Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران تضغط عبر لبنان لرفع العقوبات بمعزل عن فيينا

الموفد الأميركي هوكستين سيحرج الفريق الرئاسي بموافقته على تسوية للحدود البحرية منذ 2016

الرئيس اللبناني ميشال عون مستقبلاً وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان (دالاتي ونهرا)

الوصف المجرد من الانحياز للعروض التي قدمها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، قد يبسط الأمور باعتبار أن هناك تنافساً بين القوى النافذة في لبنان على الاستثمار في مأزقه السياسي المالي والاقتصادي والأزمة المعيشية غير المسبوقة في تاريخه التي يمر بها، وسط عجز الطبقة السياسية ولا سيما الحاكمة عن إيجاد التسويات التي تسمح بتصحيح أوضاعه وفق برنامج إنقاذي شامل.

هذا الوصف التبسيطي يسمح بالاستنتاج بأنه "من الطبيعي" أن تشارك إيران في هذا الاستثمار والتنافس، من طريق العروض التي قدمها عبد اللهيان خلال زيارته بيروت، ببناء معملين للكهرباء واحد في بيروت والثاني في الجنوب، وبإعادة إعمار مرفأ بيروت، وبمواصلة تزويد لبنان بالمحروقات التي سبب نقصها انقطاعاً كاملاً في الكهرباء لأيام، إضافة إلى تزويده بالمواد الغذائية والأدوية والمستحضرات الطبية كما سماها.

موطئ قدم في الاقتصاد اللبناني

في اختصار، يفترض هذا الوصف أنه في ظل تراكض الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وحتى روسيا على لعب دور في إنهاض الاقتصاد اللبناني من الحفرة التي هو فيها، وفي ظل إخلاء الدول العربية الساحة، لا غرابة في أن تسعى طهران لأن يكون لها موطئ قدم اقتصادي في لبنان، تعزيزاً لنفوذها السياسي الذي صنعته عن طريق تحالف "حزب الله" مع رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي يأمل من الارتماء في أحضان النفوذ الإيراني أن يكون مدعوماً من طهران لوراثة عون في رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولايته في آخر أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

إلا أن هناك قراءة أخرى في لبنان لهذه الاندفاعة الإيرانية ترى في ما قدمه عبد اللهيان من عروض بأنه "استعراض هزلي". يسأل من يعتقد بأن وظيفة هذه الاندفاعة إعلامية ودعائية على الرغم من أنها تهدف إلى دخول الميدان الاقتصادي اللبناني: لماذا لا تبني طهران معملاً للكهرباء في سوريا لمساعدة حليفها نظام بشار الأسد؟ ولماذا هناك تقنين في الكهرباء في إيران نفسها سبق أن تسبب بتحركات في الشارع، فيما شهد قطاع الكهرباء إضرابات بهدف تحسين رواتب الموظفين فيه؟

رفع العقوبات عن إيران

يطلب عبد اللهيان من السلطات اللبنانية الحصول على إعفاءات من الولايات المتحدة الأميركية من العقوبات كي يحصل على المساعدة الإيرانية في استقدام المحروقات الإيرانية، ولبناء محطات توليد الطاقة، أسوة بحصوله على إعفاء واشنطن من عقوبات قانون قيصر على تمرير الكهرباء من الأردن والغاز من مصر عبر الأراضي السورية، بعدما اعتبرت طهران وقيادة "حزب الله" أنهما حققا "انتصاراً"، معتبرين أنهما كسرا الحصار الأميركي على لبنان وسوريا، لمجرد تمرير المحروقات الإيرانية في البواخر من إيران إلى مرفأ بانياس السوري ومنه عن طريق المعابر غير الشرعية إلى لبنان. فلماذا لا تفعل طهران الأمر نفسه فتسعى إلى رفع العقوبات عن سوريا من أجل تزويدها بما تحتاج إليه من محروقات؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول متابعون للوضع الاقتصادي الإيراني إن طهران تفتقر إلى تقنية تصنيع توربينات توليد الكهرباء وليس لديها محطة لتسييل الغاز، وينقصها المال كي توظفه في إعمار مرفأ بيروت، فضلاً عن نقص التمويل من أجل تأهيل مصافي النفط القديمة لديها، وهي لم تتمكن من الإفادة المالية من الارتفاع العالمي في أسعار النفط والغاز بسبب العقوبات على تصديرها ثروتها النفطية والغازية. كما أنها أوقفت الخط الائتماني المالي الذي كانت فتحته لسوريا كي تستورد منها مواد غذائية ومحروقات. فما معنى أن يغدق عبد اللهيان كل هذه الوعود غير القابلة للتنفيذ، على لبنان؟

ويسأل هؤلاء هل صارت مسؤولية لبنان أن يسعى لرفع العقوبات عن طهران أم أن ما قاله عبد اللهيان من منبر بيروت الإعلامي هو رسالة ضاغطة على واشنطن، بأن إمساك الحرس الثوري الإيراني بقرار السلطة اللبنانية سيبقي على احتمالات التدهور المعيشي الذي تخشى الدول الغربية أن يقوض الاستقرار أكثر مما هي الحال الآن، إذا استمرت هذه الدول في ربط رفع العقوبات عن طهران والتفاوض على النووي، بالبحث في التدخلات الإيرانية في الإقليم التي تعتبرها سبباً لزعزعة الاستقرار في المنطقة من اليمن إلى العراق وسوريا انتهاءً بلبنان؟ ويوحي هذا السؤال بأن طهران تسعى إلى رفع جزء من العقوبات الأميركية تدريجاً، بمعزل عن محادثات فيينا، وأنها تقدم لواشنطن مخارج لتفعل ذلك مثل مساعدة لبنان، كي لا تبدو أنها تقدم التنازلات لها أمام الكونغرس الذي يشهد اعتراضات على رفع العقوبات عن طهران قبل تحقيق المطالب الأميركية منها.

نصر الله يتلقف طلب عبد اللهيان

بعد كلام الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، مساء 11 أكتوبر الذي تلقف فيه مطلب عبد اللهيان أن تعمل الحكومة اللبنانية لتعليق العقوبات على استيراد الوقود من إيران، أخذ بعض الناشطين المعارضين للنفوذ الإيراني في لبنان يتجاوزون هذه الأسئلة في كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى وضع علامات استفهام حول تفجير أنبوب الغاز العربي الذي يفترض أن ينقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية. فتخريب الأنبوب الذي جاء في وسائل الإعلام أن "داعش" نفذه، حصل في منطقة دير علي في ريف دمشق حيث توجد ميليشيات تابعة لإيران. فهل المطلوب تعطيل نقل الغاز المصري الذي تعتبره واشنطن حلاً مستداماً (مع نقل التيار الكهربائي من الأردن)، لأزمة الكهرباء، وعملت على رفع العقوبات لأجله، من أجل فرض استيراد الوقود الإيراني كحل رئيس؟ كما أن التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي أخذت تطرح الشبهة حول اندلاع حريق في مستودع محروقات مخصص للجيش اللبناني في مصفاة الزهراني، فجر 11 أكتوبر. وكان الجيش تبرع قبل 24 ساعة بتخصيص كمية منه لتشغيل معملين للكهرباء في شمال لبنان وجنوبه، بعدما تسبب انقطاع الفيول بتوقفهما عن الإنتاج ليومين، ما أوقع لبنان في الظلمة الكاملة. وأوحت إثارة هذه الشبهات حول الحريق بأن المطلوب إبقاء البلد في العتمة من أجل فرض استيراد المحروقات من طهران.

يدعو بعض المسؤولين الحلفاء لـ"حزب الله" إلى عدم المغالاة في الاستنتاجات حول تفجير أنبوب الغاز في ريف دمشق وحول حريق خزان للجيش في مصفاة الزهراني، فيما يفضل بعض المراقبين عدم اللجوء إلى "الروايات البوليسية" للتطورات التي يشهدها البلد، فيما لا يخفي نصر الله ترويجه التجاوب مع العروض الإيرانية من بين العروض الغربية والروسية والصينية، بحجة ضرورة الإسراع في إيجاد الحلول لمشكلتي الكهرباء والمحروقات.

دوكين يراقب ويستطلع

تزامنت زيارة عبد اللهيان مع الجولة الاستكشافية للمنسق الفرنسي للمساعدات الدولية للبنان، السفير بيار دوكين، الذي التقى معظم وزراء الحكومة الجديدة في ما يشبه الرقابة على عملها سواء بالنسبة إلى ما تخطط له في شأن الكهرباء، أو في شأن إعادة إعمار المرفأ، وفي خصوص التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية على الأوضاع الحياتية لأكثرية اللبنانيين. ولم يتوقف دوكين في لقاءاته عن تكرار مطلب المجتمع الدولي المطروح منذ أكثر من ثلاث سنوات، بوجوب تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء بالتزامن مع التحضيرات لبناء معمل لإنتاج الطاقة. ورافق دوكين، الذي قلل من التصريحات والبيانات الإعلامية قياساً إلى عدد التصريحات واللقاءات الإعلامية التي أجراها عبد اللهيان، وفد اقتصادي كبير يضم اختصاصيين يستكملون دراسة حاجات إعادة إعمار المرفأ.

لكن معطيات بعض الذي التقوا دوكين تفيد بأنه أنهى مهمته منزعجاً من استمرار الفريق الرئاسي الذي يتولى حقيبة الطاقة مجدداً في الحكومة الجديدة، في التهرب من تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء، بحجة أن تأمين الكهرباء أهم من تعيين الهيئة الناظمة، في وقت هناك شكوى دولية من طريقة إدارة هذا الفريق القطاع منذ أكثر من عشر سنوات. والانطباعات عما استنتجه دوكين لا توحي بالتفاؤل بشأن إمكان تلقي المساعدة المالية من صندوق النقد، الذي يعتبر مثل سائر الدول المعنية أن الشفافية والنزاهة في معالجة الكهرباء هما الباب للعلاقة مع الصندوق وللمساعدة المالية التي يمكن أن يؤمنها للبنان، مقابل الإصلاحات.

هوكستين والحدود البحرية مع إسرائيل

لكن زيارة الوفد الأميركي برئاسة نائبة وزير الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، إلى بيروت اكتسبت أهمية خاصة بعد زيارة عبد اللهيان، وسط توقعات بأن الجانب الأميركي الذي يراقب التحرك الإيراني في البلد، سيحذر المسؤولين اللبنانيين من الذهاب بعيداً في التجاوب مع مطالب طهران الهادفة إلى ترسيخ نفوذها. فواشنطن التي كان لها رد فعل سلبي حيال الضغوط التي تناولت عمل المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار، ولا سيما من قبل "حزب الله"، سيستقبل وفدها هجوم جديد شنه نصر الله على الأخير داعياً إلى إقالته من قبل مجلس الوزراء، متهماً إياه بأنه يسيس التحقيق. وفي تقدير سياسيين على صلة بواشنطن أن نولاند ستكرر أمام المسؤولين اللبنانيين موقف واشنطن برفض إعاقة التحقيق الذي يقوم به بيطار، واعتبار موقف "حزب الله" تعطيلاً لهذا التحقيق.

لكن الأهم أن الوفد الأميركي يضم في عداده مسؤول الطاقة في الخارجية الأميركية، إيموس هوكستين، الذي خبر ملف الخلاف على الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية منذ عام 2015- 2016، إذ كان يتولى المسؤولية نفسها وعمل وسيطاً بين البلدين بشأن ترسيم الحدود، وتوصل إلى نتائج هي التي بُني عليها من أجل إنجاز اتفاق الإطار بين رئيس البرلمان نبيه بري، ومساعد وزير الخارجية السابق ديفيد شينكر، في خريف 2020، الذي على أساسه بدأت المفاوضات غير المباشرة بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة.

فالجانب الأميركي كان جمد وساطته مطلع السنة بسبب رفع الوفد اللبناني المفاوض سقف مطالبه حول المنطقة المتنازع عليها في البحر، فباتت قرابة 2200 كلم مربع بدلاً من 860 كلم مربع، الأمر الذي رفضته إسرائيل، فيما رأى فيه الجانب الأميركي تعمداً لبنانياً لوقف المفاوضات.

لكن عودة هوكستين إلى الاهتمام بالملف ستحرج العديد من المسؤولين اللبنانيين الذين أيدوا رفع سقف المطالب اللبنانية، ومنهم الفريق الرئاسي اللبناني. الأخير كان وافق مع هوكستين في عام 2016 على مخرج يقضي بحصول لبنان على 55 في المئة من الـ860 كيلومتراً مربعاً، بحيث يستفيد من كمية الغاز الموازية لهذه النسبة إذا تم اكتشاف الغاز في المنطقة المتنازع عليها، فيما لا يحق لإسرائيل أن تستثمر في المنطقة المتبقية المتنازع عليها، أي 45 في المئة، في انتظار التوصل إلى اتفاق نهائي في شأنها. وفي حينها، وافق وزير الطاقة آنذاك جبران باسيل على هذه الصيغة. وبالتالي، فإن هوكستين سيواجه الرئيس عون بتلك الموافقة، ليطالبه باستئناف المفاوضات على قاعدة الخط البحري (الرقم 23) الذي سبق للبنان أن طالب باعتماده وسجله لدى الأمم المتحدة، والذي يجعل المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 860 كيلومتراً مربعاً، بدلاً من الخط الجديد (الرقم 29) الذي طلب الوفد العسكري اللبناني اعتماده بدلاً من الخط الأول.

والقناعة العامة هي أن المستفيد من إبقاء المطلب اللبناني حول الحدود البحرية بين الخط 23 والخط 29 هو "حزب الله" الذي يستخدم إبقاء منطقة نزاع مع إسرائيل معلقة حجة لاحتفاظه بسلاحه في لبنان.

المزيد من تقارير