Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بكين تبعث رسالة تحذير بتوغل عسكري فوق تايوان... فماذا بعد؟

يستبعد مراقبون أن تحمل هذه التحركات تهديداً بحرب مرتقبة لكنها تؤكد قوة الصين

أرسلت بكين عشرات المقاتلات بالقرب من المجال الجوي لتايوان (أ ب)

توغل عدد قياسي من الطائرات العسكرية الصينية في المجال الجوي بالقرب من تايوان خلال يومي الجمعة والسبت، حيث شاركت 77 طائرة عسكرية بما في ذلك قاذفة قنابل "أتش-6"، وهي جزء من منظومة الردع النووي الصينية، في استعراض قوة يهدف للرد على تحركات إقليمية ودولية بقيادة الولايات المتحدة.

التوغل الذي جاء خلال احتفالات الصين بالذكرى الـ 72 لتأسيس الجمهورية الشعبية، أثار مخاوف في تايبيه من محاولة احتلال الجزيرة التي تصر بكين على أنها جزء من أراضيها، كما تطالب بالمضيق الذي يفصل البر الرئيس للصين عن جزيرة تايوان، فضلاً عن خلافاتها مع دول المنطقة في شأن مناطق السيادة على البحر الجنوبي. 

المقصود أميركا

في حين قد لا تحمل تلك التحركات تهديداً بحرب مرتقبة، لكنها تعكس رغبة الصين في فرض هيمنتها إقليمياً في مواجهة تحالفات عسكرية وأمنية، بل وتجارية في المنطقة بقيادة قوى عالمية تستهدف تحدي النفوذ الصيني المتصاعد، فخلال سبتمبر (أيلول) الماضي برز حدثان شكلا رسالة تحد مباشرة لبكين في منطقة "إندو باسيفيك" التي تشهد توسعاً متواصلاً للصين.

جاء الحدث الأول مسبباً دوياً كبيراً بالنظر إلى ما ارتبط به من خلاف كبير دب بين الحلفاء الغربيين عندما اختطفت الولايات المتحدة صفقة غواصات بقيمة تفوق الـ 60 مليار دولار من فرنسا، إذ تخلت أستراليا عن عقد لشراء غواصات تقليدية من باريس لمصلحة شراء غواصات تعمل بالطاقة النووية باستخدام التكنولوجيا الأميركية والبريطانية، في إطار تحالف أمني ثلاثي جمع الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا باسم "أوكوس". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال قمة افتراضية استضافها بايدن في البيت الأبيض منتصف الشهر الماضي، وشارك فيها عبر الفيديو كل من رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون، أعلنت واشنطن، الساعية إلى تعزيز تحالفاتها في كل الاتجاهات للتصدي لبكين، تشكيل تحالف أمني استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ باسم "أوكوس".

التحالف الدفاعي الجديد، الذي يهدف إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي في منطقة المحيط الهادئ ينطوي على مجالات تعاون تتعدد بين تقنيات الأمن الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والقدرات البحرية تحت الماء والصواريخ الفوق الصوتية، وهو ما أثار رداً من الصين التي وصفت مراراً التحالف بأنه يهدد السلام الإقليمي والدولي ويؤدي إلى سباق تسلح. 

الغواصات النووية

في حين أن الصفقة تنطوي على بيع غواصات تعمل بالطاقة النووية لكانبيرا، التي تقع في الشطر المقابل لجنوب الصين، وليس بيع أسلحة نووية، غير أنه في إطار سباق التسلح النووي بين القوى الكبرى الذي عاد إلى الواجهة خلال السنوات القليلة الماضية، أصبحت الأسلحة النووية المثبتة في الغواصات أو ما يعرف بـ "الغواصات النووية" التي يشار إليها اختصاراً SSBN (غواصات الصواريخ الباليستية التي تعمل بالطاقة النووية)، سلاحاً رئيساً يعمل كقوة ردع استراتيجية.

ويقول مراقبون "إنه منذ حقبة الحرب الباردة اختبأت الغواصات التي تحمل أسلحة نووية بهدوء في أعماق المحيط، حيث لعبت دوراً مهماً في الردع النووي الدقيق، ويسير منطق استخدام غواصات ذات قدرات أسلحة نووية كرادع تحت سطح البحر على النحو التالي، إذا ما أعلنت أن لديك رؤوساً حربية نووية مخبأة في البحر، يعرف عدوك أنه سيكون لديك دائماً وسيلة للرد، ومن ثم يهدف هذا التسليح تحت البحر إلى أن يكون بمثابة عامل مثبط للهجمات النووية الأولى".

ويرى أستاذ الاستراتيجية في الكلية الحربية البحرية في رود آيلاند بالولايات المتحدة جيمس هولمز أن الغواصات النووية تشكل تغييراً كبيراً في قواعد اللعبة في الحرب تحت سطح البحر. ويقول، "في الأساس أنت تضع إشعاراً لخصمك أنه إذا ما هاجم أولاً، سوف يستقبل وابلاً من الصواريخ الباليستية النووية". ويضيف، "من المهم أن نلاحظ أن البحر لا يزال معتماً للغاية. من الصعب اصطياد غواصة، لا سيما غواصة الصواريخ الباليستية، لأن هذه السفن لم تُبن لتكون هادئة جداً وحسب، بل إنها تصدر القليل من الأصوات إذ لا يمكن لأجهزة سونار العدو اكتشافها".

وبحسب دراسة صادرة عن كلية الأمن القومي في الجامعة الوطنية الأسترالية بالتعاون مع مؤسسة كارنيغي للأبحاث في نيويورك، في فبراير (شباط) 2020، "فإن العصر النووي الجديد يتسم باستثمار العديد من الدول في الردع النووي تحت سطح البحر، ففي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، التي تشكل مركز التنافس الاستراتيجي، تمتلك أربع قوى كبرى وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند برامج غواصات نووية، بينما تسعى باكستان وكوريا الشمالية إلى أشكال أكثر بدائية من القوة النارية النووية التي تطلقها الغواصات، ومن ثم فإن شراء أستراليا ثماني غواصات نووية من الولايات المتحدة يزيد التحديات على بكين في المنطقة التي لطالما اعتبرتها منطقة نفوذ خاص". 

"كواد"

الحدث الثاني الذي زاد من غضب وقلق بكين هو القمة الرباعية التي استضافها البيت الأبيض يوم الجمعة الموافق 24 سبتمبر (أيلول) للحوار الأمني الرباعي (كواد) الذي يضم الولايات المتحدة وثلاثاً من دول منطقة المحيطين الهادئ والهندي (الهند وأستراليا واليابان)، وتعهد القادة المجتمعون بجعل المنطقة "حرة ومفتوحة"، فضلاً عن دعم "حكم القانون وحرية الملاحة والطيران والحل السلمي للنزاعات والقيم الديمقراطية ووحدة أراضي الدول" في تلك المنطقة، التي تسعى الصين إلى استعراض قوتها فيها.

على الرغم من تجنب قادة الدول الأربع ذكر اسم الصين خلال الاجتماع، لكن سرعان ما انتقدت بكين اللقاء باعتباره محاولة لصد صعودها كقوة دولية، وجاء على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها تشاو ليجيان قوله إن "زمرة مغلقة وحصرية تستهدف الدول الأخرى إنما تسبح ضد تيار العصر وطموحات دول المنطقة، ولن تجد من يدعمها ومآلها إلى فشل محتوم". فيما حذر المتحدث باسم سفارة الصين في واشنطن ليو بينغيو من إنشاء "كتل إقصائية" تستند إلى "تحيز أيديولوجي".

شوكة في خاصرة بكين

بالعودة لتايوان فإنها تشكل القضية الأكثر حساسية لبكين في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث تصر الأخيرة على أن الجزيرة الواقعة في الجنوب الغربي قبالة سواحلها جزء من الدولة الصينية، ولا بد من إعادتها إلى سيادتها، فالبلد الذي يقطنه 23 مليون نسمة وتحكمه حكومة منتخبة ديمقراطياً، استقل عن الصين عام 1949، لكن تنظر جمهورية الصين الشعبية إلى الجزيرة كمقاطعة.

وتعتمد تايوان على الأسلحة الأميركية في المقام الأول، إذ يعتمد أمنها الاستراتيجي على الضمانات التي تقدمها واشنطن بموجب قانون العلاقات، ففي يونيو (حزيران) 2017 أعلنت الولايات المتحدة بيع أسلحة بقيمة 1.4 مليار دولار إلى تايوان، وبين عامي 1979 و2017 احتلت "تايبيه" المرتبة التاسعة كأكبر متلق للأسلحة على مستوى العالم، وخلال الفترة نفسها زودت الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة أرباع مشتريات تايوان من الأسلحة، وفقاً لقاعدة بيانات نقل الأسلحة بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.

وخلال السنوات الماضية نشرت الصين كجزء من توسعها العسكري المستمر صواريخ على طول مضيق تايوان، وتجري تدريبات عسكرية بشكل دوري بالقرب من الجزيرة، وأرسلت طائرات مقاتلة وحاملة طائراتها فوق المضيق وحوله في استعراض للقوة. ويقول تقرير لوزارة الدفاع الأميركية لعام 2017 "يواصل جيش التحرير الشعبي تطوير ونشر القدرات العسكرية التي تهدف إلى إجبار تايبيه على الاستسلام، أو محاولة الغزو إذا لزم الأمر".

وعلى الرغم من أن بكين تواصل السعي إلى إحراز تقدم مع "تايبيه" من خلال مناقشة القضايا الاقتصادية والتبادلات بين الأفراد على مستوى عال، إذ ازدهرت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين خلال السنوات الأخيرة، لكنها رفضت التخلي عن استخدام القوة لحل النزاع حول وضع الجزيرة، واعتادت الصين من وقت لآخر إرسال طائراتها إلى المجال الجوي لتايوان كتحذير رداً على أحداث معينة، فالعام الماضي أرسلت 37 طائرة عسكرية إلى تايوان خلال يومين في أعقاب زيارة للجزيرة قام بها مسؤولون أميركيون، إذ تم التأكيد على حق الجزيرة في تقرير المصير.

الشراكة العابرة للمحيط الهادئ

ويتزامن التوغل الصيني الأخير مع مساعي تايوان إلى الانضمام "للاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ"، وهي شراكة تجارية كبرى تضم 11 بلداً من دول آسيا والمحيط، تمثل نحو 13.5 في المئة من الاقتصاد العالمي و500 مليون شخص، بينما تعارض بكين أي شراكة أو تحركات دولية تمنح تايوان مكانة دولة ذات سيادة.

وقال عضو الحزب الديمقراطي التقدمي لتايوان وانغ تينغيو في تعليقات صحافية، "تحاول الحكومة الصينية رسم خط أحمر لتحذير المجتمع الدولي من دعم تايوان". وأضاف: "بالنسبة إلى تايوان فنحن مستعدون جيداً لهذا النوع من المضايقات، ولسنا قلقين بشأنها".

ويشير مراقبون إلى "أن التوغل العسكري الجوي الصيني يخدم على الأرجح عدة أغراض لحكومة الرئيس الصيني شي جينبينغ، سواء كان ذلك يظهر قوة جيش التحرير الشعبي للجمهور المحلي ويمنح الاستخبارات العسكرية الصينية المهارات التي ستحتاجها في أي صراع محتمل يشمل تايوان".

وقال محلل شؤون الدفاع لدى مؤسسة راند لأبحاث السياسة ديريك غروسمان لشبكة "سي إن إن"، "أمر شي جينبينغ جيش التحرير الشعبي بزيادة استعداده والاستعداد للقتال في ظل ظروف قتالية واقعية، ومن ثم فمن غير المفاجئ نسبياً أن يواصل جيش التحرير الشعبي التحليق بالقرب من المجال الجوي لتايوان كجزء من التدريب الواقعي والاستعداد للنزاع المسلح".

لا قتال مرتقب

ومع ذلك يستبعد غروسمان احتمالات قتال مرتقب أو غزو صيني لتايوان، وأضاف أن "جيش التحرير الشعبي لا يزال يعاني العديد من نقاط الضعف، بخاصة عندما يواجه تدخلاً شبه مؤكد من الولايات المتحدة مع دعم محتمل ربما من اليابان وأستراليا. تتفهم الصين الجوانب السلبية الشديدة للهجوم أو الغزو الفاشل لتايوان". 

ويقول آخرون "إن أي رسالة مقصودة من بكين قد لا تتعلق بجزيرة تايوان الرئيسة، وتظهر الخرائط التي عرضتها وزارة الدفاع التايوانية أن التوغل الصيني كان بالقرب من جزيرة براتاس التي تقع في الجزء العلوي من بحر الصين الجنوبي، وهي موطن لوحدة عسكرية تايوانية صغيرة ومهبط طائرات. وكان الأستاذ في جامعة طوكيو للدراسات الأجنبية يوشيوكي أوغاساوارا ذكر في مقالة بصحيفة "ذا دبلومات" أنه "يمكن للصين أن تسيطر على براتاس متى قرر الرئيس الصيني شي جينبينغ"، ومن ثم يرى أن "الجزيرة هي نقطة اشتعال محتملة تحتاج إلى لفت انتباه الولايات المتحدة واليابان ودول ديمقراطية أخرى".

المزيد من سياسة