Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تقول رواية "هجران" للتنزاني عبد الرزاق غورنا؟

تتناول جزر الأرواح التائهة

في رواية تلو الأخرى، يؤكد الكاتب البريطاني المولود في زنجبار، عبد الرزاق غورنا، بقوة أحقيته الخيالية بالساحل الشرقي لأفريقيا، تلك الشواطئ حيث تزفر الهند أنفاسها على القارة السمراء ويزدهر الإسلام المنقول إلى تلك الأراضي. وتقدم روايته السابعة "هجران" Desertion صورة تنضح بالألوان عن جزيرة زنجبار أيام الاستعمار في منتصف القرن العشرين، وكذلك الجزر الصغيرة التابعة لها، إذ تصف ضوضاءهم، وحشودهم، والغبار، والجدران المدمرة، وعلى وجه الخصوص التصميمات الداخلية الخبيئة لأماكنهم حيث ينضج الشغف السري.

تمتد حوادث الحكاية أجيالاً عدة كي تستحضر حوادث محلية رئيسة من الفترة الاستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر، وكذلك أواخر الخمسينيات، قبل فترة ليست طويلة من الاستقلال. وعلى خلفية هذه الكثافة المفعمة بالحيوية لتاريخ زنجبار الحديث، والمعبرة عنه أيضاً، تعيش الشخصيات الرئيسة في الرواية قصص حب غير محسومة وحيوات تُسكَت فيها الرغبة بطريقة تبدو قاسية وغير عقلانية.

وإذ تروى من وجهة نظر راشد، الأخ الأصغر والمجتهد لأمين، إحدى الشخصيات الرئيسة في منتصف القرن، تبدو رواية "هجران" للوهلة الأولى أنها تدخل في أغنية كئيبة عن الحاضر والماضي يتم التنقل فيها سريعاً بين القرار والجواب [هما حدان يتنقل بينهما الصوت أثناء الغناء]. ثمة شعور قوي بالهلاك والخسارة والهجران الذي لا مفر منه تقريباً، يربط بين قصتي الحب الرئيستين في العمل. ويتجلى ذلك الشعور في ابتعاد راشد نسبياً عن قلب الحدث، إذ يعاني شعوراً مخيفاً مع تحوله طالباً أجنبياً في بريطانيا إبان ستينيات القرن العشرين.

في القسم الأخير والأقصر من الرواية، يتقدم الراوي [راشد] الذي يتمتع بكاريزما واضحة كي يروي قصته الخاصة عن المنفى البارد. ويحلل منطق الأجيال، إذ يولد الهجران المزيد منه، إضافة إلى الإهمال الاستعماري ورفض ما بعد الاستعمار. بأسلوب نثر تحريضي ساخر، يصف الراوي المراحل التي اكتسب من خلالها هوية الأجنبي صاحب البشرة الداكنة في إنجلترا، ولجوءه إلى الحياة الأكاديمية، وتضاؤل ​​أي إمكانية أمامه في العودة إلى جزيرته.

تعني الاضطرابات العنيفة التي شهدتها زنجبار في فترة ما بعد الاستقلال أن ما فعله لم يكن هجران شخص بل بلد بأكمله، وبالتالي، هجران الأسرة. ويؤدي انهيار زواج راشد وغريس، التي التقى بها في إنجلترا، إلى جعله قادراً على التماهي مع أحزان العشاق الآخرين من أبناء جلدته. إن أوجاع القلب ووداع الماضي الإمبراطوري محكوم عليهما بأن يتكررا إلى أن يحين الوقت الذي يكون فيه راشد قادراً على ربط الخيوط المفككة لحياته وشدها بشكل نهائي، بفضل سياق سرديته، ولقائه مصادفة مع حبيبة جديدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك تقدم رواية "هجران" صورة عن مارتن بيرس، ذلك المستعمر "المتذبذب" الذي يفضل التحدث بالعربية مع السكان الأصليين. وتعتبر تلك الصورة تجربة في رسم الشخصيات بأسلوب يعتمد على الانخراط في دواخلها. وبفضل التناقضات القوية [التي تنجم عن مقارنة صورة مارتن] مع الرجال البيض الأكثر "استبداداً"، كاد غورنا ينجح في ذلك. على كل حال، ثمة دلالة كاشفة أن تزْهِر قصة الحب الأقل إقناعاً في الرواية، بين عشيقة بيرس الزنجبارية ريحانة، وذلك الرجل الإنجليزي اللطيف، وقد تنبهنا إلى ذلك منذ لحظة لقائهما الأول، قبل الانزلاق إلى الخزي الاجتماعي والهجران، وحتى قبل الإفصاح عن ذلك الحب.

إذ يأتي تقرب بيرس من عشيقته في خطواته الأولى، محملاً بإشارات استعمارية غير مباشرة، تتراوح بين الروائي الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون [الذي استقر في جزيرة "ساموا" في نهايات القرن التاسع عشر] إلى استكشافات الرحالة الإنجليزي ريتشارد بيرتون. ويشكل ذلك تمهيداً للتوغل الفادح للغرب في حياة سيعمل على تغييرها تماماً، على الرغم من نياته الحسنة في بعض الأحيان. عند الوصول إلى هذه النقطة، من المتوقع أن يكون محكوماً على قصة الحب بالفشل منذ البداية.

وفي المقابل، على الرغم من كل التواطؤات والمقاربات المقلقة في الرواية، تحتوي "هجران" مواقف مفرحة كثيرة. إذ يجيد الكاتب غورنا بشكل خاص، نقل لحظات التواصل التي تحافظ على "التيارات العشوائية في عصرنا" بصدق، التي تشمل المودة والتسامح بين الإخوة، والحب الأبوي، والهشاشة الحذرة لشاب مغرم. بغض النظر عن التقسيمات الحادة لتاريخ فترتي الاستعمار وما بعد الاستعمار، تتيح تلك الاستراحات للغضب أن يتحول تفهماً، وكذلك تشجع البدء في العمل على تذكر أشياء الماضي المفقودة.

 تدرس إيليك بوهمر في كلية رويال هولواي بجامعة لندن، ووصل كتابها "الأدب الاستعماري وما بعد الاستعمار" Colonial & Postcolonial Literature، من مطبوعات جامعة أكسفورد، إلى النشر.

*نشرت اندبندنت هذا المقال في 2005، وتستعيده اليوم اندبندنت عربية في مناسبة فوز الروائي عبد الرزاق غورنا بنوبل للآداب

© The Independent

المزيد من ثقافة