة 16 في المئة الشهر الماضي. 

ويقول مراقبون أميركيون، إن ملكية الصين لميناء رئيس على مفترق طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا تثير مخاوف أمنية كبيرة. وقال ستيفن جيه بلانك، زميل أول في برنامج أوراسيا لدى معهد أبحاث السياسة الخارجية "إنهم يمتلكونه الآن، ويمكنهم استخدامه لأغراض اقتصادية وعسكرية واستخباراتية، وأي شيء يريدون".

غير أن ديفيد ستيلويل، المسؤول السابق في البنتاغون ووزارة الخارجية الذي عمل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشرق آسيا والمحيط الهادئ، يعتقد أن الصفقات التي تمكنت بكين من إبرامها قد لا تدوم طويلاً، مشيراً إلى تقارير نُشرت أخيراً تفيد بأن عقد إيجار لمدة 99 عاماً  بين هيئة صينية وميناء داروين الأسترالي، ربما يتم إلغاؤه أو إخضاعه لمزيد من التدقيق لأسباب أمنية.

ويرى ستيلويل أنه كلما تباعدت الدول الديمقراطية بينها وبين بكين، كان ذلك أفضل، ويعتبر قرار ليتوانيا الأخير، الانسحاب من منتدى متعدد الأطراف يهدف لزيادة التعاون بين الصين ودول وسط وشرق أوروبا، نموذجاً يمكن للدول الأخرى التعلم منه.

بديل استراتيجي ديمقراطي

وبشكل عام، فإنه في ظل العلاقات الآخذة في التدهور بين تركيا وحلفائها الغربيين، منذ شراء أنقرة منظومة دفاع جوي روسية، فإن اليونان تسارع نحو تقديم نفسها كبديل استراتيجي ديمقراطي في المنطقة، وهو ما بدا من توصية أدلى بها الدبلوماسي الأميركي الرفيع السابق نيكولاس بيرنز، خلال فعالية على الإنترنت لصندوق مارشال الألماني في بروكسل مايو (أيار) الماضي، قائلاً إنه "في الوقت الذي أصبحت فيه تركيا وروسيا صعبتين للغاية، وترى الصين لنفسها مكاناً في السياسة الخاصة بمستقبل الشرق المتوسط، فلا شك أن اليونان هي ركيزة للناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شرق المتوسط"، مضيفاً، "أن اليونان لديها حكومة تتمتع بالثقة والرؤية الاستراتيجية العظيمة".

ويؤكد المراقبون على القيمة الجيوستراتيجية لليونان، التي تتمتع بموقع متميز بين ثلاث قارات، كما أنها تمتلك أكبر أسطول تجاري يعمل على مستوى العالم، وتعمل موانئ بيريوس وتيسالونيكي وألكساندروبوليس كبوابات إلى الاتحاد الأوروبي ومنطقة البحر الأسود. 

والأهم من ذلك، فإن الاكتشاف الأخير لاحتياطات كبيرة من الغاز في شرق البحر المتوسط ​​تعني أن اليونان يمكن أن تعمل قريباً كمركز للطاقة بين الأسواق الأوروبية والمنتجين الإقليميين.

ويقول إيمانويل كاراغيانيس، الأستاذ لدى كلية كينغز كوليدج لندن، إنه نظراً لموقعها، "يمكن لليونان بسهولة نشر الأصول العسكرية لجهود الأمن الجماعي في المنطقة. كما أنها واحدة من دول الناتو القليلة التي تنفق أكثر من 2 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. وقد شارك الجيش اليوناني والقوات الجوية في عديد من مهام الناتو بما في ذلك في أفغانستان، وقدما الدعم اللوجيستي لعمليات التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". كما عملت البحرية اليونانية في شرق البحر المتوسط​​، وساعدت في إجلاء الرعايا الأجانب من لبنان خلال حرب 2006، وليبيا خلال الاضطرابات في 2014. علاوة على ذلك، تمتلك الدولة منشآت عسكرية حيوية للأمن الغربي".

في هذا السياق، تقوم أثينا ببناء هوية جيوسياسية جديدة كحصن للغرب في شرق المتوسط. وهذا يعني، بحسب كاراغيانيس، "أنه قد تكون للبلد مسؤوليات جديدة في إطار تخطيط حلف الناتو وأوروبا لقضايا الأمن الإقليمي. بالتالي يمكن لليونان أن تصبح مزوداً للأمن يحمي المصالح الغربية في منطقة مضطربة بشكل دائم".

المزيد من سياسة