عندما دوّت صفارات الإنذار عقب سقوط صواريخ في تل أبيب قبل أسابيع على الانتخابات العامة، بدا ألا مناص من اندلاع الحرب بين إسرائيل وغزة.
فإطلاق ذخائر بعيدة المدى على العاصمة الإسرائيلية التجارية التي تعج بالاحتفالات وتبعد حوالي 80 كيلومتراً عن القطاع – كان استفزازاً خطيراً. وسبق وشُنّت الغارات الإسرائيلية على غزة قبل الجولات الانتخابية الإسرائيلية الثلاث، فالوضع الأمني ساهم في فوز رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بمزيد من الأصوات.
وحالياً، فإنّ حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو لا يحرز أي نتائج جيدة في استطلاعات الرأي (إذ أظهر استطلاع الرأي الأخير بأن الحزب هذا سيحصل على 28 مقعداً فحسب في البرلمان الذي يضمّ 120 نائباً). ويعود هذا، إلى حد كبير، إلى خوضه الانتخابات وسيف احتمال إدانته بالفساد مسلط عليه.
مع بلوغ التوتر أوجّه - وفي الماضي كان ذلك كفيلا بإشعال فتيل الحرب. إلا أنه على الرغم من قصف الطائرات الإسرائيلية لمئة هدف في غزة رداً على الصواريخ، و هو ما ادى إلى المزيد من عمليات إطلاق الصواريخ عبر الحدود، امتنع الطرفان، إلى حد كبير، عن زيادة التصعيد. والأسباب الكامنة حول موقفهما هذا بدأت تنجلي مع بروز تفاصيل هجوم تل أبيب.
أما "حماس"، الحركة التي تدير غزة، فذكرت بأنها تجهل الجهة التي أطلقت الصواريخ على تل أبيب، مضيفةً بأنها كانت تعقد لقاءً للبحث في ترتيبات وقف إطلاق النار مع المسؤولين الأمنيين المصريين ساعة وقوع الاعتداء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما نفت حركة "الجهاد الإسلامي" - وهي جماعة أكثر تشدداً من "حماس" وهي ناشطة في القطاع- أن يكون أعضاؤها يقفون وراء الهجمات. ويبدو أن الاستخبارات الاسرائيلية فوجئت بالاعتداء وأخذت على حين غرّة.
وتبين من هذا كله بأن مقاتلين غير قياديين تصرفوا من تلقاء نفسهم من دون الرجوع الى قيادتهم.
ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية قولهم إن هؤلاء الناشطين المبتدئين كانوا "يعبثون" بقاذفة صواريخ كانت مجهّزة لإطلاق النار باتجاه تل أبيب، وبالتالي كان الهجوم "عرضياً". ووصفت القناة 13 الإسرائيلية ما حصل بأنه حادث شبيه بحوادث بالبرنامج الهزلي "مونتي بيتون"
لكنها أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت "حماس" تسيطر على مقاتليها المحبطين أكثر فأكثر، في وقت تسعى بصعوبة الى التعامل مع موجة الغضب المتعاظمة بسبب الظروف الاقتصادية والإنسانية القاسية في المناطق المحاصرة.
في اليوم نفسه الذي شهد إطلاق الصواريخ "العرضية"، بُث تسجيل يُظهر قوات "حماس" وهي تضرب وتعتقل عشرات الأشخاص بمن فيهم صحافيون محليون، خلال تظاهرة احتجاجية في غزة على الزيادات الضريبية الجديدة التي فاقمت ظروف العيش الصعبة أساساً في الأراضي المحاصرة.
وبعد ذلك بيوم، تجمّع مئات المتظاهرين الآخرين في منطقة دير البلح وسط غزة، وقُمعت هذه الاحتجاجات، وفُرقت صفوف الجموع.
معلوم أن مستويات البطالة في هذا الجيب المحاصر، وهو يمتد على مساحة 25 ميلًا ويعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، هي الأعلى في أوساط الشباب على وجه المعمورة. ويعود ذلك، إلى حد كبير، إلى الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 11 عاماً، لكن اللوم يقع أيضاً على سوء إدارة "حماس" التي تساهم في تفاقم البؤس.
لذا، مشاعر الغضب والحنق تتعاظم في أوساط سكان غزة.
في هذه الأثناء، يواجه نتنياهو دعوات متزايدة لشنّ عملية عسكرية قبل الانتخابات. وانتقد نفتالي بينيت، وزير التعليم، وهو شريكه في التحالف، رده على الصواريخ التي استهدفت تل أبيب ووصفه بأنه "مثير للشفقة" وطالب "بمطاردة من غير هوادة قادة "حماس" والسعي إلى تحييدهم والحد من نفوذهم بشكل حازم".
كما دعا منافس نتنياهو الرئيسي في الانتخابات وقائد الجيش السابق، بيني غانتز ،إلى انتهاج "سياسة صارمة ومتواصلة إزاء حماس". حتى زعيم حزب العمل، آفي غباي، قال إن الوضع الأمني في جنوب إسرائيل هو "الأسوأ على الإطلاق" وتعهّد باعتماد مقاربة "مختلفة تماماً" في حال انتخابه رئيساً للوزراء.
يبدو أن قيادة "حماس" ونتنياهو مترددان في العودة إلى الحرب، ولكنهما يواجهان ضغوطاً متزايدة من شتى الجهات لشنها.
وفي الأسبوعين القادمين، يُتوقع أن يتفاقم الوضع مع ذكرى بدء مسيرة العودة الكبرى مع تنظيم أهالي غزة تجمعات أسبوعية عند الأسوار الحدودية مع إسرائيل احتجاجاً على الحصار.
وكانت القوات الإسرائيلية أردت حوالي 200 شخص من سكان غزة منذ بدء الاحتجاجات في 30 مارس/آذار 2018، بحسب الأمم المتحدة التي قالت إن عمليات القتل هذه قد تُعتبر جرائم حرب .
وبرر الجيش الإسرائيلي أفعاله هذه بقوله إن الفلسطينيين ألقوا طائرات ورقية حارقة وبالونات مفخخة على إسرائيل وحاولوا اختراق الحدود مراراً، مما عرّض المدنيين للخطر.
نبّهني الطرفان إلى أن الذكرى السنوية هذه يُرجح أن تكون يوماً دموياً طويلاً، وأنها قد تكون منعطفاً. وعلى الرغم من حذر القيادات، إلا أن ما يحصل على الأرض قد يقلب الأمور رأساً على عقب ويخرج عن طوعهم.
© The Independent