Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القلق والاضطراب النفسي رفيقا اللبناني في حاضره ومستقبله

"خط الحياة" بصيص أمل للمساعدة والتغلب على تداعيات القلق والاكتئاب

جندي لبناني يساعد طفلة على الاحتماء في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلحة أمس (رويترز)

يخلق "الخوف من المستقبل" ضغطاً نفسياً شديداً على الإنسان، فكيف إذا ما ترافق مع أحوال اقتصادية سيئة، وأزمة صحية كبيرة، ووضع أمني متدهور، وعدالة منتهكة، وحالة من عدم الاستقرار؟ هذه العوامل مجتمعة، تخلق بيئة نفسية مضطربة، يعيشها المواطن اللبناني كل يوم. وعندها لا تصبح الأخبار عن ازدياد محاولات الانتحار من هنا، أو ارتكاب جريمة بفعل اضطراب نفسي من هناك بالأمر المستغرب، لتبدأ بعدها مرحلة التكهنات، وتنطلق رحلة البحث عن السبب والدافع وراء هذا الفعل أو ذاك.

تبرز هذه الأمور، في وقت يعاني اللبناني من عدم القدرة على إيجاد حبة الدواء المهدئ أو حتى دفع بدل جلسة العلاج النفسي بفعل الارتفاع القياسي في الأسعار، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين وفشل سياسة الدعم، في وقت يحاول بعض المتطوعين تقديم خدمة دعم نفسية مجانية للتخفيف عن اللبنانيين.

أزمة الانتحار

يُنظر إلى الانتحار على أنه خطأ فادح أو خطيئة كبيرة يرتكبها الفرد بحق ذاته والمحيطين به، هذا الحكم الأخلاقي، لا يصمد كثيراً في بعض الحالات، وعند كثيرين من الأشخاص. ففي حالة سامي (اسم مستعار) لم يكن الانتحار خياراً شخصياً، وإنما مدفوع من ظروف محيطة به، بسبب حالة الفقر والحاجة التي وصل إليها، وكذلك الوضع الصحي لأهله، وعدم الاستقرار الذي يعيشه اللبناني. فقد انتحر بإطلاق النار من بندقية صيد على صدره نتيجة يأس من تغيير الواقع، ويروي أحد الرفاق أنه "بعد انفجار التليل في عكار (انفجار صهريج وقود - شمال لبنان)، كان يردد عبارة: حياة الإنسان رخيصة، وما بتسوى شي". وتسلل اليأس إلى نفسه، وعاش حالة من الاضطراب النفسي الشديد، رافضاً العلاج النفسي لأنه "وفق الأعراف الشعبية، لا يحتاج علاجاً نفسياً إلا المجانين".

هذا الشاب نموذج لكثيرين من اللبنانيين، الذين خسروا كل استثماراتهم، ويعجزون عن علاج أهاليهم أو حتى شراء الدواء، فقد باع الشاب الأغراض التي يملكها من أجل إجراء عملية لوالدته، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لعلاجها. ويتمنى رفيقه أن تلتفت الجهات الطبية لمساعدة والدة (سامي)، وتحقيق حلمه بإجراء عملية جراحية لها في عيونها وعلاج بصرها.

اضطرابات في ظل غلاء العلاج

لا يسلك جميع من يعانون اضطرابات نفسية مسلك الانتحار، ويتجه معظمهم لتلقي العلاج، وفي جولة على بعض العيادات والصيدليات، نجد أن بدل جلسة التشخيص لدى الطبيب تبلغ 300 ألف ليرة (نحو 15 دولاراً في السوق السوداء)، ويعجز البعض عن سدادها.

في المقابل، فإن رحلة البحث عن بعض الأدوية المهدئة تبوء بالفشل، والسبب، بحسب أحد الصيادلة، "لأنه مدعوم على غرار أدوية الأمراض المزمنة الأخرى"، بالتالي، "فإن الشركات تزوّد الصيدليات بحبة أو حبتين كحد أقصى في الشهر"، وعليه، يعجز أصحاب الصيدليات عن تزويد المرضى والزبائن بهذا النوع من الأدوية، ويفتح الباب أمام السوق السوداء في ما خصّ الدواء المزمن.

الدعم المجاني

وبدأت مبادرات عدة تسعى جاهدة للتخفيف عن كاهل المحتاجين، وتشير هبة دندشلي، مسؤولة التواصل والعلاقات العامة في جمعية "Embrace" إلى تزايد طالبي خدمة الدعم النفسي في لبنان، وتلفت إلى أن اجتماع ظروف عدة أدى إلى الحالة "السيئة وغير الإنسانية"، من جائحة كورونا، إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن تداعيات تفجير مرفأ بيروت، ما رفع نسب الاضطرابات النفسية، وتحدث دندشلي عن غياب الإطار الحمائي للمواطن اللبناني في ظل عدم وجود تشريعات تحمي العامل في بيئة عمله، أو الطالب في البيئة الدراسية، أو تقديمات للضمان في مجال الصحة النفسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودفعت هذه التحديات إلى إنشاء "خط الحياة" الذي تلقى على "الرقم 1564" ما يزيد على 6600 اتصال من بداية عام 2021 ولغاية الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، مقارنة بـ 6000 اتصال في عام 2020، و2000 اتصال في 2019، وتشير دندشلي إلى أن الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار، جاء نتيجة تعاون مع المكتب الوطني للصحة النفسية التابع لوزارة الصحة اللبنانية، لافتة إلى أن الزيادة في طلب الاستشارة النفسية ليس سببه زيادة المشكلات، فقط، وإنما بفعل عملية التوعية التي قادتها الجمعية لتسويق الخدمة.

إلى جانب خدمة الخط الساخن، تستحضر المبادرة خدمة العيادة المجانية التي استحدثت بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، بهدف ضمان الصحة النفسية للمواطنين كافة بغض النظر عن وضعهم المادي أو خلفياتهم الاجتماعية أو جنسيتهم أو عرقهم، وتوضح دندشلي أن الجمعية تتمكن من تأمين الأدوية للمرضى الذين يتعالجون في عيادتها ولكن هناك "أناس لا تصلهم الأدوية أو خدمة العلاج النفسي المجانية".

كما يسهم "خط الحياة" في مساعدة الأفراد الذين يتعرضون إلى بعض الانتهاكات في العمل، والمدرسة، أو البيت، وتوجيههم إلى جمعيات وخدمات منتشرة في المناطق اللبنانية.

العلاج النفسي للجميع

وترى دندشلي أن الدعم النفسي حاجة وحق للجميع، لذلك لا بد من متابعة "كل شخص بحاجة إلى دعم نفسي بدءاً من أقل الاضطرابات وصولاً إلى حافة الانتحار"، من هنا تصف المساعدين بـ "الأبطال"، "لأنهم تمكنوا من مساعدة أشخاص كانوا على حافة إنهاء حياتهم، وإعطائهم الأمل من جديد".

وتشير دندشلي إلى التعاون مع "فيسبوك" و"إنستغرام" من أجل متابعة أي مضمون يشير إلى اضطراب نفسي أو نية للانتحار مثلاً، إذ ترسل المنصة رسالة إلى المستخدم تدعوه للتواصل مع "خط الحياة 1564"، لتجنب الآثار السلبية للعالم الافتراضي من التنمر، والإساءات، والابتزاز، لذلك لا بد من توعيتهم إلى أهمية الدعم النفسي لتجاوز الظروف المسيئة والاضطرابات.

من هنا، يجب إخراج العلاج النفسي من دائرة "المحظورات"، وبدء النقاش حول الاضطرابات والانتحار في العالم العربي كمدخل لضمان صحة الإنسان.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير