Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قراء الكتب الدينية ينحسرون في معرض عمان والشباب الأكثر حضورا

رافق الإحتفال بمئوية تأسيس الأردن ومهرجان جرش سرق بعضاً من جمهوره

مشهد من معرض عمّان الدولي للكتاب (الخدمة الإعلامية للمعرض)

على الرغم مما يقال عن تراجع كبير لحضور الكتاب الورقي، لحساب الكتاب الإلكتروني، وما يشاع عن طغيان الكتاب ذي الطابع التجاري والشعبوي، على حساب الكتاب الثقافي الجاد، وغير ذلك من المقولات الشائعة في وسائل الإعلام بتعدد أنواعها وأدواتها، على الرغم من ذلك كله ما زالت بعض معارض الكتاب العربية تشهد ما ينفي، أو يقلل من غلواء هذه الإشاعات، ويمنح الأمل بمواصلة هذه المعارض القيام بدور مهما تضاءل حجمه، لكنه مهم وضروري، في حياة المجتمعات العربية، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، آخذين في الاعتبار ظروف العالم الصعبة ومتعددة العناوين والشعارات، بل إن من اللافت في بعض المعارض بروز ظواهر جديدة فيها، الأمر الذي نستطيع رصد بعض ملامحه في معرض عمان الدولي للكتاب في دورته العشرين. فمن جهة ثمة ظواهر جديدة إيجابية، تتقدمها ظاهرة الحضور "الشبابي" المميز على غير صعيد، ومن جهة موازية تبرز ظاهرة التراجع النسبي، ولا أقول التراجع الكبير، للكتاب ذي الطابع الديني، الإسلاموي تحديداً، ومن جهة ثالثة ثمة حضور لافت لدور النشر "التجارية" (الدكاكين والسوبرماركت) التي تبيع ما "هب ودب"، هذا فضلاً عن الحضور الكثيف والثقيل لدور النشر "دائمة الحضور" يسمونها الحيتان في أعراس الكتاب كافة.. وسيأتي تفصيل ذلك.

القضايا الكبرى

القضايا الكبرى وعناوينها العريضة (قضية فلسطين مثلاً) لم تعد تشهد ما كان لها من إقبال حتى على شعاراتها، وبدا كما لو أن نسبة كبيرة من جمهرة الشباب تميل إلى القضايا والهموم الصغيرة، والعناوين التفصيلية ذات الطابع العلمي والعقلاني. ثمة خفوت لصوت السياسي واليومي، وبحث عما هو "جوهري"، دون غياب لهذا الصوت وتمثيلاته وحمولاته ثقيلة الظل، لكن ثمة حضوراً للخرافة و"الجن" والعفاريت، وللكتاب الديني الساذج، والحكايات الشعبية الممجوجة، وإن بدا هذا الحضور أخف وطأة من ذي قبل، ربما بفعل التأثير الصاعق لوسائط التواصل الحديثة والجريئة، بين جيل الشباب خصوصاً... هؤلاء الذين لم تعد تغريهم جنة الوهم، ولم تعد تخيفهم جحيم الغيب... لكننا، في هذا المعرض، وربما أكثر من سواه، شهدنا بعض دور النشر والمؤسسات الثقافية ذات الطابع الإسلامي توزع، مجاناً، بعض إصداراتها.

المعرض الذي يشهد حضوراً ظاهرياً لعدد من أبرز دور النشر العربية، والقليل من الأجنبية، وأبرزها دار صينية متخصصة بنشر ترجمات للأدب والثقافة الصينيين، يشهد حضوراً طاغياً لدور النشر ذات الأسماء الفاقعة (عصير الكتب مثلاً)، وسطوعاً لعدد من أسماء الكتاب الجدد، شعراء وروائيين، ربما كان أبرزهم كاتب الخواطر "ديك الجن"، والروائي أيمن العتوم وكتاباته المسكونة بروح إسلامية، وإن تعددت مضامينها ، وتحوز مؤلفاته اهتمام فئة واسعة من القراء الشباب، إناثاً وذكوراً، قادرة على اقتناء كتبه بأي ثمن للحصول على توقيعه، والتقاط صور لهن ولهم معه.

تحدي الجائحة

هذا المعرض يشهد غياباً لعدد من دور النشر الكبيرة في العالم العربي، على رأسها دور نشر من لبنان ومصر والمغرب العربي، سبق أن كان حضورها في النسخ السابقة من المعرض مميزاً ولافتاً، بل ربما كان دافعاً للكثيرين إلى زيارته. ويعزو البعض هذا الغياب إلى آثار جائحة كورونا (كوفيد-19). هذه الجائحة التي برزت آثارها واشتراطاتها الصحية لها على الزوار أيضاً، بحيث لا يمكن الدخول إلى المعرض إلا باتباعها، كإبراز شهادة اللقاح، وقياس درجة حرارة الزائر على بوابة المعرض، وارتداء الأقنعة على مدار عامين، والإعلان الدائم عبر إذاعة المعرض عن ضرورة الالتزام بقوانين الصحة في مواجهة الوباء.

وفيما يتحدث زوار المعرض عن ارتفاع أسعار الكتاب، ويشتكون من صعوبة الظروف المعيشية، فالكثير من الناشرين يربطون ذلك بارتفاع أجور الأجنحة، وبخاصة للناشر الأردني الذي لا يستطيع منافسة دور نشر عريقة هي "حيتان" النشر العربي، وتستطيع تقديم تخفيضات مهولة على ثمن الكتاب، وتحديداً دور النشر المصرية الرسمية والأهلية، وكذلك بعض دور النشر اللبنانية التي تشتهر إصداراتها بجودة عالية وتنوع واسع في العناوين. وفي ظل هذه الظروف يتحدث بعض الناشرين الأردنيين عن لجوئهم إلى الطباعة متدنية التكلفة في دول كالصين المعروفة بتدني تكلفة المواد والأيدي العاملة فيها، وغالبيتها مرتبطة بالتعاون مع مؤسسات النشر المصرية واللبنانية والقليل من الأردنية، مع محاولة الحفاظ على مستوى معقول من الجودة والتقنيات الطباعية.

شهدت الدورة الحالية من المعرض تزامناً مع دورة جديدة من مهرجان جرش للثقافة والفنون، وهو أمر انطوى على إيجابيات في خدمة المعرض، تمثلت في تمكين المتابعين للنشاطين الثقافيين الاجتماعيين من التفاعل والتداخل، واستغلال فرص اللقاء بين فعاليات كل من المعرض والمهرجان، ليتمكن الجمهور المشترك من الجمع بين حضور أمسيات شعرية تابعة للمهرجان مقامة في أرض المعرض، مثلاً.

التزاحم مع جرش

وبقدر انطوائه على إيجابيات، فقد انطوى هذا التزامن على سلبيات تمثلت أساساً في سرقة المهرجان بعض أضواء المعرض، حين يحتار الجمهور المشترك بين فاعلية هنا، في المعرض تتعارض في التوقيت مع فاعلية "جرشية"، فتختار الغالبية حضور أمسية غنائية لماجدة الرومي أو عمرو دياب (الذي بلغ سعر تذكرة الدخول إلى حفلته ما يقارب 500 دولار، ونفدت في الساعات الأولى لعرضها). وفي حال كهذه نكون حيال منافسة تغيب عنها العدالة في زمن هيمنة النشاط الفني ولو كان من الفن الهابط روحياً وعقلياً، نسبة إلى ما تواجه ثقافة القراءة من تخبط أو غياب.

وحتى على مستوى فاعليات مهرجان جرش الأدبية (الشعرية والقصصية) والثقافية العامة، وفضلاً عما شابها من ثغرات التنظيم، فقد شهدت الكثير منها تقاطعاً مع فاعليات ثقافية في معرض الكتاب الذي يحتفي هذا العام بشاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار)، كأن تقام أمسية شعرية أو قصصية في الوقت ذاته الذي يشهد توقيع كتاب في ركن التواقيع، وهو الركن الذي ظل يعاني من تدني نسبة الإقبال عليه، انعكاساً لتفاقم أزمة الإقبال على الكتاب عموماً، من دون أن يعكس ذلك إقبالاً على الأمسيات والندوات والمحاضرات الثقافية والأدبية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل حشر سبعة أو تسعة من الشعراء والشاعرات الأردنيين والعرب، في أمسية جرشية، خلال ساعة واحدة، قد أساء إلى الشعر والشعراء، ولم يخدم زوار المعرض، بل هو مما يخلق التشتت والتعارض من جهة، ويترك جمهور الشعر تائهاً بين أصوات شعرية لا تتمكن من تقديم نفسها على نحو مقنع، لضيق الوقت الممنوح لكل شاعر خمس - سبع دقائق تقريباً، الأمر الذي يعني مقداراً من العشوائية وسوء التقدير وفجاجة التخطيط، وانعدام التعاون بين المؤسسات القائمة بالإشراف على نشاطين ثقافيين متقاربين في الغاية، ومختلفين في الأدوات والوسائل.

وأخيراً، فثمة حضور متميز لكتب الأطفال، وللبرامج الإلكترونية لتثقيفهم وتعليمهم، باللغتين العربية والإنجليزية، وغياب شبه كامل للاهتمام بكتاب الفتيان، الفئة العمرية بين 15 و20 عاماً. وبروز لغلبة حضور النساء والأطفال بين الزوار. ولغلبة حضور الشباب على سواهم من كبار السن، مع ضعف عام للحضور والمُقتنين للكتاب بعامة، ضعف تعود أهم أسبابه إلى ضعف القوة الشرائية لدى الراغبين في الشراء، وقوتها لدى من لا تربطهم بالكتاب رابطة مودة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة