منذ بدء الحرب في سوريا وتدخل إيران فيها إلا أن موازين القوة على الأرض لم تتغير لمصلحة الرئيس السوري بشار الأسد إلا بتدخل روسيا. وعلى الرغم من كون التدخل الروسي جاء بدعوة من إيران عام 2015، إلا أن طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في سوريا تثير كثيراً من علامات الاستفهام، فهل هي تتراوح ما بين التحالف والشراكة أم المنافسة؟
ويعد إعادة بناء الجيش السوري أحد أهم الجوانب التي تتضح فيها المنافسة بين الطرفين، ويرجع ذلك إلى عاملين، الأول هو اختلاف منظور كل من روسيا وإيران للطبيعة التي يجب أن يكون عليها الجيش السوري، والعامل الثاني أن هذا المنظور يرتبط بماذا يريد كل طرف من سوريا.
أهداف عدائية داخلية
يتشارك الطرفان فقط في دعمهما النظام السوري، فبينما دأبت موسكو على القصف باستخدام الطائرات، كانت طهران تدفع بميليشياتها على الأرض للهدف نفسه، لكن بشكل عام العلاقة بين روسيا وإيران في سوريا تكتيكية وليست استراتيجية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتستهدف روسيا إصلاح الجيش السوري على مستوى البناء والتشغيل وتشكيل وحدات جديدة واسعة النطاق وشبه نظامية، ودمج مجموعات غير نظامية وجماعات مختلفة في هذه الوحدات.
ومن الصعب توقع عودة جيش ما قبل الحرب الذي كان موجهاً نحو حرب تقليدية واسعة النطاق مع أعداء خارجيين.
إن ما حدث لسوريا على مدى السنوات الـ 10 الماضية كان لأسباب داخلية، ومن ثم فإن تجهيز وإعداد الجيش السوري سيتناسب مع المفهوم الجديد للأعداء الذى سيكون موجهاً ضد أهداف عدائية داخلية، لأن التهديدات الخارجية ليست أولوية بالنسبة إلى دمشق في هذه اللحظة.
تقليص نفوذ إيران
وكانت المحاولة الروسية الأولى لتحديث القوات السورية هي إنشاء الفيلق الرابع، وجرى إنشاء وحدات جديدة من قوات الدفاع الوطني غير النظامية والمجندين من اللاذقية، وتعيين مستشارين من الرتب العليا في الجيش الروسي في كل كتيبة ولواء وتقسيم في الجيش النظامي، وبعد ذلك قررت موسكو إنفاق مزيد من الموارد على إنشاء الفيلق الخامس، وربطه بقوات من قوة الدفاع الوطني.
وعمدت روسيا إلى بناء هيكل يعتمد على الضباط والمستشارين الروس، الأمر الذي يثير منافسة روسية إيرانية على النفوذ في تعيين قادة كبار في الجيش السوري.
ومن جهة أخرى، اتخذت إيران وحزب الله خطوات للتأثير في إعادة بناء الجيش، بخاصة في نشر الطائرات والقدرات الهجومية على غرار صواريخ أرض - أرض وطائرات من دون طيار، كما عملت على بناء وتدريب وتشغيل قوات خاصة في الجيش السوري، من بينها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السوري ووحدات الأمن الداخلي والميليشيات شبه العسكرية المحلية الموالية للنظام السوري.
وفي ظل جهود روسيا لتوسيع سيطرة وتحكم الجيش السوري واستيعاب عدد من الجماعات التي استسلمت، فإن الميليشيات الموالية لإيران لا تزال غير خاضعة لقيادة الجيش. وتعلق موسكو أهمية كبيرة على إصلاح الجيش لتقليص نفوذ إيران وتحقيق هدفها في وجود أطول في سوريا بقواعدها العسكرية والبحرية هناك.
أين يقف النظام؟
اختلاف منظوري روسيا وإيران لا يعنى عدم حاجة نظام الأسد إليهما، ففي حين تعتمد الجهود الروسية على تشكيل وحدات قتالية عالية الجودة سريعة الانتشار للتعامل مع أي تظاهرات أو اضطرابات داخلية، أي التعامل مع التهديدات الداخلية، يحتاج الرئيس السوري للجهود الإيرانية التي تنقل إليه القدرات الهجومية غير التقليدية، والتي تؤهله لأي مواجهة مع الضربات الإسرائيلية، فضلاً عن أن هذا الهدف تسعى إليه إيران كذلك، وهو تشكيل قدرات في الأراضي السورية يمكن لإيران و"حزب الله" استخدامها في أي مواجهات مع إسرائيل.
وعلى الرغم من اعتماد النظام السوري على روسيا وإيران، فإن أهم التحديات التي ستواجهه هي الولاء وتوازن القوى بين الجيش والميليشيات الخاضعة للنفوذ الإيراني، كما يتجلى في النموذج العراقي، حيث يكون الجيش ضعيفاً مقارنة بالميليشيات.
كما تعد إعادة بناء الجيش السوري جزءاً من سلسلة التحديات والفرص التي تواجه الشراكة الروسية - الإيرانية في الشرق الأوسط، فالخطط الروسية لتوحيد القوات تحت قيادة واحدة تتعارض بشكل مباشر مع مصالح إيران، إذ يجري تمويل هذه الوحدات من قبل طهران، وبالتالي فهي أكثر إخلاصاً لإيران من سوريا.