أدرجت وزارة التربية المغربية التراث المغربي اليهودي في المناهج الدراسية، معللة الخطوة بأنها تأتي تماشياً مع دستور 2011، الذي يتحدث عن "هُوية متعددة الروافد، أمازيغية، وحسانية، وعبرية".
وكانت المقررات التي تتناول المكون العبري خلال المواسم الدراسية السابقة مقتصرة فقط على مادة التاريخ، لتضاف إليها مادتا اللغة العربية والفرنسية، ابتداءً من الصف الرابع الابتدائي، وقد جرى الانتقال من ثلاثة كتب مدرسية فيها نصوص ومواضيع تهم اليهود خلال المواسم السابقة إلى 18 كتاباً في العام الدراسي الحالي.
يهودية مغربية خاصة
وفي هذا الشأن، يقول رشيد دوناس، الباحث المتخصص في التاريخ اليهودي المغربي، "قرار إدراج التراث اليهودي المغربي في المقررات الدراسية المغربية ليس وليد اللحظة الراهنة". موضحاً أن محمد الفاسي، وهو أول وزير تعليم في أول حكومة مغربية بعد الاستقلال، "كان قد اقترح تضمين المقرر الدراسي المغربي حصصاً تعليمية لإبراز دور الإسهام اليهودي في تشكل وتطور الشخصية المغربية. ومباشرة بعد تأسيس الجامعة المغربية، تُرجمت اللغة العبرية الحديثة لطلبة شعبة الآداب العربية، ثم لطلبة الدراسات الإسلامية لاحقا"ً.
ويضيف دوناس، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "تداعيات الصراع في الشرق الأوسط ابتداءً من ستينيات القرن الماضي دفعت المسؤولين المغاربة آنذاك إلى عدم تطوير هذه المبادرة، حرصاً على تفادي كل ما من شأنه أن يتسبب في ردود أفعال غير مرغوب في حدوثها".
ويرى دوناس أن إعادة الاعتبار للمكون اليهودي المغربي ضمن المقررات الدراسية "خطوة مهمة لتصحيح وضع كان خاطئاً، خصوصاً أن المغرب احتضن تاريخياً واحدة من أكبر الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي، تجذرت تاريخياً في أرض المغرب طوال ما يزيد على ألفي سنة".
صون الهوية المغربية
ويوضح، "نحن أمام حالة استثنائية بكل المقاييس قياساً على باقي الدول المغاربية والعربية، حيث يمكن الحديث عن (يهودية مغربية) خاصة نضجت وتشكلت في لحظات الاستقرار والتسامح الثقافي برعاية رسمية وفي حاضنة شعبية، بصرف النظر عن لحظات التوتر التي يجب أن نفهمها في سياقها التاريخي، من دون إسقاطات قيم عصرنا الحالي على فترات تاريخية قديمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستكمل، "من غير المقبول أن يستمر جهل أجيال متعاقبة من المغاربة لجزء مهم من ذاكرتهم الجماعية، وما ميز تلك الذاكرة من أحداث، وأن كل هذه البرامج والمبادرات الرامية إلى صيانة التراث اليهودي المغربي عمل وطني محض يروم إلى صيانة الهوية المغربية، ولا علاقة له بأي تجاذبات سياسية".
ولفت دوناس إلى أن هذا التعاطي مع المكون العبري في الكتاب المدرسي في المغرب "سيُسهم في تعزيز ثقافة التعدد وقيم التعايش لدى الأجيال المقبلة، عبر إعدادهم للقبول بالاختلافات الدينية والعرقية". مشيراً إلى أن المغرب "يحوي أكثر من 400 مزار وولي من أولياء اليهود، يحج إليهم المغاربة اليهود سنوياً، فضلاً عن التثاقف الذي جرى على مستوى لغات المغرب الأمازيغية والعبرية والعربية".
تعزيز ثقافة التعدد
وترى الفنانة المغربية اليهودية سوزان هاروش، أن الهوية المغربية مكونة من عدة روافد منها الأمازيغي والعربي واليهودي والأندلسي، وكلها انصهرت في بوتقة واحدة هي "الأخوة المغربية في إطار من التعايش والتجاور والتسامح".
وتصف هاروش إدراج التراث المغربي اليهودي في المناهج الدراسية بـ "التجربة الفريدة من نوعها في العالم الإسلامي". وتقول، في حديثها إلى "اندبندنت عربية"، "ما جرى من شأنه أن يُعرّف الأجيال الصاعدة بتاريخها، ويرسخ قيم التسامح ونبذ الصور النمطية السلبية عن اليهود في المجتمع. فضلاً عن أن المغرب الدولة الوحيدة في المنطقة المغاربية والعربية التي يحفظ دستورها الرافد العبري كمكون من مكونات المجتمع المغربي".
وتستذكر الفنانة المغربية، التي تُقدم مواضيع التراث اليهودي وتعايش اليهود في المغرب مع معتنقي الديانات الأخرى من خلال معزوفات تراثية وأغان شعبية قديمة، الدور الذي لعبه العاهل الراحل محمد الخامس في حماية اليهود المغاربة في فترة الحرب العالمية الثانية، وذروة الحديث عن اضطهاد اليهود، وكذلك المكانة التي حظوا بها في عهد الملك التالي الحسن الثاني ثم العاهل الحالي محمد السادس.
ويشهد المغرب تحولات متتالية من أجل إحياء التراث العبري والثقافة اليهودية، وقد كانت البداية بترميم المقابر والمعاهد اليهودية في المملكة، وإنشاء متحف التراث اليهودي المغربي في الدار البيضاء، إلى جانب تدريس الثقافة اليهودية في مناهج التعليم.
وتقدر إحصاءات غير رسمية عدد اليهود في المغرب حالياً بثلاثة آلاف شخص، فهم أكبر جالية يهودية في شمال أفريقيا. وكان عدد اليهود المغاربة في أربعينيات القرن الماضي يناهز 250 ألفاً، أي ما يعادل حينها 10 في المئة من سكان المملكة.
وتحافظ مدن الصويرة والدار البيضاء والرباط وفاس وتطوان ومراكش ومكناس وصفرو، على معالم وأحياء "الملاح" التي عاش فيها تاريخياً اليهود في كنف التعايش مع المغاربة المسلمين، ويشاركونهم التجارة والصناعة والأملاك وجميع أمور الحياة باستثناء الزيجات.