Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد الأزمة بين الجزائر وفرنسا هل طوي ملف الذاكرة بين البلدين؟

"العلاقة بين الجانبين تبقى قوية بقوة الذاكرة بينهما التي لا تنفصم ولا تنفصل عن سياقها التاريخي"

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ ف ب)

يتساءل المتابعون حول مصير ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا بعد التوتر الحاصل بين البلدين الذي تعدى التصريحات والبيانات إلى إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، ويبدو أن الماضي المشترك بين الجزائر وفرنسا لن يعرف طريقه إلى الطي في ظل تكرار "المناوشات"، على الرغم من دعوة ماكرون للتهدئة.

توتر واستغراب

لقد بلغ الخصام بين باريس والجزائر ذروته خلال الأيام الأخيرة، وأعاد العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر، ومعها ملف الذاكرة الذي راهن عليه الجانبان من أجل تجاوز نقاطه العالقة، بخاصة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه "قبل 1830 لم تكن هناك أمة جزائرية"، وتابع أن "النظام السياسي العسكري في الجزائر بني على ريع مرتبط بالذاكرة"، معتبراً أن "من يصنع الكراهية والعداء ضد فرنسا هو النظام السياسي والجيش وليس الشعب الجزائري".

وما يثير الاستغراب ثقة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في نظيره الفرنسي، إذ قال في تصريحات إعلامية إنه "مع ماكرون نستطيع الذهاب بعيداً في التهدئة وفي حل المشكلات المتعلقة بالذاكرة، هو رجل نزيه ونظيف تاريخياً، وأعتقد أنه صادق في كل ما يقوله"، فهل بعد الذي حدث ما زال ماكرون ومعه فرنسا محل ثقة؟ يتساءل مراقبون؟

هروب إلى الأمام؟

وفي حين ترقب الطرف الجزائري اعتذارات من الرئيس الفرنسي، تعمد هذا الأخير الهروب إلى الأمام، وقال في حوار مع إذاعة "فرانس إنتر"، إنه يكن احتراماً كبيراً للشعب الجزائري، كما "لدي علاقات ودية مع الرئيس عبد المجيد تبون"، مضيفاً أنه "نرجو أن نتمكن من تهدئة الأمور لأني أعتقد أن من الأفضل أن نتحدث إلى بعضنا بعضاً وأن نحرز تقدماً"، مشدداً أن التوترات الحالية مع الجزائر إنما ترجع إلى الجهود المبذولة في فرنسا حول عمل الذاكرة بين البلدين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلق حالة عدم ثقة

في السياق، يرى أستاذ الحقوق، عابد نعمان، أنه بغض النظر عن المصالح، هناك شعور يتولد لدى الدولة المستعمرة لا يمكن التخلي عنه بسهولة، وهو الشعور بالاستعلاء والانتصار، و"هنا نتذكر جيداً في كتب التاريخ الاحتفال بالذكرى المئوية للاحتلال في سنة 1930"، وأضاف أن "الهدف من النبش هو خلق حالة عدم ثقة وشعور بالانتقام، وكذلك إعطاء الشرعية لمن افتقدها بمجرد إعادة مناقشة أشياء لا يجوز النقاش فيها أصلاً، وتمييع المبادئ وطرحها للمفاوضات والطعن فيها"، موضحاً "الوعي بعدم الدخول في أي سجال مهما كان نوعه، والانضباط للقوانين، حيث يبقى المجرم مجرماً فاقداً لأي شرعية ولا نعطيه أكثر من حجمه المحدد في القانون، من أهم أدوات مواجهة هذه المحاولات".

ويواصل نعمان، أن "مسألة الذاكرة جوهرة العقل الجمعي الجزائري، وهي المرجعية الأساسية والدينامو الذي حرك الفرقاء، حيث في كل محطة إعلامية إلا ونسمع دعاة المصالحة مع الذات، وهذا يعني أن هناك عقدة عدم رضا بما هو معلوم عن الماضي، ما زرع هالة من الشك أججت الصراع، وفتح نقاشات عدة حول مصطلحات كالفتح أو الغزو، والحركي أو الاندماجي، وغيرها"، موضحاً أن "المجتمع الجزائري حساس بطبعه إزاء أمجاده التي يفتخر بها، بالتالي أمر طبيعي اعتبار الذاكرة مسألة خطيرة، تسيل لعاب العدو في أن يدخل عبرها لهز العمق الجزائري بالتشويش على العقل الجمعي"، وختم أن فرنسا لن تتخلى عن ماضيها بسهولة.

الصحافة الفرنسية... حان وقت قول الحقيقة

إلى ذلك، أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية، أن الرئيس ماكرون بذل جهوداً سابقة بهدف تحقيق مصالحة الذاكرة مع الجزائر، وأنه يشهد له على ذلك تعيين المؤرخ بينجامين ستورا وصدور تقريره حول حرب الجزائر الذي يحوي مقترحات ترمي لإخراج العلاقة بين فرنسا والجزائر من الشلل الذي تسببه قضايا الذاكرة العالقة، كما اعتبرت أنه مع اقتراب الذكرى الـ60 لاستقلال الجزائر، "حان الوقت أن تقال الحقيقة كما هي بين فرنسا والجزائر حتى في ما يخص تلك الحقائق التي يصعب التعبير عنها". 

وتابعت أن " للجزائريين والفرنسيين الحق في تاريخ خال من قبضة الدولة، وهذا يفترض أن تعترف فرنسا بمسؤوليتها في الاستعمار، ولكن يجب أيضاً أن يوضع حد للتلاعب بالحرب الرهيبة التي سمحت للجزائر أن تستقل بشكل مشروع".

من جانبها، شددت صحيفة "لوفيغارو"، أن الأسباب التي أدت إلى تأزم الوضع بين البلدين تعود إلى أن الرئيس ماكرون "ضغط على نقطتين حساستين، هما الشرعية التاريخية لمن هم في السلطة ومكانة الجيش في الصرح الجزائري"، مشيرة إلى  أن "حقبة المكالمات الهاتفية الحميمية قد ولت بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون اللذين كانت توصف العلاقات بينهما بالممتازة".

علاقة قوية بقوة الذاكرة

ويعتبر الناشط السياسي، سعيد مرسي، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن العلاقة بين فرنسا والجزائر تبقى قوية بقوة الذاكرة بينهما التي لا تنفصم ولا تنفصل عن سياقها التاريخي المليء بالأحداث والمآسي نتيجة الاستعمار، وقال إن تعامل فرنسا مع ملف الذاكرة يأتي بما يضمن مستقبل علاقاتها وأفضليتها الاقتصادية في الجزائر، مبرزاً أن المصلحة المميزة التي تربط بين البلدين أعتقد هي الراجحة عن التوتر الحاصل، ومهما كان فستأخذ الذاكرة ما يلائمها من التاريخ لصالح البلدين، وتابع أن الجزائر لا شك سيكون لها تأثير وشأن على مستوى الوقع السياسي الفرنسي بحكم سابقة الاستعمار والوجود الكبير للجالية.

المزيد من تقارير