Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحكومة البريطانية سعت إلى مناعة القطيع ضد كورونا في بداياته

لجنتان من مجلس العموم البريطاني تولتا الإشراف على تحقيق خلص إلى إدانة الحكومة مستنداً إلى قائمة من القرارات المتأخرة والأخطاء التي كلفت المملكة المتحدة وفيات مهولة كان في المقدور تفاديها

الحكومة البريطانية تبنت "نهجاً بطيئاً وتدريجياً" لمواجهة جائحة كورونا وفق تقرير برلماني حديث (غيتي)

توصل تقرير برلماني إلى أن النهج الذي اتبعته الحكومة البريطانية في التصدي لـ"كوفيد- 19" في بداية الجائحة كان "على صعيد الممارسة العملية بمثابة" السعي وراء تحقيق مناعة القطيع herd immunity (مناعة جماعية)، مشيراً إلى أن إرجاء قرار إغلاق البلد (الحجر) في ربيع العام الماضي، كان أحد "أهم الإخفاقات في مجال الصحة العامة التي شهدتها المملكة المتحدة يوماً".

معلوم أن وزراء بريطانيا نفوا مراراً وتكراراً أن الحكومة سعت إلى تحقيق مناعة سكانية ضد الفيروس عبر تركه يتفشى بحرية [منفلت العقال] في المملكة المتحدة. ولكن مع ذلك، تظهر نتائج توصل إليها تحقيق، شارك فيه مختلف الأحزاب، أن هذه كانت "العاقبة [النتيجة] الفعلية" للاستجابة الأولى لـ"كوفيد- 19"، وترتب عنها في نهاية المطاف عشرات الآلاف من الوفيات التي كان في المستطاع تفاديها.

كذلك جاء في التقرير أنه خلافاً لبلاد أخرى، عوض السعي إلى قمع الفيروس في بداية عام 2020، سعت بريطانيا إلى خفض انتشاره في المجتمع عبر إدراج تدابير التباعد الاجتماعي بوتيرة بطيئة من دون الالتزام بالإغلاق.

التقرير المؤلف من 150 صفحة، أسهم فيه أكثر من 50 شاهداً، من بينهم وزراء، ومسؤولون في "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، ومستشارون لدى الحكومة البريطانية وعلماء بارزون. ويخلص إلى الاستنتاجات التالية:

-  ركز الخبراء الحكوميون على الإنفلونزا الموسمية قبل عام 2020، ولم ينظروا إلى فيروس "كورونا" على أنه يشكل تهديداً للمملكة المتحدة.

-  تبنت الحكومة البريطانية في بداية الجائحة "سياسة متعمدة" تبين أنها "كانت على صعيد الممارسة العملية بمثابة" السعي إلى الحصول على مناعة القطيع. ثبت أن قرار التعامل مع العدوى، عوض قمعها [كبحها]، تسبب في موت عشرات الآلاف من السكان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

- التخلي عن الاختبارات المجتمعية على نطاق واسع في 12 مارس (آذار) من عام 2020 كان "إخفاقاً مهماً" و"أودى بحياة كثير من الأرواح".

- أخفق نظام "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" لـ"الاختبار والتتبع" NHS Test and Trace  في إحداث تأثير كبير يعتد به خلال الجائحة لتسويغ حجم المال العام الذي استثمر فيه".

-  أهملت الحكومة البريطانية خدمات الرعاية الاجتماعية طوال فترة الجائحة، بينما شهدت مجتمعات الأقليات الإثنية في البلد مستويات أعلى من الوفيات في مرحلتها الأولى.

في تطور متصل، ذكر "حزب العمال" أن التقرير دعم الحاجة العاجلة إلى إجراء تحقيق عام، "كي لا تتكرر أبداً أخطاء بهذا الحجم المأساوي"، بينما قال الباحثون الذين أعدوه، إن استقاء الدروس من الإخفاقات التي سجلتها الأشهر الـ 18 الماضية يكتسي أهمية بالغة.

يعتمد التقرير المشترك بين الأحزاب، الذي تولت الإشراف عليه لجنتان مختارتان تعنيان بالصحة والعلوم، على 400 بيان وإفادة مكتوبة من مختلف المسؤولين المشاركين في سبل رد المملكة المتحدة على "كوفيد- 19"، من بينهم وزير الصحة البريطاني السابق مات هانكوك، وكبير المسؤولين الطبيين البروفيسور كريس ويتي، ودومينيك كامينغز، كبير مستشاري رئيس الوزراء بوريس جونسون سابقاً.

يتفحص التقرير ستة مجالات رئيسة: الاستعداد لمواجهة الجائحة قبل عام 2020، والإغلاقات والتباعد الاجتماعي، ونظام الاختبار والتتبع، وتأثير الأزمة في الرعاية الاجتماعية والمجتمعات المعرضة للخطر، وطرح اللقاحات المضادة للفيروس.

قبل ظهور "كوفيد-19"، كان تخطيط المملكة المتحدة لمواجهة الجائحة "يعتمد بدقة متصلبة خالية من أي مرونة على نموذج التصدي للإنفلونزا الموسمية" الذي أخفق في تعلم الدروس من "سارس" (متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد) و"ميرز" (متلازمة الشرق الأوسط) و"إيبولا" (الحمى النزفية)، كما علم النواب.

البروفيسورة دام سالي ديفيز، كبيرة المسؤولين الطبيين السابقة في إنجلترا، أخبرت لجنتي التحقيق إن "تفكيراً جماعياً" (فيه يفضل الأشخاص الذين يعارضون قرارات المجموعة أن يبقوا صامتين) ساد عملية اتخاذ القرارت، مع عدم اعتقاد خبراء في الأمراض المعدية أن "سارس، أو "سارس" آخر، سينتقل من آسيا إلينا". وشبهت ذلك بـ"شكل من أشكال الاستثنائية البريطانية" [أي حسبان أن تجربة بريطانيا فريدة].

خلص أعضاء البرلمان إلى أنه في الأشهر الأولى من ظهور الأزمة، كان المسؤولون في السلطة يعملون وراء "ستار جهل فرضوه على أنفسهم جزئياً"، مع عدم رغبة الوزراء والمستشارين العلميين في استخلاص الدروس من تجارب الدول الأخرى وأساليبها في التصدي للجائحة، لا سيما في شرق آسيا.

وإذ أشار التقرير إلى ما وصفه بـ"إهمال لا يغتفر"، أضاف أن ثقافة "التفكير الجماعي" قد ترسخت في داونينغ ستريت، وأنه كان ينبغي تحديها. ذلك أنه عوض "بذل كل ما في وسعها لوقف الفيروس"، شأن الحكومات في كوريا الجنوبية وتايوان وهونغ كونغ، تبنت الحكومة البريطانية "نهجاً بطيئاً وتدريجياً".

مدفوعة بالرغبة في حماية الاقتصاد، والاعتقاد السائد بين أعضاء "المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ" (سيجSage ) بأن الردع التام لـ"كوفيد- 19" سيؤدي إلى موجة ثانية لاحقة في عام 2020، رفضت الحكومة البريطانية خيار الإغلاق في البداية محبذة إدخال سياسات التباعد الاجتماعي تدريجياً التي سعت إلى تهدئة [كبح] وتيرة التفشي وتسطيح منحنى [الحؤول دون ارتفاع معدلات العدوى بوتيرة أكبر] الذروة الأولى من الإصابات.

وذكر أعضاء البرلمان أن "هذا يتساوى عملياً مع القبول بأن النتيجة المحتومة كانت تحقيق مناعة القطيع عبر انتقال العدوى بين الناس"، نظراً إلى عدم توفر لقاح مضاد (آنذاك) والقدرة المحدودة لفحوص الكشف عن الإصابة في المملكة المتحدة، ما يعني أنه لم تتخذ أي تدابير حقيقية لحماية السكان من التقاط الفيروس.

حتى أنه في 12 مارس 2020، قال باتريك فالانس، كبير المستشارين العلميين لدى الحكومة البريطانية، إنه لم يكن ممكناً درء العدوى عن الجميع، وإن ذلك لم يكن هدفاً مرغوباً فيه.

خلص النواب إلى أنها كانت سياسة "متعمدة" و"مشكوكاً فيها"، وقد كانت مخطئة بشكل خطير في افتراض أن "فيروساً غير معروف ومتفش يمكن السيطرة عليه بمثل هذه الطريقة المحددة" التي "أدت إلى حصيلة أولى من الوفيات أعلى مما كان سينتج عن سياسة أولية أكثر تشدداً".

وأضاف التقرير أن المسؤولين الذين قادوا الاستجابة ضد "كورونا"، لم يشككوا في الإجماع العلمي الذي توصلت إليه الحكومة. وقال كامينغز متوجهاً إلى النواب إنه كان "خائفاً جداً" من تحدي "الخطة الرسمية"، بينما أعرب هانكوك عن أسفه "بمرارة" لعدم نقضه المشورة العلمية.

لو أن الحكومة البريطانية غيرت مسارها وفرضت الإغلاق الأول قبل أسبوع واحد فقط، أي في 16 مارس 2020 (علماً أن الإغلاق الأول بدأ في 23 مارس)، لأمكن الحؤول دون عشرات الآلاف من الوفيات، كما أفيد في التحقيق البرلماني.

و"نتيجة لذلك تصنف القرارات المتعلقة بحالات الإغلاق والتباعد الاجتماعي خلال الأسابيع الأولى من الجائحة، والمشورة التي قادت إلى تبني تلك الإجراءات، كأحد أهم إخفاقات الصحة العامة التي شهدتها المملكة المتحدة على الإطلاق".

كذلك يذكر التقرير أن التخلي عن اختبارات الرصد المجتمعي في 12 مارس  كان "إخفاقاً مؤثراً" وأدى إلى "خسارة أرواح كثيرة". أطلق نظام "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" لـ"الاختبار والتتبع" في مايو (أيار) 2020، لكن أداءه "الفوضوي" طوال العام "عوق" استجابة المملكة المتحدة لـ"كوفيد-19"، مسفراً عن فرض إغلاقين إضافيين.

و"أنفقت مبالغ طائلة مأخوذة من جيوب دافعي الضرائب في نظام اختبارات الكشف عن كورونا وتتبع المخالطين، مسوغة بالفوائد المرجوة التي قد يعود بها عدم الاضطرار إلى فرض عمليات إغلاق أخرى. لكن في النهاية دخلت (المملكة المتحدة) في تلك الإغلاقات"، يضيف التقرير.

في تعقيبه على النتائج، قال روبرت ويست، بروفيسور في علم نفس الصحة في "جامعة كوليدج لندن" University College London، إن مثل تلك الاستنتاجات "المُدينة" التي خلص إليها التقرير عادة ما "تحمل البعض على الاستقالة" من مناصبهم في بلاد أخرى.

بدورها، ذكرت الحكومة البريطانية أنها "ملتزمة" باستخلاص الدروس من الجائحة، وأنها ستنهض بتحقيق عام كامل في الربيع المقبل. وجاء في تصريح لمتحدث باسمها أنه "طوال فترة الجائحة، استرشدنا بمشورة خبراء في العلوم والطب، ولم نتوان أبداً عن اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة، من بينها فرض قيود وإغلاقات، في سبيل إنقاذ الأرواح وحماية "هيئة الخدمات الصحية الوطنية".

وانتهى المتحدث باسم الحكومة البريطانية إلى أنه "بفضل مساع وطنية جماعية، استطعنا أن نبقي خدمات "أن أتش أس" بمنأى عن أي أحمال تفوق طاقتها، وبنى برنامجنا المذهل للتطعيم ضد "كورونا" جداراً دفاعياً (في المملكة المتحدة)، إذ حال دون إصابة ما يربو على 24.3 مليون شخص، وأنقذ أكثر من 130 ألف مصاب حتى الآن".

© The Independent

المزيد من صحة