Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فلسطينيون يحاربون "الخدمة المدنية الإسرائيلية" وآخرون ينضمون إليها سرا

70 في المئة من المتطوعين غير اليهود هم عرب مسلمون و90 في المئة منهم نساء

الذين ينضمون إلى برنامج الخدمة المدنية من العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل والفلسطينيون من شرق القدس يحصلون على المزايا نفسها التي يحصل عليها الجنود الإسرائيليون (اندبندنت عربية)

داخل دار للمسنين في مدينة القدس، يحاول أيوب (23 سنة)، العمل جاهداً لرعاية المرضى منهم والسهر على راحتهم، وإضحاكهم في كثير من الأحيان، وعلى الرغم من حبه الكبير لعمله داخل الدار كممرض في الفترة الليلية، إلا أنه يشعر بالخجل والتوتر حال خروجه من هناك، كيف لا وهو يتطوع للخدمة في مؤسسة إسرائيلية ضمن ما يسمى "الخدمة المدنية الوطنية"، وهي المعدة لكل مواطن أو ساكن في إسرائيل حصل على إعفاء من الخدمة العسكرية، أو لم يتم استدعاؤه اليها، إذ يحصل من أنهى الخدمة "المدنية الوطنية" على المكافآت التي يحصل عليها الجنود المسرحون (وفق فترة الخدمة).

التطوع سراً

أيوب الذي رفض كشف اسمه عائلته خوفاً على سلامته قال، "أتذرع أمام عائلتي وأصدقائي بالعمل داخل مصنع للمواد الغذائية في الفترة الليلية، ولا أجرؤ على البوح أمامهم بأنني أرعى مسناً داخل الدار كان في ما مضى ضابطاً في سلاح الطيران. الامتيازات التي أحصل عليها خلال فترة الخدمة المدنية من راتب جيد وتأمين صحي ومواصلات وفرصة مستقبلية لوظيفة جيدة، وأخرى لإكمال دراستي الجامعية مجاناً، دفعتني لتقديم هذه الخدمة التطوعية التي تعتبر فلسطينياً وصمة عار وبديلاً عن الخدمة العسكرية، لكن ما في اليد حيلة، فالبطالة والفقر ينهشان الشباب المقدسي الذي لا بد له من البحث عن عمل. لا أعتقد أنه بعملي هذا أخون وطني فلسطين، فأنا كغيري من آلاف الشباب الذين يعملون داخل إسرائيل، وفي المحال التجارية والمقاهي والفنادق داخل المستوطنات، وأرباب عملهم إسرائيليون".

امتيازات مغرية

أولئك الذين ينضمون إلى برنامج الخدمة المدنية من العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل والفلسطينيون من شرق القدس (يحملون الهوية الإسرائيلية)، يحصلون على المزايا نفسها التي يحصل عليها الجنود في الجيش الإسرائيلي، والتي تتضمن حوالى 1000 شيكل (300 دولار) شهرياً، ورعاية صحية مجانية، واستخدام مجاني لوسائل النقل العام، ومنحة بقيمة 11000 شيكل (2800 دولار) في نهاية خدمتهم عن كل سنة، وإذا خدموا لمدة عامين يتم دفع كلف دراستهم الجامعية لعام واحد، ويحظى الناطقون بالعربية بشكل استثنائي ببرنامج إعداد للجامعة لمدة عام ممول بالكامل، يحصلون فيه على مبلغ يتراوح بين 1500 و3700 شيكل (500 و1200 دولار) تبعاً لظروف عائلاتهم.

مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري الذي شكك في أهداف تلك الامتيازات قال، "الخدمة المدنية هي رديفة للخدمة العسكرية في الجيش، وما يجري هو تحايل في المسميات كخدمة مدنية أو تطوع جماهيري أو إنساني وما إلى ذلك. في مضامين تلك الخدمة التي قد تستمر عامين وأكثر خفايا خطرة كالإسقاط، فالخدمة فعلياً هي للاحتلال ومؤسساته المختلفة بهدف دمج العرب والمقدسيين وخصوصاً الفتيات منهم، بمؤسسات ذات طابع أمني إسرائيلي، عبر مغريات مادية برواتب مرتفعة وامتيازات جانبية، وإغراء الشباب الذين يعانون البطالة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أضاف الحموري، "محاولات مستمرة لصهر الوعي الفلسطيني الشاب الذي ينتفض من أجل القدس والمقدسات من خلال هذه المشاريع وإيهام المواطن القابع تحت الاحتلال أنه في دولة تحترم حقوق الإنسان وتحترم مواطنيها وتقدم تسهيلات، كل ذلك ليس إلا لمسح الهوية الفلسطينية الوطنية وزيادة ربط حياة الناس بشكل يومي بالمؤسسات الإسرائيلية، وبالتالي صعوبة التخلي عنها والتمرد عليها".

ارتفاع ملحوظ

مسؤولون في جهاز الخدمة المدنية أكدوا أن نجاح البرنامج وارتفاع نسب المنخرطين فيه من المقدسيين والعرب يرجع إلى الثقة المكتسبة من المجتمع العربي من خلال عدم محاولة فرض الانصهار عليهم (خدمة غير إلزامية بموجب القانون)، وكذلك النتائج الإيجابية للمشاركين، فالمتطوعون العرب ينجحون في إيجاد وظائف بعد البرنامج بنسبة 85 في المئة.

وبحسب الموقع الرسمي للهيئة القومية للخدمة المدنية في إسرائيل، هناك ما يقرب من 18000 متطوع في الخدمة المدنية الوطنية من كل القطاعات والفئات، بينهم قرابة 5000 متطوع غير يهودي، 70 في المئة منهم مسلمون والبقية من المسيحيين والدروز والشركس، و90 في المئة منهم من النساء.

المدير العام للجهاز روفين بينسكي يقول، بحسب الموقع الإلكتروني للهيئة، "تأتي الخدمة المدنية الوطنية في طليعة العمل الاجتماعي في دولة إسرائيل، وفي كل عام يقرر أكثر من 15000 شاب وشابة من كل الطوائف والجداول قضاء ما بين سنة إلى سنتين من حياتهم وتكريسها للدولة والمجتمع. كل واحد منهم هو حلقة وصل في السلسلة الكبيرة من المرونة الاجتماعية المدنية الوطنية، من خلال نشاط تطوعي لا مثيل له، والغرض من الهيئة هو توسيع دائرة التطوع لتمكين الجميع من خدمة هادفة ومفيدة من حيث الإسهام الفاعل وتمكين الحقوق والتوظيف والتعليم لخريجي الخدمة، والعمل معاً لإحداث التغيير نحو الأفضل في المجتمع الإسرائيلي".

جذب للفتيات

بحسب المروجين ووسطاء الخدمة المدنية من العرب، تضمن الخدمة المدنية التي بدأت عام 2000 أعمالاً يتمحور معظمها في العمل بالمستشفيات ومراكز صناديق المرضى وجهاز الإطفاء ومكافحة المخدرات وبعض المكتبات والمدارس والمجالس البلدية ومراكز الشرطة الجماهيرية، ولا تحتاج غالباً إلى مهارات أو إتقان للغة العبرية، لذلك تعتبر جاذبة للإناث بشكل أكبر من الذكور (بين 18 و23 سنة)، إلا أن بعض هذه الأعمال قد يكون ضمن الأعمال اللوجستية في المحاكم والسجون والأحداث والشؤون الاجتماعية.

الحكومة الإسرائيلية نشرت سابقاً أن هناك أكثر من 100 فتاة مقدسية يتطوعن في الخدمة المدنية في المدارس ورياض الأطفال، وأن المقدسيين الشباب يريدون مزيداً من "المزايا والاندماج".

إحدى الناشطات المقدسيات التي تراجعت عن أداء الخدمة المدنية تقول، "في الظاهر الأمور تبدو طبيعية، عمل بسيط لا يحتاج إلى العبرية أو ساعات عمل طويلة، لكنه في الباطن مشروع أمني سياسي صهيوني يهدف بالدرجة الأولى إلى دمج الشباب العرب في المجتمع الإسرائيلي بالتدريج، وهناك فتيات فلسطينيات بدأن العمل بداخل مكتبة أو روضة ومدرسة أو مؤسسة طبية، وانتهى بهن الأمر للانخراط بأداء الخدمة في صفوف الشرطة والأمن، فالاحتلال يستغل الأزمة الاقتصادية لدى الفلسطينيين فيقدم للشباب المغريات المالية والتوظيف، وهذا يعني بالضرورة مسح الهوية الوطنية الفلسطينية".

مصلحة عليا

وزير شؤون القدس والتراث الإسرائيلي زئيف إلكين تحدث لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية قائلاً، "انخراط الشباب الفلسطيني في الخدمة من شأنه أن يخفض مستوى التوتر الأمني الذي بلغ ذروته منذ اندلاع الهبة الفلسطينية في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، كما أن المشروع يشجع على التشغيل المحلي ويعزز السيادة الإسرائيلية في المدينة"، ورأى الوزير الإسرائيلي أن انخراط شابات فلسطينيات في المشروع "مصلحة إسرائيلية عليا".

استطلاع للرأي أجراه مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان (منظمة حقوقية فلسطينية)، عن مدى القبول "بيهودية الدولة" عام 2015، أظهر أن 30 في المئة من الفلسطينيين ممن لم يلتحقوا بالخدمة المدنية يقبلون بيهودية الدولة، بينما ارتفعت النسبة إلى 80 في المئة لدى الفلسطينيين الذين التحقوا بالخدمة المدنية.

في حين أكد مركز "مدى الكرمل" للدراسات الاجتماعية التطبيقية من خلال دراسة بحثية حول "الخدمة المدنية" أن 70 في المئة من الشباب يرفضون مشروع الخدمة المدنية والانخراط فيها، بينما استعد 30 في المئة لقبولها، في إشارة إلى أن معظم المنخرطات من الفتيات في "الخدمة المدنية" قبلن بها لأسباب اقتصادية واجتماعية، منوهين بأن معظم الفتيات اللواتي خضن التجربة "لا ينصحن غيرهن بخوضها".

مدير فرع القدس في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان رامي صالح قال بدوره، "تفاجأنا بأن عدداً لا بأس به من المقدسيين لا يدركون مدى خطورة الخدمة المدنية، فكانت الورشات والندوات هي الفرصة لتحذيرهم من انضمام أبنائهم إليها، لكن جهاز المخابرات الإسرائيلي يلاحق النشاطات التوعوية في هذا المجال ويمنع إقامتها، ومع ذلك فهناك مؤسسات مقدسية وشبابية تسعى إلى نشر الحقائق والتوعية بأخطار تلك الخدمة على الرغم من كل المعوقات".

مطالبات ودعوات

وفي الوقت الذي تنادي فيه أصوات إسرائيلية بفرض الخدمة المدنية على الفلسطينيين بدعوى "المساواة بين مواطني الدولة" على صعيد الواجبات، دعت عضو الكنيست ميري ريغب إلى فرض الخدمة المدنية الإلزامية على جميع العرب في إسرائيل، مشيرة إلى أن كل من يرفض ذلك عليه التخلي عن الجنسية الإسرائيلية.

وفي حديثه مع "اندبندنت عربية"، نبه إمام وخطيب المسجد الأقصى ورئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري من أن الانضمام إلى هذه الخدمة المدنية والانصياع لمغرياتها غير مشروع، ولا يجوز شرعاً "الالتحاق بما يسمى الخدمة المدنية كمن يلتحق بالجيش الإسرائيلي، فهو أمر محظور".

المزيد من تقارير