Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثير الأزمة بين أذربيجان وإيران في العلاقة بين أنقرة وطهران

إذا استمرت حكومة "حزب العدالة والتنمية" فمن الواضح أننا سنواجه أزمات مختلفة عدة في العمليات المقبلة

مناورات عسكرية إيرانية عند الحدود مع أذربيجان (رويترز)

 

يتطور الخلاف تدريجاً بين إيران وأذربيجان حول وضع بحر قزوين، والذي بدأ في أغسطس (آب) الماضي، ليتحوّل إلى أزمة إقليمية.

وباشرت إيران الأسبوع الماضي مناورات واسعة النطاق على حدودها مع أذربيجان شاركت فيها قواتها البرية والجوية.

وزادت هذه المناورات من حدة التوتر بين البلدين.

فبينما اعتبرت طهران هذه المناورات "حقاً سيادياً"، وصف الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف العملية بالـ"مفاجئة".

من جانبها، أجرت باكو تدريبات عسكرية بالقرب من الحدود الإيرانية استخدمت فيها طائرات من دون طيار اشترتها من إسرائيل.

فيما حذر وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أذربيجان بشدة من وجود إسرائيلي على الحدود.

وبينما كانت هذه التطورات تحصل في المنطقة، لم تكُن تركيا بمعزل عن مجريات الأحداث، إذ تم استدعاء السفير الإيراني لدى أنقرة محمد حسين لافاساني، إلى وزارة الخارجية.

وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الإيرانية وصفته بأنه "اجتماع روتيني"، إلا أن من الواضح أنه لم يكن اجتماعاً عادياً بل كان تحذيراً.

ويبدو أن طهران تجاهلت هذه التحذيرات التركية، ما أدى بالجيشين التركي والأذربيجاني إلى أن أجريا قبل بضعة أيام مناورات مشتركة في نختشيفان، تحت شعار مناورات "الأخوَّة التي لا تتزعزع، 2021".

نعم، هذا هو ملخص الترتيب الزمني للأزمة المتصاعدة بين أذربيجان وإيران في الشهر ونصف الشهر الماضي.

لكن يبدو أن هذه الأزمة لن تقتصر على الدولتين.

ومن المحتمل جداً أن يجذب ذلك إلى حلبة الأزمة، بشكل مباشر أو غير مباشر، دولاً مثل إسرائيل وأرمينيا وجورجيا وباكستان، وبشكل خاص تركيا وروسيا.

يمكننا القول إن انتصار ناغورنو قره باغ، الذي حققته باكو بدعم كبير من أنقرة من أهم الأسباب التي دفعت الإدارة الإيرانية إلى تصعيد الأزمة مع أذربيجان.

فعلى الرغم من أن طهران دعمت يريفان في هذه الحرب، إلا أنها استُبعدت من طاولة المفاوضات أثناء محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا.

وما يثير حفيظة إيران الحوار المتزايد بين أذربيجان والدول الغربية. كما أن علاقتها الجادة مع تركيا على وجه الخصوص، وتقاربها أخيراً مع إسرائيل هما أيضاً من أكثر القضايا التي تثير قلق طهران.

وستغير هذه التطورات أيضاً الكثير من التوازنات في جنوب القوقاز. كما ستؤدي إلى تدخل القوى الإقليمية والدولية مرة أخرى، وربما تصبح العملية أكثر تعقيداً مرة أخرى.

أما عن كيفية تأثير الأزمة الأذربيجانية-الإيرانية في العلاقات بين أنقرة وطهران؟ فصحيح أن هناك تأثيراً إيرانياً عميقاً في الدولة التركية على مستوى الوزراء وكبار المسؤولين الموالين للحكومة، إذ إن معظمهم من الشباب الإسلامويين الذين كانوا في الماضي متأثرين بالانقلاب الإيراني، والذين نسمّيهم "الخمينيين".

وفي كل مرة زار فيها الرئيس رجب طيب أردوغان إيران، كان يستخدم عمداً عبارة "إيران مثل بيتي الثاني".

ولا ننسى أن رئيس تحرير تلفزيون القدس نور الدين شيرين، المقرب من حكومة "حزب العدالة والتنمية"، والصديق المقرب لقائد "الحرس الثوري الإيراني" السابق قاسم سليماني، ذهب خطوة إلى الأمام عندما قال في تصريح له بشأن عرقلة محاولة "الانقلاب" في تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016: إن "الرئيس أردوغان يعرف ما قدّمه سليماني لتركيا في 15 يوليو". وهذا يعطينا دليلاً مهماً وملموساً حول التأثير الإيراني في تركيا، وإلا فلماذا يتدخل الحرس الثوري الإيراني في منع محاولة "انقلاب" في تركيا؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن السياسة الخارجية التركية في هذه الأزمة تواجه تحدياً حقيقياً، وربما ستجد نفسها مضطرة إلى ارتكاب أخف الضررين، وأن تضحي ببعض أصدقائها الذين كانت على علاقة وثيقة معهم حتى يوم أمس. وعلى الرغم من خلفيتها الأيديولوجية المتعاطفة مع إيران، فليس من المستبعد أن ترجح - على مضض - الوقوف إلى جانب أذربيجان ضد طهران، لأن البلاد على مشارف انتخابات مصيرية بالنسبة إلى أردوغان وفريقه. وعندما يتعلق الأمر بأذربيجان، فلن تستطيع أية حكومة أو حزب أن يغامر بالوقوف ضد باكو، لأن معظم أفراد الشعب التركي لا ينظرون إلى أذربيجان كدولة منفصلة، بل يعتبرونها وكأنها مدينة مجاورة.

إضافة إلى ما قلنا، هناك أسباب أخرى تزيد نتيجتها مخاوف إيران تجاه الوضع الحالي.

منها، أن الطريق المعروف باسم ممر زانجيزور، الذي من المتوقع أن يوفر الاتصال بين ناختشيفان وأذربيجان، سيقطع الاتصال البري بين إيران وأرمينيا، علماً أن هذا الممر أُقرّ في اتفاقية وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها العام الماضي بوساطة روسية بين أذربيجان وأرمينيا. وفي حالة فتح هذا الممر، سيتم توفير خط مباشر من أذربيجان إلى تركيا.

وأيضاً سيمهد هذا الممر الطريق أمام تركيا للانتقال إلى جنوب القوقاز. كما أن أذربيجان تريد توصيل الغاز الطبيعي المنتَج في حقل شاه دينيز2 وجنوب بحر قزوين إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا مع مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول (TANAP).

وبفضل التعاون مع أنقرة، ستزيد قوة أذربيجان التنافسية تجاه إيران في مجال الطاقة في المنطقة.

من ناحية أخرى، تعتبر إيران بحر قزوين بحيرة مغلقة، وتريد أن يتم تقاسم الموارد الغنية هناك بالتساوي. مع ذلك، لا يوجد توافق في الآراء بشأن هذه المسألة حتى الآن.

ولكن إذا أصبحت باكو قوية في المنطقة، أو أقامت تحالفات مع الدول القوية، فإن ذلك سيحبط خطط طهران بشأن بحر قزوين، علماً أن حصة إيران من سواحل بحر قزوين لا تتجاوز أكثر من 10 في المئة. لذلك، فإن تحوّل أذربيجان إلى دولة إقليمية قوية وتعزيز علاقاتها مع تركيا سيقللان من فرص سيطرة إيران على هذا البحر.

وهناك نقطة هي من أكثر الأمور حساسية بالنسبة إلى طهران، وهي وجود حوالى 35 مليون مواطن إيراني من أصول آذرية، ما يعني أن لهم علاقة فطرية مع تركيا وأذربيجان.

وهؤلاء يشاهدون القنوات والمسلسلات التركية أكثر من القنوات الإيرانية أو الآذرية، ما يجعل تركيا أقوى تأثيراً فيهم من طهران بل ومن باكو أيضاً.

وهذا يعني أن أنقرة بإمكانها تعبئة هذا العدد الهائل من المواطنين الإيرانيين ضد حكومتهم من خلال الدعم اللوجستي وقتما تريد. وبالفعل أشار إلى هذه النقطة بعض البرلمانيين الآذريين.

ومن جانب آخر، نلاحظ أن إيران متحسسة من أي عمليات تعاون في منطقة القوقاز وتعتبر أن ذلك يتعارض مع مصالحها الخاصة، بالتالي فهي منزعجة من النفوذ المتزايد لتركيا وأذربيجان في هذه المنطقة.

لهذا السبب، فإن التطبيع بين ثلاثية أنقرة - باكو - يريفان سيجعل طهران أكثر عدوانية.

وهناك قضية لا يتم الحديث عنها، ولكني أعتقد أنها من أخطر القضايا، وهي ما إذا حصل تحالف أذربيجاني - تركي مع الدول العربية القوية في الشرق الأوسط بسبب قضية الأهواز، فإن حركات الاستقلال التي ستحدث في منطقتين مختلفتين من البلاد ستكسر أذرع إيران وأجنحتها.

ويبدو من الصعب جداً على طهران الخروج من هذه الأزمة سالمة.

ومع هذا كله، فإني لا أعتقد أن هناك استراتيجية عقلانية لدى الحكومة التركية من أجل التعامل مع هذه القضايا المتشابكة سلباً أو إيجاباً من جميع نواحيها الإيجابية والسلبية.

وبالأخص في ظل الظروف الراهنة التي تتخبط فيها حكومة أردوغان في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية وتتذبذب في القرارات السياسة الداخلية والخارجية.

إذا استمرت حكومة "حزب العدالة والتنمية"، فمن الواضح أننا سنواجه أزمات مختلفة عدة في العمليات المقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل